انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العشرة المبشرة»

imported>Alkazale
imported>Alkazale
سطر ٤٩: سطر ٤٩:
ثانيا- إن هذا الحديث بكافة طرقه وأسانيده ينتهي إلى [[عبد الرحمان بن عوف]] [[سعيد بن زيد|وسعيد بن زيد]] ولم يروه أو يسمعه عن [[محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله|النبي]] {{صل}} أي شخص غيرهما. والبخاري ومسلم لم يذكرا شيئا في باب الفضائل والمناقب عنهما رغم أنهما من العشرة الذين اتفق [[أهل السنة]] على تعظيمهم وتكريمهم.  
ثانيا- إن هذا الحديث بكافة طرقه وأسانيده ينتهي إلى [[عبد الرحمان بن عوف]] [[سعيد بن زيد|وسعيد بن زيد]] ولم يروه أو يسمعه عن [[محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله|النبي]] {{صل}} أي شخص غيرهما. والبخاري ومسلم لم يذكرا شيئا في باب الفضائل والمناقب عنهما رغم أنهما من العشرة الذين اتفق [[أهل السنة]] على تعظيمهم وتكريمهم.  


ثالثا- إن من روى حديث العشرة المبشرة عن النبي {{صل}} هما: [[عبد الرحمان بن عوف]] [[سعيد بن زيد|وسعيد بن زيد]] وكلاهما من العشرة! فيكون ذكرهما له من باب من زكى غيره بتزكية نفسه. ومن المعلوم في الشرع الإسلامي أن من شهد [[الشهادة|بشهادة]] له كفل فيها ولا تقبل شهادته فيها [[الاجماع|إجماعا]] وقولا واحدا. وهذا ما يثير الشك في [[الحديث الصحيح|صحة هذه الرواية]]، من حيث إرادة الراوي جر النار إلى قرصه.<ref>المفيد، الإفصاح في الإمامة، ص 71؛ الطوسي، تلخيص الشافي، ج3، ص241. </ref>
ثالثا- إن من روى حديث العشرة المبشرة عن النبي {{صل}} هما: [[عبد الرحمان بن عوف]] [[سعيد بن زيد|وسعيد بن زيد]] وكلاهما من العشرة! فيكون ذكرهما له من باب من زكى غيره بتزكية نفسه. ومن المعلوم في الشرع الإسلامي أن من شهد [[الشهادة|بشهادة]] له كفل فيها ولا تقبل شهادته فيها [[الاجماع|إجماعا]] وقولا واحدا. وهذا ما يثير الشك في [[الحديث الصحيح|صحة هذه الرواية]]، من حيث إرادة الراوي جر النار إلى قرصه.<ref>المفيد، الإفصاح في الإمامة، ص 71؛ الطوسي، تلخيص الشافي، ج 3، ص24 1. </ref>


رابعا- إن هذا الحديث - العشرة المبشرة - نقل بعدة طرق وفي سلسلة أسانيده بعض الرواة الذين هم بحسب عقيدة أهل السنة أنفسهم غير موثقين ومعتبرين ولا يمكن الاعتماد على على رواياتهم؛ ومن جملتهم عبد العزيز بن محمد الدراوردي والذي ذكره [[أبو حاتم]]، وبين أنه لا يحتج به.<ref>الذهبي، ميزان الاعتدال، ج 2، ص634. </ref>
رابعا- إن هذا الحديث - العشرة المبشرة - نقل بعدة طرق وفي سلسلة أسانيده بعض الرواة الذين هم بحسب عقيدة أهل السنة أنفسهم غير موثقين ومعتبرين ولا يمكن الاعتماد على على رواياتهم؛ ومن جملتهم عبد العزيز بن محمد الدراوردي والذي ذكره [[أبو حاتم]]، وبين أنه لا يحتج به.<ref>الذهبي، ميزان الاعتدال، ج 2، ص 634. </ref>


كما ورد اسم عبد الله بن ظالم في سند بعضها كما في الحديث المنقول عن سعيد بن زيد.<ref>سنن أبو داوود، ج3، ص212، ح4648</ref> وقد رفض كل من [[صحيح البخاري (كتاب)|البخاري]] [[صحيح مسلم (كتاب)|ومسلم]] اعتماد أحاديثه، بل وصرحوا أن أحاديثه غير صحيحة.<ref>الحاكم النيشابوري، المستدرك علي الصحيحين بذيله التلخيص للذهبي، ج3، ص 317؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب ج5، ص269. </ref> وقال [[ابن حجر|ابن حجر]]: لينة البخاري.<ref>ابن حجر، تقريب التهذيب، ج1، ص424 ، ص394 .</ref> وفي تاريخ البخاري الكبير، قال: ليس له حديث إلا هذا - عشرة في الجنة - وبحسب أصحابي القتل!<ref>التاريخ الكبير، ج5، ص124، ص 368.</ref>
كما ورد اسم عبد الله بن ظالم في سند بعضها كما في الحديث المنقول عن سعيد بن زيد.<ref>سنن أبو داوود، ج 3، ص 212، ح 4648.</ref> وقد رفض كل من [[صحيح البخاري (كتاب)|البخاري]] [[صحيح مسلم (كتاب)|ومسلم]] اعتماد أحاديثه، بل وصرحوا أن أحاديثه غير صحيحة.<ref>الحاكم النيشابوري، المستدرك علي الصحيحين بذيله التلخيص للذهبي، ج 3، ص 317؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب ج 5، ص 269. </ref> وقال [[ابن حجر|ابن حجر]]: لينة البخاري.<ref>ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1، ص 424 ، ص 394 .</ref> وفي تاريخ البخاري الكبير، قال: ليس له حديث إلا هذا - عشرة في الجنة - وبحسب أصحابي القتل!<ref>التاريخ الكبير، ج 5، ص 124، ص 368.</ref>


وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: قال البخاري: عبد الله بن ظالم ، عن سعيد بن زيد ، عن النبي {{صل}} : ولا يصح.<ref>العقيلي، الضعفاء الكبير، ج2، ص267، ص827 .</ref>  
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: قال البخاري: عبد الله بن ظالم ، عن سعيد بن زيد ، عن النبي {{صل}} : ولا يصح.<ref>العقيلي، الضعفاء الكبير، ج2، ص267، ص827 .</ref>  
سطر ٦١: سطر ٦١:
فأما الطريق إلى عبد الرحمان بن عوف والوارد في [[سنن الترمذي|سُنن الترمذي]] [[مسند أحمد بن حنبل|ومسند أحمد بن حنبل]]، فينحصر بحُميد ابن عبد الرحمن الزهري عن أبيه [[عبد الرحمان بن عوف]] تارة، وعن رسول الله {{صل}} أخرى.
فأما الطريق إلى عبد الرحمان بن عوف والوارد في [[سنن الترمذي|سُنن الترمذي]] [[مسند أحمد بن حنبل|ومسند أحمد بن حنبل]]، فينحصر بحُميد ابن عبد الرحمن الزهري عن أبيه [[عبد الرحمان بن عوف]] تارة، وعن رسول الله {{صل}} أخرى.


وهذا إسناد باطل؛ لأن حُميد بن عبد الرحمان الزهري لم يرَ أبيه عبد الرحمان بن عوف، ولم يدركه! إذ إن عبد الرحمان بن عوف قد توفي [[سنة 32 للهجرة]]، وإن حُميد ابن عبد الرحمان الزهري لم يكن صحابيا وإنما هو [[تابعي]] قد توفي [[سنة 105 للهجرة]] عن عمر 73 سنة، فيكون قد ولد [[سنة 32 للهجرة]]<nowiki/>ـ،<ref>الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج1 ، ص92 .</ref> وهي سنة  وفاة عبد الرحمان بن عوف!<ref>ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج3، ص 41 - 40 و ج6، ص222.</ref>
وهذا إسناد باطل؛ لأن حُميد بن عبد الرحمان الزهري لم يرَ أبيه عبد الرحمان بن عوف، ولم يدركه! إذ إن عبد الرحمان بن عوف قد توفي [[سنة 32 للهجرة]]، وإن حُميد ابن عبد الرحمان الزهري لم يكن صحابيا وإنما هو [[تابعي]] قد توفي [[سنة 105 للهجرة]] عن عمر 73 سنة، فيكون قد ولد [[سنة 32 للهجرة]]<nowiki/>ـ،<ref>الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1 ، ص 92 .</ref> وهي سنة  وفاة عبد الرحمان بن عوف!<ref>ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج 3، ص 41 - 40 و ج 6، ص 222.</ref>


وعمر كهذا لا يرشحه لهذه الرواية، فكيف أصبح - بعمره هذا – الراوي الأوحد عن أبيه تارة وعن رسول الله تارة أخرى؟
وعمر كهذا لا يرشحه لهذه الرواية، فكيف أصبح - بعمره هذا – الراوي الأوحد عن أبيه تارة وعن رسول الله تارة أخرى؟


وقد أحصى [[ابن حجر]] من حدث عنهم حُميد الزهري من [[الصحابة]]، وليس فيهم عبد الرحمان بن عوف! <ref>ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج3، ص46.</ref> هذا هو حال إسنادهم الأول للرواية عن عبد الرحمن بن عوف.
وقد أحصى [[ابن حجر]] من حدث عنهم حُميد الزهري من [[الصحابة]]، وليس فيهم عبد الرحمان بن عوف! <ref>ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج 3، ص 46.</ref> هذا هو حال إسنادهم الأول للرواية عن عبد الرحمن بن عوف.


فيبقى الطريق إلى الرواية قصرا على رواية [[سعيد بن زيد]] عن النبي {{صل}}وهو أحد العشرة المبشَّرة المذكورين. <ref>سنن أبي داوود، ج3، ص212، ح4648. سُنن الترمذي، ج5، ص311.</ref>
فيبقى الطريق إلى الرواية قصرا على رواية [[سعيد بن زيد]] عن النبي {{صل}}وهو أحد العشرة المبشَّرة المذكورين. <ref>سنن أبي داوود، ج 3، ص 212، ح4648. سُنن الترمذي، ج 5، ص 311.</ref>


وقد أورد نقاد الحديث من علماء الشيعة على هذا الإسناد الآتي:
وقد أورد نقاد الحديث من علماء الشيعة على هذا الإسناد الآتي:
سطر ٨١: سطر ٨١:
2- إن هذه الرواية عن سعيد بن زيد مع أنها أكثر طرق حديث التبشير تنتهي إليها لا يوجد في طرقها إسناد يصحّ الاحتجاج به، لمحل الخدش في الرواة؛ لأنها رويت مرة من طريق عبد الله بن ظالم المازني عن سعيد بن زيد، وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد.  
2- إن هذه الرواية عن سعيد بن زيد مع أنها أكثر طرق حديث التبشير تنتهي إليها لا يوجد في طرقها إسناد يصحّ الاحتجاج به، لمحل الخدش في الرواة؛ لأنها رويت مرة من طريق عبد الله بن ظالم المازني عن سعيد بن زيد، وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد.  


