انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «صلاة التراويح»

أُزيل ٤٨٬٠٤٥ بايت ،  ١٧ يناير ٢٠١٨
ط
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Esmati
طلا ملخص تعديل
imported>Bassam
طلا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
[[ملف:التراويح.jpg|تصغير|يسار|صورة عن صلاة التراويح]]
[[ملف:التراويح.jpg|تصغير|يسار|صورة عن صلاة التراويح]]
'''صلاة التراويح'''، أو '''صلاة القيام'''، يؤديها [[المسلم|المسلمون]] السنّة في ليالي [[شهر رمضان]]، تؤدى جماعة، و يبدأ وقتها بعد صلاة العشاء حتى الفجر، اعتاد [[أهل السنة]] على تلاوة جزء من [[القرآن]] خلال هذه الصلاة.
{{مقالة فقهية وصفية}}
'''التراويح''' هي صلاة يُصليها [[أهل السنة]] بصورة جماعية في [[شهر رمضان]]، وسُميت بذلك لاستراحة المصلي بين كل تسليمتين، و[[عمر بن الخطاب]] أول من جمع الناس على إمام يُصلي بهم التراويح في شهر رمضان.


== توقيفية العبادات في الإسلام و المشرع هو الله فحسب ==
وذهب [[الفقهاء|فقهاء]] [[الشيعة]] إلى أنها [[البدعة|بدعة]] مُحرّمة، تبعا [[الأئمة الأطهار|لأئمة أهل البيت]]{{عليهم السلام}}، فقد وردت الكثير من [[الروايات]] عنهم{{عليهم السلام}} المصرحة ببدعيتها، وقد نهى [[أمير المؤمنين الإمام علي|أمير المؤمنين]]{{ع}} [[المسلمين]] من إقامتها في [[المسجد]] جماعة.


اعتمد المسلمون السنة في الاستدلال على هذه [[الصلاة]] بالروايات التي تحث على قيام رمضان و [[إحياء]] لياليه بالعبادة مما يروونه عن [[النبي]] {{صل}}.
عدّها فقهاء [[أهل السنة]] من [[المستحب|السُنَّة]]، وقال بعض [[المالكية]]: أنها سُنَّة مؤكدة.
تتميّز عبادات [[الإسلام]] بأنّها توقيفية في نوعها و كيفيتها و تفاصيلها، و ليس للإنسان حق في أن ينقص منها أو يزيد فيها شيئاً بحسب رأيه، و على هذا إجماع المسلمين قاطبة.


من هنا نجد ضرورة البحث في ما يقوم به بعض المسلمين في [[وقائع رمضان المبارك|شهر رمضان]] من أداء صلاة باسم صلاة التراويح؛ هل شرّعها الشارع الحكيم و بيّن حكمها و تفاصيلها؟ أم لم تشرع في الشريعة الإسلامية فتكون حينئذٍ بدعة و البدعة محرّمة، حيث لا أساس لها في الكتاب و لا السنّة النبوية الشريفة؟!
==تعريفها==
التراويح: جمع تَروِيحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، سمّيت بذلك لاستراحة القوم بين كل تسليمتين،<ref>ابن منظور، لسان العرب، ج 2، ص 462.</ref>
وفي الشرع هي صلاة [[مستحبات|مسنونة]]، تقام بعد [[صلاة|صلاة العشاء]] في رمضان، سميت بذلك لاستراحة المصلي بين كل تسليمتين،<ref>أبو جيب، القاموس الفقهي لغة واصطلاحا‌، ص 155.</ref> وعُرفت أيضا بـ: هي قيام [[شهر رمضان]] مثنى مثنى على اختلاف بين [[الفقهاء]] في عدد ركعاتها، وغير ذلك من مسائلها.<ref>عبد الرحمن، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، ج‌ 2، ص 380.</ref>


==معنى التراويح==
==كيفيتها==
قال السرخسي: فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا، وقال [[مالك بن أنس|مالك]]: السُّنَّة فيها ستة وثلاثون، قال [[أبو حنيفة]]: يُصلي عشرين ركعة كما هو [[السنة|السُّنَّة]] ويُصلي الباقي فرادى كل تسليمتين أربع ركعات، وقال [[الشافعي]]: لا بأس بأداء الكل جماعة كما قال مالك بناء على أن [[النوافل]] بجماعة [[المستحب|مستحب]] عنده، وهو [[مكروه]] عندنا.<ref>السرخسي، المبسوط، ج 2، ص 144.</ref>


التراويح جمع "ترويحة" و هي في أصلها اللغوي تعني "إيصال الراحة" ثم لحقها التخصيص في المعنى.
==حكمها في الروايات==
لقد وردت الكثير من [[الروايات]] من [[أهل بيت(ع)|أهل بيت العصمة]]{{عليهم السلام}} ذكرت حكم صلاة التراويح، ومنها:
*روي عن [[النبي (ص)|النبي]]{{صل}} حيث بيّن أن الصلاة بالليل في [[شهر رمضان]] من النافلة جماعة [[بدعة]]، وكذلك الحال في صلاة الضحى وأنَّ البدعة ضلالة وهي في [[النار]].<ref>الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة، ج 4، ص 219.</ref>
*روي عن [[الصادق (ع)|أبي عبد اللَّه]]{{ع}} انه قال: أنَّ قيام ليل شهر رمضان جماعة بدعة، وأنَّ النبي{{صل}} لم يصلها وأنه نهى [[المسلمين]] من صلاتها جماعة، وقال له: أنها بدعة، وأنَّ هذه الصلاة لم يُصلها المسلمون أيام حكم [[أبي بكر]] ولا بداية أيام حكم [[عمر بن الخطاب|عمر]]، بل ابتدعها بعد ذلك فاتبعه الناس.<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 94، ص 381.</ref>‏
*روي عن [[الرضا (ع)|الرضا]] {{ع}} في حديث قال: ولا تجوزُ التراويح في [[صلاة الجماعة|جماعة]].<ref>الحراني، تحف العقول، ص 419.</ref>


و أصبحت تطلق على كل أربع ركعات من الصلاة المسماة "بالتراويح" من باب المجاز، لأن الناس كانوا و ما يزالون يستريحون بالجلسة بعدها أو يعقبونها بترويحة.
==ابتداعها==
قال اليعقوبي: وفي هذه السنة سنَّ [[عمر بن الخطاب]] قيام [[شهر رمضان]]، وكتب بذلك إلى البلدان، وأمر [[أبي بن كعب]] و[[تميم الداري|تميما الداري]] أن يصليا بالناس، فقيل له في ذلك: إن [[رسول الله(ص)|رسول الله]] لم يفعله، وإن [[أبا بكر]] لم يفعله، فقال: إن تكن [[البدعة|بدعة]] فما أحسنها من بدعة.<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ص 161.</ref>


و لقد سميت صلاة التراويح هكذا حيث يجلس المصلي بعد كل أربع ركعات للإستراحة، و من ثم سميت التراويح، و بمعنى آخر فيها يكون بين كل تسليمتين جلسة يستريح المصلي، و كل ركعتين من التراويح صلاة مستقلة.
قال الطبري: وهو - عمر بن الخطاب - أول من جمع الناس على إمام يُصلي بهم التراويح في شهر رمضان، وكتب بذلك إلى البلدان، وأمرهم به، وذلك- فيما حدثني به الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، عن محمد بن عمر في سنة أربع عشرة، وجعل للناس قارئين: قارئا يصلي بالرجال وقارئا يصلي بالنساء.<ref>الطبري، تاريخ الطبري، ج 4، ص 209.</ref>


