انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المعاد»

أُضيف ١٠٬٧٢٠ بايت ،  ٢٢ يوليو
ط
لا يوجد ملخص تحرير
طلا ملخص تعديل
طلا ملخص تعديل
سطر ١١: سطر ١١:
وقد ناقشت [[المدرسة المشائية]] وعلى رأسها الفيلسوف الكبير [[ابن سينا]] في إمكانية المعاد الجسمانية وقالوا بعدم إمكانية إثباته عقلا، مع تعبدهم بثبوته شرعاً، وذلك تمسكاً ب[[الآيات]] {{و}}[[الروايات]] التي أكدته، بل القول بضرورة الإيمان به استناداً إلى الدليل النقلي الوارد عن [[المعصومون الأربعة عشر|المعصومين]] (عليهم السلام). أما [[الملا صدرا الشيرازي]] فقد حاول الجمع بين ما توصلت إليه الفلسفة المشائية وبين الدليل النقلي ([[القرآن|قرآنا]] {{و}}[[السنة النبوية|سنّة]]) من خلال طرحه لنظرية المعاد الجسماني وعودة الروح بجسم مثالي.
وقد ناقشت [[المدرسة المشائية]] وعلى رأسها الفيلسوف الكبير [[ابن سينا]] في إمكانية المعاد الجسمانية وقالوا بعدم إمكانية إثباته عقلا، مع تعبدهم بثبوته شرعاً، وذلك تمسكاً ب[[الآيات]] {{و}}[[الروايات]] التي أكدته، بل القول بضرورة الإيمان به استناداً إلى الدليل النقلي الوارد عن [[المعصومون الأربعة عشر|المعصومين]] (عليهم السلام). أما [[الملا صدرا الشيرازي]] فقد حاول الجمع بين ما توصلت إليه الفلسفة المشائية وبين الدليل النقلي ([[القرآن|قرآنا]] {{و}}[[السنة النبوية|سنّة]]) من خلال طرحه لنظرية المعاد الجسماني وعودة الروح بجسم مثالي.


== مفهوم المعاد ==
==المعاد، من معتقدات الأديان السماوية==
المعاد- لغة- مصدر عاد يعود، يقال: عاد يعود عَوْداً ومَعاداً- بفتح ميمه-. وأصله (مَعْوَد) على زنة (مَفْعَل) قلبت واوه ألفاً؛ وفي اصطلاح [[علم الكلام|المتكلمين]]: المعاد يعني عودة الرُّوح بعد مفارَقَتها للجَسَد، مرّة أُخرى- وبإذن اللَّه ومشيئته- إلى الإنسان [[يوم القيامة]] ليلقى الإنسان جزاءَ ما عَمِلَهُ في الدنيا، في العالم الآخر، إنْ خيراً فخيرٌ، وإنْ شراً فشرّ. <ref>خاتمي، ج 1، ص 204.</ref>
إن الاعتقاد بالمعاد وبعث الإنسان في الآخرة هو أحد أصول الاعتقاد،<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص158؛ النمازي، المعاد من وجهة نظر الآيات والروايات، ص11.</ref> وكذلك من المعتقدات الأساسية في جميع الأديان السماوية.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص37؛ السبحاني، الإلهيات، ج4، ص158.</ref> وورد في كتاب أديان العالم الحية أن الحياة بعد الموت من معتقدات وتعاليم جميع الأديان، بما في ذلك الأديان الإلهية والهندوسية والبوذية والطاوية والشنتو.<ref>هيوم، أديان العالم الحية، ص380 ـ 382.</ref>


== أهمية الإيمان بالمعاد ==
ويرى علماء الشيعة أن المعاد هو الأصل الأهم بعد أصل التوحيد الذي دعا الأنبياء الناس إلى الإيمان به.<ref>المطهري، مجموعة آثار، ج2، ص507؛ السبحاني، معرفة المعاد، ص15.</ref> فالإيمان بالمعاد والآخرة شرط من شروط الإسلام، ومن أنكره يعتبر خارجًا عن زمرة المسلمين.<ref>المطهري، مجموعة آثار، ج2، ص507؛ السبحاني، معرفة المعاد، ص15.</ref>
تظهر أهمية الإيمان بالمعاد في حياة الإنسان على مستويين:


'''مستوى الحياة الفردية''': من البديهي أنّ الإنسان إنّما يتحرك ويمارس نشاطاته الحياتية لغرض تأمين حياته وتلبية متطلباتها وغاياتها على أكمل وجه ونيل [[السعادة]] والوصول إلى الكمال الدائم بعيداً عن المتاعب والمشاكل. إلا أنّ طبيعة حركة الإنسان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنوع الأهداف التي يروم تحقيقها في حياته، كما أن لتحديد الهدف النهائي للحياة ومعرفته الدور الكبير في توجيه بوصلة الإنسان وتحديد نوع السلوك الذي ينبغي اعتماده.
وبحسب محمد تقي مصباح اليزدي، إن الاعتقاد بالمعاد في القرآن هو نفس الاعتقاد بالله، وفي أكثر من عشرين آية، تم استخدام كلمتي «الله» و«اليوم الآخر» معًا،<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص37.</ref> وفي اثنتي عشرة آية، جاء بعد الإيمان بالله، ذكر الإيمان باليوم الآخر. <ref>المطهري، مجموعة آثار، ج2، ص507.</ref> ويرى مصباح اليزدي أنه من خلال التأمل في الآيات القرآنية يتبين أن القسم الكبير من أحاديث الأنبياء ومناظراتهم مع الناس كان يدور حول المعاد، بل يمكن القول أن الأنبياء حاولوا إثبات المعاد أكثر من إثبات التوحيد؛ لأن الناس أظهروا المزيد من العناد في قبول مبدأ المعاد بسبب إنكار الأمور الغيبية والرغبة في العصيان وعدم المسؤولية.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص12.</ref>
وذكر أن كلمة المعاد لم ترد في الآيات القرآنية إلا مرة واحدة،<ref>سورة القصص، الآية85.</ref> حيث جاءت بالمعنى اللغوي وهو (مكان العودة)،<ref>السبحاني، معرفة المعاد، ص15.</ref> ولكن ورد الحديث عن المعاد والحياة الآخرة في أكثر من ألف وأربعمائة أو ألفي آية من القرآن (أي ما يقارب ثلث الآيات القرآنية).<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص11 ـ 13؛ السبحاني، الإلهيات، ج4، ص165.</ref> تنقسم الآيات المتعلقة بالمعاد إلى عدة مجموعات، وهي عبارة عن:
*الآيات المتعلقة بلزوم الإيمان بالآخرة<ref>سورة البقرة، الآية 4؛ سورة النمل، الآية 3.</ref>
*الآيات التي ذكرت عواقب إنكار المعاد<ref>سورة الإسراء، الآية 10؛ سورة الفرقان، الآية 11؛ سورة المؤمنون، الآية 74.</ref>
*الآيات المتعلقة بنعيم الجنة الأبدي<ref>سورة الرحمن، الآية 46 وما بعدها، سورة الواقعة، الآية 15 ـ 38؛ سورة الإنسان، الآية 11 ـ 21.</ref>
*الآيات التي تتحدث عن عذاب جهنم الأبدي<ref>سورة الحاقة، الآية 20 ـ 27؛ سورة الملك، الآية 6 ـ 11؛ سورة الواقعة، الآية 42 و56.</ref>
*الآيات التي تشير إلى العلاقة بين الحسنات والسيئات ونتائجها يوم القيامة
*الآيات المتعلقة بإمكانية القيامة وضرورتها، وتعرضت  الجواب عن شبهات المنكرين.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص12.</ref>
كما يؤمن المسيحيون بالمعاد من خلال ذكر قيامة المسيح، والأمثلة التاريخية التي ورد فيها عودة بعض الأشخاص إلى الحياة بعد الموت.<ref>إنجيل يوحنا، الباب 5، الآية 28 ـ 29؛ إنجيل لوقا، الباب 20، الآية 34 ـ 38؛ إنجيل متى، الباب 22، الآية 23 ـ 33.</ref> وبحسب العهد القديم،<ref>سفر أيوب، الباب 24، الفقرة 19؛ سفر المزامير، الباب 9، الفقرة 17 والباب 49، الفقرة 14 ـ 15.</ref> والجديد،<ref>المكاشفة، الباب 9، الفقرة 1 ـ 2 والباب 20، الفقرة 1 ـ 3.</ref> يذهب كل الناس بعد الموت إلى «الهاوية» أو العالم السفلي، الذي يتكون من قسمين: قسم للأشرار، وهو مكان العذاب، وقسم آخر للصالحين وهو الجنة.<ref>تيسن، إلهيات مسيحي، ص362 ـ 363.</ref> في قانون الإيمان للرسل، والعقيدة النيقية، وهما عقيدتان عالميتان ومقبولتان لدى جميع المسيحيين، ورد ذكر الاعتقاد والإيمان بالقيامة.<ref>ماكغراث، كتاب اللاهوت المسيحي، ج1، ص55 ـ 57؛ بيترسون، العقل والمعتقد الديني، ص319.</ref>


