١١٬٧٣٢
تعديل
Ahmadnazem (نقاش | مساهمات) |
Ahmadnazem (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
{{قيد الإنشاء|user=Jamei|date=١٦ يناير ٢٠٢٤}} | و<nowiki/>{{قيد الإنشاء|user=Jamei|date=١٦ يناير ٢٠٢٤}} | ||
'''القضاء والقدر'''، بمعنى تحقق كل ظاهرة في عالم الوجود على نحو آكدٍ ومحسوم من خلال نسبته إلى [[الله]]، فما من شيء من خلقه إلّا مقهور تحت علمه وقدرته تعالى. | '''القضاء والقدر'''، بمعنى تحقق كل ظاهرة في عالم الوجود على نحو آكدٍ ومحسوم من خلال نسبته إلى [[الله]]، فما من شيء من خلقه إلّا مقهور تحت علمه وقدرته تعالى. | ||
الاعتقاد بالقضاء والقدر من صميم [[العقائد]] الإسلامية التي جاءت في الكتاب والسنة وكذلك أیدتها الأدلّة العقلیة، وليس لمسلم واع إنكار وجودهما، إنما اندلعت السجالات العلمية من حيث تفسيرهما وتحليلهما فأصبحت من المسائل الکلامیة المثیرة للجدل. | الاعتقاد بالقضاء والقدر من صميم [[العقائد]] الإسلامية التي جاءت في الكتاب والسنة وكذلك أیدتها الأدلّة العقلیة، وليس لمسلم واع إنكار وجودهما، إنما اندلعت السجالات العلمية من حيث تفسيرهما وتحليلهما فأصبحت من المسائل الکلامیة المثیرة للجدل. | ||
سطر ٣٨: | سطر ٣٨: | ||
===التشريعي والتكويني=== | ===التشريعي والتكويني=== | ||
يُقسّم القضاء والقدر باعتبار التشريع والتكوين، القطع وعدم القطع، إلى عدّة أقسام: | يُقسّم القضاء والقدر باعتبار التشريع والتكوين، القطع وعدم القطع، إلى عدّة أقسام: | ||
*القدر التشريعي: أنّ [[الله]] - تعالى - قد قدّر أفعال الإنسان الاختيارية، وقسّمها على أساس مصالحها ومفاسدها إلى [[الواجب|واجبة]]، [[المستحب|مستحبّة]]، [[حرام|محرّمة]] [[المكروه|مكروهة]] و[[المباح|مباحة]]، كما عيّن مقدار [[الثواب|ثوابها]]. | *القدر التشريعي: أنّ [[الله]] - تعالى - قد قدّر أفعال الإنسان الاختيارية، وقسّمها على أساس مصالحها ومفاسدها إلى [[الواجب|واجبة]]، [[المستحب|مستحبّة]]، [[حرام|محرّمة]] [[المكروه|مكروهة]] و<nowiki/>[[المباح|مباحة]]، كما عيّن مقدار [[الثواب|ثوابها]]. | ||
*القضاء التشريعي: هو أنّ اللّٰه أصدر أمر تنفيذ القدر التشريعي،أي أنه أكّد على الالتزام بها.<ref>المحمدي الري شهري،محمد، موسوعة العقائد الإسلامية في الكتاب والسنة، الجزء 6، ص88</ref> | *القضاء التشريعي: هو أنّ اللّٰه أصدر أمر تنفيذ القدر التشريعي،أي أنه أكّد على الالتزام بها.<ref>المحمدي الري شهري،محمد، موسوعة العقائد الإسلامية في الكتاب والسنة، الجزء 6، ص88</ref> | ||
وباعتبار التكوين والواقع الخارجي إلى القضاء والقدر التكوينيان وهما على نوعين: | وباعتبار التكوين والواقع الخارجي إلى القضاء والقدر التكوينيان وهما على نوعين: | ||
سطر ٦٧: | سطر ٦٧: | ||
==الإتجاهات== | ==الإتجاهات== | ||
تشعبت المناهج الكلامية في مواجهة هذا السؤال المبدئي الى مدارس أهمها، [[المعتزلة]] و[[الأشاعرة]] و[[الاثنا عشرية|الإمامية]] | تشعبت المناهج الكلامية في مواجهة هذا السؤال المبدئي الى مدارس أهمها، [[المعتزلة]] و<nowiki/>[[الأشاعرة]] و<nowiki/>[[الاثنا عشرية|الإمامية]].<ref> : مغنية، محمد جواد، فلسفات إسلامية:ص 367</ref> | ||
===نظرية الأشعرية في | ===نظرية الأشعرية في أفعال العباد=== | ||
