التبادر
التبادر، اصطلاح يُبحث عنه في علم أصول الفقه، ومعناه: انسباق الذهن الى معنى من المعاني عند استخدام لفظةٍ ما او سماعها.
التبادر لغة واصطلاحا
التبادر في اللغة يأتي: بمعنى المبادرة، الإقدام، الإسراع، المسابقة، الفوز بالمسابقة.[١] أما في الاصطلاح، فقد عرّفوا التبادر في أصول الفقه والأدب، بأنّه: انسباق الذهن الى معنى من المعاني، عند استخدام لفظةٍ ما او سماعها.[٢]
دور التبادر وأهميته
يعتبر التبادر -من وجهة نظر الكثير من الأصوليين- من أهمّ العلامات على كون المعنى معنىً حقيقيا للفظ، لكنْ بشرط أن تكون دلالة اللفظ على المعنى مستندا على اللفظ نفسه، لا على القرينة الحالية او المقالية على سبيل الشيوع، وكثرة الاطلاق والاستعمال. وأما الألفاظ التي لها معنى مجازي، أو أكثر، فإنّ المعنى الحقيقي لها هو ذلك المعنى الخاص الذي يتبادر الى الذهن من دون أيّ قرينة.[٣]
من وجهة نظر الاصوليين فإنّ المعنى الذي يخطر في الذهن عند استخدام كلمة ما يرجع إمّا الى وجود قرينة أو إلى وضع اللفظ في ذلك المعنى ومع انتفاء الفرضية الاولى يثبت إستناد التبادر الى وضعها ودلالتها على المعنى الحقيقي وبناءً عليه فإنّ التبادر هو معلول لوضع اللفظ وكاشف عنه[٤]
إنّ التبادر إلى جانب استخدامه في معرفة المعنى الحقيقي للالفاظ، يفيد أيضا في تحديد المجال الدقيق ولوازم معنى اللفظة.[٥]كما صرح بعض علماء الاصول ان من الممكن ان ندرك بالتبادر معنى مجازيا للفظ لان تبادر معنى غير المعنى المفروض للكلمة منه تدل على مجازية المعنى المفروض.[٦] إلا أنّ بعض المؤلفين يرفضون هذا التوضيح ويقولون إنّه طبقا لهذا التعريف يجب أن تُعد كل من المعاني المختلفة في لفظ مشترك مجازية بالنسبة لغيره، وذلك غير صحيح. بعض الاصوليين اجابوا بان ما يتبادر الى الذهن من اللفظ المشترك هو اما ان يكون كل من المعاني او احدهما غير معين لا معنى خاص ومعين.[٧]
موارد عدم الشمول في تعریف التبادر
عدّ الاصوليين مفاهيم كالمجاز المشهور والمنقول خارجة عن تعريف التبادر، لان من وجهة نظرهم استعمال الالفاظ ضمن تلك المعاني يستند عادة الى قرائن عامة، كالشهرة ولايستند الى اللفظ نفسه. يرى البعض ان في المجاز المشهور يمكن أن تكون القرينة مخفية ولكن هذا الفرض نادر وليس له تأثير على كون التبادر علامة للحقيقة، فضلا عن إمكانية تطبيق (أصالة عدم القرينة) في صورة إحتمال وجود قرينة مخفية.[٨]
التبادر من وجهة نظر الآخوند الخراساني
على خلاف مايراه عدد من علماء الأصول،[٩] فإنّ الآخوند الخراساني وأتباعه من الأصوليين المتأخرين، يرون عند حصول الشك والتردد في أن ظهور اللفظ في أحد المعاني يستند إلى الوضع أو يستند إلى وجود قرينة داخلية أو خارجية، أنه لايمكن أن يثبت التبادر وبالتالي المعنى الحقيقي للفظ بالإستناد إلى (أصالة عدم القرينة)، لأن هذا الاصل لا يمكن الإستناد عليه إلا في مقام إحراز المعنى المراد، عندما يوجد إحتمال وجود القرينة، لا من مقام تعيين أن المعنى المراد هل هو المفهوم الحقيقي للفظ أو معناه المجازي.[١٠]
إشكال الدور على التبادر وجوابه