أما عبد الله بن ظالم المازني هذا فقد تقدم الكلام فيه من جهة رفض كل من البخاري ومسلم اعتماد أحاديثه. وذكر العقيلي له في الضعفاء. وأما عبد الرحمان بن الأخنس، فقال عنه ابن حجر: متروك.ابن حجر، <ref>تقريب التهذيب، ج1 ، ص472 ، ص858.</ref>
أما عبد الله بن ظالم المازني هذا فقد تقدم الكلام فيه من جهة رفض كل من البخاري ومسلم اعتماد أحاديثه. وذكر العقيلي له في الضعفاء. وأما عبد الرحمان بن الأخنس، فقال عنه ابن حجر: متروك.ابن حجر، <ref>تقريب التهذيب، ج 1 ، ص 472 ، ص 858.</ref>


===نقد متن الحديث===
===نقد متن الحديث===
سطر ٨٨: سطر ٨٨:
* الأول: أنّ نصّ الرواية لا يمكن التعويل عليه، لمحاولته الجمع بين الأضداد في أسماء الأشخاص الذين ذكروا بأنهم مبشرين بالجنة، حيث نجد نفس الذين بشروا بالجنة تقاتلوا فيما بينهم واختلفوا اختلافا كبيرا. وهذا مما علم بضرورة التاريخ في حرب [[صفين (توضيح)|صفين]] [[حرب الجمل|والجمل]] وخارجهما، حتى وصل الأمر إلى التخطئة من بعضهم لبعض والتضليل والحرب وسفك الدم. والشواهد على ذلك كثيرة من أهمها:
* الأول: أنّ نصّ الرواية لا يمكن التعويل عليه، لمحاولته الجمع بين الأضداد في أسماء الأشخاص الذين ذكروا بأنهم مبشرين بالجنة، حيث نجد نفس الذين بشروا بالجنة تقاتلوا فيما بينهم واختلفوا اختلافا كبيرا. وهذا مما علم بضرورة التاريخ في حرب [[صفين (توضيح)|صفين]] [[حرب الجمل|والجمل]] وخارجهما، حتى وصل الأمر إلى التخطئة من بعضهم لبعض والتضليل والحرب وسفك الدم. والشواهد على ذلك كثيرة من أهمها:


محاربة [[الزبير بن العوام|الزّبير]] [[طلحة بن عبيد الله التيمي|وطلحة]] [[علي (ع)|لعلي]] (ع) خليفة رسول اللَّه {{صل}} في [[حرب الجمل|وقعة الجمل]] في [[البصرة]] وهما باغيان قد أوجب [[القرآن الكريم|القرآن]] قتالهما لخروجهما عليه بعد بيعتهما له، ومقتل [[طلحة بن عبيد الله|طلحة بن عبيد اللَّه التيمي]] يوم الجمل [[سنة 36 للهجرة|سنة ستة وثلاثين للهجرة]]، وهو أحد العشرة المبشرة، بعد أن قام بحربه فيها.<ref>أسد الغابة، ج3 ، ص59.</ref>
محاربة [[الزبير بن العوام|الزّبير]] [[طلحة بن عبيد الله التيمي|وطلحة]] [[علي (ع)|لعلي]] (ع) خليفة رسول اللَّه {{صل}} في [[حرب الجمل|وقعة الجمل]] في [[البصرة]] وهما باغيان قد أوجب [[القرآن الكريم|القرآن]] قتالهما لخروجهما عليه بعد بيعتهما له، ومقتل [[طلحة بن عبيد الله|طلحة بن عبيد اللَّه التيمي]] يوم الجمل [[سنة 36 للهجرة|سنة ستة وثلاثين للهجرة]]، وهو أحد العشرة المبشرة، بعد أن قام بحربه فيها.<ref>أسد الغابة، ج 3، ص 59.</ref>


ومنها امتناع [[سعد بن أبي وقاص]] عن بيعة علي {{عليه السلام}} وبيعته [[معاوية ابن أبي سفيان|لمعاوية]]! رغم محاربته لعلي (ع).فكيف يكون كلّ من الفريقين على الحقّ والصواب؟!<ref>الإفصاح، ص 73-74</ref><ref>الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ص 522. </ref>  
ومنها امتناع [[سعد بن أبي وقاص]] عن بيعة علي {{عليه السلام}} وبيعته [[معاوية ابن أبي سفيان|لمعاوية]]! رغم محاربته لعلي (ع).فكيف يكون كلّ من الفريقين على الحقّ والصواب؟!<ref>الإفصاح، ص 73-74.</ref><ref>الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ص 522. </ref>  


فالواقع التاريخي والأحداث الصادرة عن بعض هؤلاء العشرة تأبى القول بأنهم خصوا بالبشارة في بالجنة بحديث العشرة.  
فالواقع التاريخي والأحداث الصادرة عن بعض هؤلاء العشرة تأبى القول بأنهم خصوا بالبشارة في بالجنة بحديث العشرة.  
سطر ١١٢: سطر ١١٢:
وفي رواية [[الحاكم النيشابوري]]، ورد أسم "[[عبد الله بن مسعود]]" بدلا من أسم "[[أبو عبيدة بن الجراح|أبو عبيدة]]".
وفي رواية [[الحاكم النيشابوري]]، ورد أسم "[[عبد الله بن مسعود]]" بدلا من أسم "[[أبو عبيدة بن الجراح|أبو عبيدة]]".