وذكر أن الاعتقاد بالمعاد لم يرد ذكره في العهد القديم (التناخ) الكتاب اليهود المقدس، لكن في كتاب التلمود، وهو كتاب يحتوي على أحاديث وأحكام اليهود، ورد فيه كلام كثير عن المعاد.<ref>توفيقي، التعرف على الديانات الكبرى، ص110.</ref> وقد قيل أنه بسبب تحريف العهد القديم، تم حذف العبارات المتعلقة بالمعاد.<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص160.</ref> ومع ذلك، ورد في مقطع من العهد القديم: «الربّ يميت ويحيي، وتحيا أمواتك يوم تقوم الجثت».<ref>سفر صموئيل الأول، الباب 2، الفقرة 6؛ السبحاني، الإلهيات، ج4، ص160.</ref>


فلاريب أنّ من يقصّر الحياة على البعد المادي فقط سوف يبذل قصارى جهده لتحصيل النسبة الأكبر من الملذات الدنيوية والانتفاع بملذاتها بالحد الأقصى؛ فيما نرى المؤمن بوجود عالم آخر وعدم انحصار الحياة في بعدها المادي وأن هناك أبعاداً أخرى للحياة لا تنتهي بالموت، وأن لعمله في عالم الدنيا دور في تأمين السعادة الأخروية، يسير باتجاه معاكس تماماً ويتحرك بطريقة تؤمن له تلك السعاد الحقيقة والحياة الخالدة وتوفر له ذلك الكمال المنشود حتى لو كان ذلك على حساب السعادة والرخاء الدنيويين.
وبحسب الديانة الزرادشتية، تنفصل الروح بعد الموت عن الجسد وتبقى حتى تقوم يوم القيامة للحساب.<ref>إبراهيم زاده وعلي نوري، أديان إلهي وفرق إسلامي، ص119؛ توفيقي، التعرف على الديانات الكبرى، ص62.</ref>


وقد ذكر أن الجنة الزرادشتية هي مثل الجنة الموصوفة في الإسلام، أما في الديانة الزرادشتية فجهنم ليس ناريًا ومحرقة، بل هو مكان بارد جدا ومظلم ومخيف.<ref>إبراهيم زاده وعلي نوري، أديان إلهي وفرق إسلامي، ص119 ـ 120؛ توفيقي، التعرف على الديانات الكبرى، ص62.</ref> كما يؤمنون بجسر شيناواد (جسر الصراط والفاصل).<ref>إبراهيم زاده وعلي نوري، أديان إلهي وفرق إسلامي، ص119 ـ 120.</ref>
==آثار الاعتقاد بالمعاد في الحياة الدنيا==
إن الاهتمام بالمعاد، ومعرفة جزئياته له أثر نفسي وروحي وتربوي كبير في نباء النفس الإنسانية، في جميع مراحل حياة الإنسان.<ref>مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، ج6، ص7.</ref> بحسب مصباح اليزدي، فأي شخص يؤمن بالمعاد لا يعتبر الموت نهاية حياته، ويجعل البرامج في حياته بما يعود عليه بالنفع في حياته الأبدية، ومن ناحية أخرى فإن المصاعب والأخطاء والخسائر التي يواجها في حياته الدنيوية، لا تثبطه ولا تمنعه من محاولة تحقيق السعادة الكمال الأبدي. ومن وجهة نظره فإن تأثير الإيمان بالمعاد لا ينحصر في الحياة الفردية، بل إن الإيمان به يلعب دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية، كاحترام حقوق الآخرين، والشعور بالمحتاجين. وحينما يسود المجتمع الاعتقاد بالمعاد، فلا يحتاج كثيرًا إلى استخدام القوة لتطبيق القوانين، والأحكام العادلة، ومكافحة الظلم والاعتداء على الآخرين.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص10.</ref> ذكر آية الله جوادي الآملي، مفسر وفيلسوف شيعي، أن أهم آثار ذكر المعاد هو إقامة العدل والقسط الفردي والاجتماعي، وآثار نسيان المعاد يؤدي إلى الضلال والظلم الفردي والاجتماعي.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص18.</ref>


'''مستوى الحياة الإجتماعية''': من الثابت على مستوى البحث الديني والإجتماعي أن لإيمان الإنسان بوجود عالم آخر ترتسم معالمه انطلاقاً من الحياة الدنيا ونوعية العمل وطريقة الحركة ونوع العلاقات التي يرسمها الإنسان لنفسه في هذا العالم، دوراً مهماً في تحديد نوع العلاقة الإجتماعية وطريقة التعاطي بين الأفراد، وأن الإيمان بالثواب والعقاب الأخرويين يلعب دوراً مهما في إبعاد الإنسان عن كل ما من شأنه التطاول على حقوق الناس والتمدد نحو حريم الآخرين، بل يخلق لدى المؤمن حالة من الإيثار والشعور بالحب تجاه الطرف الآخر والميل لمدّ يد العون للمحتاجين والمعوزين منهم.
فالإنسان الذي يعتقد بالمعاد ينظر إلى الدنيا على أنها مزرعة الآخرة، وأن أعماله بمنزلة البذرة التي سيجني ثمارها في الآخرة. لذلك فهو يتصرف ضمن خطوات مدروسة في حياته الدنيوية، ولا يقصر في أداء التكاليف والأوامر الإلهية.<ref>السبحاني وبرنجكار، العقائد والمعارف، ص 335.</ref> كما أن الاعتقاد بالمعاد يغير طريقة النظر إلى الموت، ويحوله من معنى الفناء والعدم، إلى بوابة وجسر إلى عالم جميل وأرفع.<ref>السبحاني وبرنجكار، العقائد والمعارف، ص335.</ref> ومن آثار المعاد الأخرى يوسع الرؤية لدى الإنسان ويخرجه عن دائرة الماديات، فلا يواجه الفراغ والضعف في الحياة.<ref>السبحاني وبرنجكار، العقائد والمعارف، ص336.</ref>


لقد قيل أن الاعتقاد بالمعاد يمكن أن يكون فعالاً في الحياة الدنيا إذا كانت هناك علاقة علية (السبب والمسبب أو العلة والمعلول) بين الحياة الدنيا والآخرة، وأن النعم والعذاب في الآخرة هو نتيجة فعل وعمل الإنسان في هذا العالم.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص11.</ref>
ويرى البعض أن الاعتقاد بالمعاد هو عامل من عوامل صحة المجتمع، وعامل الأمن الحقوقي والاجتماعي، وعامل من عوامل تحسين العلاقة بين البشر.<ref>النمازي، المعاد بنظر الآيات والروايات، ص12 ـ 15.</ref>
==المفهوم== 
المعاد في اصطلاح المتكلمين هو عودة الروح إلى الجسد في القيامة وأحياء الإنسان مرة أخرى، ليلاقي جزاء أعماله التي عملها في الدنيا، فيدخل أصحاب العمل الصالح إلى الجنة والنعيم، وأصحاب الأعمال الطالحة إلى النار والعذاب.<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص595؛ المجلسي، حق اليقين، ج2، ص369؛ الخاتمي، فرهنك علم الكلام، ص204.</ref> وذكر الشيخ عبد الله جوادي الآملي أن معنى المعاد هو عودة الإنسان إلى الله تعالى.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ص18.</ref> ذكر سعد الدين التفتازاني، أحد علماء السنة في القرن الثامن الهجري أربعة معان للمعاد: الرجوع إلى الوجود بعد الفناء، أو رجوع أجزاء البدن إلى الاجتماع بعد التفرق، والرجوع إلى الحياة بعد الموت، ورجوع الأرواح إلى الأبدان بعد مفارقتها.<ref>التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص82.</ref> وقد اعتبر البعض أن المعاد بمثابة بداية حياة الإنسان في عالم آخر بعد الموت.<ref>النمازي، المعا بنظر الآيات والروايات، ص15.</ref> ذكر العلامة المجلسي: المعاد في اللغة إما مصدر ميمي أو اسم زمان أو اسم مكان، وعليه فله ثلاثة معان: إرجاع الشيء إلى المكان أو الحالة التي نُقل منها، وزمان الإرجاع، ومكان الإرجاع.<ref>المجلسي، حق اليقين، ص369.</ref>
===مفاهيم ترتبط بالمعاد===
وبحسب ناصر مكارم الشيرازي، المفسر والفقيه الشيعي، أن هناك تعابير مختلفة للمعاد في القرآن، وتُعتبر القيامة هي أكثر العبارات شيوعاً عن المعاد وهي مأخوذة من مادّة «القيام»، وقد عبّر القرآن عن ذلك اليوم في 70 موردا بتعبي يوم القيامة.<ref>مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، ج5، ص22.</ref> وبنظره فإن كل اسم من هذه الأسماء والصفات يعبر عن إحدى خصائص المعاد ويوم القيامة.<ref>مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، ج5، ص96.</ref> ومن وجهة نظر جعفر السبحاني المفسر والمتكلم الشيعي، فإن الأسماء والصفات العديدة للمعاد في القرآن يظهر منها الإهتمام بمسألة المعاد، واعتبر القيامة أحد أسماء المعاد في القرآن.<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص166.</ref>