أهم الإشكالات بالنسبة لدلالة التبادر على المعنى الحقيقي هو الإشكال المعروف بالدور، بناءا على هذا الإشكال،فإن التبادر يحصل لِمَن هو ذو معرفةواطلاع على الوضع اللغوي، اي أن التبادر متوقف على معرفة الوضع وعليه إذا كان العلم بوضع اللفظ وتحديد المعنى الحقيقي له متوقفا على التبادر، فحينئذٍ يأتي الدور. قدم الاصوليون لهذه المشكلة أجوبة متعددة، منها: أن تبادر المعنى لدى شخص عالم بوضع اللغة،هو علامة للحقيقة بالنسبة للاخرين. إذن هنالك فرق بين العلمين المذكورين، لأن علم غير أهل اللغة يتوقف على التبادر، والتبادر يتوقف على علم أهل اللغة فلا دور حينئذ.[١١]
يعتقد الصدر [١٢]، أن على أساس الرأي المشهور للاصوليين القائل بأن وضع اللفظ في معنى أمر وفاقي ومتعلق بالواضع، كون التبادر علامة للحقيقة غير معقول، ولكن إذا قبلنا القولبان الواقع رابطة محكمة بين تصور اللفظ وتخيل المعنى في ذهن المستمع سيصبح الوضع أمرا واقعيا وخارجيا مثلا سماع الطفل الرضيع كلمة (ماما)، تكفي لتخيل الأم مهما كان الطفل جاهلا بوضع هذه الكلمة فعلى هذا الأساس التبادر ليس مشروطا بالعلم بالوضع بل العلم بالوضع هو نتيجة التبادر فإشكال الدور أساسا لايلزم ثم إن الصدر يرى أن التبادر يكون علامة الحقيقة للمعنى إذا كان له عند العالمين بالوضع شيوع وإطراد حتى ينتفي إحتمال إستناده إلى القرينة .
إشكال آخر على التبادر وجوابه
الإشكال المهم الآخر الذي طرح في مصادر الاصول حول علامة التبادر علامة للحقيقة هو أن تبادر المعنى من لفظ يثبت فقط كون اللفظ حقيقة في ذلك المعنى في زمان التبادر لكن لايثبت كونه حقيقة في ذلك المعنى زمان سابق عليه من وجهة نظر بعض الاصوليين بالإستناد إلى بعض الاصول مثل (الإستصحاب القهقري) أو أصالة عدم النقل أو أصالة تشابه الأزمنة يمكن أن يرفع هذا الاشكال فيكون التبادر في الزمان الحالي دالا على كون المعنى حقيقيا في زمان سابق أيضا إلا إذا لم يكن إجراء هذه الاصول ممكنا بدلائل خاصة.[١٣]
الهوامش
- ↑ ابن منظور، لسان العرب:ج 48، ص 4.
- ↑ الصدر، دروس في علم الأصول: ج 1، ص 190، التفتازاني، المطول: ص 350.
- ↑ الآمدي،الإحكام في اصول الاحكام: ج 1، ص 56، الميرزا القمي، قوانين الاصول: ج 1، ص 13، الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ج 1، ص 25، المظفر، اصول الفقه، ج 1، ص 113.
- ↑ المظفر، اصول الفقه، ج 1، ص 113، الصدر، الحلقة الاولى: ص 92، الفياض، محاضرات في اصول الفقه، ج 1، ص 113.
- ↑ الروزدري، تقريرات(محاضرات)اية الله المجدد الشيرازي: ج 1، ص 87.
- ↑ الآمدي، الإحكام في اصول الاحكام: ج 1، ص 56، الميرزا القمي، قوانين الاصول: ج 1، ص 13، الروزدري، تقريرات(محاضرات)اية الله المجدد الشيرازي: ج 1،ص 71-72.
- ↑ الامدي، الإحكام في اصول الاحكام: ج 1،ص 56-57، الحائري الاصفهاني، الفصول في الاصول: ص 33، الروزدري، تقريرات(محاضرات)اية الله المجدد الشيرازي: ج 1، ص 73-74.
- ↑ الامدي، الإحكام في اصول الاحكام: ج 1، ص 56، الميرزا القمي، قوانين الاصول: ج 1، ص 14، الحائري الاصفهاني، الفصول في الاصول: ص 33.
- ↑ الحسيني فيروز الابادي، عناية الاصول في شرح كفاية الاصول: ج 1، ص 45.
