فتوى الشيخ شلتوت
فتوى الشيخ شلتوت هي فتوى أصدرها الشيخ محمود شلتوت في شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية، وكانت في 17 ربيع الأول 1378هـ/تشرين ثاني 1958م.[١] والشيخ شلتوت هو الرئيس السابق لجامعة الأزهر بمصر ومن القائلين بفتح باب الاجتهاد، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية.
إطلالة على حياته
هو شيخ جامع الأزهر، ولد في مدينة بني منصور (بالبحيرة)، درس بالأزهر وتخرج فيه عام 1918 م، تنقل في التدريس إلى أن نقل للقسم العالي بالقاهرة عام 1927 م، كان داعية إصلاح، نير الفكرة يقول بفتح باب الاجتهاد، سعى إلى إصلاح الأزهر فعارضه بعض كبار الشيوخ وطرد هو ومناصروه . عمل في المحاماة عام 1930 م - 1931 م، أعيد إلى الأزهر فعين وكيلا لكلية الشريعة ثم كان من أعضاء كبار العلماء عام 1941 م، من أعضاء مجمع اللغة العربية 1946 م، عين شيخا للأزهر 1958 م، كان خطيبا موهوبا جهير الصوت وفقيه، من كبار المؤلفين البارزين بمصر، له من الاثار 26 مؤلفا مطبوعا، يدعو إلى نشر كتب الشيعة الإمامية، سعى في نشر (مجمع البيان) في تفسير القرآن للإمام الطبرسي، كما أنه ساعد على نشر (مختصر النافع) في فقه الشيعة الإمامية وطبع أكثر من مرة على نفقة وزارة الأوقاف بمصر، يرى أن مذهب الشيعة الإمامية - الإثنا عشرية - مذهب إسلامي صحيح ويجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة، له مواقف مشرفة في سبل جمع الكلمة، واتحاد الأمة، توفي ليلة الجمعة 27 رجب عام 1383 هـ.[٢].
نص الفتوى
وهذه نصّ الفتوى التي أصدرها الشيخ محمود شلتوت، في شأن جواز التعبّد بمذهب الشيعة الإماميّة.
قيل له: إنّ بعض الناس يرى: أنّه يجب على المسلم - لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح - أن يقلّد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإماميّة ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإماميّة الإثنا عشرية مثلاً؟
فأجاب فضيلته :
- إنّ الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معيّن، بل نقول: إنّ لكلّ مسلم الحقّ في أن يقلّد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدوّنة أحكامها في كتبها الخاصّة، ولمن قلّد مذهب من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره - أي مذهب كان - ولا حرج عليه في شيء من ذلك .
- إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإماميّة الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة.
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلّصوا من العصبيّة بغير الحقّ لمذاهب معيّنة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.[٣]
نتائج الإفتاء
الأولى: أنّ الإسلام لا يوجب على كلّ مسلم اتّباع مذهب معيّن، بل لكلّ مسلم الحقّ في أن يقلّد ابتداءً أيّ مذهب من المذاهب الإسلامية.
الثانية: يحقّ لكلّ مسلم أن ينتقل من مذهب إلى مذهب آخر.
الثالثة: أحكمت الفتوى أواصر الأخوة وكرست روح التفاهم بين الطائفتين وتلقاها أعلام السنة والشيعة بصدور رحبة .[٤]
الرابعة: إن النقطةالأهم في الفتوى هي محاربة العصبية بين المذاهب الإسلامية، ودراسة العلوم الدينية في جو يسوده الصفاء والأخوة والبحث عن الحقيقة بالدليل والبرهان.