== في الكتاب و السنة==
==حكمها في الفقه==
لا يوجد في [[القرآن الكريم]] أثر [[الصلاة|لصلاة]] التراويح، و لم يتمسك به أحد من فقهاء [[المذاهب الأربعة]]، و لم نجد أحداً منهم استدل عليها بشيء من القرآن الكريم.
لقد اختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في حكم صلاة التراويح:
===الحكم عند أهل السنة===
اتفق [[الفقهاء]] على سُنّية صلاة التراويح، وهي عند [[الأحناف|الحنفية]] و[[الحنابلة]]، وبعض [[المالكية]] سُنَّة مؤكدة، وهي سُنَّة للرجال والنساء، وهي من أعلام الدين الظاهرة.<ref>الموسوعة الفقهية الكويتية، ج 27 ، ص 136 - 137.</ref>


كذلك في سيرة النبي {{صل}} لا نجد فيها أثراً لصلاة التراويح، بل نجد فيها تأكيداً على [[صلاة الليل|قيام الليل]] في [[شهر رمضان]]، ولكن بنحو إفرادي لا جماعة.
===الحكم عند الشيعة===
قال [[الميرزا القمي]]: إنّ أصل [[صلاة]] التراويح والأضحى [[حرام]]، لا مجرد اعتقاد مشروعيتها، فإنّ كل [[البدعة|بدعة]] ضلالة، و كل ضلالة سبيلها إلى [[النار]]، و المراد بالبدعة نفس الفعل المبدَع.<ref>القمي، غنائم الأيام، ج 1، ص 195.</ref>


و الأخبار تؤكّد أنّ [[صلاة التراويح]] لم يأت بها رسول‏ الله {{صل}}، و لا كانت على عهده، بل لم تكن على عهد [[أبو بكر بن أبي قحافة|أبي بكر]]، و لا شرّع الله الإجتماع لأداء نافلة من السنن المستحبة، غير [[صلاة الاستسقاء]].
==منع الإمام علي (ع) منها==
روي أن [[أمير المؤمنين الإمام علي|أمير المؤمنين]] {{عليه السلام}} لما اجتمع إليه الناس ب[[الكوفة]]، فسألوه أن ينصب لهم إماما يُصلى بهم [[النافلة|نافلة]] [[شهر رمضان]]، زجرهم وعرفهم أن ذلك خلاف [[السنة]]، فتركوه واجتمعوا لانفسهم، وقدّموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه [[الحسن (ع)|الحسن]]{{عليه السلام}}، فدخل عليهم [[المسجد]] ومعه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: واعمراه.<ref>ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 12، ص 283.</ref>


و إنّما شرّعه في الصلوات الواجبة، كالفرائض الخمس اليومية، و[[صلاة الطواف]] [[صلاة الآيات|والآيات]] و [[صلاة الميت|الجنائز]]...
==بيان علة ابتداعها==
 
روي عن [[العسكري|أبي محمد]]{{ع}} في حديث طويل أنه قال: إِنَّ [[اللَّه]]{{عز وجل}} [[الوحي النبوي|أوحى]] إلى جدي [[رسول الله(ص)|رسول اللَّه]]{{صل}} أني خصصتك و[[علي(ع)|علياً]] و[[الائمة المعصومين|حُججي]] منهُ إلى [[يوم القيامة]]، و[[الشيعة|شيعتكم]] بعشر خصال [[صلاة إحدى وخمسين]]، و[[تعفير الجبين]]، إلى أن قال: فخالفنا من أخذ حقنا وحزبه الضالون، فجعلوا صلاة التراويح في [[شهر رمضان]] عوضاً من صلاة الخمسين في كلِّ يوم وليلة، و[[التكتف في الصلاة|كتف أيديهم]] على صدورهم في [[الصلاة]] عوضاً من تعفير الجبين، إلى أن قال: فقال قائل منا: يا سيدنا فهل يجوز لنا أن نكبِّر أربعاً [[التقية|تقيّة]]؟ فقال{{ع}}: هي خمسٌ لا تقيّة فيها التكبير خمسا على [[الموت|الميت]]، والتعفير في دُبر كل صلاة، وتربيع [[القبر|القبور]]، وترك المسح على الخُفَّين، وشرب المسكر.<ref>النوري، مستدرك الوسائل، ج‌ 5، ص 130.</ref>
و كان [[رسول الله]] {{صل}} يقيم ليالي رمضان و يؤدي سننها في غير جماعة، و كان يحضّ على قيامها، فكان الناس يقيمونها على نحو ما رأوه (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏) يقيمها.
 
و هكذا كان الأمر على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله سنة 13 للهجرة <ref> و كان ذلك ليلة الأربعاء لثمان بقين من [[جمادى الآخرة]] وكانت خلافته سنتين و ثلاثة أشهر و عشرة أيام</ref> و قام بالأمر بعده [[عمر بن الخطاب]]، فصام شهر رمضان من تلك السنة لا يغيّر من قيام الشهر شيئاً.
 
== استحداث التراويح==
 
فلمّا كان شهر رمضان سنة 14 ه أتى المسجد ـ أي عمر بن الخطاب ـ ومعه بعض أصحابه، فرأى الناس يقيمون النوافل، و هم ما بين قائم و قاعد و راكع و ساجد و قارئ و مسبّح، و محرم بالتكبير، و محلّ بالتسليم، في مظهر لم يرقه، عزم على إصلاحه بحسب رأيه فسنّ لهم التراويح. ... ثم جمع الناس عليها حكماً مبرماً، و كتب بذلك إلى البلدان و نصب للناس في المدينة إمامين يصليان بهم التراويح، إماماً للرجال و إماماً للنساء. و في ذلك رويت روايات:
 
وإليك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما <ref>صحيح البخاري، كتاب صلاة التراويح، ج 1 ص 233</ref> و <ref>صحيح مسلم ، باب الترغيب في قيام رمضان و هو التراويح ، كتاب صلاة المسافر و قصرها ، ج 1 ص 283 و ما بعدها</ref> من أن رسول الله {{صل}} قال: «من قام رمضان ـ أي بأداء سننه ـ إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه»، و أنّه (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) توفي و الأمر كذلك ـ أي و أمر القيام في شهر رمضان لم يتغير عمّا كان عليه قبل وفاته (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) ـ ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر و صدراً من خلافة عمر .
 
وأخرج البخاري في كتاب التراويح أيضاً من الصحيح عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: خرجت مع عمر ليلة رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، إلى أن قال: فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب (قال): ثمّ خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: نعمت البدعة هذه ...
 
قال العلاّمة القسطلاني عند بلوغه إلى قول عمر في هذا الحديث: (نعمت البدعة هذه) ، ما هذا لفظه:
سمّـاها بدعة ، لأنه (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) لم يَسُنّ لهم الإجتماع لها، و لا كانت في زمن الصديق، و لا أول الليل، و لا هذا العدد.<ref>إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: القسطلاني 4 : 656 كتاب التراويح، باب فضل من قام رمضان.</ref> و في تحفة الباري و غيره من شروح البخاري مثله.
 
قال العلاّمة أبو الوليد محمد بن الشحنة بعد ذكر وفاة [[عمر بن الخطاب|عمر]] في حوادث سنة 23 : هو أوّل من نهى عن بيع أمهات الأولاد، و جمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، و أوّل من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح... <ref>روضة المناظر</ref> .
 
ولما ذكر [[السيوطي]] أوليات عمر نقلاً عن ''أبي هلال العسكري''، قال: هو أوّل من سمّي [[أمير المؤمنين]]، وأوّل من سنّ قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ و أول من حرّم [[المتعة]]، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات... <ref> تاريخ الخلفاء</ref> .
 
