نص:مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع الصابئة
![]() | هذا النص الكامل لـمناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع الصابئة. وللمزيد من المعلومات اقرأ: مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع الصابئة • الإمام علي الرضا عليه السلام . |
ذهب الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ للإمام الرضا (ع)، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ ينظرك [يَنْتَظِرُكَ]، وَقَدِ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَمَا رَأْيُكَ فِي إِتْيَانِهِ، فَقَالَ لَهُ الرِّضَا (ع): تَقَدَّمْنِي فَإِنِّي صَائِرٌ إِلَى نَاحِيَتِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءً لِلصَّلَاةِ، وَشَرِبَ شَرْبَةَ سَوِيقٍ، وَسَقَانَا مِنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى الْمَأْمُونِ وَإِذَا الْمَجْلِسُ غَاصٌ بِأَهْلِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الطَّالِبِيِّينَ، وَالْهَاشِمِيِّينَ، وَالْقُوَّادُ حُضُورٌ فَلَمَّا دَخَلَ الرِّضَا (ع) ... |
قَالَ عِمْرَانُ الصَّابِي أَخْبِرْنِي عَنِ الْكَائِنِ الْأَوَّلِ، وَعَمَّا خَلَقَ، فَقَالَ لَهُ: سَأَلْتَ فَافْهَمْ أَمَّا الْوَاحِدُ فَلَمْ يَزَلْ وَاحِداً كَائِناً لَا شَيْءَ مَعَهُ بِلَا حُدُودٍ وَلَا أَعْرَاضٍ وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَلَقَ خَلْقاً مُبْتَدِعاً مُخْتَلِفاً بِأَعْرَاضٍ وَحُدُودٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا فِي شَيْءٍ أَقَامَهُ وَلَا فِي شَيْءٍ حَدَّهُ وَلَا عَلَى شَيْءٍ حَذَاهُ[ملاحظة ١]وَمَثَّلَهُ لَهُ، فَجَعَلَ الْخَلْقَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ صَفْوَةً وَغَيْرَ صَفْوَةٍ وَاخْتِلَافاً وَائْتِلَافاً وَأَلْوَاناً وَذَوْقاً وَطَعْماً لَا لِحَاجَةٍ كَانَتْ مِنْهُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا لِفَضْلِ مَنْزِلَةٍ لَمْ يَبْلُغْهَا إِلَّا بِهِ وَلَا أرى [رَأَى] لِنَفْسِهِ فِيمَا خَلَقَ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَاناً. |
تَعْقِلُ هَذَا يَا عِمْرَانُ. قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي. قَالَ: وَاعْلَمْ يَا عِمْرَانُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَلَقَ مَا خَلَقَ لِحَاجَةٍ لَمْ يَخْلُقْ إِلَّا مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى حَاجَتِهِ، وَلَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُقَ أَضْعَافَ مَا خَلَقَ لِأَنَّ الْأَعْوَانَ كُلَّمَا كَثُرُوا كَانَ صَاحِبُهُمْ أَقْوَى وَالْحَاجَةُ يَا عِمْرَانُ لَا يَسَعُهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَمْ يُحْدِثْ مِنَ الْخَلْقِ شَيْئاً إِلَّا حَدَثَتْ فِيهِ حَاجَةٌ أُخْرَى؛ وَلِذَلِكَ أَقُولُ: لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ لِحَاجَةٍ وَلَكِنْ نَقَلَ بِالْخَلْقِ الْحَوَائِجَ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِلَا حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى مَنْ فَضَّلَ وَلَا نَقِمَةٍ مِنْهُ عَلَى مَنْ أَذَلَ[ملاحظة ٢]فَلِهَذَا خَلَقَ.[ملاحظة ٣] |
قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي هَلْ كَانَ الْكَائِنُ مَعْلُوماً فِي نَفْسِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ؟ قَالَ الرضا (ع): إِنَّمَا يَكُونُ الْمَعْلَمَةُ بِالشَّيْءِ لِنَفْيِ خِلَافِهِ وَلِيَكُونَ الشَّيْءُ نَفْسُهُ بِمَا نُفِيَ عَنْهُ مَوْجُوداً، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ يُخَالِفُهُ فَتَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إِلَى نَفْيِ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ بِتَحْدِيدِ مَا عَلِمَ مِنْهَا أَفَهِمْتَ يَا عِمْرَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي فَأَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ عَلِمَ مَا عَلِمَ أَبِضَمِيرٍ أَمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ؟ |
