مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء
مِدادُ العُلماءِ أفضَلُ مِن دِماءِ الشُّهداءِ عبارة مشهورة يذهب البعض إلى أنها حديث، ويستفيدون منها: إنَّ قلم العلماء أفضل من دماء الشهداء، وقد قدم بعض الشارحين للحديث عدة تفسيرات تُبين فضل أقلام العلماء على دماء الشهداء، ولكن في المقابل، يرى البعض أن هذه التفسيرات لا تتوافق مع بعض التعاليم الدينية الأخرى، كأفضلية ضربة الإمام علي في الخندق، أو الأحاديث العديدة في فضل الشهداء، وقدموا توضيحات وتوجيهات متعددة لذلك.
وقد ذكر علي أكبر الغفاري المختص في علم الحديث في القرن الرابع عشر الهجري، أن هذه العبارة ليست بحديث، ويعدّها مفهومًا ناقصًا لرواية أخرى، تُشير إلى التفوق الكمي لقلم العلماء، وليس التفوق الكيفي؛ وهذا يعني أن تقدم الإسلام تم بقلم العلماء وليس بدماء الشهداء.
عبارة تثبت فضل مداد العالم على دم الشهيد
عبارة «مِدادُ العُلماءِ أفضَلُ مِن دِماءِ الشُّهداءِ» هي حديث يُنسب إلى رسول الله نقلته بعض المصادر المتأخرة. وقد أرودها صاحب تفسير منهج الصاقين (وفاة: 988هـ) في عدة أحاديث.[١] وقد نُقل عن آية الله البروجردي صحة سند هذا الحديث.[٢] وقد ذكر هذه العبارة الإمام الخميني[٣] وآية الله الخامنئي في خطاباتهما.[٤] وقد ذكر المطهري هذه العبارة في كتاب الملحمة الحسينية، وقال من الخطأ الكبير أن نقوم بالتقليل من أهمية وقيمة الشهيد والشهادة بالاعتماد على هذه العبارة.[٥] كما اعتبر محمد حسين الطهراني هذه الجملة هي عبارة عن رواية وصحيحة السند.[٦] وقد نقلها صاحب تفسير اطيب البيان بعنوان حديث أيضًا.[٧]
إنكار أن تكون هذه العبارة حديث
وذُكر أنَّ علي أكبر الغفاري المختص في علم الحديث عند الشيعة، هو أول من دقق في عبارة «مداد العُلماء أفضل من دماء الشُّهداء» من حيث السند والمحتوى.[٨] وتوصل إلى نتيجة أن هذه العبارة ليست بحديث، ويعتبرها مفهومًا ناقصًا لرواية أخرى، ورد فيها التفوق والترجيح وليس التفضيل، حيث توضع في الميزان دماء الشهداء مع مداد العلماء في يوم القيامة فيرجح مداد العلماء.[٩]
حيث ورد عن الإمام الصادق: إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجلَّ النَّاس في صعيد واحد ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء.[١٠]
وبحسب علي أكبر الغفاري، تشير الرواية الأصلية إلى التفوق الكمي لقلم العلماء على دماء الشهداء، ولا تنطوي على التفوق الكيفي وأفضلية أقلام العلماء على دماء الشهيد.[١١] وذكر البعض أيضًا أن الحديث الأصلي يهدف إلى أن دعوة ونشر الدين الإلهي هي نتيجة أقلام العلماء وليس الجهاد.[١٢]
فضل قلم العلماء على دماء الشهداء
والذين ذهبوا إلى أن عبارة «مداد العُلماء أفضل...» بعنوان حديث، فقد بينوا أفضلية أقلام العلماء على دماء الشهداء.[١٣] وحاولوا الإجابة على بعض التعارضات في المعنى بين هذه العبارة والروايات الأخرى.[١٤]
- بقلم العالم يكون كمال الدين الواقعي، وبدم الشهيد يكون كمال الدين الظاهري[١٥]
- قلم العالم ينتفع به بعد موته، وأن دم الشهيد لا ينتفع به بعد موته[١٦]
- قلم العالم يؤدي لإزاحة الشكوك المظلمة عن طرق الحقّ[١٧]
- قلم العالم محور كل الحضارات والعلوم، وكلّ تقدم في أي مجال من المجالات[١٨]
- قالم العالم وسيلة لحفظ الأديان عن الكفر والضلال الموجبين للخلود في النار، والحرمان الدائم عن النعيم الإلهي، ودم الشهيد وسيلة لحفظ الأبدان والأموال عن القتل والنهب في هذه الدنيا.[١٩]
التعارض مع الروايات الأخرى
وردًا على إشكالية مخالفة عبارة «مداد العُلماء أفضل من دماء الشُّهداء» مع رواية النبي التي ورد فيها أن ضربة الإمام علي في غزوة الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة،[٢٠] أن هذه العبارة وردت في بيان فضيلة العلم على نحو عام، وأن علم الإمام علي وكل فعل من أفعاله أفضل من الثقلين، وأنَّ أفضلية ضربته في غزوة الخندق باعتبار أفضلية إخلاصه الذي هو من العلم.[٢١]
والبعض الآخر في الرد على هذا الإشكال، أنَّه بحسب الأحاديث، لكل برّ يوجد فوقه برّ أعلى، إلا الشهادة في سبيل الله،[٢٢] في حين أن هذه العبارة تعتبر قلم العالم أفضل، وقد تمت الإجابة على ذلك على النحو التالي: في الحديث المذكور يُعتبر هنا العمل من حيث صدوره من قبل فاعله، وبه يكون عمل الشهيد أفضل من أي عمل آخر، ولكن في العبارة التي تم البحث فيها، هو النظر في ذات العمل ونتيجته في المجتمع، ومعناه أنه من حيث التأثير في المجتمع وهداية الناس وإقامة دعائم الدين فإن قلم العلماء أكثر تأثيرًا من دماء الشهداء.[٢٣]
الهوامش
- ↑ الكاشاني، منهج الصادقين، ج9، ص206.