الطوائف القائلة بالجبر في العصور الإسلامية الأولى ليست واحدة، ولكنها انقرضت و لم يبق منها إلاّ الفكرة السائدة بين جماعة من أهل [[السنة|السنّة]] وهي نظرية الإمام [[أبو الحسن الأشعري|الأشعري]]، إنّ [[الأشاعرة]] و إن كانوا ينزهون أنفسهم عن كونهم مجبرة، لكن الأصول التي اعتقدوها و اتخذوها أداة للبحث، لا تنتج إلاّ القول بالجبر، <ref>(سبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ص 267)</ref> | الطوائف القائلة بالجبر في العصور الإسلامية الأولى ليست واحدة، ولكنها انقرضت و لم يبق منها إلاّ الفكرة السائدة بين جماعة من أهل [[السنة|السنّة]] وهي نظرية الإمام [[أبو الحسن الأشعري|الأشعري]]، إنّ [[الأشاعرة]] و إن كانوا ينزهون أنفسهم عن كونهم مجبرة، لكن الأصول التي اعتقدوها و اتخذوها أداة للبحث، لا تنتج إلاّ القول بالجبر، <ref>(سبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ص 267)</ref> | ||
فالأشاعرة قالوا بوجود علّة واحدة قائمة مكان جميع العلل و الأسباب. <ref>(الأشعري، ابوالحسن، الإبانة عن أصول الديانة، ص 20.)</ref> ، <ref>السيد الشريف الجرجاني، شرح المواقف، ج 8، ص 146</ref> | فالأشاعرة قالوا بوجود علّة واحدة قائمة مكان جميع العلل و الأسباب. <ref>(الأشعري، ابوالحسن، الإبانة عن أصول الديانة، ص 20.)</ref>، <ref>السيد الشريف الجرجاني، شرح المواقف، ج 8، ص 146</ref> | ||
===نظرية التفويض المعتزلي=== | ===نظرية التفويض المعتزلي=== | ||
سطر ٨٢: | سطر ٨٠: | ||
===الأمر بين الأمرين=== | ===الأمر بين الأمرين=== | ||
اتخذت مدرسة أهل البيت بين المدرسة الأشعرية والمعتزلة، الطريق الوسط وهو عقيدة "[[أمر بين الأمرين]]" حيث لم تنحاز الى [[الجبر والتفويض|الجبر]] ولا إلى [[التفويض]]، فهذه النظرية الثالثة، جامعة وحافظة لما يتبناه الطرفان من الأصول مع ذلك لم تستل منها النتائج، في حقلي الجبر والتفويض. | اتخذت مدرسة أهل البيت بين المدرسة الأشعرية والمعتزلة، الطريق الوسط وهو عقيدة "[[أمر بين الأمرين]]" حيث لم تنحاز الى [[الجبر والتفويض|الجبر]] ولا إلى [[التفويض]]، فهذه النظرية الثالثة، جامعة وحافظة لما يتبناه الطرفان من الأصول مع ذلك لم تستل منها النتائج، في حقلي الجبر والتفويض. | ||
حصيلة هذه النظرية أنّ القضاء والقدر الإلهي لا يجعلان الإنسان مكتوف اليدين في تصرفاته ورغباته وتحديد مصيره ومن جانب آخر، أنّ قضية الإختيار في ساحة الإنسان لا تقلّص ساحة الكبرياء و الهيمنة الإلهية بل الأمرين( علم الإلهي بالأفعال وإختيار الإنسان ) ينسجمان في هذه النظرية.<ref>السبحاني التبريزي، الإلهيات على هدي القرأن والسنة والعقل المجلد2 ص341</ref> | حصيلة هذه النظرية أنّ القضاء والقدر الإلهي لا يجعلان الإنسان مكتوف اليدين في تصرفاته ورغباته وتحديد مصيره ومن جانب آخر، أنّ قضية الإختيار في ساحة الإنسان لا تقلّص ساحة الكبرياء و الهيمنة الإلهية بل الأمرين (علم الإلهي بالأفعال وإختيار الإنسان) ينسجمان في هذه النظرية.<ref>السبحاني التبريزي، الإلهيات على هدي القرأن والسنة والعقل المجلد2 ص341</ref> | ||
سطر ٩٣: | سطر ٩١: | ||
==الحصائل الإجتماعية الناجمة عن الفكر الجبري== | ==الحصائل الإجتماعية الناجمة عن الفكر الجبري== | ||