وفي رواية [[سنن أبي داوود]] [[سنن ابن ماجة|وسنن ابن ماجة]] لم يذكر أي واحد منهما  لا أبو عبيدة ولا ابن مسعود، وذكر أسم النبي الأكرم {{صل}} بدلا منهما.<ref>سنن أبي داوود، ج3، ص212، ح4648 </ref><ref>سنن ابن ماجه، ج1، ص48.</ref>  
وفي رواية [[سنن أبي داوود]] [[سنن ابن ماجة|وسنن ابن ماجة]] لم يذكر أي واحد منهما  لا أبو عبيدة ولا ابن مسعود، وذكر أسم النبي الأكرم {{صل}} بدلا منهما.<ref>سنن أبي داوود، ج3، ص212، ح4648 </ref><ref>سنن ابن ماجه، ج 1، ص 48.</ref>  


إن هذا الاضطراب في متن الرواية مما يدفع للشك في أن هذه الرواية وضعت متأخرة، بل ويدفع لليقين أنها من مخترعات دولة [[بنو أمية|بني أمية]]؛ لأن المفروض إن يكون العشرة أشهر من نار على علم لا يختلف فيهم الرواة ولا تشوبهم شائبة. وحسبك إن البخاري ومسلم لم يرويا حديث المبشّرة  
إن هذا الاضطراب في متن الرواية مما يدفع للشك في أن هذه الرواية وضعت متأخرة، بل ويدفع لليقين أنها من مخترعات دولة [[بنو أمية|بني أمية]]؛ لأن المفروض إن يكون العشرة أشهر من نار على علم لا يختلف فيهم الرواة ولا تشوبهم شائبة. وحسبك إن البخاري ومسلم لم يرويا حديث المبشّرة  


*الثالث- انّ ممّا يبيّن بطلان خبر العشرة المبشرة أنّ [[أبو بكر بن أبي قحافة|أبا بكر]] لم يحتج به لنفسه، ولا احتجّ به [[عثمان بن عفان|عثمان]] لمّا حوصر وطولب بخلع نفسه وهمّوا بقتله، بل تشبّث بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب لا أكثر، وذكر القطع بالجنة أولى منها وأحرى. فلو كان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّ {{صل}}لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجنان.<ref>الإفصاح، ص 73.</ref> <ref>الطوسي، تلخيص الشافي، ج3، ص241.</ref>  
*الثالث- انّ ممّا يبيّن بطلان خبر العشرة المبشرة أنّ [[أبو بكر بن أبي قحافة|أبا بكر]] لم يحتج به لنفسه، ولا احتجّ به [[عثمان بن عفان|عثمان]] لمّا حوصر وطولب بخلع نفسه وهمّوا بقتله، بل تشبّث بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب لا أكثر، وذكر القطع بالجنة أولى منها وأحرى. فلو كان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّ {{صل}}لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجنان.<ref>الإفصاح، ص 73.</ref> <ref>الطوسي، تلخيص الشافي، ج 3، ص 241.</ref>  


*الرابع: أن هذا الحديث معارض بما هو أصح منه سندا ومتنا، وهذا مما يثبت القول ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة.
*الرابع: أن هذا الحديث معارض بما هو أصح منه سندا ومتنا، وهذا مما يثبت القول ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة.
ومن جملة تلك الرورايات المعارضة والنافية:  
ومن جملة تلك الرورايات المعارضة والنافية:  


1- ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن [[سعد بن أبي وقّاص]]، أنه قال: "ما سمعت رسول الله {{صل}} يقول لحي يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا [[عبد الله بن سلام|لعبد الله بن سلام]]".<ref>الحاكم، المستدرك، ج4، ص 468</ref>.
1- ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن [[سعد بن أبي وقّاص]]، أنه قال: "ما سمعت رسول الله {{صل}} يقول لحي يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا [[عبد الله بن سلام|لعبد الله بن سلام]]".<ref>الحاكم، المستدرك، ج 4، ص 468.</ref>


فهذا [[سعد بن أبي وقاص|سعد بن أبي وقّاص]]– وهو أحّد العشرة المذكورين في حديث التبشير – قد شهد بأنه لم يسمع النبي {{صل}} يبشّر أحداً [[الجنة|بالجنة]] سوى [[عبد الله بن سلام|عبد الله بن سلاّم]]. وسعد بن أبي وقاص ضمن العشرة المبشّرين في الحديث، فكيف ينفي بنفسه هذا؟ وكيف غاب ذلك الحديث عنه وهو أحد العشرة، وآخرهم موتا؟ !  
فهذا [[سعد بن أبي وقاص|سعد بن أبي وقّاص]]– وهو أحّد العشرة المذكورين في حديث التبشير – قد شهد بأنه لم يسمع النبي {{صل}} يبشّر أحداً [[الجنة|بالجنة]] سوى [[عبد الله بن سلام|عبد الله بن سلاّم]]. وسعد بن أبي وقاص ضمن العشرة المبشّرين في الحديث، فكيف ينفي بنفسه هذا؟ وكيف غاب ذلك الحديث عنه وهو أحد العشرة، وآخرهم موتا؟ !  


