انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «البيعة»

أُزيل ٨٩ بايت ،  ١٢ سبتمبر ٢٠١٩
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Maytham
imported>Maytham
لا ملخص تعديل
سطر ١٨: سطر ١٨:
==== أوّل بيعة في الإسلام ====
==== أوّل بيعة في الإسلام ====


ذهب [[العلامة المجلسي]] في [[بحار الأنوار (كتاب)|بحار الأنوار]] إلى القول بأن أوّل بيعة حصلت في الإسلام هي مبايعة كلّ من [[علي]] {{عليه السلام}} والسيدة [[خديجة]] (س) ل[[الرسول الأكرم|لرسول الأكرم]]. <ref>المجلسي، بحار الأنوار ج 65، ص 392-393.</ref> فيما ذهب ابن شهر آشوب <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج 2، ص 21- 24. </ref> إلى القول بأنّ أوّل بيعة هي [[بيعة العشيرة]] في السنة الثالثة للبعثة بعد أن نزل قوله تعالى ﴿ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكينَ ﴾ <ref>الحجر:94</ref> وقوله تعالى ﴿ وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبين‏ ﴾ <ref>الشعراء: 214 </ref> فدعاهم {{صل}} في قصة عرفت باسم "[[يوم الدار]]" في يومين متتاليين حيث بايعه في اليوم الثاني بنو هاشم، وقد أجمع الفريقان [[أهل السنة|السنة]] و[[الشيعة]] على أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام كان أصغر القوم الحاضرين والمبايعين للنبي. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 2، ص 319 -ـ321. </ref>
ذهب [[العلامة المجلسي]] في [[بحار الأنوار (كتاب)|بحار الأنوار]] إلى القول بأن أوّل بيعة حصلت في الإسلام هي مبايعة كلّ من [[علي]] {{عليه السلام}} والسيدة [[خديجة]] (س) ل[[الرسول الأكرم|لرسول الأكرم]]. <ref>المجلسي، بحار الأنوار ج 65، ص 392-393.</ref> فيما ذهب ابن شهر آشوب <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج 2، ص 21- 24. </ref> إلى القول بأنّ أوّل بيعة هي [[بيعة العشيرة]] في السنة الثالثة للبعثة بعد أن نزل قوله تعالى ﴿ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكينَ ﴾ <ref>الحجر:94</ref> وقوله تعالى ﴿ وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبين‏ ﴾ <ref>الشعراء: 214 </ref> فدعاهم {{صل}} في قصة عرفت باسم "[[يوم الدار]]" في يومين متتاليين حيث بايعه في اليوم الثاني بنو هاشم، وقد أجمع الفريقان [[أهل السنة|السنة]] و[[الشيعة]] على أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام كان أصغر القوم الحاضرين والمبايعين للنبي. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 2، ص 319_321. </ref>


==== بيعتا العقبة الأولى والثانية ====
==== بيعتا العقبة الأولى والثانية ====
سطر ٢٩: سطر ٢٩:
==== بيعة الرضوان ====
==== بيعة الرضوان ====
[[ملف:بيعة الرضوان.jpg|تصغير|آية قرآنية عن بيعة الرضوان]]
[[ملف:بيعة الرضوان.jpg|تصغير|آية قرآنية عن بيعة الرضوان]]
ومنها [[بيعة الرضوان]] المعروفة ب[[بيعة الرضوان|بيعة الشجرة]] في السنة السادسة ل[[الهجرة|لهجرة]] في الحديبية. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، الطبري، ج 2، ص 632-633. </ref> حينما كان [[الرسول الأكرم]]
ومنها [[بيعة الرضوان]] المعروفة ب[[بيعة الرضوان|بيعة الشجرة]] في السنة السادسة ل[[الهجرة|لهجرة]] في الحديبية. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، الطبري، ج 2، ص 632_633.</ref> حينما كان [[الرسول الأكرم]]
{{صل}} في [[الحديبية]] وأرسل موفداً عنه إلى [[مكة]] يفاوض المكيين ووجد أن المكيين قد تمادوا في غيهم دعا {{صل}} المسلمين كإجراء وقائي رادع ل[[قريش]] كي تكفّ عن غيها وتصلبها وعنادها وامتناعها عن السماح لرسول الله والمسلمين بدخول مكة، بل وحتى عن التفاوض المباشر معه. فكان على [[النبي]] {{صل}} أن يسيطر على الموقف من خلال القيام بإجراء وقائي يظهر فيه قوّة واستقامة وتفاني المسلمين في الدفاع عن حقّهم المشروع الذي يمنعون عنه. <ref>انظر: فرحان، عدنان، دروس في السيرة النبوية، العهد المدني، القسم الثاني، ص 62-63.</ref>
{{صل}} في [[الحديبية]] وأرسل موفداً عنه إلى [[مكة]] يفاوض المكيين ووجد أن المكيين قد تمادوا في غيهم دعا {{صل}} المسلمين كإجراء وقائي رادع ل[[قريش]] كي تكفّ عن غيها وتصلبها وعنادها وامتناعها عن السماح لرسول الله والمسلمين بدخول مكة، بل وحتى عن التفاوض المباشر معه. فكان على [[النبي]] {{صل}} أن يسيطر على الموقف من خلال القيام بإجراء وقائي يظهر فيه قوّة واستقامة وتفاني المسلمين في الدفاع عن حقّهم المشروع الذي يمنعون عنه. <ref>انظر: فرحان، عدنان، دروس في السيرة النبوية، العهد المدني، القسم الثاني، ص 62_63.</ref>
فلما بايعة المسلمون نزلت قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْديهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً ﴾. <ref>الفتح: 10</ref>
فلما بايعة المسلمون نزلت قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْديهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً ﴾. <ref>الفتح: 10</ref>


سطر ٤٣: سطر ٤٣:


=== البيعة بعد رحيل النبي {{صل}} ===
=== البيعة بعد رحيل النبي {{صل}} ===
بقي [[المسلم|المسلمون]] متمسكون بأسلوب [[البيعة]] بعد رحيل [[النبي]] {{صل}}. فبعد أنّ يتم اختيار شخص ما للخلافة وحكم المسلمين يقوم بمبايعته جماعة من المسلمين تارة وأخرى يجتمع عليه عامّة المسلمين الحاضرين لمبايعته، وكان أوّل مصاديق تلك البيعات ما حصل في [[سقيفة بني ساعدة]] في يوم رحيل النبي {{صل}} حيث اجتمع نفر منهم [[عمر بن الخطاب]] و[[أبو عبيدة بن الجراح]] وبعض مشايخ [[المهاجرون|المهاجرين]] و[[الأنصار]] في سقيفة بني ساعدة وبايعوا [[أبا بكر]] للخلافة بعد إقصاء [[سعد بن عبادة]] عن المنافسة، وبعد أن تمت البيعة بصورتها المذكور في السقيفة خرج أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة، وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية، لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه وقدّموه، ومدّوا يده. فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى. <ref>التستري، بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 288-289. </ref> وبعد وفاة أبي بكر بويع عمر بن الخطاب بعد أن نصبّه الخليفة الأوّل للخلافة، وهكذا بويع [[عثمان بن عفان|الخليفة الثالث]] بعد قضية [[الشورى السداسية]] المعروفة، حتى أصبحت البيعة ظاهرة سياسية. <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج۲، ص۳۱۲، ۳۴۰ </ref> وبعد مقتل [[عثمان بن عفان|عثمان]] اجتمع المسلمون على مبايعة أمير المؤمنين [[علي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}} معلنين مبايعتهم له عن طواعية حتى وصف اجتماع الناس عليه بقوله في [[نهج البلاغة]] الخطبة الثالثة:
بقي [[المسلم|المسلمون]] متمسكون بأسلوب [[البيعة]] بعد رحيل [[النبي]] {{صل}}. فبعد أنّ يتم اختيار شخص ما للخلافة وحكم المسلمين يقوم بمبايعته جماعة من المسلمين تارة وأخرى يجتمع عليه عامّة المسلمين الحاضرين لمبايعته، وكان أوّل مصاديق تلك البيعات ما حصل في [[سقيفة بني ساعدة]] في يوم رحيل النبي {{صل}} حيث اجتمع نفر منهم [[عمر بن الخطاب]] و[[أبو عبيدة بن الجراح]] وبعض مشايخ [[المهاجرون|المهاجرين]] و[[الأنصار]] في سقيفة بني ساعدة وبايعوا [[أبا بكر]] للخلافة بعد إقصاء [[سعد بن عبادة]] عن المنافسة، وبعد أن تمت البيعة بصورتها المذكور في السقيفة خرج أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة، وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية، لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه وقدّموه، ومدّوا يده. فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى. <ref>التستري، بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 288-289. </ref> وبعد وفاة أبي بكر بويع عمر بن الخطاب بعد أن نصبّه الخليفة الأوّل للخلافة، وهكذا بويع [[عثمان بن عفان|الخليفة الثالث]] بعد قضية [[الشورى السداسية]] المعروفة، حتى أصبحت البيعة ظاهرة سياسية. <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج 2، ص ۳۱2، ۳۴۰ </ref> وبعد مقتل [[عثمان بن عفان|عثمان]] اجتمع المسلمون على مبايعة أمير المؤمنين [[علي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}} معلنين مبايعتهم له عن طواعية حتى وصف اجتماع الناس عليه بقوله في [[نهج البلاغة]] الخطبة الثالثة:
:" فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَم‏" وكان {{عليه السلام}} قد أصر على أن تكون بيعته على مرأى ومسمع من عامّة الناس وفي [[المسجد]]. <ref>الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلّته، ج 6، ص 692. </ref> وبعد شهادته {{عليه السلام}} بايع الناس ولده [[الإمام الحسن (توضيح)|الإمام الحسن]] {{عليه السلام}}. <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج 4، ص 28. </ref> ومن تلك البيعات التي حصلت في تاريخ المسلمين ل[[أئمة الشيعة]] (عليهم السلام) مبايعة الكوفيين ل[[مسلم بن عقيل]] نيابة عن [[الإمام الحسين]] {{عليه السلام}}. <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج 3، ص 64.</ref> ومبايعة الخراسانيين لل[[الإمام الرضا عليه السلام|إمام الرضا]] {{عليه السلام}} بولاية عهد [[المأمون العباسي]]. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 49، ص 144، 146، ج 64، ص 184-186. </ref>
:" فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَم‏" وكان {{عليه السلام}} قد أصر على أن تكون بيعته على مرأى ومسمع من عامّة الناس وفي [[المسجد]]. <ref>الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلّته، ج 6، ص 692. </ref> وبعد شهادته {{عليه السلام}} بايع الناس ولده [[الإمام الحسن (توضيح)|الإمام الحسن]] {{عليه السلام}}. <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج 4، ص 28. </ref> ومن تلك البيعات التي حصلت في تاريخ المسلمين ل[[أئمة الشيعة]] (عليهم السلام) مبايعة الكوفيين ل[[مسلم بن عقيل]] نيابة عن [[الإمام الحسين]] {{عليه السلام}}. <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج 3، ص 64.</ref> ومبايعة الخراسانيين لل[[الإمام الرضا عليه السلام|إمام الرضا]] {{عليه السلام}} بولاية عهد [[المأمون العباسي]]. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 49، ص 144، 146، ج 64، ص 184-186. </ref>