وذاكرة التاريخ مثقلة بالكثير من تلك الممارسات التي حصلت بذريعة القضاء و القدر والتي تهدف من تجسيم هذه الفكرة إلى السيطرة والهيمنة السياسية؛ ففي المشرق الإسلامي، تلقف [[بنو أمية|الأمويون]] الطرح [[الجبر والتفويض|الجبري]] الاستسلامي، الذي يقدم تبريرا دينيا كانوا في أشد الحاجة إليه لتسويغ ممارساتهم القمعية، كمذهب يكرّس الخضوع والاستسلام للقضاء والقدر الذي جاء بهم إلى الحكم، وكان "[[معاوية بن أبي سفيان]]" أول من حاول استخدام المذهب الجبري لتبرير جوره | وذاكرة التاريخ مثقلة بالكثير من تلك الممارسات التي حصلت بذريعة القضاء و القدر والتي تهدف من تجسيم هذه الفكرة إلى السيطرة والهيمنة السياسية؛ ففي المشرق الإسلامي، تلقف [[بنو أمية|الأمويون]] الطرح [[الجبر والتفويض|الجبري]] الاستسلامي، الذي يقدم تبريرا دينيا كانوا في أشد الحاجة إليه لتسويغ ممارساتهم القمعية، كمذهب يكرّس الخضوع والاستسلام للقضاء والقدر الذي جاء بهم إلى الحكم، وكان "[[معاوية بن أبي سفيان]]" أول من حاول استخدام المذهب الجبري لتبرير جوره. | ||
وقد أشار [[محمد حسين كاشف الغطاء]] إلى ضعف المؤسسة الدينية، فمن أقوى أسباب سريان الداء بين المسلمين «ومروقهم من مشرق هذا الدين إلى منازع الغربيّين عدم قيام الزعماء في الدعوة» حتّى أنّ الإسلام امتحن بداءَين عضالين «امتحن بإهمال زعمائه سبيل الدعوة والإرشاد... إنّ رجال هذا الدين لمّا أهملوا الدعوة.. وتركوا نفوس المسلمين على سذاجتها، وألقوا حبلها على غاربها.. هنالك استيقظ العدوّ فرأى فرصة أمكنت وأمراً حان وقته وأينعت ثماره» <ref>كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية،_ ص 20-21).</ref> | وقد أشار [[محمد حسين كاشف الغطاء]] إلى ضعف المؤسسة الدينية، فمن أقوى أسباب سريان الداء بين المسلمين «ومروقهم من مشرق هذا الدين إلى منازع الغربيّين عدم قيام الزعماء في الدعوة» حتّى أنّ الإسلام امتحن بداءَين عضالين «امتحن بإهمال زعمائه سبيل الدعوة والإرشاد... إنّ رجال هذا الدين لمّا أهملوا الدعوة.. وتركوا نفوس المسلمين على سذاجتها، وألقوا حبلها على غاربها.. هنالك استيقظ العدوّ فرأى فرصة أمكنت وأمراً حان وقته وأينعت ثماره» <ref>كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية،_ ص 20-21).</ref> | ||
أجل فما ألمّ بالمسلمين لم يكن إلاّ كأثر «لعدم قيام المصلحين وسكوت الآمرين بالمعروف والناهين، ولو قلت ما الذي أوجب سكوتهم وإغضاءهم عن تمزيق دينهم بترقيع دنياهم فلا هذا ولا ذاك، لقلت: حسبك في فمي ماء وهل ينطق من في فِيه ماء!» | أجل فما ألمّ بالمسلمين لم يكن إلاّ كأثر «لعدم قيام المصلحين وسكوت الآمرين بالمعروف والناهين، ولو قلت ما الذي أوجب سكوتهم وإغضاءهم عن تمزيق دينهم بترقيع دنياهم فلا هذا ولا ذاك، لقلت: حسبك في فمي ماء وهل ينطق من في فِيه ماء!» | ||
==حلول إشكالية القضاء والقدر== | ==حلول إشكالية القضاء والقدر== | ||
قد كتب المنظرين وعلماء الكلام ورجال العقيدة في الشريحة الشيعية أن النتائج التي أدّت الى الفكر الجبري هي ناجمة من الفهم العقيم لحقيقة القضاء و القدر المندرجة في طيات الكتاب والسنة. وقد تصدوا من السلف الى وقتنا الراهن للإجابة والرد على هذه | قد كتب المنظرين وعلماء الكلام ورجال العقيدة في الشريحة الشيعية أن النتائج التي أدّت الى الفكر الجبري هي ناجمة من الفهم العقيم لحقيقة القضاء و القدر المندرجة في طيات الكتاب والسنة. وقد تصدوا من السلف الى وقتنا الراهن للإجابة والرد على هذه الفكرة، كما قال السيد [[السيد محسن الخرازي]] في بداية المعارف الإلهية: | ||