و قال ''محمد بن سعد'': و هو أول من سنّ قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ و جمع الناس على ذلك - و كتب به إلى البلدان و ذلك في شهر رمضان سنة أربعة عشرة - و جعل للناس بالمدينة قارئَين قارئاً يصلي التراويح بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء ... <ref>الطبقات الكبرى ج3 في ترجمة عمر بن الخطاب</ref> .
 
وقال ابن عبد البر : وهو الذي نوّر شهر الصوم بصلاة الإشفاع فيه.<ref>الاستيعاب ج 3 ص 236 .</ref> فيقول [[السيد عبد الحسين شرف الدين]] معلّقاً على مُبرّري صلاة التراويح: و كأنّ هؤلاء رأوهُ قد استدرك (بتراويحه) على الله‏ و رسوله حكمة كانا عنها غافلين. بل هم بالغفلة ـ عن حكمة الله في شرائعه و نظمه ـ أحرى، و حسبنا في عدم تشريع الجماعة في سنن شهر رمضان و غيرها انفراد مؤديها ـ جوف الليل في بيته ـ بربه عزّ و علا يشكو إليه بثه و حزنه و يناجيه بمهماته مهمةً مهمة حتى يأتي على آخرها ملحّاً عليه، متوسلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأً من الله‏ تعالى إلاّ إليه، و لا منجي منه إلاّ به.
 
لهذا ترك الله السنن حرة من قيد الجماعة ليتزودوا فيها من الانفراد بالله ما أقبلت قلوبهم عليه، ونشطت أعضاؤهم له... كما جاء في الأثر عن سيد البشر».<ref>النصّ والاجتهاد ص 214، المورد 26 </ref>
 
أضف إلى هذا أنّ إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظها من البركة والشرف بالصلاة فيها، و يُمسك عليها حظها من تربية الناشئة على حبها و النشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء و الأمهات و الأجداد و الجدات، و تأثيره في شد الأبناء إليها شداً يرسخها في عقولهم و قلوبهم، و قد سأل [[عبد الله‏ بن مسعود]] [[رسول الله]] (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) أيما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال {{صل}} : «ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلئن أصلي في بيتي أحبّ إليّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة»، رواه أحمد و ابن ماجة و ابن خزيمة في صحيحة كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب الترغيب و الترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري.<ref>الترغيب والترهيب ج 1 ص 279.</ref>
 
وعن [[زيد بن ثابت]] أن النبي {{صل}} ، قال: «صلّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة»، رواه ''النسائي'' و ''ابن خزيمة'' في صحيحه.
 
و عن [[أنس بن مالك]] قال: قال رسول الله (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏) : «أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم».<ref>الترغيب والترهيب 1 : 280</ref>
 
و عن [[جابر بن عبد الله الأنصاري|جابر]] قال: قال رسول الله (صلى‏ الله‏ عليه‏ و ‏آله‏) : «إذا قضي أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، وأنّ الله جاعل في بيته من صلاته خيراً»، رواه مسلم و غيره و رواه ''ابن خزيمة'' في صحيحه بالإسناد إلى أبي سعيد، و السنن في هذا المعنى لا يسعها هذا الإملاء.<ref>مسند الشاميين 2:115 ، ح 1021، منتخب مسند عبد بن حميد: 300، ح 969</ref>
 
ربما يبرر أحد هكذا: إن الخليفة رجل تنظيم و حزم، و قد راقه من صلاة الجماعة ما يتجلي فيها من الشعائر بأجلي المظاهر إلى ما لا يحصي من فوائدها الإجتماعية... لكننا ما ذا نفعل بمثل هذه الآيات؟ : « و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضي الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم». <ref>الأحزاب : 36</ref>
</div>
 
== رأي الإمامية==
إنّ [[الشيعة]] [[الإمامية]] ـ تبعاً للرسول (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) [[أهل البيت|وأهل بيته]] (عليهم‏السلام) ـ يقيمون نوافل [[شهر رمضان]] بلا جماعة، ويرون أ نّ إقامتها جماعة هي بدعة غير مشروعة، حدثت بعد رسول الله‏، بمقياس ما أنزل الله‏ به من سلطان.
 
قال [[الشيخ الطوسي]] : نوافل شهر رمضان تصلّى انفراداً، والجماعة فيها بدعة.
 
واستدلّ على مذهب الإمامية بإجماعهم على أنّ ذلك بدعة. وما رواه زيد بن ثابت<ref>سنن أبي داود ج 2 ص 69</ref> من أنّ [[النبي]] (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) ،قال: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلاّ المكتوبة».<ref>الخلاف ج 1 ص 529 ، كتاب الصلاة، المسألة 268</ref>
 
وقال [[الشيخ محمد حسن النجفي]]: بإمكان ادعاء تواتر الأخبار ببدعة الجماعة في نوافل شهر رمضان.<ref>جواهر الكلام ج 13 ص 144</ref>
 
ونقل [[السيد محسن الحكيم|السيد الحكيم]] في المستمسك حكاية [[منتهى المطلب (كتاب)|المنتهى]] و[[ذكرى الشيعة (كتاب)|الذكرى]] و [[كنز العرفان (كتاب)| كنز العرفان]] الإجماع عليه.<ref>مستمسك العروة الوثقي 7:170</ref>
 
==في نصوص أهل البيت (عليهم السلام)==
أمّا أئمة [[أهل البيت]] (عليهم السلام) فقد اتّفقت كلمتهم على أنّ الجماعة في النوافل مطلقاً بدعة، من غير فرق بين صلاة التراويح و غيرها، و هناك صنفان من الروايات الواردة عنهم:
 
الصنف الأول: ما يدلّ على عدم تشريع الجماعة في مطلق النوافل.
 
الصنف الثاني: ما يدل على عدم تشريعها في صلاة التراويح.
 
فنذكر من كل صنف رواية:
 
الصنف الأول:
1 ـ قال [[الإمام الباقر]] (عليه السلام) : «ولا يُصلّى التطوع في جماعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».<ref>الخصال 2: 152</ref>
 
الصنف الثاني:
1 - فقد تحدّث عنه [[الإمام الصادق عليه‏السلام|الإمام الصادق]] (عليه السلام) و قال: «لما قدم [[أمير المؤمنين]] (عليه السلام) [[الكوفة]] أمر [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن بن علي]] أن ينادي في الناس : "لا صلاة في [[شهر رمضان]] في المساجد جماعة، فنادى في الناس [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن بن علي]] بما أمره به [[أمير المؤمنين]] ، فلمّا سمع الناس مقالة [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن]] (عليه السلام) صاحوا : واعمراه، واعمراه، فلما رجع [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن]] إلى [[أمير المؤمنين]] (عليه ‏السلام) ، قال له: ما هذا الصوت؟ قال: يا [[أمير المؤمنين]] الناس يصيحون واعمراه واعمراه ، فقال [[أمير المؤمنين]] قل لهم: صلّوا».<ref>التهذيب 2: ح 227</ref>
 
و سر ترك الإمام (ع) الناس يصلّون هو ما قاله [[الشيخ الطوسي]]: إنّ [[أمير المؤمنين]] لما أنكر، أنكر الاجتماع، ولم يُنكر نفس الصلاة، فلمّا رأى أنّ الأمر يفسد عليه ويفتتن الناس، أجاز أمرهم بالصلاة على عادتهم.<ref>المصدر السابق</ref>
 
و يدل عليه: ما رواه [[سليم بن قيس]] ، قال : خطب [[أمير المؤمنين]] ، فحمد الله‏ و أثنى عليه ثم صلّى على النبي ، ثم قال: «ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان: اتّباع الهوى، و طول الأمل» ، ثم ذكر أحداثاً ظهرت بعد [[رسول الله]] (صل)‏ ـ و قال: «ولو حملت الناس على تركها... لتفرق عنّي جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي... والله‏ لقد أمرتُ الناس أن لا يجتمعوا في [[شهر رمضان]] إلا في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غُيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً! و لقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري.... »<ref>الكافي ج 8 ص 58</ref>.
 