قَالَ الرضا (ع): أَرَأَيْتَ إِذَا عَلِمَ بِضَمِيرٍ هَلْ يَجِدُ بُدّاً مِنْ أَنْ يَجْعَلَ لِذَلِكَ الضَّمِيرِ حَدّاً تَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَعْرِفَةُ. قَالَ عِمْرَانُ لَابُدَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الرضا (ع) فَمَا ذَلِكَ الضَّمِيرُ؟ فَانْقَطَعَ وَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً. قَالَ الرضا (ع): لَا بَأْسَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنِ الضَّمِيرِ نَفْسِهِ تَعْرِفُهُ بِضَمِيرٍ آخَرَ، فَإِنْ قُلْتَ: نَعَمْ أَفْسَدْتَ عَلَيْكَ قَوْلَكَ وَدَعْوَاكَ. يَا عِمْرَانُ أَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ يُوصَفُ بِضَمِيرٍ وَلَيْسَ يُقَالُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلٍ وَعَمَلٍ وَصُنْعٍ وَلَيْسَ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ مَذَاهِبُ وَتَجْزِيَةٌ كَمَذَاهِبِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَجْزِيَتِهِمْ، فَاعْقِلْ ذَلِكَ وَابْنِ عَلَيْهِ مَا عَلِمْتَ صَوَاباً. |
قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ حُدُودِ خَلْقِهِ كَيْفَ هِيَ، وَمَا مَعَانِيهَا وَعَلَى كَمْ نَوْعٍ يَكُونُ؟ قَالَ: قَدْ سَأَلْتَ فَاعْلَمْ أَنَّ حُدُودَ خَلْقِهِ عَلَى سِتَّةِ أَنْوَاعٍ مَلْمُوسٍ، وَمَوْزُونٍ، وَمَنْظُورٍ إِلَيْهِ، وَمَا لَا ذَوْقَ لَهُ، وَهُوَ الرُّوحُ، وَمِنْهَا مَنْظُورٌ إِلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ وَزْنٌ، وَلَا لَمْسٌ وَلَا حِسُّ وَلَا لَوْنٌ وَلَا ذَوْقٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالْأَعْرَاضُ وَالصُّوَرُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ، وَمِنْهَا الْعَمَلُ وَالْحَرَكَاتُ الَّتِي تَصْنَعُ الْأَشْيَاءَ، وَتَعْمَلُهَا وَتُغَيِّرُهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَتَزِيدُهَا وَتَنْقُصُهَا، فَأَمَّا الْأَعْمَالُ وَالْحَرَكَاتُ، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الشَّيْءِ انْطَلَقَ بِالْحَرَكَةِ وَبَقِيَ الْأَثَرُ وَيَجْرِي مَجْرَى الْكَلَامِ الَّذِي يَذْهَبُ وَيَبْقَى أَثَرُهُ. |
قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي أَ لا تُخْبِرُنِي عَنِ الْخَالِقِ إِذَا كَانَ وَاحِداً لَا شَيْءَ غَيْرُهُ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ أَلَيْسَ قَدْ تَغَيَّرَ بِخَلْقِهِ الْخَلْقَ؟ قَالَ لَهُ الرضا (ع): قَدِيمٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ |
قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي فَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ نُورٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ هَادٍ خَلْقَهُ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لَكَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ تَوْحِيدِي إِيَّاهُ. قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي أَلَيْسَ قَدْ كَانَ سَاكِتاً قَبْلَ الْخَلْقِ لَا يَنْطِقُ، ثُمَّ نَطَقَ؟ قَالَ الرضا (ع): لَا يَكُونُ السُّكُوتُ إِلَّا عَنْ نُطْقٍ قَبْلَهُ، وَالْمَثَلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلسِّرَاجِ هُوَ سَاكِتٌ لَا يَنْطِقُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ السِّرَاجَ لَيُضِيءُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَا؛ لِأَنَّ الضَّوْءَ مِنَ السِّرَاجِ لَيْسَ بِفِعْلٍ مِنْهُ، وَلَا كَوْنٍ وَإِنَّمَا هُوَ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَهُ، فَلَمَّا اسْتَضَاءَ لَنَا قُلْنَا قَدْ أَضَاءَ لَنَا حَتَّى اسْتَضَأْنَا بِهِ فَبِهَذَا تَسْتَبْصِرُ أَمْرَكَ. |
قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي فَإِنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدِي أَنَّ الْكَائِنَ قَدْ تَغَيَّرَ فِي فِعْلِهِ عَنْ حَالِهِ بِخَلْقِهِ الْخَلْقَ؟ قَالَ الرضا (ع): أَحَلْتَ[ملاحظة ٤]يَا عِمْرَانُ فِي قَوْلِكَ إِنَّ الْكَائِنَ يَتَغَيَّرُ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَتَّى يُصِيبَ الذَّاتَ مِنْهُ مَا يُغَيِّرُهُ. يَا عِمْرَانُ هَلْ تَجِدُ النَّارَ تُغَيِّرُهَا تَغَيُّرَ نَفْسِهَا وَهَلْ تَجِدُ الْحَرَارَةَ تُحْرِقُ نَفْسَهَا أَوْ هَلْ رَأَيْتَ بَصِيراً قَطُّ رَأَى بَصَرَهُ؟! |
قَالَ عِمْرَانُ: لَمْ أَرَ هَذَا إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنِي يَا سَيِّدِي أَهُوَ فِي الْخَلْقِ أَمِ الْخَلْقُ فِيهِ؟ قَالَ الرضا (ع): أَجَلُّ[ملاحظة ٥]يَا عِمْرَانُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ فِي الْخَلْقِ، وَلَا الْخَلْقُ فِيهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَسَاءَ عِلْمُكَ مَا تَعْرِفُهُ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْمِرْآةِ أَنْتَ فِيهَا أَمْ هِيَ فِيكَ، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْكُمَا فِي صَاحِبِهِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَدْلَلْتَ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ يَا عِمْرَانُ؟ قَالَ: بِضَوْءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهَا. |
قَالَ الرضا (ع): هَلْ تَرَى مِنْ ذَلِكَ الضَّوْءِ فِي الْمِرْآةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَرَاهُ فِي عَيْنِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرضا (ع): فَأَرِنَاهُ فَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً. قَالَ: فَلَا أَرَى النُّورَ إِلَّا وَقَدْ دَلَّكَ وَدَلَّ الْمِرْآةَ عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْكُمَا، وَلِهَذَا أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا لَا يَجِدُ الْجَاهِلُ فِيهَا مَقَالًا وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى[ملاحظة ٦]ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَأْمُونِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَدْ حَضَرَتْ، فَقَالَ: عِمْرَانُ يَا سَيِّدِي لَا تَقْطَعْ عَلَيَّ مَسْأَلَتِي فَقَدْ رَقَّ قَلْبِي. |
قَالَ الرضا (ع) نُصَلِّي، وَنَعُودُ، فَنَهَضَ وَنَهَضَ الْمَأْمُونُ، فَصَلَّى الرضا (ع) دَاخِلًا وَصَلَّى النَّاسُ خَارِجاً خَلْفَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ خَرَجَا فَعَادَ الرضا (ع) إِلَى مَجْلِسِهِ وَدَعَا بِعِمْرَانَ، فَقَالَ: سَلْ يَا عِمْرَانُ. قَالَ: يَا سَيِّدِي أَلَا تُخْبِرُنِي عَنِ اللَّهِ |
قَالَ الرضا (ع): إِنَّ اللَّهَ الْمُبْدِئُ الْوَاحِدُ الْكَائِنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَزَلْ وَاحِداً لَا شَيْءَ مَعَهُ فَرْداً لَا ثَانِيَ مَعَهُ لَا مَعْلُوماً وَلَا مَجْهُولًا وَلَا مُحْكَماً وَلَا مُتَشَابِهاً وَلَا مَذْكُوراً وَلَا مَنْسِيّاً وَلَا شَيْئاً يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ وَلَا مِنْ وَقْتٍ كَانَ وَلَا إِلَى وَقْتٍ يَكُونُ وَلَا بِشَيْءٍ قَامَ وَلَا إِلَى شَيْءٍ يَقُومُ وَلَا إِلَى شَيْءٍ اسْتَنَدَ وَلَا فِي شَيْءٍ اسْتَكَنَّ وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْخَلْقِ إِذْ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ وَمَا أُوقِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُلِّ فَهِيَ صِفَاتٌ مُحْدَثَةٌ وَتَرْجَمَةٌ يَفْهَمُ بِهَا مَنْ فَهِمَ. |