[[السيد محسن الخرازي]] في بداية المعارف الإلهية: | |||
أن التوالي السلبية لهذا القول كثيرة، منها امتناع التكليف؛ لأنّ الناس غير قادرين، والتكليف بما لا يطاق قبيح، ومنها لغوية ارسال الرسل والأنبياء؛ لأن اتباعهم ليس تحت قدرتهم، ومنها عدم الفائدة في الوعد والوعيد؛ لأن المفروض عدم دخالة الناس في الأفعال، ومنها أنه لا معنى للمدح والذم بالنسبة إلى أفعال العباد، لعدم دخالتهم فيها أصلا. كما حكي عن مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال في الجواب عن السؤال عن الجبر: «لو كان كذلك، لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي و الزجر، ولسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن على مسيء لائمة، ولا لمحسن محمدة، الحديث» . | أن التوالي السلبية لهذا القول كثيرة، منها امتناع التكليف؛ لأنّ الناس غير قادرين، والتكليف بما لا يطاق قبيح، ومنها لغوية ارسال الرسل والأنبياء؛ لأن اتباعهم ليس تحت قدرتهم، ومنها عدم الفائدة في الوعد والوعيد؛ لأن المفروض عدم دخالة الناس في الأفعال، ومنها أنه لا معنى للمدح والذم بالنسبة إلى أفعال العباد، لعدم دخالتهم فيها أصلا. كما حكي عن مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال في الجواب عن السؤال عن الجبر: «لو كان كذلك، لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي و الزجر، ولسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن على مسيء لائمة، ولا لمحسن محمدة، الحديث» . | ||
توضيحه: ّ أن الاختيار الإنساني هو بنفسه جزء من أجزاء هذا العالم يسري فيه القدر والقضاء، ومن ثم هو مشمول بنظام السببية العام وبسنن االله ونواميسه. ففعل الإنسان لا يقع خارجًا إلاّ إذا اختاره الإنسان وأراده. إذن الفعل الإنساني ومن ورائه الإرادة والاختيار اللذان ينتجانه لا يتصادم مع الإيمان بعقيدة القدر والقضاء، لأنه يندرج في إطارمبدأ السببية ونظام السنن. | توضيحه: ّ أن الاختيار الإنساني هو بنفسه جزء من أجزاء هذا العالم يسري فيه القدر والقضاء، ومن ثم هو مشمول بنظام السببية العام وبسنن االله ونواميسه. ففعل الإنسان لا يقع خارجًا إلاّ إذا اختاره الإنسان وأراده. إذن الفعل الإنساني ومن ورائه الإرادة والاختيار اللذان ينتجانه لا يتصادم مع الإيمان بعقيدة القدر والقضاء، لأنه يندرج في إطارمبدأ السببية ونظام السنن. | ||
على ّ أن إثبات فاعلية الإنسان هنا من خلال الدورالذي تنهض به إرادته واختياره لا يتعارض مع الإرادة والمشيئة الإلهية، حيث قوله سبحانه: {وما تشاءون إلا أن شاء االله رب العامين }<ref> (التكوير: 29) </ref>لأن المشيئة الإلهية تتحّرك ضمن قانون القدر والقضاء؛ أي ضمن قانون الأسباب والمسّببات ومن خلال مبدأ السنن الإلهية والنواميس الرّبانية المودعة في الوجود والحياة. أكثر من ذلك، نجد ّ أن العلاقة بين الاثنين تتجاوز تخوم عدم التعارض، إلى أن بالقدر والقضاء إلى أساس لصيرورة الاختيار ّ يتحول الإيمان أن الإنسان اختياره؛ على ما هي عليه النظرة المألوفة | على ّ أن إثبات فاعلية الإنسان هنا