2- معارضته لحديثي رسول الله {{صل}} والذين يرويهما البخاري في صحيحه عن النبي: ( يا [[السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام|فاطمة]] إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ). وقوله {{صل}}: ( من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ).صحيح البخاري، ح3092. وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة على بعضهم. وفي رواية أخرى فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت. فكيف يكون حديث المبشرة شاملا لهم دون غيرهم.
2- معارضته لحديثي رسول الله {{صل}} والذين يرويهما البخاري في صحيحه عن النبي: ( يا [[السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام|فاطمة]] إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ). وقوله {{صل}}: ( من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ).صحيح البخاري، ح 3092. وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة على بعضهم. وفي رواية أخرى فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت. فكيف يكون حديث المبشرة شاملا لهم دون غيرهم.


3- ما روي عن [[معاذ بن جبل]]: (سمعت رسول الله  {{صل}} يقول: إنه – أي عبد الله بن سلام - عاشر عشرة في الجنة).<ref>الحاكم النيشابوري، المستدرك، ج1 ، ص98 .</ref>
3- ما روي عن [[معاذ بن جبل]]: (سمعت رسول الله  {{صل}} يقول: إنه – أي عبد الله بن سلام - عاشر عشرة في الجنة).<ref>الحاكم النيشابوري، المستدرك، ج 1، ص 98 .</ref>


قال الحاكم: هذا [[حديث صحيح]] على شرط الشيخين .
قال الحاكم: هذا [[حديث صحيح]] على شرط الشيخين .
سطر ١٣٣: سطر ١٣٣:
وهذه الرواية صححها الحاكم والذهبي فينبغي أن يكون "[[عبد الله بن سلام]]" أحد العشرة المبشرة، وعليه فلا بد من إخراج واحد ممن ضمهم حديث المبشرة، بل أنه ينافي هذا حديث العشرة المبشرة، لأنه لو صح حديث المبشرة لكان ابن سلام يدخل الجنة بعدهم.
وهذه الرواية صححها الحاكم والذهبي فينبغي أن يكون "[[عبد الله بن سلام]]" أحد العشرة المبشرة، وعليه فلا بد من إخراج واحد ممن ضمهم حديث المبشرة، بل أنه ينافي هذا حديث العشرة المبشرة، لأنه لو صح حديث المبشرة لكان ابن سلام يدخل الجنة بعدهم.


4- ما رواه الإمام مالك في [[موطأ مالك|موطأه]]: "مرّ رسول الله {{صل}} وأبي بكر على شهداء [[غزوة أحد|أحد]]، فقال: أشهد عليهم، فقال أبو بكر: "ألسنا يارسول الله بإخوانكم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟ فقال رسول الله {{صل}} بلى، ولكن لا أدري ماتحدثون بعدي !! فبكى أبو بكر ثم بكى فقال: أنا لكائنون بعدك؟!".ا<ref>بن أنس، مالك، الموطأ، كتاب الجهاد، ح1004.</ref>فأين البشارة في هذا الحديث.
4- ما رواه الإمام مالك في [[موطأ مالك|موطأه]]: "مرّ رسول الله {{صل}} وأبي بكر على شهداء [[غزوة أحد|أحد]]، فقال: أشهد عليهم، فقال أبو بكر: "ألسنا يارسول الله بإخوانكم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟ فقال رسول الله {{صل}} بلى، ولكن لا أدري ماتحدثون بعدي !! فبكى أبو بكر ثم بكى فقال: أنا لكائنون بعدك؟!".ا<ref>بن أنس، مالك، الموطأ، كتاب الجهاد، ح 1004.</ref>فأين البشارة في هذا الحديث.


5- إن هذا الحديث يتعارض مع أخبار  رسول الله {{صل}} لعلي {{عليه السلام}} أنه قال: ( '''أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين''' ).<ref>الحاكم، المستدرك على الصحيحين، ح4674، ح4675.</ref>
5- إن هذا الحديث يتعارض مع أخبار  رسول الله {{صل}} لعلي {{عليه السلام}} أنه قال: ( '''أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين''' ).<ref>الحاكم، المستدرك على الصحيحين، ح 4674، ح 4675.</ref>


فالناكثون: هم طلحة والزبير وعائشة، فإذا علي{{عليه السلام}} مأمور بقتالهم وهو على حق وهم على باطل.  
فالناكثون: هم طلحة والزبير وعائشة، فإذا علي{{عليه السلام}} مأمور بقتالهم وهو على حق وهم على باطل.  


وما روي في [[صحيح مسلم]] وأبي داوود والترمذي وغيرها عن عليّ {{عليه السلام}} أنّ النبيّ {{صل}} قال له: "لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق".<ref>صحيح مسلم، ج1، ص61، سنن أبي داوود، ج 8، ص117، سنن الترمذي، ج5 ، ج306، مسند أحمد، ج1، ص95.</ref>  
وما روي في [[صحيح مسلم]] وأبي داوود والترمذي وغيرها عن عليّ {{عليه السلام}} أنّ النبيّ {{صل}} قال له: "لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق".<ref>صحيح مسلم، ج1، ص61، سنن أبي داوود، ج 8، ص117، سنن الترمذي، ج 5 ، ج 306، مسند أحمد، ج 1، ص 95.</ref>  