الخامسة: جواز التعبّد بمذهب أهل البيت عليهم السلام. وهذه النقطة تكررت مراراً وتكراراً، في حوارات متعددة، ففي فترة وجيزة نشرت مجلة "المجتمع العربي" ومجلة "الأزهر" لقاءاً مع فضيلة الشيخ شلتوت، وجاء في هذا اللقاء: هل يعني تدريس مذهب الشيعة في الأزهر أنه جائز التطبيق، أم أنه يدرس لمجرد العلم والتحصيل وزيادة معارف رجل الدين؟ فأجاب الشيخ: لسنا حريصين على أن تكون دراستنا في الأزهر لمجرد العلم والتحصيل، إنما نحن ندرس للاستيعاب والفهم، ثم التطبيق والعمل بكل ما يمكن العمل به، وفقه الشيعة مأخوذ ببعض أحكامه في كثير من القانون عندنا، وكثير من علمائنا عمل ببعض أحكام العبادات عندهم، ونحن إنما نرجع إلى الكتاب والسنة، فمتى لم يخالف الرأي أصلا من الأصول الإسلامية الصحيحة، ولم يتعارض مع نص شرعي، فلا بأس من تطبيقه، والأخذ به، وذك هو التقريب المنشود، والتيسير المرجو.[٥]
آراء العلماء في الإفتاء
نشرت مجلة "مجلة رسالة الاسلام|رسالة الاسلام" الشيخ محمد الغزالي مقالا بعنوان: "على أوائل الطريق"، جاء فيه: وأعتقد أن فتوى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت، قطعت شوطا واسعا في هذا السبيل، واستئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعا، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون، من أن الأحقاد سوف تأكل الأمة، قبل أن تلتقي صفوفها تحت راية واحدة... وهذه الفتوى في نظري، بداية الطريق وأول العمل.[٦] بداية الطريق لتلاق كريم تحت عنوان الإسلام الذي أكمله الله جل شأنه... وبداية العمل للرسالة الجامعة التي تعني العزة للمؤمنين، والرحمة للعالمين.[٧]
وقال: عبد الرحمن النجار مدير المساجد بالقاهرة: فتوى الشيخ شلتوت نفتي بها الآن حينما نسأل بلا تقييد بالمذاهب الأربعة، والشيخ شلتوت إمام مجتهد رأيه صادف عين الحق. لماذا نقتصر في تفكيرنا وفتاوانا على مذاهب معينة وكلهم مجتهدون.[٨] وكتب السيد محمد تقي القمي السكرتير العام لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية دار التقريب مقالا بعنوان:"قصة التقريب"، يشيد بالفتوى، وبجهود الشيخ شلتوت في التقريب.[٩]، وتلاه في الوقت نفسه الشيخ محمد محمد المدني رئيس تحرير مجلة "مجلة رسالة الإسلام|رسالة الإسلام" وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، بمقال، يؤيد فيه فتوى شلتوت، ويسهب فيها الرد على المخالفين للفتوى.[١٠] وكتب الأستاذ محمود الشرقاوي مقالا بعنوان: "الأزهر ومذاهب الفقه الإسلامي".[١١] مؤيدا للشيخ شلتوت على فتواه.
الرد على المشكّكين بالفتوى
نفى القرضاوي والعسال فتوى الشيخ شلتوت، التي تجيز التعبد بالمذهب الجعفري، وقال القرضاوي: تراث الشيخ شلتوت أنا أعلم الناس به... ما رأيت هذه الفتوى في حياتي قط ولم اسمع عنها.[١٢]
الردّ الاول
لم يصدر هذا التشكيك في صحة فتوى شلتوت عندما تم نشر نص الفتوى في نهاية خمسينات القرن الماضي في مجلة الأزهر ومجلة المجتمع العربي، ومجلة الرسالة، ومجلة جماعة التقريب التي كان الشيخ شلتوت يرعاها في زمان مشيخته للأزهر وبتوقيعه الشخصي والتي أيدها بعض علماء الأزهر؟!
الرد الثاني
رد الشيخ عصــام تليمة - أحد تلامذة القرضاوي- على تشكيك القرضاوي في وجود فتوى من هذا النوع. قال تليمة: لقد صدرت عن شلتوت فعلاً فتوى بهذا الأمر.
جاء ذلك في مقال للباحث عصام تليمة رداً على تصريح القرضاوي- الذي يدعي بعدم وجود فتوى لشلتوت تجيز التعبد على المذهب الجعفري- نشر على موقعه بعنوان. (نعم. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري).[١٣] ورد الباحث مقولة القرضاوي، القائلة: تراث الشيخ شلتوت أنا أعلم الناس به... ما رأيت هذه الفتوى في حياتي قط ولم اسمع عنها. قال الباحث تليمة: ان كتب شلتوت طبعت قبل صدور هذه الفتوى... هناك بحوث ومقالات وتصريحات مهمة لشلتوت لم تجمع. جمع القرضاوي والعسال لم يكن متقصيا لكل تراث الرجل، فقد جمعوه من مظانه، ومع ذلك فاتهم بعض الشيء مما نشر. موضحا بأن تراث شلتوت لم يجمع كاملا، من مقالات وبحوث وحوارات، على يد الرجلين.