من خلال الدورالذي تنهض به إرادته واختياره لا يتعارض مع الإرادة والمشيئة الإلهية، حيث قوله سبحانه: {وما تشاءون إلا أن شاء االله رب العامين }<ref> (التكوير: 29) </ref>لأن المشيئة الإلهية تتحّرك ضمن قانون القدر والقضاء؛ أي ضمن قانون الأسباب والمسّببات ومن خلال مبدأ السنن الإلهية والنواميس الرّبانية المودعة في الوجود والحياة. أكثر من ذلك، نجد ّ أن العلاقة بين الاثنين تتجاوز تخوم عدم التعارض، إلى أن بالقدر والقضاء إلى أساس لصيرورة الاختيار ّ يتحول الإيمان أن الإنسان اختياره؛ على ما هي عليه النظرة المألوفة الخاطئة، ّلأن من قضاء االله وقدره أن يكون الإنسان مختارًا في أفعاله، فلو صدر منه فعل من غير اختيار لكان ذلك منافيًا للقدر والقضاء الإلهي.<ref>الخرازي، محسن، بداية المعارف الإلهية في شرح العقائد الإمامية، ص 320</ref> | ||
===مساهمات فكرية من أعلام مدرسة أهل البيت{{اختصار/عليهم}} حول مسألة القضاء والقدر=== | ===مساهمات فكرية من أعلام مدرسة أهل البيت{{اختصار/عليهم}} حول مسألة القضاء والقدر=== | ||
سطر ١١٠: | سطر ١٠٦: | ||
*'''كاشف الغطاء:''' | *'''كاشف الغطاء:''' | ||
اول مساهمة نتناولها في هذا المقال هي مطارحات للشيخ كاشف الغطاء حول الموضوع والتي سجلت في كتابه ( الإسلام والدين) | اول مساهمة نتناولها في هذا المقال هي مطارحات للشيخ كاشف الغطاء حول الموضوع والتي سجلت في كتابه (الإسلام والدين) | ||
فلقد ركّز كاشف الغطاء على قضية الانحطاط والتخلّف التي تضرب بشعابها في أوساط المجتمعات الإسلامية، وكان لابدّ أن يمرّ على مقولة القدر والقضاء بوصفها سببا فكريّاً ألقى بتبعاته على الواقع الاجتماعي للمسلمين من خلال القراءة العرفية المغلوطة لهذه العقيدة، فكان أن أطلق صيحة رافضة للفهم الخاطئ المقلوب،<ref> الحيدري، السيد كمال، القضاء والقدر وإشکالیة تعطیل الفعل الإنساني، ص49 و50</ref> وهو يقول: «دع عنك يا هذا هذه الخزعبلات والمخرفات والأباطيل والتعلّلات، فإنّ الله جلّ شأنه ما جعل القضاء والقدر لتتخذه ستاراً لسيّئاتك وتمشية لشهواتك وعصىً تتوصّل بها إلى معاصيك وأهوائك».<ref>كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية، ج1، ص181-182.</ref> | فلقد ركّز كاشف الغطاء على قضية الانحطاط والتخلّف التي تضرب بشعابها في أوساط المجتمعات الإسلامية، وكان لابدّ أن يمرّ على مقولة القدر والقضاء بوصفها سببا فكريّاً ألقى بتبعاته على الواقع الاجتماعي للمسلمين من خلال القراءة العرفية المغلوطة لهذه العقيدة، فكان أن أطلق صيحة رافضة للفهم الخاطئ المقلوب،<ref> الحيدري، السيد كمال، القضاء والقدر وإشکالیة تعطیل الفعل الإنساني، ص49 و50</ref> وهو يقول: «دع عنك يا هذا هذه الخزعبلات والمخرفات والأباطيل والتعلّلات، فإنّ الله جلّ شأنه ما جعل القضاء والقدر لتتخذه ستاراً لسيّئاتك وتمشية لشهواتك وعصىً تتوصّل بها إلى معاصيك وأهوائك».<ref>كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية، ج1، ص181-182.</ref> | ||