- ↑ الحسيني الطهراني، مطلع أنوار، ج3، ص396.
- ↑ الخميني، صحيفة الإمام، ج16، ص227.
- ↑ سخنرانی در جمع شورای عالی انقلاب فرهنگی.. در 23 آذر1378 ش.
- ↑ المطهري، الملحمة الحسينية، ص314.
- ↑ الحسيني الطهراني، متن سخنرانیهای علامه طهرانی، ص718.
- ↑ الطيب، أطيب البيان، ج14، ص302.
- ↑ جدي، «اعتبارسنجی سندی و دلالی حدیث»، ص199.
- ↑ الغفاري، تخليص مقباس الهداية، ص247.
- ↑ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص399.
- ↑ الغفاري، تخليص مقباس الهداية، ص247؛ فتاحي زاده، مباني وروش هاي نقد حديث، ص52.
- ↑ الغفاري، تخليص مقباس الهداية، ص247؛ دامن باك مقدم، درآمدی بر آسیبشناسی فهم احادیث، ص82.
- ↑ ابن فهد الحلي، عدة الداعي، ص77؛ الشهيد الثاني، منية المريد، ص342؛ المجلسي، روضة المتقين، ج13، ص107؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج20، ص323.
- ↑ المجلسي، روضة المتقين، ج13، ص108.
- ↑ المجلسي، روضة المتقين، ج13، ص108.
- ↑ ابن فهد الحلي، عدة الداعي، ص77.
- ↑ العلوي العاملي، الحاشية على أصول الكافي، ص160.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج20، ص323.
- ↑ الفيض الكاشاني، الوافي، ج1، ص145.
- ↑ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص32؛ عضد الدين الإيجي، المواقف، ص412.
- ↑ المجلسي، روضة المتقين، ج13، ص108.
- ↑ «فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بَرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ …» (الكليني، الكافي، ج2، ص348.)
- ↑ «پاسخ به نامهها»، در مجله پاسدار اسلام، 1 دي، 1364 ش، ص62.
المصادر والمراجع
- ابن فهد الحلي، أحمد بن محمد، عدّة الداعي، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407 هـ.
- الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار المعرفة، د.ت.
- الحسيني الطهراني، محمد حسين، متن سخنرانیهای علامه طهرانی، د.م، د.ن، د.ت.
- الحسيني الطهراني، محمد حسين، مطلع أنوار، طهران، مكتب وحي، 1431 هـ.
- الخامنئي، علي، بیانات در دیدار اعضای شورای عالی انقلاب فرهنگی، 23 آذر 1378. تارنمای مرکز تنظیم و نشر آثار حضرت آیةالله العظمی خامنهای، تاريخ المشاهدة: 06/ 08/ 1403 ش.
- الخميني، روح الله، صحيفة الإمام، طهران، مؤسسة نشر آثار الإمام الخميني، 1378 ش.
- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، تحقیق وتصحیح: رضا مختاري، قم، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1409هـ.
- الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413هـ.
- الطيب، عبد الحسين، اطيب البيان، طهران، إسلام، ط2، 1378 ش.
- العلوي العاملي، أحمد بن زين الدين، الحاشية على أصول الكافي، قم، دار الحديث، 1427 هـ.
- الغفاري، علي أكبر، تخليص مقباس الهداية، د.م، نشر صدوق، 1360 ش.
- الفيض الكاشاني، محمد بن مرتضى، الوافي، أصفهان، مكتبة أمير المؤمنين علي(ع)، ط1، 1406 هـ.
- الكاشاني، فتح الله، تفسير منهج الصادقين في الزام المخالفين، طهران، مكتبة محمد حسن علمي، 1336 ش.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح: علي أكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1407 هـ.
- المجلسي، محمد تقي، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، قم، مؤسسه فرهنگى اسلامي، 1406 هـ.
- المطهري، مرتضى، الملحمة الحسينية، بيروت، الدار الاسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، 1412 هـ/ 1992 م.
- «پاسخ به نامهها»، في مجلة پاسدار اسلام، العدد 49، تاريخ الإدراج: 01/ 10/ 1364 ش.
- جدي، حسين وآخرون، «اعتبارسنجی سندی و دلالی حدیث: (یرجح مداد العلماء علی دماء الشهداء) از منابع فریقین»، في مجلة حدیث و اندیشه، العدد 29، 1399 ش.
- دامنباك مقدم، ناهيد، «درآمدی بر آسیبشناسی فهم احادیث با تکیه بر ضرورت معرفت شیعه در درایت روایت»، في مجلة حسنا، العدد 1، صيف 1388 ش.
- عضد الدين الإيجي، مير سيد شريف، المواقف، بيروت، عالم الكتب، د.ت.
- فتاحي زاده، فتحية، مباني وروش هاي نقد حديث در كتب اربعة، قم، جامعة قم، 1389 ش.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، قم، مدرسة الإمام علي، ط1، 1426 هـ.