سطر ٤٩: سطر ٤٩:
استمرت ظاهرة البيعة في العصرين [[بنو أمية|الأموي]] و[[بنو العباس|العباسي]] مع إجراء بعض التغييرات في الشكل تارة والمضمون أخرى بل فيهما معا في بعض الأحيان. فقد أحدث الأمويون تحولا كبيراً وتغييراً جوهرياً في مضمون البيعة وشكلها، حتى أن الكثير من الكتّاب والمفكرين من أبناء [[أهل السنة|السنّة]] أذعنوا بأنّ [[معاوية]] قام ولتحكيم أسس حكومته وأخذ البيعة لولده [[يزيد بن معاوية|يزيد]] باعتماد شتّى الوسائل توزعت على الوعد والوعيد بالأطماع تارة والتهديد والقهر أخرى فضلا عن التحايل وإيقاع الفرقة بين المسلمين و.... <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۶۰ـ۶۱ ذ</ref>
استمرت ظاهرة البيعة في العصرين [[بنو أمية|الأموي]] و[[بنو العباس|العباسي]] مع إجراء بعض التغييرات في الشكل تارة والمضمون أخرى بل فيهما معا في بعض الأحيان. فقد أحدث الأمويون تحولا كبيراً وتغييراً جوهرياً في مضمون البيعة وشكلها، حتى أن الكثير من الكتّاب والمفكرين من أبناء [[أهل السنة|السنّة]] أذعنوا بأنّ [[معاوية]] قام ولتحكيم أسس حكومته وأخذ البيعة لولده [[يزيد بن معاوية|يزيد]] باعتماد شتّى الوسائل توزعت على الوعد والوعيد بالأطماع تارة والتهديد والقهر أخرى فضلا عن التحايل وإيقاع الفرقة بين المسلمين و.... <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۶۰ـ۶۱ ذ</ref>
ورويداً رويداً أخذت ماهية البيعة تتحول إلى عملية ممزوجة بالإكراه والتهديد وتتحول في واقع الأمر من المبايعة اختياراً إلى أخذ للبيعة بالإكراه. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، كتاني، ج 1، ص 223. </ref> ومن نماذج ذلك ما كتبه [[يزيد]] إلى واليه على المدينة [[الوليد بن عتبة]]: أما بعد فخذ [[الإمام الحسين|حسينا]] و[[عبد الله بن عمر]] و[[عبد الله بن الزبير]] بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 5، ص 338. </ref> وقد تحولت البيعة في ذلك العصر إلى حالة شكلية وتشريفية، وطريقة للإعلان عن الوفاء لأمر الحاكم الجديد. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 7، ص 311، 471، ج 6، ص 423. </ref> بل المبايعة للحاكم المرتقب بعد الحاكم الفعلي أو ما بات يعرف اليوم بولي العهد. <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج 4، ص 210-211. </ref>
ورويداً رويداً أخذت ماهية البيعة تتحول إلى عملية ممزوجة بالإكراه والتهديد وتتحول في واقع الأمر من المبايعة اختياراً إلى أخذ للبيعة بالإكراه. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، كتاني، ج 1، ص 223. </ref> ومن نماذج ذلك ما كتبه [[يزيد]] إلى واليه على المدينة [[الوليد بن عتبة]]: أما بعد فخذ [[الإمام الحسين|حسينا]] و[[عبد الله بن عمر]] و[[عبد الله بن الزبير]] بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 5، ص 338. </ref> وقد تحولت البيعة في ذلك العصر إلى حالة شكلية وتشريفية، وطريقة للإعلان عن الوفاء لأمر الحاكم الجديد. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 7، ص 311، 471، ج 6، ص 423. </ref> بل المبايعة للحاكم المرتقب بعد الحاكم الفعلي أو ما بات يعرف اليوم بولي العهد. <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج 4، ص 210-211. </ref>
وربما تعقد البيعة في بدايات حكم [[الخليفة]] تحت التطميع وبذل الأموال الطائلة حتى أنّ الاموال التي بذلت في بيعة [[المقتدر العباسي]] بلغت ثلاثة ملايين دينار، واستحدثوا ما سمّي برزق البيعة يطالب به المبايعون من رجال الجيش والقواد. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص۲۸۶ </ref> ولعل الراغب الاصفهاني قصد هذا المعنى في تعريفه للبيعة بقوله: "بايعَ السلطان: إذا تضمّن بذل الطاعة له بما رضخ له". يضاف إلى ذلك أن المصادر التاريخية أشارت إلى البيعة الخاصّة التي يقوم بها الساسة وقادة العسكر والوزراء، للخليفة في عصر خلفاء بني العباس المنصور والمهدي وعيسى العباسي. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج 1، ص 290-291. </ref>
وربما تعقد البيعة في بدايات حكم [[الخليفة]] تحت التطميع وبذل الأموال الطائلة حتى أنّ الاموال التي بذلت في بيعة [[المقتدر العباسي]] بلغت ثلاثة ملايين دينار، واستحدثوا ما سمّي برزق البيعة يطالب به المبايعون من رجال الجيش والقواد. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص2۸۶ </ref> ولعل الراغب الاصفهاني قصد هذا المعنى في تعريفه للبيعة بقوله: "بايعَ السلطان: إذا تضمّن بذل الطاعة له بما رضخ له". يضاف إلى ذلك أن المصادر التاريخية أشارت إلى البيعة الخاصّة التي يقوم بها الساسة وقادة العسكر والوزراء، للخليفة في عصر خلفاء بني العباس المنصور والمهدي وعيسى العباسي. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج 1، ص 290-291. </ref>
علماً أنّه قد تنقض البيعة التي عقدت لولي عهد الخليفة من قبل الخليفة نفسه ليختار خليفة وولي عهد آخر له. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 8، ص 9. </ref>
علماً أنّه قد تنقض البيعة التي عقدت لولي عهد الخليفة من قبل الخليفة نفسه ليختار خليفة وولي عهد آخر له. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج 8، ص 9. </ref>


== صيغة البيعة ==
== صيغة البيعة ==
تؤكد المصادر التاريخية والحديثية وجود صيغة للبيعة عادة <ref>بمعنى عبارة مشخصة ومعينة؛ من قبيل [[صيغة الزواج]] و.... </ref> تتوفر على مضونها ومحتواها وعادة ما يتلفظ المبايع بمضونها مقترنا بالحركة التي ترمز إليها. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۹، ص۲۶، ج۲۱، ص۹۸، ۱۱۳، ج۶۵، ص۳۹۲ـ۳۹۳، ۳۹۵. </ref>
تؤكد المصادر التاريخية والحديثية وجود صيغة للبيعة عادة <ref>بمعنى عبارة مشخصة ومعينة؛ من قبيل [[صيغة الزواج]] و.... </ref> تتوفر على مضونها ومحتواها وعادة ما يتلفظ المبايع بمضونها مقترنا بالحركة التي ترمز إليها. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۹، ص2۶، ج2۱، ص۹۸، ۱۱۳، ج۶۵، ص۳۹2ـ۳۹۳، ۳۹۵. </ref>