ثمّ قارب بين القضاء والقدر وبين حركة السنن والنواميس الحاكمة في الوجود بادئاً بمثال يلامس الوجدان الإنساني ولا يخطئه الحسّ، حين قال: «ألست أنت وكلّ بصير جدّ خبير أنّ كلّ جماعة وأمّة دخلت تحت جامعة واحدة وجهة عامّة لا محالة تحتاج إلى وضع نواميس تجري عليها، وتخرج بها عن الفوضى والسراح المودي بها والمؤدّي إلى هلاكها؟».<ref> كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية، ج 1، | ثمّ قارب بين القضاء والقدر وبين حركة السنن والنواميس الحاكمة في الوجود بادئاً بمثال يلامس الوجدان الإنساني ولا يخطئه الحسّ، حين قال: «ألست أنت وكلّ بصير جدّ خبير أنّ كلّ جماعة وأمّة دخلت تحت جامعة واحدة وجهة عامّة لا محالة تحتاج إلى وضع نواميس تجري عليها، وتخرج بها عن الفوضى والسراح المودي بها والمؤدّي إلى هلاكها؟».<ref> كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية، ج 1، ص، 158 فصل بعنوان القضاء والقدر</ref> | ||
بعد هذا المثال انتقل إلى عالم الخليقة وحاجته إلى قضايا كلّية وأحكام عامّة تجري على جمهور الناس مدى العصور، منيطاً ذلك إلى ملك حكيم نهض بوضع كلّ ما يتوقّف عليه النظام والسير إلى السعادة النوعية جاعلاً «لكلّ ذلك أسباباً ومسبّبات، وعللاً وغايات يوجب بعضها بعضاً، وينجرّ بعضها إلى بعض على نواميس معيّنة وحدود مبيّنة، سبقت كلمته وقضت حكمته أن تسير على ذلك ولا تقف، ولا تنخرم ولا تختلف». | بعد هذا المثال انتقل إلى عالم الخليقة وحاجته إلى قضايا كلّية وأحكام عامّة تجري على جمهور الناس مدى العصور، منيطاً ذلك إلى ملك حكيم نهض بوضع كلّ ما يتوقّف عليه النظام والسير إلى السعادة النوعية جاعلاً «لكلّ ذلك أسباباً ومسبّبات، وعللاً وغايات يوجب بعضها بعضاً، وينجرّ بعضها إلى بعض على نواميس معيّنة وحدود مبيّنة، سبقت كلمته وقضت حكمته أن تسير على ذلك ولا تقف، ولا تنخرم ولا تختلف». | ||
سطر ١٢٦: | سطر ١٢٢: | ||
</ref> | </ref> | ||
*'''السيد الخوئي:''' | *'''السيد الخوئي:''' | ||
ما أجاد سماحته(السيد الخوئي) في محاضراته في كلام مفصل ننقل المهم | ما أجاد سماحته(السيد الخوئي) في محاضراته في كلام مفصل ننقل المهم منه، وحاصله: منع كون الإرادة علّة تامة للفعل بل الفعل على الرغم من وجوده وتحققه يكون تحت اختيار النفس وسلطانها ولو كانت الإرادة علّة تامة لحركة العضلات ومؤثرة فيها لم يكن للنفس تلك السلطنة، ولكانت عاجزة عن التأثير فيها مع فرض وجودها.. | ||
ثم قال: «إنّ الميزان في الفعل الاختياري ما أوجدته النفس باختيارها وإعمال القدرة والسلطنة المعبر عنها بالاختيار وقد خلق اللّه النفس الإنسانية واجدة لهذه السلطنة والقدرة وهي ذاتية لها، وثابتة في صميم ذاتها، ولأجل هذه السلطنة تخضع العضلات لها، وتنقاد في حركاتها، فلا تحتاج النفس في إعمالها لتلك السلطنة والقدرة إلى إعمال سلطنة». <ref>المحاضرات، ج 1، ص 59-60 .السبحاني التبریزي، جعفر. المحرر حسن مکي | ثم قال: «إنّ الميزان في الفعل الاختياري ما أوجدته النفس باختيارها وإعمال القدرة والسلطنة المعبر عنها بالاختيار وقد خلق اللّه النفس الإنسانية واجدة لهذه السلطنة والقدرة وهي ذاتية لها، وثابتة في صميم ذاتها، ولأجل هذه السلطنة تخضع العضلات لها، وتنقاد في حركاتها، فلا تحتاج النفس في إعمالها لتلك السلطنة والقدرة إلى إعمال سلطنة». <ref>المحاضرات، ج 1، ص 59-60 .السبحاني التبریزي، جعفر. المحرر حسن مکي العاملي، 1413 الهجري،</ref> <ref>الإلهیات علی هدی الکتاب والسنة والعقل، قم المقدسة، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، الجزء: 2، الصفحة: 310</ref> | ||