روي [[ابن قولويه]] عن الإمامين [[الإمام الباقر عليه السلام|الباقر]] و [[الإمام الصادق عليه السلام|الصادق]] (عليهما السلام)، أ نّهما قالا: «كان [[أمير المؤمنين]] بالكوفة إذ أتاه الناس فقالوا له : اجعل لنا إماماً يؤمّنا في رمضان، فقال لهم: "لا" ، ونهاهم أن يجتمعوا فيه، فلمّا أحسّوا، جعلوا يقولون ابكوا رمضان، وا رمضاناه! فأتى [[الحارث الأعور]] في أناس، فقال: يا [[أمير المؤمنين]] ضجّ الناس و كرهوا قولك، قال: فقال عند ذلك: "دعوهم و ما يريدون، يُصلّي بهم من شاؤوا" ».<ref>السرائر 3: 638</ref>
و هذه الروايات تُفصح لنا عن موقف [[أهل البيت]] (عليهم‏ السلام) من صلاة التراويح.
 
== سنة النبي (صلى الله عليه وآله)==
سأل [[زرارة بن أعين|زرارة]] و [[محمد بن مسلم]] و [[الفضيل بن يسار|الفضيل]] [الإمام الباقر عليه السلام|الباقر]] و [[الإمام الصادق عليه السلام|الصادق]] (عليهما السلام) عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة، فقالا: «إنّ النبي (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلّي، كما كان يصلّي، فاصطفّ الناس خلفه، فهرب منهم إلى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال، فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد الله‏ وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس ، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل، ولا تصلّوا صلاة الضحى ، فإن تلك معصية، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار" . ثم نزل وهو يقول: "قليل في سنّة خير من كثير في بدعة" ».<ref>من لا يحضره الفقيه، كتاب الصوم: 87</ref>
 
وعن [[عبيد بن زرارة]] عن [[الإمام الصادق عليه السلام|الصادق]] (عليهما السلام) ، قال: كان رسول الله‏ (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) يزيد في صلاته في رمضان ، إذا صلّى العتمة صلّى بعدها، فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ، ثم يخرج أيضاً فيجيئون ويقومون خلفه فيدعهم ويدخل مراراً.<ref>الكافي 4: 154</ref>
 
 
== في صحيحي البخاري ومسلم==
روى [[البخاري]] عن [[عروة]] أنّ [[عائشة]] أخبرته أنّ [[رسول الله‏]] {{صل}} خرج ليلة من جوف الليل فصلّى في المسجد، و صلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدّثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلّى فصلّوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله‏ {{صل}} فصلّى بصلاته، فلمّـا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلمّا قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: «أما بعد فانّه لم يخفَ عليّ مكانكم، و لكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها. فتوفي رسول الله‏ {{صل}} و الأمر على ذلك» <ref> صحيح البخاري، باب فضل من قام رمضان ج 2 ص 61 </ref> أي على ترك الجماعة في صلاة التراويح .
 
و روي أيضاً في باب [[التهجد]]: «إن رسول الله {{صل}} صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله، فلمّا أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أني خشيت أن تُفرَض عليكم وذلك في رمضان».<ref>صحيح البخاري 2 ص 63 باب التهجد بالليل </ref>.
 
و بين الروايتين اختلاف فيما خرج {{صل}} فيها من الليالي، فعلى الأولى خرج ثلاث ليال، و على الثانية خرج ليلتين .
 
و روى [[مسلم]] عن [[عروة]] عن عائشة أنّ رسول الله {{صل}} صلى في المسجد ذات ليلة فصلّى بصلاته ناس، ثمّ صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم رسول الله {{صل}} ، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ، قال: و ذلك في رمضان. <ref> صحيح مسلم ج 6 ص 41 </ref> .
 
و الظاهر وحدة الرواية الثانية للبخاري مع هذه الرواية لاتّحاد الراوي و المروي عنه و المضمون
 
و روي عن عروة أيضاً أنّ عائشة أخبرته أنّ رسول الله {{صل}} خرج من جوف الليل فصلّى في المسجد، فصلّى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله {{صل}} في الليلة الثانية فصلّوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلّوا بصلاته، فلمّا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله {{صل}} حتى خرج لصلاة الفجر فلمّا قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهّد، فقال: «أما بعد فإنّه لم يخفَ عليَّ شأنكم الليلة، و لكنّي خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها».<ref>صحيح مسلم ج 6ص 41</ref>
 
== مناقشة الصحيحين==
الإختلاف بين ما رواه أصحابنا عن [[أمير المؤمنين]] {{عليه ‏السلام}} ، و ما رواه الشيخان واضح، فعلى الأول، نهى النبي {{صل}} عن إقامتها جماعة، و أسماها بدعة، و على الثاني، ترك النبي {{صل}} الإقامة جماعة خشية أن تُفرض عليهم، مع كونها موافقة للدين و الشريعة، إذاً فأي القولين أحقّ أن يتّبع؟
 
إن في حديث الشيخين مشاكل عديدة جديرة بالوقوف عليها:
 
المشكلة الأولى: ما معنى قوله: «خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها»؟
 
فهل مفاده: أنّ ملاك التشريع هو إقبال الناس و إدبارهم، فإن كان هناك اهتمام ظاهر من قبل الناس، يفرض عليهم و إلاّ فلا يفرض ؟ مع أن الملاك في الفرض هو وجود مصالح واقعية في الحكم، سواء أكان هناك اهتمام ظاهر أم لا، فإن تشريعه سبحانه ليس تابعاً لرغبة الناس أو إعراضهم، وإنّـما يتّبع مجموعة من المصالح و المفاسد و التي هو أعلم بها سواء أكان هناك من الناس إقبال أم إدبار.
 
المشكلة الثانية: لو افترضنا أنّ [[الصحابة]] أظهروا اهتمامهم بصلاة التراويح بإقامتها جماعة، أفيكون ذلك ملاكاً للفرض؟ فإن مسجد النبي {{صل}} يومذاك كان مكاناً محدوداً لا يسع إلا ستة آلاف نفر أو أقل، فقد جاء في الفقه على [[المذاهب الخمسة]]: «كان مسجد رسول‏ الله {{صل}} 35 متراً في 30 متراً ثم زاده الرسول (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) وجعله 57 متراً في 50 متراً».<ref>الفقه على المذاهب الخمسة : 285</ref>
 
أيمكن جعل اهتمامهم كاشفاً عن اهتمام جميع الناس في جميع العصور إلى يوم القيامة؟
 
المشكلة الثالثة: هي وجود الإختلاف في عدد الليالي التي أقام النبي فيها نوافل رمضان جماعة. فعلى ما نقله [[البخاري]] في كتاب [[الصوم]] أنّ النبيّ الأكرم {{صل}} صلّى التراويح مع الناس أربعة ليال، و على ما نقله في باب التحريض على قيام الليل، أنّه صلاها ليلتين، و وافقه مسلم على النقل الثاني، و يظهر مما ذكره غيرهما أنه {{صل}} أقامها في ليالٍ متفرقة (ليلة الثالث و الخامس و السابع و العشرين و هذا يعرب عن عدم الإهتمام بنقل فعل الرسول على ما هو عليه، فمن أين نطمئن إلى سائر ما جاء فيه من أنّ النبي استحسن عملهم؟
 
المشكلة الرابعة: أنّ الثابت من فعل النبي، أنّه صلاها ليلتين، أو أربع في آخر الليل، و هي لا تزيد عن ثماني ركعات. و التأسّي بالنبي يقتضي الاقتداء به فيما ثبت. لا فيما لم يثبت، بل ثبت عدمه بما صرّح به ''القسطلاني'' و وصف ما زاد عليه بالبدعة و ذلك:
#إنّ النبي لم يسنّ لهم الاجتماع لها.
#ولا كانت في زمن الصديق.
#ولا أول الليل.
#ولا كلّ ليلة.
#ولا هذا العدد.<ref>إرشاد الساري 4:656، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان</ref>
 
ثم التجأ في إثبات مشروعيّتها إلى اجتهاد الخليفة.
 