== أنواع البيعة ==
== أنواع البيعة ==
يظهر من المعنى اللغوي للبيعة أنها تتم عادة بأن يضرب المبايِع بيده على يد المبايَع أو ما يعرف بالصفق أو الصفقة؛ وقد سرى العمل بهذه الطريقة– حسب بعض اللغويين- في القَسم (الحلف) ومن هنا سمّي القسم باليمين؛ كما أنّ تسمية البيعة بالصفقة هي الأخرى تنطلق من نفس المعنى. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج۲، ص۲۶۶، ج۲۷، ص۶۸ </ref> وكانت هذه هي الطريقة المعتمدة في مبايعة الرجال للرسول الأكرم {{صل}}. <ref>نهج البلاغة، الخطبة ۸، ۱۳۷، ۱۷۰، ۲۲۹ </ref>
يظهر من المعنى اللغوي للبيعة أنها تتم عادة بأن يضرب المبايِع بيده على يد المبايَع أو ما يعرف بالصفق أو الصفقة؛ وقد سرى العمل بهذه الطريقة– حسب بعض اللغويين- في القَسم (الحلف) ومن هنا سمّي القسم باليمين؛ كما أنّ تسمية البيعة بالصفقة هي الأخرى تنطلق من نفس المعنى. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص2۶۶، ج2۷، ص۶۸ </ref> وكانت هذه هي الطريقة المعتمدة في مبايعة الرجال للرسول الأكرم {{صل}}. <ref>نهج البلاغة، الخطبة ۸، ۱۳۷، ۱۷۰، 22۹ </ref>
وذهب بعض [[التفسير|المفسرين]] إلى تفسير قوله تعالى في الآية العاشرة من سورة الفتح "يد الله فوق أيديهم" بأنّها إشارة إلى البيعة ووضع يدهم في يد الرسول. <ref>الطباطبائي، الميزان، ذيل الآية </ref> ومع ذلك كلّه فقد أشارت الأحاديث إلى طريقة أخرى في البيعة. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، المجلسي، ج۴۹، ص۱۴۴، ۱۴۶، ج۶۴، ص۱۸۴ـ۱۸۶ </ref> وقد يكتفى بالبيعة أحيانا بمجرد إعلان رضا المبايع بلا حاجة إلى الصفق باليد. <ref>شهيدي، "‌بيعت وچگونگي آن در تاريخ اسلام"، ص۱۲۷ </ref>
وذهب بعض [[التفسير|المفسرين]] إلى تفسير قوله تعالى في الآية العاشرة من سورة الفتح "يد الله فوق أيديهم" بأنّها إشارة إلى البيعة ووضع يدهم في يد الرسول. <ref>الطباطبائي، الميزان، ذيل الآية </ref> ومع ذلك كلّه فقد أشارت الأحاديث إلى طريقة أخرى في البيعة. <ref>المجلسي، بحار الأنوار، المجلسي، ج۴۹، ص۱۴۴، ۱۴۶، ج۶۴، ص۱۸۴ـ۱۸۶ </ref> وقد يكتفى بالبيعة أحيانا بمجرد إعلان رضا المبايع بلا حاجة إلى الصفق باليد. <ref>شهيدي، "‌بيعت وچگونگي آن در تاريخ اسلام"، ص۱2۷ </ref>


=== البيعتان الخاصّة والعامّة ===
=== البيعتان الخاصّة والعامّة ===
ذهب [[ابن شهر آشوب]] <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج۲، ص۲۱ </ref> إلى القول بأنّه: كان ل[[النبي الأكرم|لنبي]] {{صل}} بيعة عامّة وبيعة خاصّة فالخاصة [[بيعة الجن]] ولم يكن للإنس فيها نصيب و[[بيعة الأنصار]] ولم يكن ل[[المهاجرون|لمهاجرين]] فيها نصيب و[[بيعة العشيرة]] ابتداء و[[بيعة الغدير]] انتهاء، وقد تفرّد عليٌ بهما وأخذ بطرفيهما؛ وأما البيعة العامّة فهي [[بيعة الشجرة]]. <ref>الميبدي، "‌بيعت ونقش آن در حكومت اسلامي"، ص۱۸۳ـ۱۸۶ </ref>
ذهب [[ابن شهر آشوب]] <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج2، ص2۱ </ref> إلى القول بأنّه: كان ل[[النبي الأكرم|لنبي]] {{صل}} بيعة عامّة وبيعة خاصّة فالخاصة [[بيعة الجن]] ولم يكن للإنس فيها نصيب و[[بيعة الأنصار]] ولم يكن ل[[المهاجرون|لمهاجرين]] فيها نصيب و[[بيعة العشيرة]] ابتداء و[[بيعة الغدير]] انتهاء، وقد تفرّد عليٌ بهما وأخذ بطرفيهما؛ وأما البيعة العامّة فهي [[بيعة الشجرة]]. <ref>الميبدي، "‌بيعت ونقش آن در حكومت اسلامي"، ص۱۸۳ـ۱۸۶ </ref>


=== البيعة المشروطة ===
=== البيعة المشروطة ===
قد تكون البيعة مشروطة بأن يشترط المبايع على المبايَع أمراً ما، وقد يعبّر عنه بالإشتراط. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية جلد۱، ص۲۲۲ </ref> ويظهر من السيرة النبوية أنّ البيعة الوحيدة التي كانت مشروطة هي بيعة العشيرة التي خاطب فيها النبي {{صل}} المجتمعين بقوله: فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي. <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج۲، ص۲۵ </ref> وجاء اشتراط العمل ب[[القرآن الكريم|كتاب الله]] وسنة نبيّه كشرط في بيعة بعض [[الخلفاء الراشدون|الخلفاء]]. <ref>البخاري جعفي، صحيح البخاري، ج۸، ص۱۲۲ </ref>
قد تكون البيعة مشروطة بأن يشترط المبايع على المبايَع أمراً ما، وقد يعبّر عنه بالإشتراط. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية جلد۱، ص222 </ref> ويظهر من السيرة النبوية أنّ البيعة الوحيدة التي كانت مشروطة هي بيعة العشيرة التي خاطب فيها النبي {{صل}} المجتمعين بقوله: فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي. <ref>ابن شهرآشوب، المناقب، ج2، ص2۵ </ref> وجاء اشتراط العمل ب[[القرآن الكريم|كتاب الله]] وسنة نبيّه كشرط في بيعة بعض [[الخلفاء الراشدون|الخلفاء]]. <ref>البخاري جعفي، صحيح البخاري، ج۸، ص۱22 </ref>


=== البيعة بواسطة الوكيل والنائب ===
=== البيعة بواسطة الوكيل والنائب ===
قد تتم البيعة لشخص ما عن طريق وكيله أو نائبه فقد ذكر [[الشيخ المفيد]] أنّ النساء بايعن علياً {{عليه السلام}} نيابة عن النبي {{صل}} في [[الحديبية]]. <ref>المفيد، الإرشاد، ص۶۳</ref> ومنها مبايعة أهل [[الكوفة]] ل[[مسلم بن عقيل]] نيابة عن [[الإمام الحسين عليه السلام|الحسين]] {{عليه السلام}}، <ref>المسعودي، مروج الذهب، ج۳، ص۶۴ </ref> وأخذ النبي {{صل}} بيعة [[عثمان بن عفان]] في الحديبية بعدما أرسله إلى [[مكة]] المكرمة لمفاوضة [[قريش|القرشيين]]. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ج۱، ص۲۸۹ </ref> وبعد أن توسعت رقعة الدولة الإسلامية وترامت أطرافها بدأ الحكّام بأخذ البيعة عن طريق الأمراء والحكّام في تلك البلدان معتبرين مبايعة الوالي والأمير مبايعة للحاكم نفسه. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص۲۸۹ـ۲۹۰ </ref>
قد تتم البيعة لشخص ما عن طريق وكيله أو نائبه فقد ذكر [[الشيخ المفيد]] أنّ النساء بايعن علياً {{عليه السلام}} نيابة عن النبي {{صل}} في [[الحديبية]]. <ref>المفيد، الإرشاد، ص۶۳</ref> ومنها مبايعة أهل [[الكوفة]] ل[[مسلم بن عقيل]] نيابة عن [[الإمام الحسين عليه السلام|الحسين]] {{عليه السلام}}، <ref>المسعودي، مروج الذهب، ج۳، ص۶۴ </ref> وأخذ النبي {{صل}} بيعة [[عثمان بن عفان]] في الحديبية بعدما أرسله إلى [[مكة]] المكرمة لمفاوضة [[قريش|القرشيين]]. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ج۱، ص2۸۹ </ref> وبعد أن توسعت رقعة الدولة الإسلامية وترامت أطرافها بدأ الحكّام بأخذ البيعة عن طريق الأمراء والحكّام في تلك البلدان معتبرين مبايعة الوالي والأمير مبايعة للحاكم نفسه. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص2۸۹ـ2۹۰ </ref>