*'''الإمام الخميني:''' | *'''الإمام الخميني:''' | ||
السيد الإمام الخميني بعد الغور في غمار البحث أخرج بهذه النتائج | السيد الإمام الخميني بعد الغور في غمار البحث أخرج بهذه النتائج | ||
سطر ١٣٧: | سطر ١٣٣: | ||
*'''العلامة الطباطبائي:''' | *'''العلامة الطباطبائي:''' | ||
من منظور العلامة محمد حسين الطباطبائي، أنّ الذي ورّط المجبرة بما ذهبوا إليه من التزام المذهب الجبري، هو بحث القضاء والقدر، وخطأهم في تطبيق النتيجة التي انتهوا إليها حيث اشتبه عليهم أمر الحقائق والاعتباريات، واختلط عليهم الوجوب والإمكان. في سياق عرضه للمسألة، وبما يصلها بجوهر نظرية التفسير التي تتبنّاها يقول: «فانبساط القدر والقضاء في العالم هو سريان العلّية التامّة والمعلولية في العالم بتمامه وجميعه، وذلك لا ينافي سريان حكم القوّة والإمكان في العالم من جهة أخرى وبنظر آخر. فالفعل الاختياري الصادر عن الإنسان بإرادته إذا فرض منسوباً إلى جميع ما يحتاج إليه في وجوده من علم وإرادة وأدوات صحيحة ومادّة يتعلّق بها الفعل وسائر الشرائط الزمانية والمكانية كان ضروري الوجود، وهو الذي تعلّقت به الإرادة الإلهية الأزلية، لكن كون الفعل ضروريّاً بالقياس إلى جميع أجزاء علّته التامّة ومن جهتها لا يوجب كونه ضروريّاً إذا قيس إلى بعض أجزاء علّته التامّة، كما إذا قيس الفعل إلى الفاعل دون بقيّة أجزاء علّته التامّة فإنّه لا يتجاوز حدّ الإمكان ولا يبلغ البتة حدّ الوجوب». <ref> الحيدري، السيد كمال، القضاء و القدر و إشکالیة تعطیل الفعل الإنسانی، ص58.؛ الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج 1، ص 99.</ref> | من منظور العلامة محمد حسين الطباطبائي، أنّ الذي ورّط المجبرة بما ذهبوا إليه من التزام المذهب الجبري، هو بحث القضاء والقدر، وخطأهم في تطبيق النتيجة التي انتهوا إليها حيث اشتبه عليهم أمر الحقائق والاعتباريات، واختلط عليهم الوجوب والإمكان. في سياق عرضه للمسألة، وبما يصلها بجوهر نظرية التفسير التي تتبنّاها يقول: «فانبساط القدر والقضاء في العالم هو سريان العلّية التامّة والمعلولية في العالم بتمامه وجميعه، وذلك لا ينافي سريان حكم القوّة والإمكان في العالم من جهة أخرى وبنظر آخر. فالفعل الاختياري الصادر عن الإنسان بإرادته إذا فرض منسوباً إلى جميع ما يحتاج إليه في وجوده من علم وإرادة وأدوات صحيحة ومادّة يتعلّق بها الفعل وسائر الشرائط الزمانية والمكانية كان ضروري الوجود، وهو الذي تعلّقت به الإرادة الإلهية الأزلية، لكن كون الفعل ضروريّاً بالقياس إلى جميع أجزاء علّته التامّة ومن جهتها لا يوجب كونه ضروريّاً إذا قيس إلى بعض أجزاء علّته التامّة، كما إذا قيس الفعل إلى الفاعل دون بقيّة أجزاء علّته التامّة فإنّه لا يتجاوز حدّ الإمكان ولا يبلغ البتة حدّ الوجوب». <ref> الحيدري، السيد كمال، القضاء و القدر و إشکالیة تعطیل الفعل الإنسانی، ص58.؛ الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج 1، ص 99.</ref> | ||
*'''الشيخ مرتضى المطهري:''' | *'''الشيخ مرتضى المطهري:''' | ||
سطر ١٤٥: | سطر ١٣٨: | ||