يضاف إلى ذلك أن الإيمان بالمعاد والثواب والعقاب والرقابة الإلهية يوفر على المجتمع عناء المراقبة الشديدة ووضع القوانين الصارمة لإجراء العدالة وتطبيق القانون؛ وذلك لأن المؤمنين بالمعاد والمستشعرين بالرقيب الإلهي سوف يقدمون على الإلتزام بالقانون والشرع في السر والعلن وإن غاب عنهم رصد السلطات والرقيب الحكومي. ولا ريب أنّه كلما اتسعت رقعة الإيمان بالمعاد في العالم، أعطت نتيجة ايجابيه طردية وعمّ الصلاح وهبط مؤشر الجريمة والظلم إلى الحدّ الأدنى.
بعض أسماء وصفات المعاد الواردة في القرآن وهي عبارة عن:
{| class="wikitable" style="text-align: center; background-color:#e6faf3 ; width:60%; border-radius:4px; align:center !important; margin:auto "
|-
!العدد!!الاسم!!العدد!!الاسم
|-
|1||الآخِرة /يوم الآخِر||11||یَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ
|-
|2||يوم الجَمْع||12||يوم محُيط
|-
|3||يوم القِيامَة||13||يوم عَظيم
|-
|4||يوم الدّين||14||يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا
|-
|5||يوم البَعْث یوم البَعْث||15||الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ
|-
|6||يوم الحَسْرة||16||يَوْمٍ أَلِيمٍ
|-
|7||يوم الفَصْل||17||يَوْمُ التَّغَابُنِ
|-
|7||يوم الخُلود||18||يَوْمَ التَّلاقِ
|-
|9||يوم الخُروج||19||يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا
|-
|10||يَوْمَ الْحِسَاب||20||يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص166؛ مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، ج5، ص38 ـ 57.</ref>
|-
|}
==المعاد جسماني أو روحاني==
وبحسب فياض اللاهيجي، لا يوجد اختلاف في قبول أصل المعاد بين المسلمين؛<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621.</ref> إلا أنهم يختلفون حول حقيقة المعاد وكيفية تحقيقه، هل هو جسماني أم روحاني أو جسماني روحاني.<ref>الفخر الرازي، الأربعين في أصول الدين، ج2، ص55؛ فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص153.</ref> وقد اعتبر أصل هذه الاختلافات في الرأي؛ بسبب الاختلاف في الحقيقة الإنسانية.<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621.</ref> آراء علماء الإسلام في المعاد هي:
#المعاد الجسماني والروحاني: يعتقد الكثير من علماء المسلمين أن المعاد جسماني وروحاني.<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص153.</ref> وقد نسب هذا الرأي إلى جميع حكماء المسلمين، بل وجميع الحكماء الإلهيين.<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص622.</ref> واعتبره العلامة المجلسي أيضًا رأي أكثر المتكلمين.<ref>المجلسي، حق اليقين، ج2، ص370.</ref> وبنظر ناصرمكارم الشيرازي، مفسر القرآن، إن المعاد تم ذكره في القرآن على شكل معاد جسماني وروحاني؛ وهذا يعني أنَّه عند القيامة سيعود الجسد والروح معًا.<ref>مكارم الشيرازي، الأمثل، ج2، ص285.</ref> فإن من يرى أن حقيقة الإنسان هي مزيج من النفس المجردة والجسم المادي، يذهب إلى أن المعاد جسماني روحاني.<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621.</ref>
#المعاد الجسماني فقط: بحسب فخر الدين الرازي وفياض اللاهيجي، إن معظم المتكلمين،<ref>الفخر الرازي، الأربعين في أصول الدين، ج2، ص55؛ فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621.</ref> وبعض الفقهاء والمحدثين،<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص154.</ref> يعتقدون فقط بالمعاد الجسماني وينكرون المعاد الروحاني؛ والسبب هو أن هذه المجموعة يذهبون إلى أن حقيقة الإنسان هو هذا الجسم المادي.<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص156.</ref> فالروح عندهم حقيقة مادية تسري في الجسد كسريان النار في الفحم أو الماء في أوراق الزهرة، ويترتب على ذلك هلاكها مع هلاك الجسد بعد الموت،<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص154.</ref> وفي القيامة، تتم استعادة الجسم المتحلل بعلم الله وقدرته المطلقة.<ref>خوش صحبت، «معاد جسمانی از منظر علامه طباطبایی با تأکید بر تفسیر المیزان»، ص38.</ref>
#المعاد الروحاني فقط: وبحسب جعفر السبحاني فإن معظم فلاسفة المشاء ذهبوا إلى القول بالمعاد الروحاني العقلي وأنكروا المعاد الجسماني؛ لأن الجسم عندهم يفنى بعد الموت، ولا يبقى شيء منه حتى يُعاد في القيامة، ولكن بما أن النفس مجردة فلا تفنى،<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص154.</ref> وبعد انفصالها عن الجسم ترجع إلى عالم المجردات.<ref>العلامة الحلي، الباب الحادي عشر، ص206.</ref> ويرى ابن سينا من كبار فلاسفة المشاء، إن المعاد الجسماني وعودة البدن يوم القيام لا يثبت إلا من خلال الشرع وأخبار رسول الله.<ref>ابن سينا، الشفاء (الإلهيات)، ص423.</ref> وقد اعتبر العلامة المجلسي إنكار المعاد الجسماني من الكفر الصريح، ويستلزم إنكار القرآن، والنبي والأئمة.<ref>المجلسي، حق اليقين، ج2، ص369 ـ 370.</ref> وذهب إلى أن الفلاسفة من منكري المعاد الجسماني؛ لأنهم يرون استحالة إعادة المعدوم.<ref>المجلسي، حق اليقين، ج2، ص369.</ref> ويرى فياض اللاهيجي أن الذين يعتيرون حقيقة الإنسان النفس المجردة وأن البدن أداة منفصلة عن النفس، لا يقبلون إلا المعاد الروحاني.<ref>فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621.</ref>
===النظريات حول كيفية المعاد الجسماني الروحاني===
لقد قدم القائلون بالمعاد الروحاني الجسماني رأيهم من عدة وجوه:
*عودة الروح إلى البدن المادي الدنيوي: وفق هذا الرأي الذي يعتبر أشهر الأراء المنسوبة إلى المتكلمين المسلمين،<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص199.</ref> فإن الله تعالى يجمع أعضاء البدن المتفرقة في الآخرة، فيخلق منها بدننًا كالبدن الدنيوي وترجع الروح إليه.<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص199.</ref> يرى بعض المتكلمين أن الأجزاء الأصلية لكل بدن بشري والتي هي غير قابلة للتغيير، سيتم إعادتها في المعاد، فهذه الأجزاء تنفصل عن البدن عند الموت وتبقى كما هي، وتجتمع من جديد في المعاد.<ref>البحراني، قواعد المرام، ص144؛ العلامة الحلي، كشف المراد، ص406.</ref>
*عودة الروح إلى البدن المثالي: وفق هذا الرأي فإن الروح في المعاد تتعلق بالبدن المثالي. <ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص188 ـ 189.</ref> نسب آية الله السبحاني هذه النظرية إلى حكماء الإشراق والملا صدرا، وبين الفرق بين هاتين المدرستين فإن فلاسفة الإشراق لم يستطيعوا إثبات عينية البدن المثالي الأخروي وبالبدن المادي الدنيوي، ولكن الملا صدرا أثبت ذلك وأرجع الفرق بين البدنين إلى النقص والكمال.<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص188 ـ 190.</ref>
*تعلق الروح ببدن فلكي (سماوي) أو بدن مكون من دخان أو هواء: وفق هذا الرأي المنسوب إلى الفارابي وابن سينا، فإن أنفس الناس الذين لم يبلغوا الكمال ولم يقطعوا تعلقهم عن البدن والعالم، تتعلق بنفس فلكية أو المكونة من دخان وهواء، ولكن الأشخاص الذين وصلوا إلى الكمال يستمرون في الحياة بدون بدن.<ref>الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج9، ص148 ـ 151؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص179 ـ 187.</ref>