و قال ''العيني'': إنّ رسول الله لم يسنّها لهم، و لا كانت في زمن [[أبي بكر]]. ثم اعتمد ـ العيني ـ في شرعيّته إلى اجتهاد [[عمر بن الخطاب|عمر]] واستنباطه من إقرار الشارع الناس يصلّون خلفه ليلتين.<ref>عمدة القارئ 6: 126،كتاب التراويح، ذيل الحديث 116</ref>
 
المشكلة الخامسة: أنه إذا أخذنا برواية أحد الثقلين، (أعني [[أهل البيت]] عليهم‏ السلام) تُصبح إقامة النوافل جماعة [[البدعة|بدعة]] على الإطلاق، و إن أخذنا برواية الشيخين، فالمقدار الثابت ما جاء في كلام القسطلاني، والزائد عنه يصحّ بدعة إضافية، و المقصود منها ما يكون العمل بذاته مشروعاً، و الكيفية التي يقام بها، غير مشروعة.
 
و لم يبق ما يحتج به على المشروعية إلا جمع [[عمر بن الخطاب|الخليفة الثاني]] الناس على إمام واحد.
 
== جمع الناس على إمام واحد في عهد عمر==
روى [[البخاري]]: توفي رسول الله {{صل}} و الناس على ذلك (يعني عدم إقامة التراويح بالجماعة) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة [[أبو بكر بن أبي قحافة|أبي بكر]]، و صدراً من خلافة [[عمر بن الخطاب|عمر]].<ref>الصحيح، باب فضل من قام رمضان: الحديث 2010</ref>
 
و روي أيضاً عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنّه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في [[رمضان]] إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرّقون، يصلي الرجل لنفسه، و يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط.<ref>الرهط: بين الثلاثة إلى العشرة</ref>
 
فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على [[اُبيّ بن كعب]]، ثم خرجت معه ليلة أخرى و الناس يُصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، و التي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل و كان الناس يقومون أوّله.
 
ولكن الظاهر من شرّاح الصحيح أن الإتيان جماعة لم يكن مشروعاً، و إليك بيانه في ضمن أمرين:
1 ـ قوله : «فتوفي رسول الله {{صل}} و الناس على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة [[أبي بكر]] فقد فسّره الشرّاح بقولهم: أي على ترك الجماعة في التراويح، و لم يكن رسول الله {{صل}} جمع الناس على القيام.<ref>فتح الباري، لابن حجر العسقلاني 4: 203</ref>
 
و قال [[بدر الدين العيني]]: و الناس على ذلك (أي على ترك الجماعة) ثم قال: فإن قلت روى ''ابن وهب'' عن [[أبو هريرة]] خرج رسول الله {{صل}} و إذا الناس في رمضان يصلّون في ناحية المسجد، فقال: «ما هذا؟» فقيل: ناس يصلّي بهم أبي بن كعب، فقال: «أصابوا، و نعم ما صنعوا»  ذكره [[ابن عبد البر]].
 
ثم أجاب بقوله: قلت: فيه [[مسلم بن خالد]] و هو [[ضعيف]]، و ''المحفوظ'' أنّ عمر - رضي‏ الله‏ عنه - هو الذي جمع الناس على أبي بن كعب.<ref>عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري 6: 125 ، وجاء نفس السؤال والجواب في فتح الباري</ref>
 
و قال [[القسطلاني]] : «و الأمر على ذلك (أي على ترك الجماعة في التراويح) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، إلى آخر ما ذكره».<ref>إرشاد الساري 4: 656، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان</ref>
 
2 ـ قوله: نعم البدعة؛ أنّ الظاهر من قوله: «نعم البدعة هذه» أنّها من سُنن الخليفة نفسه و لا صلة لها بالشرع، و قد صرّح بذلك لفيف من العلماء.
 
و قال ''العيني'': «و إنما دعاها بدعة، لأن رسول الله {{صل}} لم يسنّها لهم، و لا كانت في زمن أبي بكر و لا رغب رسول الله {{صل}} فيها».<ref>عمدة القارئ 6: 126 و قد سقط لفظة لا من قوله و «رغب» كما أن كلمة بقوله ـ بعده هذه الجملة ـ في النسخة مصحف «قوله» ، فلاحظ</ref>
 
و الاتفاق حاصل بين علماء الجمهور علي أن [[عمر]] أول من سنّ الجماعة، فبالإضافة إلى ما تقدم في هذا المعنى، نذكر من أقوالهم:
# قال ابن سعد في ترجمة عمر: «هو أول من سنّ قيام شهر رمضان بالتراويح، و جمع الناس علي ذلك، و كتب به إلى البلدان و ذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة».<ref>الطبقات الكبرى 3: 281</ref>
# و قال ابن عبد البر في ترجمة عمر: «و هو الذي نور شهر الصوم بصلاة الإشفاع فيه».<ref>الاستيعاب 3: 1145</ref>
#قال الوليد بن الشحنة عند ذكر وفاة عمر في حوادث سنة (23ه ) : «و هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد... و أول من جمع الناس على إمام يصلّي بهم التروايح».<ref>روضة المناظر كما في النص و الإجتهاد: 150</ref>
 
فإذا كان المفروض أنّ [[رسول الله]] {{صل}} لم يسنّ الجماعة فيها، و إنما سنّها عمر، فهل هذا سند مشروعيتها أم بدعيتها؟ مع أنّه ليس لإنسان حتى الرسول حق ذاتي في التسنين و التشريع، و إنما هو {{صل}} مبلّغ عن [[الله]] سبحانه في التشريع و مجاز عنه في التسنين، فهل يجوز لغير الرسول ما لا يجوز له {{صل}}؟!
 
إنّ [[الوحي]] يحمل التشريع إلى [[النبي الأكرم]] و هو {{صل}} الموحى إليه، وبموته انقطع الوحي، و سُدّ باب التشريع و التسنين، فليس للأمة إلا [[الإجتهاد]] في ضوء [[القرآن الكريم|الكتاب]] و السنّة، لا التشريع و لا التسنين، و من رأى أنّ لغير الله سبحانه حق التسنين فمعنى ذلك عدم انقطاع الوحي.
 
قال [[ابن الأثير]] في ''نهايته'': و من هذا النوع قول عمر : «نعمت البدعة هذه (التراويح) لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سمّاها بدعة و مدحها، إلاّ أنّ النبي {{صل}} لم يسنّها لهم، وإنما صلاها ليالي ثم تركها،  و لم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها، و لا كانت في زمن أبي بكر، و إنما عمر جمع الناس عليها، و ندبهم إليها، فبهذا سمّاها بدعة، و هي في الحقيقة سنّة، لقوله {{صل}}: «عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، و قوله: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر».<ref>النهاية 1: 106 ، 107 ، باب الباء مع الدال</ref>
 
== التشريع مختص بالله تعالى==
إنّ هؤلاء الأكابر مع اعترافهم بأنّ النبي لم يسنّ الإجتماع، أسندوا إقامتها جماعة إلى عمل [[الخليفة]]، و معنى ذلك أنّ له حق التسنين و التشريع، و هذا يضاد [[إجماع الأمة]]، إذ لا حقَّ لأي إنسان أن يتدخل في أمر الشريعة بعد إكمالها، لقوله تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً»<ref>سورة المائدة : 3</ref> و كلامه يخالف الكتاب والسنّة، فإن التشريع حق للّه‏ سبحانه لم يفوضه لأحد، و النبي الأكرم مبلغ عنه.
 