ممّن ولج البحث في القضاء والقدر على الأساس النظري ذاته المتمثِّل بدرجهما في نطاق نظام السببية العام وتفسيرهما على أساس السنن الإلهية المودعة في الكون والحياة، الشيخ مرتضى مطهّري (استشهد: 1979) أبرز تلاميذ الطباطبائي وألمع شرّاح غوامض أفكاره. فبعد أن أوضح في كتاب خاصّ عن هذه العقيدة بأنّ الله سبحانه شاء أن يوجب الأشياء عن طريق عللها وأسبابها الخاصّة، عاد ليقول: «إنّ القضاء والقدر لا يعنيان إلاّ ابتناء نظام السببية العامّة على أساس العلم والإرادة الإلهية». <ref>المطهري، مرتضى، الإنسان والقضاء والقدر، الترجمة العربية: ص 71.</ref> | ممّن ولج البحث في القضاء والقدر على الأساس النظري ذاته المتمثِّل بدرجهما في نطاق نظام السببية العام وتفسيرهما على أساس السنن الإلهية المودعة في الكون والحياة، الشيخ مرتضى مطهّري (استشهد: 1979) أبرز تلاميذ الطباطبائي وألمع شرّاح غوامض أفكاره. فبعد أن أوضح في كتاب خاصّ عن هذه العقيدة بأنّ الله سبحانه شاء أن يوجب الأشياء عن طريق عللها وأسبابها الخاصّة، عاد ليقول: «إنّ القضاء والقدر لا يعنيان إلاّ ابتناء نظام السببية العامّة على أساس العلم والإرادة الإلهية». <ref>المطهري، مرتضى، الإنسان والقضاء والقدر، الترجمة العربية: ص 71.</ref> | ||
و بعد الخوض في غمار البحث وفي نهاية المطاف قال : «والخلاصة، هي أنّ تمام العلل والأسباب مظاهر للقضاء والقدر الإلهي. فكلّما تكثّرت العلل والأسباب المختلفة والوقائع المتباينة الممكن وقوعها بالنسبة لحادثة ما، تكثّرت أنواع القضاء والقدر المختلفة بالنسبة لها أيضاً. فما وقع من الأحوال هو بالقضاء والقدر الإلهي، وما لم يقع هو بالقضاء والقدر الإلهي أيضاً». <ref>المطهري، مرتضى، الإنسان والقضاء والقدر، الترجمة العربية: ، ص 88. </ref> | و بعد الخوض في غمار البحث وفي نهاية المطاف قال : «والخلاصة، هي أنّ تمام العلل والأسباب مظاهر للقضاء والقدر الإلهي. فكلّما تكثّرت العلل والأسباب المختلفة والوقائع المتباينة الممكن وقوعها بالنسبة لحادثة ما، تكثّرت أنواع القضاء والقدر المختلفة بالنسبة لها أيضاً. فما وقع من الأحوال هو بالقضاء والقدر الإلهي، وما لم يقع هو بالقضاء والقدر الإلهي أيضاً». <ref>المطهري، مرتضى، الإنسان والقضاء والقدر، الترجمة العربية:، ص 88. </ref> | ||
==الهوامش== | ==الهوامش== | ||
سطر ١٥٦: | سطر ١٤٩: | ||
*العلاّمة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1393 ق. | *العلاّمة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1393 ق. | ||
*الحيدري، للسيد كمال، القضاء والقدر واشكالية تعطيل الفعل الإنساني،مكتبة فاران، بغداد، | *الحيدري، للسيد كمال، القضاء والقدر واشكالية تعطيل الفعل الإنساني،مكتبة فاران، بغداد، | ||
*الشيخ جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة | *الشيخ جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، محاضرات الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني، بقلم حسن محمد مكي العاملي، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، 1409 هـ | ||
*المحمدي الري شهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلاية في الكتاب والسنة، قم المقدسة، مؤسسه علمي فرهنكي | *المحمدي الري شهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلاية في الكتاب والسنة، قم المقدسة، مؤسسه علمي فرهنكي | ||
دار الحديث، السنة 1387 ش | دار الحديث، السنة 1387 ش |
تعديل