ومن الآراء الأخرى حول هذا الموضوع، عودة البدن العنصري إلى الروح المجردة (نظرية آقا علي مدرس)،<ref>السبحاني، شبهات وردود، ص51 ـ 52.</ref> وعودة الروح إلى البدن العنصري المتكامل (رؤية السيد أبو الحسن رفيعي القزويني)، <ref>السبحاني، شبهات وردود، ص53.</ref> وعودة الروح إلى البدن الهورقليائي (نظرية الشيخ أحمد الإحسائي). <ref>الإحسائي، شرح الزيارة الجامعة، ج4، ص18 ـ 19.</ref>
==ارتباط المعاد بمسألة النفس==
وذُكر إن إثبات المعاد وعودة الأرواح والنفوس إلى الأبدان يقوم على تجرد الروح وبقائها. <ref>الآشتياني، لوامع الحقائق في أصول العقائد، ص440.</ref> ويرى محمد تقي مصباح اليزدي أنه يمكن تصور الحياة بعد الموت بشكل صحيح؛ لو اعتبرنا الروح مجردة وهي غير البدن وخواصه.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ص22.</ref> ويرى أنه إذا لم نؤمن بتجرد الروح؛ فإن فرض المعاد والحياة الأخرى لين يكون معقولًا.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ص27.</ref> وعليه فإنَّ تصور المعاد بشكل صحيح ومعقول يقوم على قبول هذه الأمور: وجود الروح، وأنها أمر جوهري، وأنها مستقلة عن البدن وباقية بعد مفارقته بالموت، وأنها العنصر الأصلي والأساسي في الإنسان، وما دامت باقية فإنسانية الإنسان باقية.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص22.</ref>


والجدير بالذكر هنا أن الإيمان ب[[التوحيد]] إذا جرّد من الإيمان بالمعاد لا يعطي النتيجة التكاملية التي تحصل فيما لو ضمّ الإيمان بالتوحيد إلى الإيمان بالمعاد، ومن هنا يتجلى لنا فلسفة تركيز [[الأديان السماوية]] وخاصة الديانة الإسلامية على ترسيخ أصل المعاد في ذهنية الفرد المسلم، ونتفهّم أيضا سبب إصرار [[الأنبياء]] الإلهيين على ترسيخ هذا الجانب من العقيدة. <ref>اليزدي، دروس في العقيدة، ص 339 - 341.</ref>
وكثيرًا ما يعتقد المسيحيون أيضًا أن الحياة بعد الموت ممكنة من خلال الإيمان بروح مجردة ومستقلة عن البدن، لدرجة أنه قيل إن جميع المفكرين المهمين في تاريخ المسيحية ذهبوا إلى هذا الرأي.<ref>.Baker, «Material Persons and the Doctrine of resurrection», p151, 152</ref>
===الإنسان في الدنيا نفسه في الآخرة===
الاعتقاد بالمعاد مبني على أن الذي يُبعث في الآخرة هو نفسه الذي عاش في الدنيا. ويشار إلى هذه المسألة باسم «الهوهويّة» والتي يُراد منها إن الإنسان في الدنيا هو نفسه في الآخرة.<ref>مصباح اليزدي، معارف القرآن، ج3، ص181.</ref> وذهب معظم الإلهيين والفلاسفة المسلمين، والمسيحيين إلى هذا الرأي.<ref>Merricks, «The Resurrection of the Body and the Life Everlasting», p268.</ref> ويُقال أن الكتاب المقدس المسيحي يذهب إلى هذا الرأي أيضًا.<ref>Merricks, «The Resurrection of the Body and the Life Everlasting», p268.</ref>
وفي ما هو عامل وحدة هوهوية الإنسان الدنيوي (قبل الموت) مع الإنسان في الآخرة (الإنسان بعد الموت)؟ ولماذا يكون الإنسان بعد الموت هو نفس الإنسان قبل الموت؟ يرى الفلاسفة المسلمين أن الروح هي الملاك في وحدة الإنسان في الدنيا والآخرة. فالمادة والبدن عندهم لا يمكن أن يكونا مقياسا لتساوي ووحدة الإنسان في الدنيا والآخرة؛ بسبب التغير والتحول فيهما.<ref>الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج9، ص190؛ الآشتياني، شرح بر زاد المسافر، ص19 و224؛ مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص9 ـ 10.</ref> وفقًا للملا صدرا، فإن معيار بقاء الإنسان هو بحفظ روحه. وما دامت روح الإنسان باقية فهو باقي وإن تغيرت أعضاؤه. فمثلاً عندما يُسأل شخص اسمه زيد هل الشاب زيد هو نفسه زيد عندما كان طفلاً وكبيراً أم لا، فإن الملا صدرا يعتبر زيد هو نفس الشخص نظراً لبقاء روحه طوال حياته. وفي الآخرة أيضًا؛ فبسبب بقاء الروح، يكون زيد في الدنيا كزيد في الآخرة.<ref>الآشتياني، شرح بر زاد المسافر، ص19 و224 ـ 225.</ref> ويرى محمد تقي مصباح اليزدي أيضًا، بما أن النفس مجردة ولا تتغير قبل الموت وبعده، فيمكن أن تبقى بعد موت البدن، وعندما ترجع إلى البدن مرة أخرى، يمكنها الحفاظ على وحدة الشخص وتماثله; أما إذا أعتقد أحد أن وجود الإنسان لا يكون إلا في هذا البدن المادي المحسوس، وأن الروح تتلاشى بتلاشي أعضاء البدن، فمثل هذا الشخص لا يمكن أن يكون عنده تصور صحيح عن المعاد.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص21 ـ 22.</ref>