- ↑ الاخوند الخراساني، كفاية الاصول: ج 1، ص 25،28، السبحاني، تهذيب الاصول: ج 1،ص 85، الفياض،محاضرات في اصول الفقه: ج 1،ص 115،جلالي المازندراني، المحصول في علم الاصول: ج 1، ص 125.
- ↑ الميرزا القمي، قوانين الاصول: ج 1، ص 13، الحائري الاصفهاني، الفصول في الاصول: ص 33، الروزدري، تقريرات(محاضرات)اية الله المجدد الشيرازي، ج1،ص76، الاخوند الخراساني، كفاية الاصول: ج1، ص25، البروجردي، نهاية الافكار: ج1،ص67،المظفر، اصول الفقه: ج1،ص23-25،الفياض، محاضرات في اصول الفقه: ج1،ص114،للاطلاع على اجوبة اخرى الحائري الاصفهاني، الفصول في الاصول: ص33،الروزدري، تقريرات(محاضرات)اية الله المجدد الشيرازي: ج1،ص67، الاخوند الخراساني، كفاية الاصول: ج1، ص25، البروجردي، نهاية الافكار: ج1،ص66، المظفر، اصول الفقه: ج1،ص24، الفياض، محاضرات في اصول الفقه: ج1،ص114، السبحاني، تهذيب الاصول: ج1،ص57،جلالي المازندراني، المحصول في علم الاصول: ج1، ص119-120، الهاشمي، بحوث في علم الاصول: ج1 ، ص164-165.
- ↑ الصدر، الحلقة الثانية: ص86-87، ايضا الهاشمي، بحوث في علم الاصول: ج1،ص165-170.
- ↑ البروجردي، نهاية الافكار: ج1، ص67، الفياض، محاضرات في اصول الفقه: ج1، ص114-115، جلالي المازندراني، المحصول في علم الاصول: ج1، 125.
المصادر والمراجع
- الآخوند الخراساني، محمد كاظم بن حسين، كفاية الاصول، مع الحواشي لأبي الحسن المشكيني، ط.حجرية طهران1364-1367ش[1985-1988]، ط.اوفست[لا تا].
- الآمدي،علي بن محمد، الإحكام في اصول الاحكام، ط.جميلي، بيروت، 1404هـ\1984م.
- ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، بیروت، دار احیاء التراث العربی، 1411هـ.
- التفتازاني، محمد بن عمر، المطول في شرح تلخيص المفتاح، [اسطنبول] 1330\1912م، ط.اوفست قم 1407هـ\1987م.
- المظفر، محمد رضا، اصول الفقه، بيروت1403هـ\1983م.
- الميرزا القمي، ابو القاسم بن محمد حسن، قوانين الاصول، ط.حجرية طهران1308-1309هـ\1929-1930م، ط اوفست 1378هـ\1995م.
- الصدر، محمد باقر، دروس في علم الأصول، دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان، ط الثانية 1406 - 1986م.
- جلالي المازندراني، محمود، المحصول في علم الاصول، محاضرات دروس اية الله جعفر السبحاني، قم 1418هـ \1997م.
- الحائري الاصفهاني، محمد حسين بن عبد الرحيم، الفصول في الاصول، ط.ابراهيم التبريزي، تبريز 1350هـ \1971م.
- الحسيني الفيروز ابادي، مرتضى، عناية الاصول في شرح كفاية الاصول، طهران 1392 هـ\1973 م.
- الروزدري، علي، تقريرات(محاضرات)اية الله المجدد الشيرازي، قم 1409-1415 هـ(1989-1995 م).
- السبحاني، جعفر، تهذيب الاصول، محاضرات دروس الامام الخميني(ره)، قم 1363 ش [1984 م].
- الفياض، محمد اسحاق، محاضرات في اصول الفقه، محاضرات في اصول الفقه، محاضرات دروس اية الله الخوئي، قم 1410هـ [1990م].
- الهاشمي، محمود، بحوث في علم الاصول، محاضرات دروس اية الله محمد باقر الصدر، قم 1417 هـ\1996 م.
- البروجردي، محمد تقي، نهاية الافكار، محاضرات اية الله ضياء الدين العراقي، ج1، قم 1364ش [1985م].