== تغيير شكل البيعة ==
== تغيير شكل البيعة ==
صحيح أنّ طريقة البيعة المتمثلة بالصفق باليد بقيت هي المعتمدة لفترة طويلة من الزمن إلا أن [[بنو أمية|الأمويين]] أضافوا إليها الاستحلاف تأكيدا للبيعة، كما ابتدع الحجاج يميناً خاصة سميت بـ "إيمان البيعة" يحلف بها المبايع عند المبايعة. <ref>ابن قدامه، المغني، ج۱۱، ص۳۳۰ </ref> وقد أشار ابن خلدون إلى هذه القضية في مقدمته حيث قال: إنّ [[الخليفة|الخلفاء]] كانوا يستحلفون على العهد ويستوعبون الأيمان كلها لذلك، فسمّي هذا الاستيعاب أيمان البيعة. <ref>ابن خلدون، المقدمة، ص۲۰۹ </ref> بل بلغ ببعض الحكام أن اعتبر الصفق بيد المبايع على يد الحاكم تحقيراً وإهانة للحاكم فعلى المبايع أن يقبّل الأرض أو يقبل يد الحاكم أو رجله. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، ج۱، ص۲۲۳ </ref> وقال ابن خلدون أيضا <ref>ابن خلدون، المقدمة، ص۲۰۹ </ref>: وأما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل، أطلق عليها اسم البيعة التي هي العهد على الطاعة مجازاً لما كان هذا الخضوع في التحية، والتزام الأداب، من لوازم الطاعة وتوابعها، وغلب فيه حتى صارت حقيقة عرفية واستغني بها عن مصافحة أيدي الناس التي هي الحقيقة في الأصل، لما في المصافحة لكل أحد من التنزل والابتذال المنافيين للرياسة، وصون المنصب الملوكي. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، ج۱، ص۲۲۳ </ref> وأشار [[السيوطي]] إلى نصّ خاص مكتوب للبيعة نقلا عن '''ابن الساعي''' الذي قال: حضرت مبايعة الخليفة الظاهر فكان جالسا في شباك القبة بثياب بيض وعليه الطرحة وعلى كتفه بردة النبي {{صل}} والوزير قائم بين يديه على منبر وأستاذ الدار دونه بمرقاة وهو يأخذ البيعة على الناس.
صحيح أنّ طريقة البيعة المتمثلة بالصفق باليد بقيت هي المعتمدة لفترة طويلة من الزمن إلا أن [[بنو أمية|الأمويين]] أضافوا إليها الاستحلاف تأكيدا للبيعة، كما ابتدع الحجاج يميناً خاصة سميت بـ "إيمان البيعة" يحلف بها المبايع عند المبايعة. <ref>ابن قدامه، المغني، ج۱۱، ص۳۳۰ </ref> وقد أشار ابن خلدون إلى هذه القضية في مقدمته حيث قال: إنّ [[الخليفة|الخلفاء]] كانوا يستحلفون على العهد ويستوعبون الأيمان كلها لذلك، فسمّي هذا الاستيعاب أيمان البيعة. <ref>ابن خلدون، المقدمة، ص2۰۹ </ref> بل بلغ ببعض الحكام أن اعتبر الصفق بيد المبايع على يد الحاكم تحقيراً وإهانة للحاكم فعلى المبايع أن يقبّل الأرض أو يقبل يد الحاكم أو رجله. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، ج۱، ص22۳ </ref> وقال ابن خلدون أيضا <ref>ابن خلدون، المقدمة، ص2۰۹ </ref>: وأما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل، أطلق عليها اسم البيعة التي هي العهد على الطاعة مجازاً لما كان هذا الخضوع في التحية، والتزام الأداب، من لوازم الطاعة وتوابعها، وغلب فيه حتى صارت حقيقة عرفية واستغني بها عن مصافحة أيدي الناس التي هي الحقيقة في الأصل، لما في المصافحة لكل أحد من التنزل والابتذال المنافيين للرياسة، وصون المنصب الملوكي. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، ج۱، ص22۳ </ref> وأشار [[السيوطي]] إلى نصّ خاص مكتوب للبيعة نقلا عن '''ابن الساعي''' الذي قال: حضرت مبايعة الخليفة الظاهر فكان جالسا في شباك القبة بثياب بيض وعليه الطرحة وعلى كتفه بردة النبي {{صل}} والوزير قائم بين يديه على منبر وأستاذ الدار دونه بمرقاة وهو يأخذ البيعة على الناس.
ولفظ المبايعة: أبايع سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبا نصر محمدا الظاهر بأمر الله على كتاب الله وسنة نبيّه واجتهاد أمير المؤمنين وأن لا خليفة سواه. <ref>السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص۲۶ </ref> كما جعل بعض الحكّام والخلفاء مراسم وتشريفات خاصة للبيعة.
ولفظ المبايعة: أبايع سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبا نصر محمدا الظاهر بأمر الله على كتاب الله وسنة نبيّه واجتهاد أمير المؤمنين وأن لا خليفة سواه. <ref>السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص2۶ </ref> كما جعل بعض الحكّام والخلفاء مراسم وتشريفات خاصة للبيعة.


== البيعة عند منتحلي الخلافة ==
== البيعة عند منتحلي الخلافة ==
ذكر السيد [[جعفر الشهيدي]] <ref>شهيدي، "بيعت وچگونگي آن در تاريخ اسلام"، ص۱۲۵ </ref> إنّ سنة البيعة بقيت رائجة حتى في الحكومات المنتحلة للخلافة الإسلامية ك[[الخوارج]] و[[بنو أمية|الأمويين]] بل وحتى [[العثمانيون|العثمانيين]] و...؛ كذلك كانت البيعة جارية في إيران من قبل الحكومات التابعة للخلافة الإسلامية. ويظهر توقف العمل بها بعد سقوط [[الدولة العباسية]].
ذكر السيد [[جعفر الشهيدي]] <ref>شهيدي، "بيعت وچگونگي آن در تاريخ اسلام"، ص۱2۵ </ref> إنّ سنة البيعة بقيت رائجة حتى في الحكومات المنتحلة للخلافة الإسلامية ك[[الخوارج]] و[[بنو أمية|الأمويين]] بل وحتى [[العثمانيون|العثمانيين]] و...؛ كذلك كانت البيعة جارية في إيران من قبل الحكومات التابعة للخلافة الإسلامية. ويظهر توقف العمل بها بعد سقوط [[الدولة العباسية]].
ثم إنّ أخذ البيعة لم ينحصر بالحكومات فقط بل كان جارياً في وسط الثوّار والمعارضين للحكومة المركزية من قبيل مبايعة العراقيين ل[[عبد الله بن الزبير]] <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج۳، ص۸۳ </ref> ومبايعة أصحاب [[زيد بن علي بن الحسين]] له، <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج۷، ص۱۶۷، ۱۷۱ </ref> ومبايعة جماعة من الثوار [[النفس الزكية (توضيح)|لمحمد بن عبد الله النفس الزكية]] في أواخر العصر الأموي وفي بدايات حكومة [[المنصور العباسي]]؛ <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج۳، ص۲۹۴، ۳۰۶ </ref> ومنها مبايعة الخراسانيين ل[[إبراهيم الإمام]] على يد [[أبو مسلم الخراساني|أبي مسلم الخراساني]]. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج۷، ص۳۷۹ـ۳۸۰ </ref>
ثم إنّ أخذ البيعة لم ينحصر بالحكومات فقط بل كان جارياً في وسط الثوّار والمعارضين للحكومة المركزية من قبيل مبايعة العراقيين ل[[عبد الله بن الزبير]] <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج۳، ص۸۳ </ref> ومبايعة أصحاب [[زيد بن علي بن الحسين]] له، <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج۷، ص۱۶۷، ۱۷۱ </ref> ومبايعة جماعة من الثوار [[النفس الزكية (توضيح)|لمحمد بن عبد الله النفس الزكية]] في أواخر العصر الأموي وفي بدايات حكومة [[المنصور العباسي]]؛ <ref>المسعودي، مروج الذّهب، ج۳، ص2۹۴، ۳۰۶ </ref> ومنها مبايعة الخراسانيين ل[[إبراهيم الإمام]] على يد [[أبو مسلم الخراساني|أبي مسلم الخراساني]]. <ref>ابن جرير، تاريخ الطبري، ج۷، ص۳۷۹ـ۳۸۰ </ref>