أضف إلى ذلك لو أن الخليفة قد تلقّى ضوءاً أخضر في مجال التشريع و التسنين، فلم لا يكون لسائر [[الصحابة]] ذلك، مع كون بعضهم أقرأ منه، ك[[أُبي بن كعب]] و أفرض، ك[[زيد بن ثابت]]، و أعلم و أقضى منه، ك[[علي بن أبي طالب]] {{عليه ‏السلام}}؟ فلو كان للجميع ذلك لانتشر الفساد و عمّت الفوضي أمر الدين، و كان اُلعوبة بأيدي غير [[المعصومون الأربعة عشر|المعصومين]].
 
و أمّا التمسك بالحديثين، فلو صحّ سندهما فإنّهما لا يهدفان إلى أنّ لهما حق التشريع، بل يفيدان لزوم الاقتداء بهما، لأنّهما يعتمدان على سنّة النبي الأكرم، لا أنّ لهما حق التسنين.
 
نعم، يظهر ممّا رواه [[السيوطي]] عن [[عمر بن عبد العزيز]] أنّه كان يعتقد أنّ للخلفاء حق التسنين، قال: قال حاجب بن خليفة شهدت [[عمر بن عبد العزيز]] يخطب و هو خليفة، فقال في خطبته: ألا إن ما سنّ [[رسول الله]] و صاحباه فهو دين نأخذ به و ننتهي إليه، و ما سنّ سواهما فإنا نرجئه.<ref>تاريخ الخلفاء : 241</ref>وهو كما ترى.
 
و على كل تقدير، فإنّ الله سبحانه لم يفوّض أمر دينه في التشريع و التقنين إلى طريق غير الوحي، و في ذلك يقول [[الشوكاني]]: «و الحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجّة، فإنّ الله سبحانه و تعالى لم يبعث إلى هذه إلا نبيّنا محمداً {{صل}} و ليس لنا إلا رسول واحد، و [[الصحابة]] و من بعدهم مكلفون على السواء باتباع شرعه و الكتاب و السُنّة، فمَن قال إنّه تقوم الحجة في دين الله بغيرهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت، و أثبت شرعاً لم يأمر به الله».<ref>إرشاد العقول : 361 ط دار الكتب العلمية</ref>
 
نعم، نقل القسطلاني عن ابن التين وغيره: أنّ عمر استنبط ذلك من تقرير النبي (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) من صلّى معه في تلك الليالي وإن كان كره لهم خشية أن يفرض عليهم، فلمّا غاب النبي (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) حصل الأمن من ذلك، ورجح عند عمر ذلك لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين.<ref>فتح الباري 4: 204</ref>
 
ويلاحظ عليه أولاً: إنّ ما ذكره في آخر كلامه ليسوّغ جمع الناس على إمام واحد، مكان الأئمة المتعدّدة، بينما النقاش في أصل إقامتها جماعة، واحداً كان الإمام أو أكثير.
 
وثانياً: إنّ معنى كلامه أن هناك أحكاماً لم تسنّ ما دام النبي حيّاً لمانع خاص، كخشية الفرض، ولكن في وسع آحاد الأمة تشريعها بعد موته (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) ومفاده فتح باب التشريع بملاكات خاصة في وجه الأمة إلى يوم القيامة، وهذه رزيّة ليست بعدها رزية، وتلاعب بالدين وفتح الطريق لاستئصاله.
 
== تخرصات للفرار من وصمة البدعة==
 
[[ملف:كيفية الإستدلال للتراويح! 2.jpg|تصغير|يسار|هل هذا يعد إستدلال؟]]
من  كل هذا البحث يتضح أنّ صفة [[البدعة]] مستحكمة في صلاة التراويح، و منطبقة عليها، خاصة مع قول [[عمر بن الخطاب]]: «إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل... نعمت البدعة هذه».<ref>صحيح البخاري 2:252</ref><ref>الموطأ : 73</ref><ref>كنز العمال 8:408 ح23466</ref>
و لو لم تكن هذه بدعة بالرغم من قوله: إني أرى و قوله بكل بصراحة: نعمت البدعة، فما هي البدعة إذاً ؟!
 
و إذا لم يكن الذي أحدث التراويح لأول مرة طبقاً لقول ''ابن عبد البر'' في ''الاستيعاب''، و ''السيوطي'' في ''تاريخ الخلفاء''، و ''محمد بن الشحنة'' في ''روضة المناظر'' ـ كما مر آنفاً ـ مبتدعاً، فمن هو المبتدع إذاً ؟
 
و من هنا ظهرت محاولات لتخريج التراويح من دائرة البدعة و إدخالها في دائرة السنّة، و إعطاء تفاسير لكلمة عمر «نعمت البدعة هذه» بحيث تخالف ظاهرها و نحن نذكر بعض هذه المحاولات:
 
# محاولة [[ابن أبي الحديد]]، حيث ذكر أن لفظ البدعة يطلق على مفهومين:
أحدهما: ما خالف الكتاب والسنّة، مثل صوم يوم النحر وأيام التشريق، فإنّه وإن كان صوماً إلاّ أنّه منهي عنه.
 
و الثاني : ما لم يرد فيه نص، بل سكت عنه ففعله المسلمون بعد وفاة رسول الله (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) .
فإن أريد بكون صلاة التراويح بدعة بالمفهوم الأول فلا نسلّم أنها بدعة بهذا التفسير. و قول عمر: إنّها لبدعة خبر مروي مشهور، ولكن أراد به البدعة بالتفسير الثاني....<ref>شرح النهج 12 : 284</ref>
 
و ليته أورد كلامه هذا إيراداً و لم يظهره اعتقاداً، فإنّ المعنى الأول ليس من البدعة، فإن مخالفة الكتاب و السُنّة لا تسمى بدعة و إنما تسمى اجتهاداً في مقابل النص، فيبقى معنى البدعة منحصراً بالمعنى الثاني الذي أورده، و الذي قال: إن كلمة عمر تنطبق عليه، لأن البدعة ما أحدث علي غير مثال سابق، و التراويح منها.
 
و ليست البدعة ما أحدث على نحو مخالف لمثال سابق حتى يقال بأن البدعة هي مخالفة [[القرآن الكريم|الكتاب]] و السنّة.
 
ثم قال في الصفحة التالية: «أليس يجوز للإنسان أن يخترع من النوافل صلوات مخصوصة بكيفيات مخصوصة و أعداد ركعات مخصوصة و لا يكون ذلك مكروهاً و لا حراماً؟ فإنّه داخل تحت عموم ما ورد في فضل صلاة النافلة، ... و التراويح جائزة و مسنونة لأنّها داخلة تحت عموم ما ورد في فضل صلاة الجماعة». و لا أدري على أي مذهب فقهي يتم كلامه هذا؟! فالمعروف لدى المسلمين أن العبادات الواجبة أو المستحبة [[توقيفية]]، و أن مفهوم العبادة متوقف على وجود أمر شرعي، فإذا ثبت الأمر الشرعي على نحو الوجوب أو الاستحباب كان المأمور به عبادة، و إلاّ فلا...
 