*الخامس- إنه لو كان خبر المبشرة صحيحاً - كما زعموا - لوجد في كلام هؤلاء المبشّرة بالجنة ما يصرح أو يشير إلى تبشيرهم، أو لا أقل لم يشكّوا بالظفر بثواب [[الله|الله عزّ وجلّ]] في حياتهم وعند احتضارهم، لثقتهم بخبر الرسول {{صل}}، لكن نجد من سيرة هؤلاء [[الصحابة]] المبشرة - ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان - ما يخالف ذلك تماما، والشواهد على وقوع الجزع والفزع من أبي بكر وعمر في حياتهما وعند احتضارهما كثيرة، ومن جملتها:
*الخامس- إنه لو كان خبر المبشرة صحيحاً - كما زعموا - لوجد في كلام هؤلاء المبشّرة بالجنة ما يصرح أو يشير إلى تبشيرهم، أو لا أقل لم يشكّوا بالظفر بثواب [[الله|الله عزّ وجلّ]] في حياتهم وعند احتضارهم، لثقتهم بخبر الرسول {{صل}}، لكن نجد من سيرة هؤلاء [[الصحابة]] المبشرة - ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان - ما يخالف ذلك تماما، والشواهد على وقوع الجزع والفزع من أبي بكر وعمر في حياتهما وعند احتضارهما كثيرة، ومن جملتها:


ما رواه [[المتقي الهندي]] في منتخب كنز العمال،<ref>المتقي الهندي، منتخب كنز العمال، ص361</ref> بهامش الجزء الرابع من مسند أحمد بن حنبل، وكذلك السيوطي في تاريخه،<ref>السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص41</ref>والطبري في الرياض النضرة،<ref>الطبري، الرياض النضرة، ج1، ص134</ref> عن أبي بكر أنه نظر إلى طائر على شجرة. فقال: (طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك، ولوددتُ إني شجرة على جانب الطريق مر عليّ جمل فأكلني وأخرجني في بعرة ولم أكن من البشر)، وهذا [[ابن تيمية]] ينقل في منهاجه ويروي  [[أبو بكر بن أبي قحافة|أبي بكر]] أنه قال: (ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت تبنة في لبنة).<ref>ابن تيمية، منهاج السنة، ج3، ص120.</ref>
ما رواه [[المتقي الهندي]] في منتخب كنز العمال،<ref>المتقي الهندي، منتخب كنز العمال، ص 361.</ref> بهامش الجزء الرابع من مسند أحمد بن حنبل، وكذلك السيوطي في تاريخه،<ref>السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص41</ref>والطبري في الرياض النضرة،<ref>الطبري، الرياض النضرة، ج1، ص134</ref> عن أبي بكر أنه نظر إلى طائر على شجرة. فقال: (طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك، ولوددتُ إني شجرة على جانب الطريق مر عليّ جمل فأكلني وأخرجني في بعرة ولم أكن من البشر)، وهذا [[ابن تيمية]] ينقل في منهاجه ويروي  [[أبو بكر بن أبي قحافة|أبي بكر]] أنه قال: (ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت تبنة في لبنة).<ref>ابن تيمية، منهاج السنة، ج 3، ص 120.</ref>


أمّا الخليفة [[عمر بن الخطاب]] فقد حكى عنه أبو نعيم في حلية الأولياء [[ابن تيمية|وابن تيمية]] في منهاجه، أن عمر قال: (يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضه قديدا، ثم أكلوني ولم أكن بشرا).<ref>البيهقي، شعب الإيمان، الخوف من الله تعالى، ج2، ص227 ؛ أبو نعيم، حلية الأولياء، ج1، ص52. بلفظ مقارب. </ref>وقد اعترف ابن تيمية في منهاجه بصحة نسبة ذلك إليه.<ref>ابن تيمية، منهاج السنة، ج3، ص131 ـ 132></ref>
أمّا الخليفة [[عمر بن الخطاب]] فقد حكى عنه أبو نعيم في حلية الأولياء [[ابن تيمية|وابن تيمية]] في منهاجه، أن عمر قال: (يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضه قديدا، ثم أكلوني ولم أكن بشرا).<ref>البيهقي، شعب الإيمان، الخوف من الله تعالى، ج 2، ص 227 ؛ أبو نعيم، حلية الأولياء، ج 1، ص 52. بلفظ مقارب. </ref>وقد اعترف ابن تيمية في منهاجه بصحة نسبة ذلك إليه.<ref>ابن تيمية، منهاج السنة، ج 3، ص 131 ـ 132></ref>


وروي عن [[عبد الله ابن عامر بن ربيعة]] قوله: رأيت عمر  أخذ تبنة من حائط، فقال: "يا ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أخلق، يا ليت أمي لم تلدني، لم أك شيئا، يا ليتني كنت نسيا منسيا".<ref>ابن أبي الدنيا، عبد الله بن محمد، المتمنين، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، ص26. </ref>
وروي عن [[عبد الله ابن عامر بن ربيعة]] قوله: رأيت عمر  أخذ تبنة من حائط، فقال: "يا ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أخلق، يا ليت أمي لم تلدني، لم أك شيئا، يا ليتني كنت نسيا منسيا".<ref>ابن أبي الدنيا، عبد الله بن محمد، المتمنين، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، ص 26. </ref>


وأخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب [[عمر بن الخطاب]] عن [[ابن عباس]] أنه قال: (دخلت على عمر لما طعن فرأيته جزعاً فزعاً، فقلت لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، فقال يا ابن عباس لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله قبل أن اراه).<ref>صحيح البخاري، ج2، ص194. صحيح البخاري حديث رقم: 3416.</ref>
وأخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب [[عمر بن الخطاب]] عن [[ابن عباس]] أنه قال: (دخلت على عمر لما طعن فرأيته جزعاً فزعاً، فقلت لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، فقال يا ابن عباس لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله قبل أن اراه).<ref>صحيح البخاري، ج 2، ص 194. صحيح البخاري حديث رقم: 3416.</ref>