== علاقة المعاد بمسألة الروح ==
وتعتبر الآية 11 من سورة السجدة {{ملاحظة|قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}} دليلاً على هذا الرأي، حيث أن قوام الإنسانية وشخصيته بالشيء الذي يتم قبضه من قبل ملك الموت، وليس البدن الذي يتفرق و يتبعثر.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص23.</ref>
يظهر للمتأمل في مسألة المعاد أن [[الإيمان]] به والتصوير المنطقي له يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإيمان بوجود الروح وطبيعة العلاقة بين الروح والبدن؛ وإلّا لا يمكن بحال من الأحوال تعقّل المعاد فيما تزلزلت العقيدة بوجود الروح وتزعزع الإيمان بمعقولية وجودها.
وملاك البدن أو الدماغ (وجود البدن أو الدماغ واحد على مر الزمن)، وملاك الذاكرة (استمرارية الذاكرة واستحضار الذكريات على مر الزمن) من بين الملاكات والنظريات الأخرى التي طرحها منكرو النفس في مسألة الهوية الشخصية.<ref>الحسینی الشاهرودي و فخار نوغاني، «این‌همانی شخصی»، ص28 ـ 32.</ref>
ومن هنا يتوقف الوصول إلى الإيمان الصحيح والمنطقي بهذا الأصل المهم على إثبات مجموعة من المقدمات:
==إمكانية المعاد==  
*الإيمان بوجود الروح؛
ولإثبات إمكانية المعاد استدلوا بثلاث<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص45.</ref> أو خمس<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص73 ـ 89.</ref> أو ست مجاميع من الآيات القرآنية.<ref>مكارم الشيرازي، الأمثل، ج14، ص266 ـ 268.</ref> وقد ذكر جوادي الآملي هذه الآيات في خمس مجموعات وهي على النحو التالي:
*الإيمان بأنّ الروح حقيقة جوهرية وليست من قبيل الأمور العارضة على البدن؛
#الآيات التي تدل على أنّ لخلق البشر بداية، مثل الآية 79 من سورة يس، والآية 27 من سورة الروم، والآية 19 من سورة العنكبوت، ورد في سورة الروم أن المعاد والرجوع ليس أكثر صعوبة من الخلق الأول.
*الإيمان باستقلالية الروح عن البدن وأن فناء البدن لا يعني بحال من الأحول فناء الروح، بل هي باقية حتى بعد مفارقة الجسد لها وفنائه وتحلل أجزائه.
#الآيات التي بين فيها الله تعالى خلق الكون، وخاصة خلق السماوات التي أظهر فيها عظيم قدرته، مثل  الآية 99 من سورة الإسراء، والآية 57 من سورة غافر، والآية 33 من سورة الأحقاف، حيث جاء في الآية 81 من سورة يس أن الله تعالى الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يرجع الإنسان يوم القيامة.
والملاحظة الأخرى التي يلزم التنبيه عليها هنا هي أنّ تركيب الإنسان من الروح والبدن، ليس من قبيل تركيب مادة كيميائية من عنصرين بحيث لو انفصل أحدهما عن الآخر لانعدم الموجود المركّب بصفته كلا ومركباً، بل الروح هي العنصر الأصلي والأساس في الإنسان، وما دامت باقية فإنّ إنسانية الإنسان وشخصية الشخص باقية، ومحتفظة بنفسها. ومن هنا فإنّ تغير خلايا البدن وتبدلها لا يضر بوحدة الشخص، وذلك لأنّ ملاك الوحدة الحقيقية للإنسان هو وحدة روحه.
#الآيات التي تشير إلى إحياء الأرض، وهي نماذج حسّيّة واضحة على إمكان إحياء الأموات، من جملتها الآية 19 و50 من سورة الروم، والآية 9 من سورة فاطر، والآية 57 من سورة الأعراف.
وقد أشار [[القرآن الكريم]] إلى هذه الحقيقة في ردّه على المنكرين للمعاد حين سألوا: كيف يمكن للإنسان أن يكتسب حياة جديدة بعد أن تتلاشى أجزاء بدنه؟ أجاب: {{قرآن|قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ...}}<ref>سورة السجدة: 11.</ref>  والحال أن بدن الإنسان سوف يتفسخ بعد الموت ويفنى بمرور الأيام ولا يمكن أن يكون هو المقصود بالتوفي في قوله {{قرآن|يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ}}.<ref>اليزدي، دروس في العقيدة، ص 357-350.</ref>
#الآيات التي تبين بداية خلق الإنسان ومراحل تكوين الجنين وتكامله إلى شكل الإنسان، هي خير مثال على إمكان المعاد، مثل الآية 5 و6 من سورة الحج، والآية 12 إلى 16 من سورة المؤمنون، والآية 37 إلى 40 من سورة القيامة، فالله تعالى الذي خلق الإنسان من نطفة  قادر على أن يُحيي الموتى.
#الآيات التي ذكرت بعض الأمثلة الملموسة لإحياء الموتى أمام الناس.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص73 ـ 89.</ref>
بعض الأمثلة الملموسة لإحياء الموتى التي تم ذكرها في القرآن هي:
*وفي الآية 55 و56 من سورة البقرة، ورد إن سبعين شخصًا من أصحاب النبي موسى الذين طلبوا رؤية الله بأعينهم، ماتوا بسبب الصاعقة ثم أحياهم الله تعالى
*قصة رجل من بني إسرائيل قُتل وأُعيد إلى الحياة بعدما تم ضرب بدنه بجزء من بقرة مذبوحة. وقد ورد هذا الأمر في الآية 72 و73 من سورة البقرة
*قصة عزير أو إرميا في الآية 259 من سورة البقرة، والذي أماته الله مائة عام ثم بعثه
*قصة أصحاب الكهف الذين لجئوا إلى الكهف لكي يأمنوا من فتنة المشركين ويحفظون إيمانهم، فناموا (ماتوا) 309 سنوات ثم عادوا إلى الحياة.
*إحياء طيور إبراهيم الأربعة (أربعة طيور قطعها إبراهيم ووضعت كل قطعة منها على جبل ثم عادة إلى الحياة بإذن الله تعالى). ورد ذلك في الآية 260 من سورة البقرة
*إحياء بعض الموتى بإعجاز من قبل عيسى، والتي تم ذكرها في الآية 49 من سورة آل عمران، والآية 110 سورة المائدة.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص80 ـ 89؛ مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص47 ـ 50.</ref>
==أدلة ضرورة ووقوع المعاد==
وقد تم ذكر العديد من الأدلة والبراهين التي تثبت ضرورة ووقوع المعاد. فمثلاً، ذكر عبد الله جوادي الآملي، الفيلسوف والمفسر للقرآن، تسعة براهين،<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص90 ـ 120.</ref> وجعفر السبحاني ستة أدلة،<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص167.</ref> وناصر مكارم الشيرازي سبعة براهين.<ref>مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، ج5، ص175.</ref> والبراهين التي أقامها جوادي الآملي هي: برهان التوحيد، برهان الصدق، برهان الفطرة، برهان الحركة والهدفية، برهان الحكمة، برهان الرحمة، برهان الحقيقة، برهان العدالة، برهان تجرّد الروح.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص90 ـ 113.</ref>   
===برهان التعبد والصدق===
ومن أدلة ضرورة المعاد، عندما نعلم ونقبل أن القرآن هو كلام الله تعالى، وعندما قال الله تعالى عدة مرات في القرآن أن هناك معاد وأنه يُحشر الإنسان، فسيقع المعاد.<ref>مصباح اليزدي، معرفة الإنسان في القرآن، ص213.</ref> وبحسب محمد تقي مصباح اليزدي، فإن حوالي ألفي آية من القرآن تشير بشكل مباشر وغير مباشر إلى وقوع يوم القيامة.<ref>مصباح اليزدي، معرفة الإنسان في القرآن، ص213.</ref> ويقول جوادي الآملي عندما يتحدث الله تعالى وهو أصدق الصادقين عن المعاد، فإن القيامة ستقع على نحو اليقين.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص93.</ref>


== أقسام المعاد ==
وقد ذُكر أن الأشاعرة يثبتون وقوع المعاد عن طريق بالكتاب والسنة، وليس بالعقل والأدلة العقلية.<ref>فياض اللاهيجي، ص620 ـ 621. </ref>
{{الموت إلى القيامة}}
===برهان الفطرة===
'''المعاد الجسماني بالجسم المادي العنصري''': ذهب [[علم الكلام|المتكلمون]] إلى القول بأن الإنسان سيحشر [[يوم القيامة]] بجسمه المادي والعنصر الدنيوي أو ببدن آخر مشابه له بعد حلول النفس فيه مرّة أخرى؛ وذلك استناداً إلى ظواهر الآيات [[القرآن|القرآنية]] {{و}}[[الرواية|الروايات]] الشريفة. <ref>الحلي، الباب الحادي عشر، ص 207 ؛ الفخر الرازي، ج2، ص 55 </ref>
والفطرة تعني الخلق والطينة والخميرة والصفة الجوهرية التي يمتلكها كل مجود في بداية خلقه.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص95.</ref> وقد تم التوصل إلى بعض النكات من هذا البرهان:
*في فطرة الإنسان هناك حب ورغبة لعالم الخلو والحياة الأبدية، وكراهة العدم والفناء
*كل ما يوجد في فطرة الإنسان حق وصحيح، وليس عبثا
*إن رغبة الإنسان وحبه للخلود والبقاء، دليل على وجود عالم أبدي لا يقبل الفناء
*إن هذه الدنيا لا يليق فيها البقاء والخلود
*فلو لم يكن المعاد والآخرة موجودين، لكان طلب الخلود والرغبة الأبدية، الموجودة في فطرة الإنسان عبثًا وباطلًا
*لا وجود للباطل في عالم الطبيعة؛ لأن عالم الإمكان من صنع الله الحكيم، إذن هناك عالم وحياة أبدية.<ref>الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج9، ص241؛ جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص95.</ref>
===برهان الحكمة===
توجد لهذا البرهان صور مختلفة.<ref>مصباح اليزدي، معرفة الإنسان في القرآن، ص223.</ref> ومن التقريرات والصور لهذا البرهان يبتني على الهدف من خلق الإنسان، وبحسب هذا التقرير
*إن الحياة الآخرة هي الهدف من خلق الإنسان والعالم
*إذا لم يوجد مثل هذا العالم، فستقتصر حياة الإنسان والعالم على هذه الحياة الدنيا، وسيكون خلق الإنسان عبثًا وباطلًا؛ لأن هذا العالم وظواهره قابلة للفناء
*إن الله حكيم ومنزه عن فعل الأشياء بدون هدف وغاية
*لذلك لا بد من وجود عالم آخر بعد هذا العالم المادي، ليكون هدف لهذه الحياة الدنيا وخلق الإنسان.<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص168؛ مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، ج5، ص188؛ مصباح اليزدي، معرفة الإنسان في القرآن، ص223.</ref>


وقد أشارت جملة من الآيات لهذا البرهان، مثل الآية 115 من سورة المؤمنون، والآية 27 من سورة ص، والآية 38 و39 من سورة الدخان.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص104 ـ 106؛ السبحاني، الإلهيات، ج4، ص168؛ مصباح اليزدي، معرفة الإنسان في القرآن، ص220 ـ 223.</ref>
===برهان العدالة===
يبتني هذا الدليل على العدل الإلهي، وهو كما يلي:
*تعتبر العدالة من الصفات الإلهية، وهذا العالم مبني على الحق والعدل
*الإنسان في هذه الدنيا حر في الاختيار والقيام بالأشياء الصالحة والطالحة
*ونتيجة لهذا الاختبار فإن مجموعة من الناس يستخدمون قدراتهم في سبيل الله والخير، ومجموعة من الناس يستخدمون كل قدراتهم في سبيل إشباع الشهوات والمعاصي
*هذا العالم ليس له القابلية على أن يرى البشر نتائج أفعالهم بشكل كامل، فليس من الممكن فيه مكافأة الصالحين بشكل كامل، ولا من الممكن معاقبة الأشرار بشكل كامل.