يقول الدكتور [[القرضاوي]] بشأن التوقيف في العبادات:
«قال شيخ الإسلام [[ابن تيمية]]: إن تصرفات العباد من الأقوال و الأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، و عادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أنّ العبادات التي أوجبها الله، أو أحبّها، لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، و أما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، و الأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه و تعالى، و ذلك لأنّ الأمر و النهي هما شرع الله، و العبادة لابدّ أن تكون مأموراً بها، فما لم يثبت أنّه مأمور به كيف يحكم عليه بأنّه محظور؟
 
و لهذا كان أحمد و غيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إنّ الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرّعه الله، و إلاّ دخلنا في معنى قوله تعالى : «أم لهم شُركاء شَرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اللّه».<ref>الشوري : 21</ref> <ref>الحلال والحرام في الاسلام: 36</ref>
 
و قال ''أبو يوسف'' و ''محمّد'': «لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة واحدة».<ref>اللباب في شرح الكتاب لعبد الغني الحنفي 1:91 ـ 92 وانظر: الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي 2:50</ref>
 
و قال في [[المهذّب]] : «و السنّة أن يسلّم من كل ركعتين، لما روي عن ابن عمر أن النبي {{صل}} قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح تداركك فأوتر بواحدة»، و إن جمع ركعات بتسليمة جاز، لما روت عائشة أنّ [[رسول الله]] {{صل}} «كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، ويوتر من ذلك بخمس، يجلس في الآخرة ويسلّم، وأنّه أوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهنّ بسلام»، وإن تطوّع بركعة جاز لما روي أنّ عمر رضي ‏الل ه‏عنه«مرّ بالمسجد فصلى ركعة فتبعه رجل، فقال يا أمير المؤمنين إنّما صليت ركعة، فقال: إنما هي تطوع فمن شاء زاد و من شاء نقص».
 
وعقّب على ذلك النووي بالقول:
 
«.. في مذاهب العلماء في ذلك قد ذكرنا أنّه يجوز عندنا أن يجمع ركعات كثيرة من النوافل المطلقة بتسليمة، و أنّ الأفضل في صلاة الليل و النهار أن يسلّم من كل ركعتين، و بهذا قال [[مالك]] و [[أحمد]] و [[داود]] و [[ابن المنذر]]، و حكي عن [[الحسن البصري]] و [[سعيد بن جبير]] ، و قال [[أبو حنيفة]]: التسليم من ركعتين أو أربع في صلاة النهار، سواء في الفضيلة، ولا يزيد على ذلك، و [[صلاة الليل]] ركعتان وأربع وست وثمان بتسليمة، ولا يزيد على ثمان،و كان [[ابن عمر]] يصلي بالنهار أربعاً، واختاره اسحق».<ref>المجمع من شرح المهذّب 4:49 ـ 51</ref>
 
فكيف يمكن أن يُدّعى بعد كل هذه الأقوال و الآراء أنّ أحداً لم يقل بكراهة أو حرمة صلاة ثلاثين ركعة بتسليمة واحدة، كما قال ذلك [[ابن أبي الحديد|المعتزلي]] بشكل قاطع، و أرسله إرسال المسلمات؟
 
و قال [[الشيخ يوسف البحراني]] في [[الحدائق الناضرة (كتاب)|الحدائق الناضرة]]:
 
«لا ريب في أنّ الصلاة خير موضوع، إلاّ أنه متى اعتقد المكلف في ذلك أمراً زائداً على ما دلّت عليه هذه الأدلة، من عدد مخصوص و زمان مخصوص، أو كيفية خاصة، و نحو ذلك مما لم يقم عليه دليل في الشريعة، فإنّه يكون محرّماً وتكون عبادته بدعة، والبدعية ليست من حيث الصلاة، وإنما هي من حيث هذا التوظيف الذي اعتقده في هذا الوقت، و العدد و الكيفية من غير أن يرد عليه دليل».<ref>الحدائق الناضرة 6:80</ref>
# محاولة [[القاضي عبد الجبار المعتزلي]] في كتابه [[المغني]]، حيث كتب يقول عن التراويح: «إذا كان فيه الدعاء إلى الصلاة، والتشدّد في حفظ القرآن، فما الذي يمنع أن يعمل به على وجه أنّه مسنون».<ref>لاحظ: الشريف المرتضى ، الشافي في الإمامة ج 4 ص 217</ref>
 
و كلامه هذا يرجع في النتيجة إلى كلام [[ابن أبي الحديد]] ، و حينئذٍ فالجواب هو الجواب، فإن الصلاة عبادة و [[العبادة]] تحتاج إلى [[قصد القربة]]، و قصد القربة لا يتم إلاّ بعد إثبات وجود أمر مولوي من الشارع، و صلاة التراويح على الهيئة و الكيفية التي تقام بها لم يرد بها أمر شرعي، و حينئذٍ فإتيانها بعنوان أنّها عبادة تشريع محرّم و بدعة منكرة في الدين.
# محاولة ابن تيمية التي اعتبر فيها إطلاق [[عمر بن الخطاب]] عنوان البدعة على التراويح، تسمية لغوية لا تسمية شرعية، و أنّ المسلمين قد صلّوا التراويح في زمن الرسول و أن النبي {{صل}} قد خرج معهم في ليلة أو ليلتين، ثم امتنع عن ذلك لعلّة ذكرها، و هي: «أنّه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلاّ كراهة أن يفرض عليكم، فصلّوا في بيوتكم...»، فعلم بذلك ـ و الكلام لابن تيمية ـ أ نّ المقتضى للخروج قائم، و أنّه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم «فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحد و أسرج المسجد فصارت هذه الهيئة ـ و هي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج ـ عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعة لأنه في اللغة يسمّى بذلك، و إن لم يكن بدعة شرعية».<ref>اقتضاء الصراط المستقيم: 276 ـ 277</ref>
 
ولا يهمنا أن تكون تسمية عمر شرعية أم لغوية، إنما الذي يهمّنا هو اعترافه بأنه قد أضاف إلى الشريعة أمراً لم يعرفه المسلمون من قبل، و الأمر الذي أضافه حسب عبارة ابن تيمية نفسه هو اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج، والإسراج لا يهمنا لأنه ليس دخيلاً في العبادة، و إنما الذي يهمنا هو اجتماعهم في الصلاة خلف الإمام، و لعل ابن تيمية ذكر الإسراج لإيهام القارئ بأنّ ما قام به الخليفة عمل لا يدخل في صميم العبادة، وأن الاجتماع في المسجد على إمام واحد شأنه شأن الإسراج، فكما لا يعد الإسراج بدعة لأنه لا يدخل في صميم العبادة، كذلك لا يعد الإجتماع للصلاة و أداؤها جماعة بدعة. فتكون نتيجة كلامه: أن عمر لم يبتدع في الشريعة، و إنما ابتدع في أمور من خارجها كالإسراج، و هذا تمويه و خداع.
 
فقد اتضح من جواب المحاولة السابقة، أن أداء الصلاة جماعة أمر من صميم العبادة، و لا يمكن للعبد أن يتدخل فيه، و لابد له من أن يتبع أمر الشارع فيه، بخلاف الإسراج الذي هو خارج عن مفهوم العبادة، و لا يسمى إحداثه بدعة.
 
أما ادعاءه أن النبي (صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏) ، قد خرج إلى التراويح ليلة أو ليلتين، ثم انقطع عنها، فقد اتضح مما سبق عدم صحته، و هو يناقض قول عمر: «نعمت البدعة هذه» فإن كلامه هذا يدل على عدم وجود التراويح من قبل، و الإتيان بعمل بعد فترة من الإنقطاع عنه لا يسمّى بدعة.
 