فهل يقول هذا الكلام من له علم بحديث البشارة بالجنة؟ وهذه التمنيات من هؤلاء [[الصحابة]] صريحة في بطلان حديث البشارة لهم بالجنة، قال عز من قائل: (ألا أن اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ...).<ref>سورة يونس، الآية (62).</ref>
فهل يقول هذا الكلام من له علم بحديث البشارة بالجنة؟ وهذه التمنيات من هؤلاء [[الصحابة]] صريحة في بطلان حديث البشارة لهم بالجنة، قال عز من قائل: (ألا أن اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ...).<ref>سورة يونس، الآية (62).</ref>


* السادس: إن حديث العشرة المبشرة بالجنة لا ينسجم حتى مع عقيدة القائلين به، والقائلة [[عدالة الصحابة|بعدالة كل الصحابة]] لجملة من الأحاديث من قبيل حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهتديتم).<ref>ابن عبد البر ، جامع بيان العلم وفضله، ص895.</ref>
* السادس: إن حديث العشرة المبشرة بالجنة لا ينسجم حتى مع عقيدة القائلين به، والقائلة [[عدالة الصحابة|بعدالة كل الصحابة]] لجملة من الأحاديث من قبيل حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهتديتم).<ref>ابن عبد البر ، جامع بيان العلم وفضله، ص 895.</ref>


فاذا كان كل [[الصحابة]] عدول بزعمهم فلابد من دخولهم الجنة جميعا باعتبارهم عدول، فلماذا خصت الجنة في الحديث بعشرة منهم فقط ذكروا في وقت واحد وفي حديث واحد، وما الهدف من جمعهم فيه، أليس جميع الصحابة عدول على حد زعمهم وبالجنة؟
فاذا كان كل [[الصحابة]] عدول بزعمهم فلابد من دخولهم الجنة جميعا باعتبارهم عدول، فلماذا خصت الجنة في الحديث بعشرة منهم فقط ذكروا في وقت واحد وفي حديث واحد، وما الهدف من جمعهم فيه، أليس جميع الصحابة عدول على حد زعمهم وبالجنة؟
سطر ١٦٧: سطر ١٦٧:
ومن الواضح أن العقل لا يقبل تخصيص العشرة بهؤلاء فقط وإخراج باقي أجلاء [[الصحابة]] من [[الانصار|أنصار]] [[المهاجرون|ومهاجرين]]. ولماذا كل هؤلاء العشرة من [[قريش]] ومن [[المهاجرون|المهاجرين]] ولا يوجد [[الأنصار|أنصاري]] واحد ولا غيره فيهم؟!  
ومن الواضح أن العقل لا يقبل تخصيص العشرة بهؤلاء فقط وإخراج باقي أجلاء [[الصحابة]] من [[الانصار|أنصار]] [[المهاجرون|ومهاجرين]]. ولماذا كل هؤلاء العشرة من [[قريش]] ومن [[المهاجرون|المهاجرين]] ولا يوجد [[الأنصار|أنصاري]] واحد ولا غيره فيهم؟!  


*الثامن: أن رواية العشرة المبشّرة لم تتوقف عند العشرة، بل تعدت في بعض أسانيدها إلى أحد عشر، فقد ذكر المحب الطبري - في الرياض النضرة - فصلا في وصف كل واحد من العشرة بصفة حميدة، وروى عن [[ابن عباس| ابن عباس]] (رضي الله عنهما) [[محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله|عن رسول الله]]: "... ولكل نبي صاحب سر، وصاحب سري: [[معاوية بن أبي سفيان]]، فمن أحبهم فقد نجا، ومن أبغضهم فقد هلك ".<ref>المحب الطبري، أحمد بن عبد الله، الرياض النضرة في مناقب العشرة، ص17.</ref>
*الثامن: أن رواية العشرة المبشّرة لم تتوقف عند العشرة، بل تعدت في بعض أسانيدها إلى أحد عشر، فقد ذكر المحب الطبري - في الرياض النضرة - فصلا في وصف كل واحد من العشرة بصفة حميدة، وروى عن [[ابن عباس| ابن عباس]] (رضي الله عنهما) [[محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله|عن رسول الله]]: "... ولكل نبي صاحب سر، وصاحب سري: [[معاوية بن أبي سفيان]]، فمن أحبهم فقد نجا، ومن أبغضهم فقد هلك ".<ref>المحب الطبري، أحمد بن عبد الله، الرياض النضرة في مناقب العشرة، ص 17.</ref>


و هذا ما يدل على أن هذه الرواية ومثيلاتها هي من صنع [[بنو أمية|الأمويين]] ، خدمة لشرعية دولتهم واستمرار بقاءها.
و هذا ما يدل على أن هذه الرواية ومثيلاتها هي من صنع [[بنو أمية|الأمويين]] ، خدمة لشرعية دولتهم واستمرار بقاءها.