'''المعاد الروحاني''': ذهب حكماء [[الفلسفة المشائية]] إلى القول بأنّ الإيمان بالمعاد الجسماني ليس غير قابل للإثبات فقط، بل هو أمر غير متعقل ذاتا، وذلك لوجود الكثير من الإشكالات التي تواجه القول به؛ ومن هنا ذهبوا إلى القول بالمعاد الروحاني بمعنى رجوع الروح فقط دون الجسد. وأن جسم الإنسان بعد الموت سوف يفنى وينعدم وتتلاشى أجزاؤه ويتحول إلى تراب وإنما الذي يبقى هو الروح فقط.
بناءً على ما تقدم، فإنَّ عدل الله تعالى يقتضي وجود عالم آخر بعد عالم المادة، ووجود نظام عادل ليقوم العدل ويسوّي حساب الجميع.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص111 ـ 112؛ مصباح اليزدي، معرفة الإنسان في القرآن، ص227.</ref> ومن الآيات التي تدل على هذا البرهان، الآية 28 من سورة ص، والآية 21 و22 من سورة الجاثية، والآية 58 من سورة المؤمنون، والآية 35 و36 من سورة القلم.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص112 ـ 113؛ مصباح اليزدي، معرفة الإنسان في القرآن، ص225 ـ 226.</ref>
==إنكار المعاد==
بنظر آية الله جوادي الآملي، فإن إنكار الرؤية الكونّية للعالم بما فيها المعاد ينشأ غالبًا من عدم المعرفة بهذه المسائل. فالمنكرون للمعاد لم يكن لديهم تصورّ عميق ودقيق عن المعاد والعود إلى الله تعالى، واعتمد منطقهم على أنَّه مستبعد وغير محتمل، ولم يقيموا دليلًا واحدًا على إنكارهم للمعاد حتّى لمرة واحدة.<ref>جوادي الآملي، المعاد في القرآن، ج1، ص65.</ref>


يُعتبر الجهل والغفلة عن القدرة الإلهية،<ref>السبحاني وبرنجكار، معارف وعقائد، 1 و2، ص364 ـ 365.</ref> والمیل نحو العصیان وانعدام المسؤولية،<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص46 ـ 47؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص73 ـ 74.</ref> والرغبة في السيطرة وطلب القدرة،<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص74.</ref> من الأسباب التي تؤدي إلى إنكار المعاد. ففي الآية 24 من سورة الجاثية تم ذكر الجهل،<ref>السبحاني وبرنجكار، معارف وعقائد، 1 و2، ص364 ـ 365.</ref> وفي الآية 3 إلى 5 من سورة القيامة ورد ذكر العصيان وعدم المسؤولية،<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص46؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص73 ـ 74.</ref> وفي الآية 33 ـ 38 من سورة المؤمنون، تمت الإشارة إلى السيطرة والقدرة.<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص75.</ref>


والجدير بالذكر هنا أنّ [[ابن سينا]] – أكبر فلاسفة المدرسة المشائية من [[المسلمين]]- وإن ذهب إلى القول بالمعاد الروحاني يوم القيامة وفق مبانية الفلسفية التي تنفي إمكانية إثبات المعاد الجسماني؛ إلا أنّه يؤمن بالمعاد الجسماني تعبداً بالآيات والروايات التي وردت عن [[النبي الأكرم]] {{صل}} وقول النبي حجّة يجب الإذعان لها. <ref>ابن سينا، ص 423 ؛ الفخر الرازي، ج 2، ص 55 </ref>
لقد أنكر الفلاسفة الطبيعيون أصل المعاد.<ref>الفخر الرازي، الأربعون في أصول الدين، ج2، ص55؛ فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص153.</ref> فالإنسان من وجهة نظر هذه الجماعة هو جسم مادي يفنى بالموت ويتلاشى. ومن ناحية أخرى، فإن إعادة المعدوم أمر مستحيل، لذلك سيكون من المستحيل إعادة الإنسان بعد الموت.<ref>السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص153 ـ 154.</ref> وقد ورد أن البعض قد شكك في أصل المعاد مثل جالينوس وأتباعه؛<ref>الفخر الرازي، الأربعون في أصول الدين، ج2، ص55؛ فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص621.</ref> لأنهم شككوا في أن النفس البشرية هي المزاج المادي للبدن، فعند الموت تصير النفس فانية معدومة، أو هي أمر جوهري يبقى بعد الموت وفساد البدن.<ref>الفخر الرازي، الأربعون في أصول الدين، ج2، ص55؛ السبحاني، منشور جاويد، ج5، ص154.</ref>
==شبهات المنكرين للمعاد==
لقد ذكر المنكرون الكثير من الشبهات حول إمكانية المعاد ووقوعه، منها:
===شبهة الآكل والمأكول===
بحسب هذه الشبهة، إذا صار الإنسان طعامًا لإنسان آخر، فهل تعود أجزاء المأكول في المعاد في بدن الآكل (الشخص الذي أكل أجزاء من بدن آخر)، أم في بدن المأكول (الشخص الذي تم أكل بدنه)؟ وعلى كل حال فإن بدن أحدهم لن يجمع يوم القيامة بشكل كامل.<ref>العلامة الحلي، كشف المراد، ص406؛ الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج9، ص199 ـ 200؛ السبحاني، الإلهيات، ج4، ص396.</ref> وقد تم طرح هذه الشبهة أيضًا فيما إذا أكل الكافر بدن إنسان مؤمن، وقلنا بأنً المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة، فيلزم تعذيب المؤمن؛ لأنّ بدنه أو جزءاً منه، صار جزء من بدن الكافر، ويُثاب الكافر.<ref>الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج9، ص200؛ السبحاني، الإلهيات، ج4، ص396.</ref>


وقد تمت الإجابة على هذه الشبهة بأشكال مختلفة، حيث يُميز بعض المتكلمين مثل العلامة الحلي بين الأجزاء الأصلية وغير الأصلية للبدن، فيذهبون إلى أن الأجزاء الأصلية للبدن في كل شخص تبقى من أول العمر إلى نهايته، ولا تصبح جزء أصلي من بدن شخص آخر، وهذه الأجزاء الأصلية هي نفسها تعود في المعاد.<ref>العلامة الحلي، كشف المراد، ص406 ـ 407؛ التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص95.</ref> يرى الملا صدرا أن هوية وحقيقة الإنسان بروحه وليس ببدنه؛ ولهذا السبب، ليس من الضروري أن يكون البدن الذي يُحشر في الآخرة هو نفس البدن الدنيوي الذي صار غذاءً لإنسان أو لحيوان آخر، بل مهما كان البدن الذي تتعلق به الروح، فسيكون ذلك البدن هو نفس بدن ذلك الإنسان نفسه. فبوجهة نظره من الضروري وجود البدن في الحشر، ومن يرى الشخص المحشور، سيقول أن هذا هو نفس الشخص الدنيوي وبدنه هو أيضًا نفس البدن الدنيوي.<ref>الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج9، ص200.</ref>


'''المعاد الجسماني بالجسم المثالي''': واجه [[الملا صدرا]] قضيتين أساسيتين،الأولى أنّه وجد نفسه أمام كم وافر من الآيات والروايات الصريحة بعود جسم الإنسان مرّة أخرى؛ والثانية وجد أن القول بالمعاد الجسماني يواجه إشكالات كثيرة من قبيل "شبهة الآكل والمأكول" التي تمنعه من القول بالمعاد الجسماني، ومن هنا رأى أن الحل الأمثل للخروج عن هذه الإشكالية وعدم التصادم مع الآيات والروايات، وبعبارة أخرى الجمع بين المنقول والمعقول، يتم من خلال القول بنظرية المعاد الجسماني المثالي؛ بمعنى عود الروح بجسد مثالي.<ref>ملا صدرا، الأسفار الأربعة، ج 9، ص 189 - 200.</ref>
وقد تم طرح هذه الشبهة في المسيحية بعنوان أكل لحوم البشر.<ref>See: Baker, «Death and the Afterlife», p377.</ref>
===شبهة إعادة المعدوم===
استحالة إعادة المعدوم هي إحدى أدلة منكري المعاد.<ref>الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج9، ص167؛ التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص93 ـ 94.</ref> فبحسب هذه الشبهة فقد تصور منكري المعاد أن الإنسان هو هذا البدن المادي وسيفنى ويتلاشى بالموت؛ وإذا عاد إلى الحياة، سيكون شخص آخر؛ إذ إن إعادة المعدوم أمر محال وممتنع.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص55 ـ 56.</ref>  