# محاولة تقسيم البدع ، بحسب [[الأحكام الخمسة]]: و هي من أسوأ المحاولات و أبعدها عن الواقع و روح الشريعة الإسلامية، فقد قالوا : إنّ البدعة تنقسم إلى: بدعة محرمة، و مكروهة، و مباحة، و الواجبة، و المستحبة.<ref>فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13:253، 96 كتاب الاعتصام باب الكتاب والسنّة، باب الاقتداء بسنن النبي {{صل}} ، ذيل الحديث 7277 ، جامع الأصول في أحاديث الرسول {{صل}} ابن الأثير1:280، كتاب الاعتصام بالكتاب و السنّة، الباب الأوّل في الاستمساك بهما، ذيل الحديث 67</ref>
 
و الجواب الواضح المختصر على هذه المحاولة : إنّ للبدعة معناً واحداً واضحاً هو: إدخال ما ليس من الدين في الدين، و قد اتفق المسلمون عليه [[أهل السنة|سنّة]] و [[شيعة|شيعة،]] و هذا المعنى لا يقبل التقسيم بحسب الأحكام الخمسة. و ليت القائلين بالتقسيم الخماسي أو الثنائي يستشهدون على كلامهم بآية أو حديث نبوي يشهد لصحة قولهم.
 
== خلاصة الكلام==
إن صلاة التراويح لا أساس لها في [[القرآن الكريم|الكتاب]] و لا في [[السُنّة]]، و [[أئمة أهل البيت]] (عليهم‏ السلام) قد أكّدوا أنّها من البدع التي لم يشرّعها [[الله|الشارع]] الحكيم كما أنّها لم تكن في عصر النبي {{صل}} و [[الخليفة|أبي بكر]] و فترة من عصر [[عمر بن الخطاب]]. بل إنها بدعة ظهرت بأمر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، و أن كل المحاولات الرامية لتبرئتها من صفة البدعة محاولات فاشلة.
 
==هيئة صلاة التراويح و كيفيتها==
{{Div col|2}}
أحصى [[ابن حجر]] الأقوال في ذلك وذكر أدلتها و هي:
* إحدى عشرة ركعة مع الوتر بثلاث ركعات .
* ثلاث عشرة ركعة مع الوتر بثلاث ركعات .
* إحدى و عشرون ركعة مع الوتر بثلاث ركعات .
* ثلاث و عشرون ركعة مع الوتر بثلاث ركعات .
* تسع و ثلاثون ركعة مع الوتر بثلاث ركعات .
* إحدى و أربعون ركعة مع الوتر بثلاث ركعات .
* تسع و أربعون ركعة مع الوتر بثلاث ركعات . <ref>فتح الباري شرح صحيح البخاري ، صلاة التراويح ـ دار الغزالي</ref>
{{Div col end}}
 
و لم تحد القراءة فيها بحد، و رأى بعضهم أن يُختم القرآن فيها ليسمع الناس كل القرآن في شهر القرآن، و قد روى ''مالك'' عن ''السائب بن يزيد'' قال: أمر [[عمر بن الخطاب]] ''أبي بن كعب'' و ''تميماً الداري'' أن يقوما للناس و كان القارئ يقرأ بالمائتين حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام، و ما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر <ref>المجموع للنووي ، ج 4 ص 34 طبع دار الفكر .</ref> .
 
و قال ''أحمد'': يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس، و لا يشق عليهم، و لا سيما في الليالي القصار <ref>المغني لابن قدامة، ج 1 ص 800 .</ref> .
 
== الهوامش==


==الهوامش==
{{مراجع|2}}
{{مراجع|2}}
 
==المصادر والمراجع==
<onlyinclude>{{الجودة
*'''القرآن الكريم'''.
| الوصلات = <!--بلا، ناقصة، كاملة-->ناقصة
*ابن منظور، محمد بن مكرم‌، '''لسان العرب‌'''، بيروت- لبنان‌، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر و التوزيع- دار صادر‌، ط3، 1414 ه‍.
| التصنيف = <!--بلا، ناقصة، كاملة-->كاملة
*أبو جيب، سعدي، '''القاموس الفقهي لغة واصطلاحا‌'''، دمشق- سوريا، الناشر: دار الفكر‌، ط2، 1408 ه‍.
| صندوق معلومات = <!--دون حاجة، بلا، فيها-->بلا
*الحراني، الحسن بن علي، '''تحف العقول عن آل الرسول {{صل}}'''‏، المحقق والمصحح: علي أكبر غفاري، قم - إيران، الناشر: جامعة مدرسين‏، ط2، 1404هـ.‏
| الصورة = <!--دون حاجة، بلا، فيها-->بلا
*السرخسي، محمد بن أحمد، '''المبسوط'''، بيروت- لبنان‌، الناشر: دار المعرفة، 1414 هـ - 1993 م.
| قالب تصفح = <!--بلا، فيها-->بلا
*الشريف المرتضى، علي بن الحسين، '''الشافي في الإمامة'''، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني الخطيب، طهران - إيران، مؤسسة الصادق للطباعة والنشر، 1407 هـ - 1987 م.
| طريقة كتابة المراجع = <!--بلا، فيها-->بلا
*الطبري، محمد بن جرير، '''تاريخ الطبري (تاريخ الأمم و الملوك)'''، بيروت - لبنان، الناشر: دار التراث، ط2، 1387 هـ.
  | استنساخ = <!--من مصدر ضعيف، من مصدر جيد، بلا-->من مصدر جيد
*القمي، أبو القاسم بن محمد حسن، '''غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام‌'''، قم - إيران، الناشر: انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزة علمية قم‌، ط1، 1417 هـ.
| مصادر موثقة = <!--بلا، ناقصة، كاملة-->ناقصة
*المجلسي، محمد باقر، '''بحار الأنوار'''، تحقيق وتصحيح: مجموعة من المحققين، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي‏، ط2، 1403 هـ.
| الحياد = <!--فيها، بلا-->بلا
*النوري، حسين، '''مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل'''، التحقيق والتصحيح: المحققون في مؤسسة آل البيت {{عليهم السلام}}، بيروت - لبنان‌، الناشر: مؤسسة آل البيت {{عليهم السلام}}، ط1، 1408 ه‍.
| أسلوب التعبير = <!--بلا، فيها-->بلا
*اليعقوبي، أحمد بن يعقوب، '''تاريخ اليعقوبي'''، قدمه وعلق عليه: السيد محمد صادق بحر العلوم، النجف الأشرف - العراق، منشورات المكتبة الحيدرية، 1384 هـ - 1964 م.
| الشمولية = <!--بلا، فيها-->فيها
*عبد الرحمن، محمود، '''معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية'''، د.م، د.ت.
| الإطالة = <!--فيها، بلا-->فيها
*وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت، '''الموسوعة الفقهية'''، مصر، مطابع دار الصفوة، ط1، 1412 هـ - 1992 م.
| أصبحت مقالة جيدة في =<!--{{subst:#time:j F Y}}-->
| أصبحت مقالة مختارة في =<!--{{subst:#time:j F Y}}-->
| توضیحات =
}}</onlyinclude>
 
 
.


[[تصنيف:أعمال شهر رمضان عند أهل السنة]]
[[تصنيف:أعمال شهر رمضان عند أهل السنة]]
[[تصنيف:مقالات لم تحدد أولويتها]]
[[تصنيف:مقالات لم تحدد أولويتها]]
[[تصنيف:مقالات بحاجة إلى الدمج]]
[[تصنيف:مقالات بحاجة إلى الدمج]]
مستخدم مجهول