== مباحث كلامية وفقهية في موضوع البيعة ==
== مباحث كلامية وفقهية في موضوع البيعة ==
اصطبغ مفهوم البيعة بعد رحيل [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|النبي]] {{صل}} بصبغة سياسية، بل ذهب بعض مفكري العامّة إلى القول بتحول البيعة بعد [[سقيفة بني ساعدة|السقيفة]] إلى ظاهرة سياسية. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص۲۵۷ـ ۲۵۸ </ref>
اصطبغ مفهوم البيعة بعد رحيل [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|النبي]] {{صل}} بصبغة سياسية، بل ذهب بعض مفكري العامّة إلى القول بتحول البيعة بعد [[سقيفة بني ساعدة|السقيفة]] إلى ظاهرة سياسية. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص2۵۷ـ 2۵۸ </ref>
ومن الجدير بالملاحظة هنا أن دراسات مفكري العامّة [[علم الكلام|الكلامية]] و[[الفقه الإسلامي|الفقهية]] وإن أولت البيعة اهتماماً كبيراً ورتبت عليها الكثير من الآثار على المستويين الفقهي والكلامي إلا أنّها لم تهتم– الّا قليلا- بتسليط الأضواء على ماهية البيعة وتحليل جوهرها.
ومن الجدير بالملاحظة هنا أن دراسات مفكري العامّة [[علم الكلام|الكلامية]] و[[الفقه الإسلامي|الفقهية]] وإن أولت البيعة اهتماماً كبيراً ورتبت عليها الكثير من الآثار على المستويين الفقهي والكلامي إلا أنّها لم تهتم– الّا قليلا- بتسليط الأضواء على ماهية البيعة وتحليل جوهرها.
نعم، تعرضت المصادر الفقهية المتأخرة لدى الفريقين– [[الشيعة]] و[[أهل السنة|السنة-]] لبيان الماهية الحقوقية للبيعة، حيث طرحت مجموعة من الاحتمالات؛ فذهب الكثير منها- انطلاقا من الشبه بين البيعة وبين عقد البيع- إلى القول بأنّ البيعة عقد يتضمن تعهّد الطرفين. وبتعبير الفقهاء والحقوقيين: البيعة عقد معوّض. بأن يتعهد المبايِع بالطاعة والانصياع لأوامر الحاكم أو الخليفة والوفاء له فيما يتعهد المُبايَع بأن يحكم ب[[القرآن الكريم|كتاب الله]] و[[السنة النبوية|سنّة النبي]] والدفاع عن الرعية وتدبير شؤنهم بصدق وأمانة وغير ذلك.<ref>مكارم، انوار الفقاهة: كتاب البيع، ج۱، ص۵۱۷  و  قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ج۱، ص۲۷۳ـ ۲۷۴ </ref> فيما فسّرها البعض الآخر بأنّها: بيع النفس مقابل رضوان الله تعالى و[[الجنة]]. <ref>الطبرسي، جوامع الجامع، ذيل الآيه </ref>
نعم، تعرضت المصادر الفقهية المتأخرة لدى الفريقين– [[الشيعة]] و[[أهل السنة|السنة-]] لبيان الماهية الحقوقية للبيعة، حيث طرحت مجموعة من الاحتمالات؛ فذهب الكثير منها- انطلاقا من الشبه بين البيعة وبين عقد البيع- إلى القول بأنّ البيعة عقد يتضمن تعهّد الطرفين. وبتعبير الفقهاء والحقوقيين: البيعة عقد معوّض. بأن يتعهد المبايِع بالطاعة والانصياع لأوامر الحاكم أو الخليفة والوفاء له فيما يتعهد المُبايَع بأن يحكم ب[[القرآن الكريم|كتاب الله]] و[[السنة النبوية|سنّة النبي]] والدفاع عن الرعية وتدبير شؤنهم بصدق وأمانة وغير ذلك.<ref>مكارم، انوار الفقاهة: كتاب البيع، ج۱، ص۵۱۷  و  قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ج۱، ص2۷۳ـ 2۷۴ </ref> فيما فسّرها البعض الآخر بأنّها: بيع النفس مقابل رضوان الله تعالى و[[الجنة]]. <ref>الطبرسي، جوامع الجامع، ذيل الآيه </ref>
ثم، إنّ التأمل في البيعات التي تمّت في حياة [[النبي الأكرم]] {{صل}} يظهر رغم ايحائه بعقدية البيعة، إلا أنّ رصد واقعها التاريخي يؤكد أن حقيقة البيعة تعهد من قبل المُبايِع، ب[[الإسلام]] ونصرة النبي {{صل}} وطاعته ومجاهدة [[الكافرون|الكافرين]] و[[الشرك|المشركين]]، من دون أيّ تعهد من قبل النبي {{صل}}. نعم، ورد في حديث ذكره [[العلامة المجلسي|صاحب البحار]] وجود تعهد متقابل بين المُبايِع والمُبايَع. <ref>المجلسي، بحار، ج۱۹، ص۲۶ </ref> إلا أنّ المراد من حقوق المبايعين المذكورة في [[الحديث]] [[الآيات القرآنية|والآيات القرآنية]] هي النصرة والثواب الإلهي وهو في الحقيقة ثمرة البيعة والنتيجة المترتبة على الالتزام والتمسّك بمفادها، لا أنه عوض لعملية البيعة. وهذا ما أشار إليه [[أمير المؤمنين]] {{عليه السلام}} في الخطبة الرابعة والثلاثين من [[نهج البلاغة]] حين قال:
ثم، إنّ التأمل في البيعات التي تمّت في حياة [[النبي الأكرم]] {{صل}} يظهر رغم ايحائه بعقدية البيعة، إلا أنّ رصد واقعها التاريخي يؤكد أن حقيقة البيعة تعهد من قبل المُبايِع، ب[[الإسلام]] ونصرة النبي {{صل}} وطاعته ومجاهدة [[الكافرون|الكافرين]] و[[الشرك|المشركين]]، من دون أيّ تعهد من قبل النبي {{صل}}. نعم، ورد في حديث ذكره [[العلامة المجلسي|صاحب البحار]] وجود تعهد متقابل بين المُبايِع والمُبايَع. <ref>المجلسي، بحار، ج۱۹، ص2۶ </ref> إلا أنّ المراد من حقوق المبايعين المذكورة في [[الحديث]] [[الآيات القرآنية|والآيات القرآنية]] هي النصرة والثواب الإلهي وهو في الحقيقة ثمرة البيعة والنتيجة المترتبة على الالتزام والتمسّك بمفادها، لا أنه عوض لعملية البيعة. وهذا ما أشار إليه [[أمير المؤمنين]] {{عليه السلام}} في الخطبة الرابعة والثلاثين من [[نهج البلاغة]] حين قال:
:"وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ وَالْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ". <ref>نهج البلاغة، الخطبه ۳۴ </ref> ومن هنا نرى الكثير من المحققين يذهبون إلى تفسير مفهوم البيعة بـ "التعهد بالطاعة" أو "بذل الطاعة". <ref>الشهرستاني، مدخل الى علم الفقه، ص۱۵۵ و  معرفت، ولايت فقيه، ص۸۲ </ref> فيما ذهب آخرون إلى كونها عقد غير معوّض كالهبة غير المعوضة. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۲۲ </ref> بل هناك مَن أخرجها عن مقولة العقد وأدرجها تحت مقولة الإيقاعات. <ref>مكارم، أنوار الفقاهة: كتاب البيع، ج۱، ص۵۱۷ </ref> وقال آخرون: هي تعهد أحادي الطرف وليست من مقولة التعاهد. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص۲۷۶ </ref>
:"وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ وَالْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ". <ref>نهج البلاغة، الخطبه ۳۴ </ref> ومن هنا نرى الكثير من المحققين يذهبون إلى تفسير مفهوم البيعة بـ "التعهد بالطاعة" أو "بذل الطاعة". <ref>الشهرستاني، مدخل الى علم الفقه، ص۱۵۵ و  معرفت، ولايت فقيه، ص۸2 </ref> فيما ذهب آخرون إلى كونها عقد غير معوّض كالهبة غير المعوضة. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص22 </ref> بل هناك مَن أخرجها عن مقولة العقد وأدرجها تحت مقولة الإيقاعات. <ref>مكارم، أنوار الفقاهة: كتاب البيع، ج۱، ص۵۱۷ </ref> وقال آخرون: هي تعهد أحادي الطرف وليست من مقولة التعاهد. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص2۷۶ </ref>


=== أركان وشروط البيعة ===
=== أركان وشروط البيعة ===
للبيعة– على القول بأنّها عقد- ثلاثة أركان أساسية: المُبايِع والمُبايَع وموضوع البيعة. وعليه لا بد أن يتوفر في طرفي البيعة (العقد) الشروط اللازمة لصحة العقد من البلوغ والرشد والعقل. <ref>الآصفي، ولاية الأمر، ص۸۵ </ref> نعم، ورد في بعض المصادر تصحيح بيعة الصغار وغير البالغين. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، ج۱، ص۲۲۲ </ref> واشترط في بعض الأحاديث بالاضافة إلى ما مرّ استطاعة المبايع. <ref>البخاري الجعفي، صحيح البخاري، ج۸، ص۱۲۲ </ref> ومن الشروط التي ركّزت عليها الأبحاث الفقهية شرط الاختيار وعدم الإكراه في طرفي البيعة. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري اهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۱۳۳ـ ۱۳۸ و الآصفي، ولاية الامر، ص۸۶  </ref>
للبيعة– على القول بأنّها عقد- ثلاثة أركان أساسية: المُبايِع والمُبايَع وموضوع البيعة. وعليه لا بد أن يتوفر في طرفي البيعة (العقد) الشروط اللازمة لصحة العقد من البلوغ والرشد والعقل. <ref>الآصفي، ولاية الأمر، ص۸۵ </ref> نعم، ورد في بعض المصادر تصحيح بيعة الصغار وغير البالغين. <ref>كتاني، نظام الحكومة النبّوية، ج۱، ص222 </ref> واشترط في بعض الأحاديث بالاضافة إلى ما مرّ استطاعة المبايع. <ref>البخاري الجعفي، صحيح البخاري، ج۸، ص۱22 </ref> ومن الشروط التي ركّزت عليها الأبحاث الفقهية شرط الاختيار وعدم الإكراه في طرفي البيعة. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري اهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۱۳۳ـ ۱۳۸ و الآصفي، ولاية الامر، ص۸۶  </ref>
والجدير بالذكر أنّه ورد في بعض مصادر [[أهل السنة |أهل السنّة]] فساد البيعة شرعاً مع القهر والإكراه وإن ترتب الأثر عليها قانونا مع توفر سائر الشروط فيها. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۱۳۹ـ۱۴۰ </ref>
والجدير بالذكر أنّه ورد في بعض مصادر [[أهل السنة |أهل السنّة]] فساد البيعة شرعاً مع القهر والإكراه وإن ترتب الأثر عليها قانونا مع توفر سائر الشروط فيها. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۱۳۹ـ۱۴۰ </ref>