* التاسع: إن مقتضى دليل العقل يمنع من القطع بالجنة والأمان من النار لمن تجوز منه مواقعة قبائح الأعمال، ومن ليس [[المعصوم|بمعصوم]] من الزلل والضلال، فلا يجوز أن يعلم [[الله|الله تعالى]] مكلّفاً كهذا بأن عاقبته الجنة؛ لانّ ذلك سيغريه بالقبيح،<ref>المفيد، الإفصاح، ص73 ، الطوسي، تلخيص الشافي، ص3، ص241 .</ref> ولا خلاف أن تسعة من المبشرة غير [[الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام|الإمام علي (ع)]] لم يكونوا [[العصمة|معصومين]] من الذنوب بشهادة أنفسهم، [[الإجماع|وإجماع الأمة الإسلامية]] على عدم عصمتهم سوى أمير المؤمنين [[الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام|علي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}} لما تذهب إليه معاشر [[الإمامية]] من [[العصمة|عصمته]] بآية " ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".<ref>سورة الأحزاب، الآية (33).</ref>
* التاسع: إن مقتضى دليل العقل يمنع من القطع بالجنة والأمان من النار لمن تجوز منه مواقعة قبائح الأعمال، ومن ليس [[المعصوم|بمعصوم]] من الزلل والضلال، فلا يجوز أن يعلم [[الله|الله تعالى]] مكلّفاً كهذا بأن عاقبته الجنة؛ لانّ ذلك سيغريه بالقبيح،<ref>المفيد، الإفصاح، ص73 ، الطوسي، تلخيص الشافي، ص 3، ص 241.</ref> ولا خلاف أن تسعة من المبشرة غير [[الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام|الإمام علي (ع)]] لم يكونوا [[العصمة|معصومين]] من الذنوب بشهادة أنفسهم، [[الإجماع|وإجماع الأمة الإسلامية]] على عدم عصمتهم سوى أمير المؤمنين [[الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام|علي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}} لما تذهب إليه معاشر [[الإمامية]] من [[العصمة|عصمته]] بآية " ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".<ref>سورة الأحزاب، الآية (33).</ref>


نعم هذا لا يمنع من تبشير النبي {{صل}} بعض [[المسلمين]] بالجنة، لبيان مرجعيتهم ومقامهم والتأسي بهم في الأمة. فقد صح عن النبي {{صل}} قوله في حق [[آل ياسر]] بأن موعدهم الجنة.<ref>مجمع الزوائد، ج9، ص293</ref> [[القرآن الكريم|والقرآن]] أيضا يبشر كل من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى بالجنة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ)<ref>سورة طه، الآية (82). </ref>.  
نعم هذا لا يمنع من تبشير النبي {{صل}} بعض [[المسلمين]] بالجنة، لبيان مرجعيتهم ومقامهم والتأسي بهم في الأمة. فقد صح عن النبي {{صل}} قوله في حق [[آل ياسر]] بأن موعدهم الجنة.<ref>مجمع الزوائد، ج 9، ص 293.</ref> [[القرآن الكريم|والقرآن]] أيضا يبشر كل من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى بالجنة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ)<ref>سورة طه، الآية (82). </ref>.  


ومن المعروف والمقطوع به أنّ [[السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام|فاطمة الزهراء]] (عليها السلام) من المبشّرات بالجنّة، فهي [[سيدة نساء العالمين|سيّدة نساء أهل الجنّة]].<ref>صحيح البخاري 4 : 183، سنن الترمذي 5 : 326، مسند أحمد 5 : 391 - 392.</ref>  
ومن المعروف والمقطوع به أنّ [[السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام|فاطمة الزهراء]] (عليها السلام) من المبشّرات بالجنّة، فهي [[سيدة نساء العالمين|سيّدة نساء أهل الجنّة]].<ref>صحيح البخاري 4 : 183، سنن الترمذي 5 : 326، مسند أحمد 5 : 391 - 392.</ref>  


وما رواه الفريقان عن النبي {{صل}}: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"".<ref>سنن الترمذي، ج5، ص321، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص167، ؛ علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب المناقب، ح 15085</ref> فمن كان من أهل الجنة كان [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن]] [[الإمام الحسين بن علي عليه السلام|والحسين]] سيدين له، فكيف لم يذكرا في حديث العشرة المبشرة؟  
وما رواه الفريقان عن النبي {{صل}}: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"".<ref>سنن الترمذي، ج5، ص321، المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 167، ؛ علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب المناقب، ح 15085.</ref> فمن كان من أهل الجنة كان [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن]] [[الإمام الحسين بن علي عليه السلام|والحسين]] سيدين له، فكيف لم يذكرا في حديث العشرة المبشرة؟  


والخلاصة: أن العقل لا يمنع في إمكانية وقوع التبشير بالجنة لغير [[المعصومون الأربعة عشر|المعصومين]]، وإنما المسألة هي أن العقل لا يقبل تخصيص العشرة المبشرة بهؤلاء في حديث واحد وإخراج باقي أجلاء الصحابة منه، إضافة إلى أن رواية العشرة المبشرة المدعى صدورها عن [[محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله|النبي ]] {{صل}} لم يصح سندا ومتنا.
والخلاصة: أن العقل لا يمنع في إمكانية وقوع التبشير بالجنة لغير [[المعصومون الأربعة عشر|المعصومين]]، وإنما المسألة هي أن العقل لا يقبل تخصيص العشرة المبشرة بهؤلاء في حديث واحد وإخراج باقي أجلاء الصحابة منه، إضافة إلى أن رواية العشرة المبشرة المدعى صدورها عن [[محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله|النبي ]] {{صل}} لم يصح سندا ومتنا.
مستخدم مجهول