== نظريات مختلفة في تفسير القيامة ==
وتم الرد على هذه الشبهة من خلال الاستناد على الآية 10 و11 من سورة السجدة،{{ملاحظة|وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (سورة السجدة، الآية 10 ـ 11).}} فإنَّ هوية الإنسان وحقيقته مرتبطة بروحه، وليس ببدنه وأعضائه المادية، لذلك، فإن المعاد ليس من إعادة المعدوم، بل عودة الروح.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص56.</ref> وقد أجاب بعض المتكلمين عن هذه الشبهة، أن إعادة المعدوم أمر ممكن، وعلى فرض امتناع إعادة المعدوم، فإنَّ المراد من المعاد هو إعادة الأجزاء إلى حالة الحياة التي كانت عليها قبل الموت.<ref>التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص94 ـ 95.</ref>
انقسم الباحثون حول قضية المعاد بين مؤيد لها وبين من أنكر إمكانها أو وقوعها. وقد طرحت على ساحة الجدال المحتدم بين الاتجاهات والفرق المختلفة مجموعة من النظريات حول هذه القضية منها:
===الشبهة في مجال علم وقدرة الله تعالى===
ومن الشبهات حول المعاد أن إعادة الموتى إلى الحياة، يتم على أساس العلم والمعرفة بجميع الأجزاء المتناثرة من بدن الإنسان، بحيث يمكن إرجاع أجزاء كل شخص إلى بدن نفس الشخص. فمثل هذه المعرفة والعلم محال، فكيف يمكن التعرف على الأجسام المتحللة والتي اختلطت جزيئاتها مع بعضها البعض؟<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص187؛ مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص56.</ref> وفي الجواب على هذه الشبهة، ورد في الآية 3 من سورة سبأ: «عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ.»<ref>السبحاني، الإلهيات، ج4، ص187.</ref> وهذه الشبهة تم طرحها من قبل الذين يجهلون العلم الإلهي غير المتناهي، حيث قاسوا العلم الإلهي بعلومهم الناقصة والمحدودة، ولكن علم الله تعالى ليس له حدود، وله إحاطة بكل شيء.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص57 ـ 58.</ref>


'''إعادة المعدوم:''' يظن فريق أن المعاد يعني "إعادة المعدوم". وما أكثر ما بحث المتكلمون القدامى في عدم استحالة المعدوم، ظناً منهم أنّ المعاد والقيامة يعنيان ذلك. فهم افترضوا انعدام الأشياء (انعداما مطلقاً) ثم راحوا يبحثون عن الشيء إذا كان معدوما مطلقا، فهل يمكن أن يوجد مرّة أخرى، أم إن ذلك من المحالات؟ ولما كانت الأديان قد أخبرت عن عودة الإنسان بعد الموت والفناء، فقد فهموا من المعاد المذكور هو إعادة المعدوم ورجعة الشيء الذي فنى بالكامل. <ref>الفخر رازي، ج 2، ص 39. </ref>
ومن الشبهات الأخرى حول المعاد هو كيفية معرفة أن الله تعالى لديه القدرة على إحياء الأموات. وفي الجواب على هذه الشبهة أن قدرة الله تعالى ليس لها حدود، وهي تتعلق بكل ما هو ممكن الوقوع؛ كما جاء في القرآن: «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».<ref>سورة البقرة، الآية 284؛ سورة الأحقاف، الآية 33.</ref>كما أن إعادة الخلق إن لم تكن أسهل من الخلق الأول فلن تكون أصعب.<ref>مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج3، ص57.</ref> وقد ورد في الآيات القرآنية أن الله تعالى الذي خلقكم أول مرة لقادر على أن يعيدكم بعد الموت.<ref>سورة الإسراء، الآية 51، سورة الروم، الآية 27.</ref>
 
==الدراسات==
 
ترد مسألة المعاد عادة في الكتب الكلامية،<ref>الطوسي، تجريد الاعتقاد، ص297 ـ 310؛ العلامة الحلي، كشف المراد، ص399 ـ 427؛ فياض اللاهيجي، كوهر مراد، ص595 ـ 664؛ السبحاني، الإلهيات، ج4، ص157 ـ 298.</ref> والتفسيرية،<ref>السبحاني، منشور جاويد، كل ج5؛ مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، كل ج5.</ref> ولكن بالإضافة إلى ذلك، تمت كتابة العديد من الكتب المستقلة حول هذا الموضوع. وورد في كتاب مصادر المعاد، اسم 1098 كتابًا، و240 رسالة و512 مقالًا تناولت موضوع القيامة. <ref>أخوان مقدم وآخرون، منبع شناسي معاد، ص8.</ref> وسنذكر هنا بعض الكتب التي كُتبت حول المعاد:  
'''عودة الأرواح إلى الأجساد''': يفسّر فريق آخر من الباحثين بل مشهور المتكلمين المعادَ بأنّه يمثل عودة الأرواح إلى الأجساد المادية. فعندما يموت الإنسان تفارق روحه بدنه وتصير الروح المنفصلة إلى عالم معيّن يقال له [[عالم البرزخ|البرزخ]] إلى أن تحلّ [[القيامة]]. وعندما تقوم الساعة ترجع كل روح لبدنها. <ref>الفخر رازي، ج 2، ص 55. </ref>
*سبيل الرشاد في إثبات المعاد من تأليف آغا علي المدرس الطهراني (وفاة: 1307هـ) بين المؤلف في هذا الكتاب نظريته في مقابل نظرية الملا صدرا في المعاد الجسماني
عودة الأرواح المجرّدة إلى [[الله]] تعالى: هناك طائفة أخرى من المفكرين والأعلام ذهبت إلى تفسير المعاد بعودة الروح المجردة ورجوعها إلى الله تعالى. ولكي تتضح هذه النظرية بجلاء لابد من الإشارة إلى بعض المقدمات:
*منهج الرشاد في معرفة المعاد، من تأليف محمد نعيم الطالقاني، من علماء الشيعة في القرن 12 الهجري
*الأولى: أن المعاد يعني الرجوع؛
*معرفة المعاد، للسيد محمد حسين الحسيني الطهراني: وهو كتاب متكون من عشرة مجلدات، عبارة عن سلسلة من المحاضرات للعلامة الطهراني حول المعاد والمسائل المرتبطة به. يشتمل على آيات قرآنية، وروايات، ومباحث فلسفية وعرفانية حول المعاد<ref>الحسيني الطهراني، معرفة المعاد، ج1، الفهرس.</ref>
*الثانية، إن الإنسان مؤلف من روح وبدن؛
*المعاد في القرآن، للشيخ عبد الله جوادي الآملي، تمت ترجمته من قبل علي الحاج حسن، وهو عبارة عن مجلدين
*الثالثة، الجسم وجود مادي ولا معنى للقول أنّ الاجساد تعود إلى الله؛ لأن الشيء المادي لا يعود إلى الله تعالى المجرّد التام؛ بل الروح هي التي بمقدورها أن تطوي الدرجات والمراتب وتكون أقرب إلى النشأة الربوبية بحسب درجاتها ومراتبها، فالقيامة عند هؤلاء هي عودة الأرواح إلى الله.
*معاد إنسان وجهان (معاد الإنسان والعالمللشيخ جعفر السبحاني: وهو المجلد السادس من كتاب عقائد الإسلام المتكون من ستة مجلدات، والتي صدرت لأول مرة عام  1358 ش عن دار الصدر للنشر.<ref>السبحاني، معاد الإنسان والعالم، ص7 ـ 10.</ref> كتاب معرفة المعاد وهو أيضًا عبارة عن مباحث للشيخ السبحاني حول المعاد في المجلد الرابع من كتاب الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، وقد تمت كتابته ككتاب مستقل من قبل علي شيرواني.
 