=== البيعة في الفكر السياسي في مدرسة الخلفاء ===
=== البيعة في الفكر السياسي في مدرسة الخلفاء ===
من المسائل التي وقع فيها البحث والجدال الفكري بين مدرستي [[أهل البيت]] (عليهم السلام) ومدرسة [[أهل السنة|الخلفاء]] مسألة البيعة؛ فقد حظي موضوع البيعة بعد حادث [[سقيفة بني ساعدة|السقيفة]] ومبايعة [[أبو بكر|الخليفة الأوّل]] باهتمام خاص من قبل متكلمي العامّة لبيان المباني و الدعائم الكلامية لهذا الحدث الخطير. من هنا طرحت في المصادر الكلامية– عندهم- نظرية اختيار الأمة للإمام وأنّ اختيار الإمام والخليفة من صلاحيات الأمّة حصراً؛ بل ذهب البعض إلى حصر تعيين الإمام والخليفة بالبيعة فقط. <ref>الباقلاني، التمهيد في الرد علي الملحدة المعطّلة والرافضة والخوارج والمعتزلة، ص۱۷۸ </ref> وقد اتّفقت كلمة [[أهل السنة]]، أو أكثرهم، على أنّ الإمامة من فروع الدين كما صرّح بذلك الماوردي وأبو يعلى الفراء وغيرهم <ref>جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، ج۴، ص۹ـ۱۲ </ref> ومن هنا رتبوا عليها آثار البحث الفقهي والحقوقي انطلاقا من هذه الرؤية المطروحة. <ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۷ به بعد </ref>
من المسائل التي وقع فيها البحث والجدال الفكري بين مدرستي [[أهل البيت]] (عليهم السلام) ومدرسة [[أهل السنة|الخلفاء]] مسألة البيعة؛ فقد حظي موضوع البيعة بعد حادث [[سقيفة بني ساعدة|السقيفة]] ومبايعة [[أبو بكر|الخليفة الأوّل]] باهتمام خاص من قبل متكلمي العامّة لبيان المباني و الدعائم الكلامية لهذا الحدث الخطير. من هنا طرحت في المصادر الكلامية– عندهم- نظرية اختيار الأمة للإمام وأنّ اختيار الإمام والخليفة من صلاحيات الأمّة حصراً؛ بل ذهب البعض إلى حصر تعيين الإمام والخليفة بالبيعة فقط. <ref>الباقلاني، التمهيد في الرد علي الملحدة المعطّلة والرافضة والخوارج والمعتزلة، ص۱۷۸ </ref> وقد اتّفقت كلمة [[أهل السنة]]، أو أكثرهم، على أنّ الإمامة من فروع الدين كما صرّح بذلك الماوردي وأبو يعلى الفراء وغيرهم <ref>جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، ج۴، ص۹ـ۱2 </ref> ومن هنا رتبوا عليها آثار البحث الفقهي والحقوقي انطلاقا من هذه الرؤية المطروحة. <ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۷ به بعد </ref>
وهناك– الكثير من فقهاء العامّة - من ضيّق الدائرة كثيراً حتى اعتبر بيعة "أهل الحلّ والعقد" كافية لإضفاء الشرعية على الخليفة. وذهبت [[الأشاعرة]] إلى الاجتزاء ببيعة شخص واحد ومنهم من اكتفى بشخصين وثلاثة ومنهم من اشترط مبايعة خمسة أشخاص. وفريق آخر قال باشتراط مبايعة أربعين شخصاً. بل نجد بين [[الفقهاء]] من لم يُشر إلى عدد خاص وقال ببيعة أكثر أهل الحل والعقد. وهناك من رأى بيعة جميع أهل الحل والعقد أو الإجماع. <ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۳۳ـ۳۴  و  الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلّته، ج۶، ص۶۸۵ـ۶۸۷ </ref> وهناك من أجمل العبارة وقال بكفاية مبايعة جماعة من أهل الحل والعقد. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص۲۶۸ </ref> أمّا الفقهاء المتأخرون والمعاصرون فقد ذهب الكثير منهم إلى اشتراط مبايعة أهل الحل والعقد لانعقاد البيعة العامّة، وأنّ للبيعة ثلاثة مراحل مهمة هي: ترشيح الشخص للخلافة؛<ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۳۳ـ۳۵  و  الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلّته، ج۶، ص۶۸۳ـ۶۸۴ </ref> تليها البيعة الخاصة أو الصغرى ثم البيعة الكبرى. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۷۳ـ ۱۰۵ </ref> وقد فصّل '''الماوردي''' الكلام في مقدمات ومراحل البيعة. <ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۳۳ـ ۳۷ </ref>
وهناك– الكثير من فقهاء العامّة - من ضيّق الدائرة كثيراً حتى اعتبر بيعة "أهل الحلّ والعقد" كافية لإضفاء الشرعية على الخليفة. وذهبت [[الأشاعرة]] إلى الاجتزاء ببيعة شخص واحد ومنهم من اكتفى بشخصين وثلاثة ومنهم من اشترط مبايعة خمسة أشخاص. وفريق آخر قال باشتراط مبايعة أربعين شخصاً. بل نجد بين [[الفقهاء]] من لم يُشر إلى عدد خاص وقال ببيعة أكثر أهل الحل والعقد. وهناك من رأى بيعة جميع أهل الحل والعقد أو الإجماع. <ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۳۳ـ۳۴  و  الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلّته، ج۶، ص۶۸۵ـ۶۸۷ </ref> وهناك من أجمل العبارة وقال بكفاية مبايعة جماعة من أهل الحل والعقد. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص2۶۸ </ref> أمّا الفقهاء المتأخرون والمعاصرون فقد ذهب الكثير منهم إلى اشتراط مبايعة أهل الحل والعقد لانعقاد البيعة العامّة، وأنّ للبيعة ثلاثة مراحل مهمة هي: ترشيح الشخص للخلافة؛<ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۳۳ـ۳۵  و  الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلّته، ج۶، ص۶۸۳ـ۶۸۴ </ref> تليها البيعة الخاصة أو الصغرى ثم البيعة الكبرى. <ref>عبدالمجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي، ص۷۳ـ ۱۰۵ </ref> وقد فصّل '''الماوردي''' الكلام في مقدمات ومراحل البيعة. <ref>الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۳۳ـ ۳۷ </ref>
==== البيعة في الفكر السياسي الحديث عند أهل السنة ====
==== البيعة في الفكر السياسي الحديث عند أهل السنة ====
بذل الكثير من الفقهاء والمفكرين المعاصرين من [[أهل السنة]] جهوداً كبيرة _من خلال تحليل حقيقة البيعة وأنّها عقد بتعهدات متبادلة وتطبيق ذلك على عقد الوكالة_ للقول بأنّ البيعة تتطابق مع نظرية العقد الاجتماعي التي طرحها '''روسو'''. بل ذهب '''الزحيلي''' إلى أبعد من ذلك حيث قال: :هذه النظرية سبقت نظرية الفقيه الفرنسي جان جاك روسو الذي افترض أنّ أساس السلطة السياسية أو السيادة هو عقد اجتماعي بين الشعب والحاكم... <ref>الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلّته، ج۶، ص۶۸۴ </ref>
بذل الكثير من الفقهاء والمفكرين المعاصرين من [[أهل السنة]] جهوداً كبيرة _من خلال تحليل حقيقة البيعة وأنّها عقد بتعهدات متبادلة وتطبيق ذلك على عقد الوكالة_ للقول بأنّ البيعة تتطابق مع نظرية العقد الاجتماعي التي طرحها '''روسو'''. بل ذهب '''الزحيلي''' إلى أبعد من ذلك حيث قال: :هذه النظرية سبقت نظرية الفقيه الفرنسي جان جاك روسو الذي افترض أنّ أساس السلطة السياسية أو السيادة هو عقد اجتماعي بين الشعب والحاكم... <ref>الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلّته، ج۶، ص۶۸۴ </ref>
وعلى هذا الأساس تكون مبايعة الأكثرية من الشعب ملزمة للأقليّة. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص۲۷۶ و عنايت، انديشه سياسي در اسلام معاصر، ص۲۳۲ـ۲۳۳ </ref> ويظهر أنّ أوّل فقيه طرح هذه النظرية في الوسط السني هو الشيخ [[محمد عبده]]. <ref>عنايت، انديشه سياسي در اسلام معاصر، ص۲۳۶ </ref> وإن واجهت هذه النظرية انتقادات كثيرة حتى في الوسط السنّي نفسه.
وعلى هذا الأساس تكون مبايعة الأكثرية من الشعب ملزمة للأقليّة. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ج۱، ص2۷۶ و عنايت، انديشه سياسي در اسلام معاصر، ص2۳2ـ2۳۳ </ref> ويظهر أنّ أوّل فقيه طرح هذه النظرية في الوسط السني هو الشيخ [[محمد عبده]]. <ref>عنايت، انديشه سياسي در اسلام معاصر، ص2۳۶ </ref> وإن واجهت هذه النظرية انتقادات كثيرة حتى في الوسط السنّي نفسه.