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبْدَاعَ وَالْمَشِيَّةَ وَالْإِرَادَةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَأَسْمَاؤُهَا ثَلَاثَةٌ، وَكَانَ أَوَّلُ إِبْدَاعِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيَّتِهِ الْحُرُوفَ الَّتِي جَعَلَهَا أَصْلًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَدَلِيلًا عَلَى كُلِ مُدْرَكٍ وَفَاصِلًا لِكُلِّ مُشْكِلٍ، وَبِتِلْكَ الْحُرُوفِ تَفْرِيقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنِ اسْمِ حَقٍّ وَبَاطِلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَفْعُولٍ أَوْ مَعْنًى أَوْ غَيْرِ مَعْنًى، وَعَلَيْهَا اجْتَمَعَتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْحُرُوفِ فِي إِبْدَاعِهِ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ أَنْفُسِهَا تَتَنَاهَى وَلَا وُجُودَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُبْدَعَةٌ بِالْإِبْدَاعِ وَالنُّورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوَّلُ فِعْلِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. |
وَالْحُرُوفُ هِيَ الْمَفْعُولُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ وَهِيَ الْحُرُوفُ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْكَلَامِ، وَالْعِبَادَاتُ كُلُّهَا مِنَ اللَّهِ |
فَالْخَلْقُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّهِ |
قَالَ الرضا (ع): لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَجْمَعُ مِنْهَا شَيْئاً لِغَيْرِ مَعْنًى أَبَداً، فَإِذَا أَلَّفَ مِنْهَا أَحْرُفاً أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يُؤَلِّفْهَا بِغَيْرِ مَعْنًى، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا لِمَعْنًى مُحْدَثٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ. قَالَ عِمْرَانُ: فَكَيْفَ لَنَا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ؟ قَالَ الرضا (ع): أَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَوَجْهُ ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ أَنَّكَ تَذْكُرُ الْحُرُوفَ إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا غَيْرَ نَفْسِهَا ذَكَرْتَهَا فَرْداً فَقُلْتَ ا ب ت ث ج ح خ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى آخِرِهَا، فَلَمْ تَجِدْ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ أَنْفُسِهَا، وَإِذَا أَلَّفْتَهَا وَجَمَعْتَ مِنْهَا أَحْرُفاً، وَجَعَلْتَهَا اسْماً وَصِفَةً لِمَعْنَى مَا طَلَبْتَ وَوَجْهِ مَا عَنَيْتَ[ملاحظة ٨]كَانَتْ دَلِيلَةً عَلَى مَعَانِيهَا دَاعِيَةً إِلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا أَفَهِمْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. |
قَالَ الرضا (ع): وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ صِفَةٌ لِغَيْرِ مَوْصُوفٍ وَلَا اسْمٌ لِغَيْرِ مَعْنًى وَلَا حَدٌّ لِغَيْرِ مَحْدُودٍ وَالصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ وَالْوُجُودِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى الْإِحَاطَةِ كَمَا تَدُلُّ الْحُدُودُ الَّتِي هِيَ التَّرْبِيعُ وَالتَّثْلِيثُ وَالتَّسْدِيسُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ |
قَالَ الرضا (ع): إِيَّاكَ وَقَوْلَ الْجُهَّالِ مِنْ أَهْلِ الْعَمَى وَالضَّلَالِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَتَقَدَّسَ مَوْجُودٌ فِي الْآخِرَةِ لِلْحِسَابِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الدُّنْيَا لِلطَّاعَةِ وَالرَّجَاءِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْوُجُودِ لِلَّهِ |
قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي أَلَا تُخْبِرُنِي عَنِ الْإِبْدَاعِ أَخَلْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ خَلْقٍ؟ قَالَ الرضا (ع): بَلْ خَلْقٌ سَاكِنٌ لَا يُدْرَكُ بِالسُّكُونِ، وَإِنَّمَا صَارَ خَلْقاً؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُحْدَثٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فَصَارَ خَلْقاً لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ اللَّهُ |
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَدَتْكَ الْحَوَاسُ فَهُوَ مَعْنًى مُدْرَكٌ لِلْحَوَاسِّ، وَكُلُّ حَاسَّةٍ تَدُلُّ عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ |
قَالَ عِمْرَانُ: يَا سَيِّدِي أَشْهَدُ أَنَّهُ كَمَا وَصَفْتَ وَلَكِنْ بَقِيَتْ لِي مَسْأَلَةٌ. قَالَ: سَلْ عَمَّا أَرَدْتَ. قَالَ: أَسْأَلُكَ عَنِ الْحَكِيمِ فِي أَيِّ شَيْءٍ هُوَ وَهَلْ يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ، وَهَلْ يَتَحَوَّلُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ أَوْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى شَيْءٍ؟ قَالَ الرضا (ع): أُخْبِرُكَ يَا عِمْرَانُ فَاعْقِلْ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَغْمَضِ[ملاحظة ١٣]مَا يَرِدُ عَلَى الْخَلْقِ فِي مَسَائِلِهِمْ وَلَيْسَ يَفْهَمُ الْمُتَفَاوِتُ عَقْلُهُ الْعَازِبُ حِلْمُهُ[ملاحظة ١٤]وَلَا يَعْجِزُ عَنْ فَهِمِهِ أُولُو الْعَقْلِ الْمُنْصِفُونَ أَمَّا أَوَّلُ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ خَلَقَ مَا خَلَقَ لِحَاجَةٍ مِنْهُ لَجَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَا خَلَقَ لِحَاجَتِهِ إِلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ |
وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا شَيْءٌ أَبْعَدَ مِنْهُ مِنْ شَيْءٍ أَفَهِمْتَ يَا عِمْرَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا سَيِّدِي قَدْ فَهِمْتُ وَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا وَصَفْتَ وَوَحَّدْتَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً |
الملاحظات
- ↑ حذوته اي قعدت بحذائه، وحذاء الشيء: ازاؤه. المحاذى: الموازى.
- ↑ الارذل: نقيض الأفضل، يقال للثمن البخس: أرذل الثمن.
- ↑ يعني ان رفع حوائج المحتاجين وسد باب حاجاتهم وتقليلها وهو الداعي على الايجاد، ولعلّ حاصل المراد حينئذ: ان جملة ما سواه محتاجون إلى عطائه في الوجود وما يترتب عليه وهو تعالى عالم بحوائجهم ولا بخل له، كيف؟! وهو الجواد المطلق، فمن جوده وكرمه فتح باب الفضل والجود باعطاء الوجود وبسط بساط الرحمة والاحسان، فإنَّه الكريم المنان.
- ↑ أي تكلمت بالمحال.
- ↑ أي اللّه أجلُّ وأعز وأكبر من أن يكون هو في الخلق أو الخلق فيه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
- ↑ إشارة الى قوله تعالى في سورة النحل: 60.
- ↑ يس: 72.
- ↑ أي اردت من عنى يعنى، وفي بعض النسخ الخطية:« عينت».
- ↑ من الحلول
- ↑ الاهتضام: الكسر والنقص. اهتضمه: كسر عليه حقه وظلمه.
- ↑ الإسراء: 72
- ↑ اقتباس من قوله تعالى في سورة يونس. 25 وغيرها من الآيات.
- ↑ أي من أعضل المسائل وأشكل المشكلات.
- ↑ عقله
- ↑ آدني الحمل يؤدني اودا: اثقلني.
- ↑ إشارة الى قوله تعالى في سورة القمر: 50.
- ↑ إشارة الى قوله تعالى في سورة يس:82.
المصدر
- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا (ع)، المحقق والمصحح: مهدي لاجوردى، طهران، الناشر: نشر جهان، ط 1، 1378 هـ، ج 1، صص 169 – 177.