الهوامش
- ↑ الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت ( ع ): عبد الرحمن الجزيري ، وسيد محمد الغروي ، والشيخ ياسر مازح ،ج 1،ص3.
- ↑ انظر: مع رجال الفكر: السيد مرتضى الرضوي، ج2،ص24.
- ↑ انظر: إفادات من ملفات التاريخ: محمد سليم عرفة،ص255. نشرت الفتوى في مجلة ( رسالة الإسلام )التي تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ،بالقاهرة العدد 3 من السنة 11، ص 227. توجد هذه الفتوى في مواقع الشيخ الازهر.
- ↑ رسائل ومقالات: الشيخ السبحاني،ص239.
- ↑ انظر: مجلة المجتمع العربي العدد الثاني والثلاثون الصادر في شهر أغسطس 1959م. مجلة الأزهر العدد الثالث المجلد الحادي والثلاثون الصادر في ربيع الأول 1379هـ ـ سبتمبر 1959م. ص: 362.
- ↑ أنظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م، ص412، 416. دفاع عن العقيدة والشريعة، ص257.
- ↑ مع رجال الفكر: السيد مرتضى الرضوي، ج 2، هامش، ص41.
- ↑ المصدر السابق،ج 2، ص 326.
- ↑ انظر: مجلة رسالة الاسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379 هـ/سبتمبر 1959 م، ص 348-359.
- ↑ مجلة رسالة الاسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ/سبتمبر 1959 م، ص 373-388. ومجلة الأزهر العدد السادس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الآخرة 1379 هـ/سبتمبر 1959 م، ص 526-536.
- ↑ مجلة الأزهر العدد الثاني من المجلد الحادي والثلاثين، الصادر في غرة صفر سنة 1972 هـ/أغسطس سنة 1959 م، ص، 142،146.
- ↑ القرضاوي، «لا فتوى لشلتوت بالتعبد على الجعفري»، موقع الشیخ یوسف القرضاوي.
- ↑ http://www.essamtallima.com/l3.php?id=37
المصادر والمراجع
- القرضاوي، یوسف، «لا فتوى لشلتوت بالتعبد على "الجعفري"»، موقع الشیخ یوسف القرضاوي، تاريخ الإدراج: 04/09/2009، تاريخ المراجعة: 21 نوفمبر 2022م.
- الجزيري، عبد الرحمن : الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت ( ع ): عبد الرحمن الجزيري، ط1، بيروت، منشورات دار الثقلين، 1419هـ.
- عرفة، محمّد سليم: إفادات من ملفات التاريخ، ط1، قم المقدسة ، مركز الأبحاث العقائدية، 1427هـ.
- مجلة رسالة الإسلام، القاهرة العدد / السنة 11.
- رسائل ومقالات: الشيخ السبحاني،ص239.
- انظر: مجلة المجتمع العربي العدد الثاني والثلاثون الصادر في شهر أغسطس 1959م. مجلة الأزهر العدد الثالث المجلد الحادي والثلاثون الصادر في ربيع الأول 1379هـ ـ سبتمبر 1959م. ص: 362.
- أنظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م، ص412، 416. دفاع عن العقيدة والشريعة، ص257 .
- مع رجال الفكر: السيد مرتضى الرضوي، ج 2، هامش، ص41.
- المصدر السابق،ج،2ص 326.
- انظر: مجلة رسالة الاسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م، ص: 348-359.
- مجلة رسالة الاسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م، ص: 373-388. ومجلة الأزهر العدد السادس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الآخرة 1379هـ ـ سبتمبر 1959م. ص: 526-536.
- مجلة الأزهر العدد الثاني من المجلد الحادي والثلاثين، الصادر في غرة صفر سنة 1972هـ ـ أغسطس سنة1959م،ص، 142،146.
- http://www.essamtallima.com/l3.php?id=37
- انظر: مع رجال الفكر: السيد مرتضى الرضوي، ج2،ص24.
- رسالة الحرمين، العدد26، ص51.