=== البيعة في الفكر السياسي الشيعي ===
=== البيعة في الفكر السياسي الشيعي ===
يرى [[الفكر السياسي الشيعي]] أنّ البيعة لم تكن بالأمر المطاط والسيّال في كل الأمور بل هناك موضوعات لا تصح البيعة فيها ولابد أن يكون موضوع عقد البيعة مشروعا ومسموحا به من ناحية المقنن الإسلامي حتى على القول بأنّ "البيعة عقد". فعلى سبيل المثال يرى [[علم الكلام|المتكلمون]] الشيعة أنّ [[الإمامة]] وخلافة [[النبي الأكرم]] {{صل}} من الموضوعات التي لا تتم بالبيعة، بل قام الدليلان العقلي والنقلي على ثبوتها بالنص والدليل الشرعي وأنّ الإمام لا بد أن يكون منصوصا عليه من عند [[الله]] وعلى لسان النبي. <ref>مظفر، دلائل الصِّدْق، ج۲، ص۲۵ـ۳۲ </ref> نعم، يمكن الاستناد– عند بعض الفقهاء الشيعة- للقول بلزوم عقد البيعة إلى أدلة لزوم الوفاء بالعقد أو الشرط كقوله تعالى "أوفوا بالعقود" <ref>  المائدة: ۱ و السبحاني، مفاهيم القرآن في معالم الحكومة الاسلاميه، ص۲۶۲ـ۲۶۳ و الحائري، ولاية الأمر في عصر الغيبة، ص۲۰۱ـ۲۰۲ </ref>. إلا أنّ تلك الأدلة بنفسها لا تصحّّ لإضفاء المشروعية على موضوع العقد بل أقصى ما تدل عليه هو لزوم الوفاء بشروط العقود المشروعة. <ref>الحائري، ولاية الامر في عصر الغيبة، ص۱۶۴ و خلخالي، حاكميت در اسلام، ص۵۸۰ </ref>
يرى [[الفكر السياسي الشيعي]] أنّ البيعة لم تكن بالأمر المطاط والسيّال في كل الأمور بل هناك موضوعات لا تصح البيعة فيها ولابد أن يكون موضوع عقد البيعة مشروعا ومسموحا به من ناحية المقنن الإسلامي حتى على القول بأنّ "البيعة عقد". فعلى سبيل المثال يرى [[علم الكلام|المتكلمون]] الشيعة أنّ [[الإمامة]] وخلافة [[النبي الأكرم]] {{صل}} من الموضوعات التي لا تتم بالبيعة، بل قام الدليلان العقلي والنقلي على ثبوتها بالنص والدليل الشرعي وأنّ الإمام لا بد أن يكون منصوصا عليه من عند [[الله]] وعلى لسان النبي. <ref>مظفر، دلائل الصِّدْق، ج2، ص2۵ـ۳2 </ref> نعم، يمكن الاستناد– عند بعض الفقهاء الشيعة- للقول بلزوم عقد البيعة إلى أدلة لزوم الوفاء بالعقد أو الشرط كقوله تعالى "أوفوا بالعقود" <ref>  المائدة: ۱ و السبحاني، مفاهيم القرآن في معالم الحكومة الاسلاميه، ص2۶2ـ2۶۳ و الحائري، ولاية الأمر في عصر الغيبة، ص2۰۱ـ2۰2 </ref>. إلا أنّ تلك الأدلة بنفسها لا تصحّّ لإضفاء المشروعية على موضوع العقد بل أقصى ما تدل عليه هو لزوم الوفاء بشروط العقود المشروعة. <ref>الحائري، ولاية الامر في عصر الغيبة، ص۱۶۴ و خلخالي، حاكميت در اسلام، ص۵۸۰ </ref>
ثم إنّ ماهية البيعة في حياة النبي {{صل}}- عند مفكري الشيعة– انطلاقا من المعنى اللغوي ووجوب طاعة الرسول فضلا عن الأدلة العقلية والنقلية، لم تكن إنشائية، بل هي ذات جنبة تأكيدية فقط لتعزيز وتأكيد الإيمان وطاعة الرسول عملا والتعهد يلزم الإيمان. وحسب تعبير البعض: إيجاد غاية جديدة لنصرة النبي وطاعته؛ إذ أنّ أصل مشروعية النبي وثبوت مقام الولاية له بل حتى وجوب اتباعه لا تتوقف على البيعة. <ref>منتظري، دراسات، ج۱، ص۵۲۶ و  مكارم، أنوار الفقاهة: كتاب البيع، ج۱، ص۵۱۸ ـ ۵۱۹ </ref>وهذا البعد بالتأكيد ربما يكون مشهودا في البيعات التي حصلت في عصر الخلفاء خاصّة في البيعات التي سبقها تنصيب من الخليفة السابق من قبيل خلافتي [[عمر بن الخطاب]] و[[عثمان بن عفان]]. <ref> السبحاني، مفاهيم القرآن في معالم الحكومة الاسلامية، ص۲۶۳ و كاظم الحائري، ولاية الأمر في عصر الغيبة، ص۲۰۹ </ref> وهذه النظرية في الفكر السني مستلة– ظاهراً- من تقاليد العرب قبل الإسلام، حيث كان رائجاً بينهم إذا مات منهم أمير أو رئيس عمدوا إلى (شخص) فأقاموه مكان الراحل بالبيعة. ومن هنا فإن تعيين بعض الخلفاء بعد النبيّ {{صل}} كان من هذا المنطلق حسب الظاهر، وإن كان على غير ذلك في الباطن، فإنّ الظاهر هو أنّ خلافة أبي بكر تمّت في السقيفة، وانتهى كلّ شي‏ء هناك، ثمّ أريد من بقية الناس- بعد السقيفة- أن يبايعوا أبا بكر، لتعميم نفوذه. فكانت بيعتهم للخليفة بمثابة التأييد والتسليم لما تمّ في السقيفة قبلًا، وكانت خلافة عثمان قد تمت وتحققت بالشورى فكانت البيعة بعد الشورى تنفيذاً لقرارها. وإمضاءً، لا اختياراً وانتخاباً شعبياً. <ref>انظر: السبحاني: مفاهيم القرآن، ج‏2، ص: 240</ref> أو أنّ ذلك قائم على الاعتقاد بأنّ جميع [[الخلافة|خلفاء]] الرسول {{صل}} يتم انتخابهم من قبل الأمّة عن طريق البيعة، ولم ينص [[النبي]] على أحد منهم.
ثم إنّ ماهية البيعة في حياة النبي {{صل}}- عند مفكري الشيعة– انطلاقا من المعنى اللغوي ووجوب طاعة الرسول فضلا عن الأدلة العقلية والنقلية، لم تكن إنشائية، بل هي ذات جنبة تأكيدية فقط لتعزيز وتأكيد الإيمان وطاعة الرسول عملا والتعهد يلزم الإيمان. وحسب تعبير البعض: إيجاد غاية جديدة لنصرة النبي وطاعته؛ إذ أنّ أصل مشروعية النبي وثبوت مقام الولاية له بل حتى وجوب اتباعه لا تتوقف على البيعة. <ref>منتظري، دراسات، ج۱، ص۵2۶ و  مكارم، أنوار الفقاهة: كتاب البيع، ج۱، ص۵۱۸ ـ ۵۱۹ </ref>وهذا البعد بالتأكيد ربما يكون مشهودا في البيعات التي حصلت في عصر الخلفاء خاصّة في البيعات التي سبقها تنصيب من الخليفة السابق من قبيل خلافتي [[عمر بن الخطاب]] و[[عثمان بن عفان]]. <ref> السبحاني، مفاهيم القرآن في معالم الحكومة الاسلامية، ص2۶۳ و كاظم الحائري، ولاية الأمر في عصر الغيبة، ص2۰۹ </ref> وهذه النظرية في الفكر السني مستلة– ظاهراً- من تقاليد العرب قبل الإسلام، حيث كان رائجاً بينهم إذا مات منهم أمير أو رئيس عمدوا إلى (شخص) فأقاموه مكان الراحل بالبيعة. ومن هنا فإن تعيين بعض الخلفاء بعد النبيّ {{صل}} كان من هذا المنطلق حسب الظاهر، وإن كان على غير ذلك في الباطن، فإنّ الظاهر هو أنّ خلافة أبي بكر تمّت في السقيفة، وانتهى كلّ شي‏ء هناك، ثمّ أريد من بقية الناس- بعد السقيفة- أن يبايعوا أبا بكر، لتعميم نفوذه. فكانت بيعتهم للخليفة بمثابة التأييد والتسليم لما تمّ في السقيفة قبلًا، وكانت خلافة عثمان قد تمت وتحققت بالشورى فكانت البيعة بعد الشورى تنفيذاً لقرارها. وإمضاءً، لا اختياراً وانتخاباً شعبياً. <ref>انظر: السبحاني: مفاهيم القرآن، ج‏2، ص: 240</ref> أو أنّ ذلك قائم على الاعتقاد بأنّ جميع [[الخلافة|خلفاء]] الرسول {{صل}} يتم انتخابهم من قبل الأمّة عن طريق البيعة، ولم ينص [[النبي]] على أحد منهم.
إلا أنّ هذه النظرية لا يصحّ الركون إلى كلا الفرضين المذكورين فيها.
إلا أنّ هذه النظرية لا يصحّ الركون إلى كلا الفرضين المذكورين فيها.
الإشكال الآخر الذي يسجّله مفكرو الإمامية على هذه النظرية أنّها تنطوي على الإجبار أو الإكراه - على أقل التقادير– في أكثر بيعات الخلفاء التي حصلت على مرّ التاريخ وهذا ما اعترف به بعض مفكري أهل السنّة. <ref>الخطيب، الخلافة والامامة، ص۴۰۹ـ۴۱۲ </ref> فقد أثبت الواقع التاريخي امتناعَ أمير المؤمنين {{عليه السلام}} وبنو هاشم والكثير من كبار [[الصحابة]] عن مبايعة أبي بكر بعد السقيفة إلا أن السلطة تمكنت من أخذ البيعة منهم مكرهين. <ref>علم الهدى، الشّافي في الامامة، ج۲، ص۱۲، ۱۵۱ و  المسعودي، مروج الذّهب، ج۲، ص۳۰۷ـ۳۰۹ </ref> بل صرّح بذلك أحد الأعمدة المؤسسة للبيعة المذكورة حينما قال: "إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وتمّت ألا وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها". <ref>السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص۶۷ </ref> ولم يرصد لنا التاريخ– بعد رسول الله- بيعة تمّت عن اختيار إلا مبايعة أمير المؤمنين [[علي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}}، فرغم إصرار بعض المقربين منه على التعجيل بالبيعة كان {{عليه السلام}} يرفض أن تكون بيعته عن إكراه وفي غلسة من الأمر بل أرادها بيعة عن اختيار وعلانية. ولم يتخلف عن بيعته إلا القليل ومع ذلك لم يحرمهم من حقوقهم شيئا. <ref>التستري، بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغه، ج۶، ص۲۵۷ </ref>
الإشكال الآخر الذي يسجّله مفكرو الإمامية على هذه النظرية أنّها تنطوي على الإجبار أو الإكراه - على أقل التقادير– في أكثر بيعات الخلفاء التي حصلت على مرّ التاريخ وهذا ما اعترف به بعض مفكري أهل السنّة. <ref>الخطيب، الخلافة والامامة، ص۴۰۹ـ۴۱2 </ref> فقد أثبت الواقع التاريخي امتناعَ أمير المؤمنين {{عليه السلام}} وبنو هاشم والكثير من كبار [[الصحابة]] عن مبايعة أبي بكر بعد السقيفة إلا أن السلطة تمكنت من أخذ البيعة منهم مكرهين. <ref>علم الهدى، الشّافي في الامامة، ج2، ص۱2، ۱۵۱ و  المسعودي، مروج الذّهب، ج2، ص۳۰۷ـ۳۰۹ </ref> بل صرّح بذلك أحد الأعمدة المؤسسة للبيعة المذكورة حينما قال: "إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وتمّت ألا وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها". <ref>السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص۶۷ </ref> ولم يرصد لنا التاريخ– بعد رسول الله- بيعة تمّت عن اختيار إلا مبايعة أمير المؤمنين [[علي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}}، فرغم إصرار بعض المقربين منه على التعجيل بالبيعة كان {{عليه السلام}} يرفض أن تكون بيعته عن إكراه وفي غلسة من الأمر بل أرادها بيعة عن اختيار وعلانية. ولم يتخلف عن بيعته إلا القليل ومع ذلك لم يحرمهم من حقوقهم شيئا. <ref>التستري، بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغه، ج۶، ص2۵۷ </ref>
والجدير بالذكر أن بعض الكتّاب السنة <ref>الكاتب، تطّور الفكر السياسي الشيعي، ص۱۴ـ۱۵ </ref> ذهب إلى القول بأنّ علي بن أبي طالب و[[الإمام الحسين]] (عليهما السلام) يؤمنان بكون البيعة طريقاً لتحقق الإمامة مستنداً في ذلك على ما جاء في [[نهج البلاغة]] <ref>و من جملة ذلك الخطبة ۸، ۱۳۷، ۱۷۲، ۲۱۸، والرسالة ۱، ۶، ۷، ۵۴ </ref> وما نسب [[الامام الحسن|للامام الحسن]] {{عليه السلام}} من كلمات يؤكّدان فيها (عليهما السلام) أنّ البيعة ملزمة [[المسلم|للمسلمين]] بما فيهم غير المبايعين أيضا. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ج۱، ص۲۶۵ </ref>
والجدير بالذكر أن بعض الكتّاب السنة <ref>الكاتب، تطّور الفكر السياسي الشيعي، ص۱۴ـ۱۵ </ref> ذهب إلى القول بأنّ علي بن أبي طالب و[[الإمام الحسين]] (عليهما السلام) يؤمنان بكون البيعة طريقاً لتحقق الإمامة مستنداً في ذلك على ما جاء في [[نهج البلاغة]] <ref>و من جملة ذلك الخطبة ۸، ۱۳۷، ۱۷2، 2۱۸، والرسالة ۱، ۶، ۷، ۵۴ </ref> وما نسب [[الامام الحسن|للامام الحسن]] {{عليه السلام}} من كلمات يؤكّدان فيها (عليهما السلام) أنّ البيعة ملزمة [[المسلم|للمسلمين]] بما فيهم غير المبايعين أيضا. <ref>قاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ج۱، ص2۶۵ </ref>
وهذا الكلام لا يصمد أمام النقد العلمي؛ وذلك لأنّ عدم ثبوت الإمامة بالبيعة من ضروريات الفكر الشيعي يضاف إلى ذلك أن أمير المؤمنين {{عليه السلام}} نفسه قد صرح بعدم تحقق الإمامة بالبيعة. <ref>نهج البلاغه، الخطبة ۲، ۱۰۵، ۱۴۴ والرسالة ۲۸، ۶۲ وحكمت ۱۴۷ </ref> ولهذا السبب وغيره من الأدلة <ref>مكارم، أنوار الفقاهة، كتاب البيع، ج۱، ص۵۲۳ ـ ۵۲۵ </ref> لا بد من حمل كلامه {{عليه السلام}} على أنه صادر من باب الجدل والمناظرة وإسكات الخصم واقناعه. <ref>الآصفي، ولاية الامر، ص۹۵ </ref>
وهذا الكلام لا يصمد أمام النقد العلمي؛ وذلك لأنّ عدم ثبوت الإمامة بالبيعة من ضروريات الفكر الشيعي يضاف إلى ذلك أن أمير المؤمنين {{عليه السلام}} نفسه قد صرح بعدم تحقق الإمامة بالبيعة. <ref>نهج البلاغه، الخطبة ۱۰۵، ۱۴۴ والرسالة 2۸، ۶2 وحكمت ۱۴۷ </ref> ولهذا السبب وغيره من الأدلة <ref>مكارم، أنوار الفقاهة، كتاب البيع، ج۱، ص۵2۳ ـ ۵2۵ </ref> لا بد من حمل كلامه {{عليه السلام}} على أنه صادر من باب الجدل والمناظرة وإسكات الخصم واقناعه. <ref>الآصفي، ولاية الامر، ص۹۵ </ref>


==== البيعة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر ====
==== البيعة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر ====
سطر ١٥٤: سطر ١٥٤:
* فضل بن الحسن الطبرسي، جوامع الجامع في تفسير القرآن المجيد، تبريز ۱۳۷۹هـ ق.
* فضل بن الحسن الطبرسي، جوامع الجامع في تفسير القرآن المجيد، تبريز ۱۳۷۹هـ ق.
*فضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، طبعة هاشم رسولي محلاتي وفضل الله يزدي طباطبائي، بيروت ۱۴۰۸هـ ق/۱۹۸۸م؛
*فضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، طبعة هاشم رسولي محلاتي وفضل الله يزدي طباطبائي، بيروت ۱۴۰۸هـ ق/۱۹۸۸م؛
* محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، تاريخ الامم والملوك، طبعة محمد أبوالفضل إبراهيم، بيروت، ۱۳۸۲ـ۱۳۸۷هـ ق/۱۹۶۲ـ۱۹۶۷م.
* محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، تاريخ الامم والملوك، طبعة محمد أبوالفضل إبراهيم، بيروت، ۱۳۸2ـ۱۳۸۷هـ ق/۱۹۶2ـ۱۹۶۷م.
*أحمد فوأد عبد الجواد عبد المجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي في الفكر السياسي الحديث، دراسة مقارنة في الفلسفة السياسية، القاهرة ۱۹۹۸م.
*أحمد فوأد عبد الجواد عبد المجيد، البيعة عند مفكري أهل السنة والعقد الاجتماعي في الفكر السياسي الحديث، دراسة مقارنة في الفلسفة السياسية، القاهرة ۱۹۹۸م.
*علي بن حسين علم الهدى، الشّافي في الإمامة، ج۲، طهران ۱۴۱۰هـ ق.
*علي بن حسين علم الهدى، الشّافي في الإمامة، ج2، طهران ۱۴۱۰هـ ق.
* حميد عنايت، انديشة سياسي در اسلام معاصر[الفكر السياسي في الإسلام المعاصر]، ترجمة بهاء الدين خرمشاهي، طهران ۱۳۶۲هـ ش.
* حميد عنايت، انديشة سياسي در اسلام معاصر[الفكر السياسي في الإسلام المعاصر]، ترجمة بهاء الدين خرمشاهي، طهران ۱۳۶2هـ ش.
*حميد عنايت، سيري در انديشة سياسي عرب[جولة في الفكر السياسي العربي]، طهران ۱۳۷۰هـ ش.
*حميد عنايت، سيري در انديشة سياسي عرب[جولة في الفكر السياسي العربي]، طهران ۱۳۷۰هـ ش.
*محمد فاكر ميبدي، بيعت ونقش آن در حكومت اسلامي[البيعة ودورها في الحكومة الإسلامية]، حكومت اسلامي، السنة ۲، العدد ۳، پاييز ۱۳۷۶.
*محمد فاكر ميبدي، بيعت ونقش آن در حكومت اسلامي[البيعة ودورها في الحكومة الإسلامية]، حكومت اسلامي، السنة العدد ۳، پاييز ۱۳۷۶.
*خليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، طبعة مهدي مخزومي وإبراهيم سامرائي، قم ۱۴۰۵هـ ق.
*خليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، طبعة مهدي مخزومي وإبراهيم سامرائي، قم ۱۴۰۵هـ ق.
*أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، بيروت [بلا ‌تا]؛
*أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، بيروت [بلا ‌تا]؛
سطر ١٦٩: سطر ١٦٩:
* محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، طبعة علي اكبر غفاري، بيروت ۱۴۰۱.
* محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، طبعة علي اكبر غفاري، بيروت ۱۴۰۱.
*علي بن محمد ماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدّينية، بيروت ۱۴۱۰/ ۱۹۹۰.
*علي بن محمد ماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدّينية، بيروت ۱۴۱۰/ ۱۹۹۰.
*محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، بحار الأنوار، بيروت ۱۴۰۳/ ۱۹۸۳، ج۲۹ـ۳۰، طبعة عبد الزهراء علوية، بيروت، بلا ‌تا.
*محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، بحار الأنوار، بيروت ۱۴۰۳/ ۱۹۸۳، ج2۹ـ۳۰، طبعة عبد الزهراء علوية، بيروت، بلا ‌تا.
*علي بن حسين المسعودي، مروج الذّهب ومعادن الجوهر، طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد، مصر ۱۳۸۴ـ۱۳۸۵هـ ق/ ۱۹۶۴ـ ۱۹۶۵م.
*علي بن حسين المسعودي، مروج الذّهب ومعادن الجوهر، طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد، مصر ۱۳۸۴ـ۱۳۸۵هـ ق/ ۱۹۶۴ـ ۱۹۶۵م.
*محمد حسن المظفر، دلائل الصِّدْق، بيروت، بلا ‌تا.
*محمد حسن المظفر، دلائل الصِّدْق، بيروت، بلا ‌تا.
*محمدهادي معرفت، ولايت الفقيه، قم ۱۳۷۷هـ ش.
*محمدهادي معرفت، ولايت الفقيه، قم ۱۳۷۷هـ ش.
* لويس معلوف، المنجد في اللغة والاعلام، بيروت ۱۹۷۳ـ۱۹۸۲م، طبعة أفست طهران ۱۳۶۲هـ ش.
* لويس معلوف، المنجد في اللغة والاعلام، بيروت ۱۹۷۳ـ۱۹۸2م، طبعة أفست طهران ۱۳۶2هـ ش.
*محمد بن محمد المفيد، الإرشاد، قم، بلا ‌تا.* ناصر مكارم شيرازي، أنوار الفقاهة، كتاب البيع، جزء۱، قم ۱۴۱۱هـ ق.
*محمد بن محمد المفيد، الإرشاد، قم، بلا ‌تا.* ناصر مكارم شيرازي، أنوار الفقاهة، كتاب البيع، جزء۱، قم ۱۴۱۱هـ ق.
*حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدّولة الاسلامية، قم ۱۴۰۹ـ ۱۴۱۱هـ ق.
*حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدّولة الاسلامية، قم ۱۴۰۹ـ ۱۴۱۱هـ ق.
مستخدم مجهول