'''عودة الأرواح إلى الله بكيفية جسمانية''': اختار فريق آخر الجمع بين هذين الإثنين وانتهوا إلى نظرية مؤدّاها: إذا كان المعاد هو العود إلى [[الله]] وليس عودة الأرواح إلى الأجسام، فإنّ لهذا العود كيفية جسمانية في الوقت نفسه. وبعبارة أخرى: إن المعاد يعني رجوع الروح إلى ربّها لكن لا مجرّدة تماما عن البدن وعن خصوصيات المادة معاً، ولا مصاحبة للبدن المادي بتمام وجوده وخصوصياته معا، بل ترجع الروح إلى بارئها مع الخصوصيات الجسمانية فقط.
فللإنسان وفق نظرية هؤلاء بدن يسمّى بالبدن المثالي أو البدن البرزخي، هو موجود ومتّحد الآن مع بدنه هذا، فإذا مات الإنسان صار لبدنه هذا حكم الفضلة والقشر ولذلك المثالي البرزخي حكم الجوهر، والبدن الأوّل هو الذي يتحلل ويتغير ويفنى باستمرار، ليظهر بدن آخر بدلا منه. فبالموت يتحرر بدنه المثالي- وهو بدن الإنسان الحقيقي- من هذا البدن الذي هو كاللباس لذلك البدن المثالي ويلقى ربّه به [[يوم القيامة]]. <ref>غياث الدين الدشتكي: راجع: ملا صدرا، الشواهد الربوبية، ص 272 -273. </ref>
 
 
'''تجدد الحياة الدنيوية المادّية بشكل آخر''':
أراد فريق آخر أن يفسّر المعاد على أنّه شأن مادّيّ وطبيعي، مثلما حصل للمجموعة الأولى، ولكن دون حاجة للقول بعودة الأرواح إلى الأجسام. فالأرواح– حسب رأي هؤلاء- لا تعود إلى الأجسام؛ لأنه ليس هناك أرواح بالأساس، بل تتجدّد الحياة المادية هذه بنفسها بشكل آخر على نحو تدريجيّ كما حصل أول مرّة وفي النشأة المادية في الحياة الدنيوية. <ref>المطهري، معاد، ج 4 ، ص 534 - 547. </ref>
 
== إثبات المعاد ==
يمكن الإشارة إلى طائفتين من الأدلة لإثبات المعاد، الطائفة الأولى، تلك اللأدلة التي تثبت ضرورة وجود عالم آخر وراء العالم المادي؛ والطائفة الثانية تثبت إمكانية ذلك العالم بالاستعانة [[الآيات|بالآيات]] {{و}}[[الروايات]] والظواهر المشابهة للمعاد.
=== براهين ضرورة المعاد ===
 
==== دليل الفطرة ====
وهذا الدليل يبتني على مجموعة من المقدمات منطلقا من الميل البشري الفطري العام.
- جميع الناس ميّالون فطرياً نحو البقاء والخلود؛
- لم يخلق [[الله]] تعالى تلك الميول في الإنسان عبثا وبلا غاية؛ ل[[الحكمة الإلهية|حكمت]]ه والحكيم لا يصدر منه العبث واللغو.
- لا ريب أن الدنيا ليست بدار قرار وخلود؛
- إذن لابد من وجود عالم آخر يتصف بالخلود والسرمدية، ليؤمن للإنسان ميله الفطري نحو الخلود بالنحو الأمثل. <ref>الفيض الكاشاني، ج2، ص827؛ خميني، ص 186. </ref>
 
==== برهان الحكمة ====
قرر بعض الأعلام والمفكرين برهان الحكمة بالنحو التالي:
 
إن خلق الإنسان ليس عبثا أي بلا هدف وغاية، بل هو خلق لحكمة، انطلاقاً من صفة الحكيم التي يتسم بها الله تعالى، ومن هنا خلق العالم بالصورة التي يترتب عليها أكثر ما يمكن من الخير والكمال وأن تصل المخلوقات إلى غايتها وكمالها اللائق والمناسب لها.
 
 
ولما كان الإنسان يمتلك الروح القابلة للبقاء، ويمكنه الحصول على الكمالات الأبدية الخالدة، تلك الكمالات التي لا يمكن مقارنتها بالكمالات المادية من حيث الدرجة والقيمة الوجودية، بل تفضل عليها وتتفوق بكثير، فإذا تحددت حياته بهذه الدائرة الدنيوية الضيقة، فإنّ ذلك لا يتلائم مع [[الحكمة الإلهية]]، وخاصة مع ملاحظة اقتران الحياة الدنيوية بالمتاعب والمشاق والمصاعب الكثيرة، ولا يمكن الحصول على لذة غالبا دون معاناة ومشقة وتعب وأنّ الحصول على تلك اللذات الضئيلة لا يساوي شيئا تجاه المتاعب والمصاعب التي يتحملها الإنسان في سبيل الحصول عليها.
 
 
إن هذه الحياة الدنيوية هي الحياة الروتينية الرتيبة المرهقة والباعثة على الملل والسأم، لا يرتضيها العقل، ولا يفتي باختيارها، ولا تنسجم مع الحكمة الإلهية، ومن هنا لابد من وجود عالم آخر يخلو من هذه الإشكالية ويوفر للإنسان ما يصبو إليه من جهة وينسجم مع الحكمة الإلهية من جهة أخرى. إذن، فوجود مثل هذا الميل الفطري إنما يتلائم مع الحكمة الإلهية فيما لو وجدت حياة أخرى غير هذه الحياة المحكوم عليها بالموت والفناء. <ref>مصباح يزدي، ص364-365؛ سعيدي مهر، ج2، ص274 وراجع: الحلي، كشف المراد، ص 258. </ref>
 
 
ولقد أشار [[القرآن الكريم]] إلى هذا البرهان في قوله تعالى: {{قرآن|وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَینَهُما لاعِبینَ ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكنَّ أَكثَرَهُمْ لا یعْلَمُونَ إِنَّ یوْمَ الْفَصْلِ میقاتُهُمْ أَجْمَعینَ}}.<ref>سورة الدخان: 38- 40.</ref>
 
==== برهان الرحمة ====
ويتشكل البرهان من المقدمات التالية:
- لاريب أن الله [[الصفات الإلهية|رحيم]] بعبادة؛
- إن رحمته تعالى تعمّ جميع المخلوقات؛
- شمول الرحمة الإلهية للعباد تستلتزم أن لا تحرم الموجودات من خروج طاقتها واستعداداتها من القوّة إلى الفعلية؛
- ينال الإنسان الكمال بواسطة أفعاله الإختيارية الدنيوية ويكون مستعدّاً لتلقي الفيض والنعم الروحية والمعنوية؛
- عالم الدنيا- لضيقه- لا يوفر للإنسان المجال الكافي ليستفيد من كمالاته التي حصل عليها من خلال أعماله الإختيارية؛
ومن هنا لابد من وجود عالم آخر يوفر لكل إنسان الأرضية المناسبة ليقتطف ثمار كمالاته التي نالها. <ref>رباني كلبايكاني، ج 2، ص 190.</ref> ولقد أشارت الآية 12 من [[سورة الأنعام]] إلى هذا المعنى: {{قرآن|قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كتَبَ عَلی نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَیجْمَعَنَّكمْ إِلی یوْمِ الْقِیامَةِ لا رَیبَ فیهِ الَّذینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا یؤْمِنُونَ}}.
 
==== برهان العدالة ====
 
يستند هذا البرهان على [[الصفات الإلهية|صفة العدل]] التي يتصف بها الباري تعالى، وذلك: أنّ الناس أحرار في هذا العالم في اختيار أو ممارسة الأعمال الحسنة أو السيئة. فمن جانب، نلاحظ بعض الأفراد يقضون أعمارهم كلّها في عبادة [[الله]] وخدمة عباده ومن جانب آخر، نلاحظ بعض الأشرار والمجرمين يرتكبون- من أجل الوصول لنزواتهم وأطماعهم الشيطانية - أبشع أنواع الظلم وأفضع ألوان الذنوب، بل إن الهدف من خلق الإنسان في هذا العالم، وتجهيزه بأنواع الميول المتضادة، وبقوّة الإرادة والاختيار، وبأنواع المعارف العقلية والنقلية وتوفير الأجواء والظروف للأفعال المختلفة، وجعله على مفترق طريقين، الحق والباطل، والخير والشر، الهدف من ذلك كلّه أن يكون معرضا للاختبارات والابتلاءات العديدة، وليختار مسير تكامله بإرادته واختياره، حتّى يصل إلى نتائج أفعاله الاختيارية، وثوابها أو عقابها. وفي الواقع إنّ الحياة الدنيوية بكاملها جعلت للإنسان دار إبتلاء واختبار، وبناء لهويته الإنسانية، وحتى في أواخر لحظات حياته وعمره، لا يعفى من هذا الامتحان والتكليف وممارسة الوظائف.
 
ولكننا نرى أنّ الأخيار والأشرار لا يصلون في هذه الدنيا إلى الثواب والعقاب الملائم لأعمالهم، بل إننا نرى الكثير من الأشرار والمجرمين يتوفرون أكثر من غيرهم على النعم والملذات، والملاحظ أن الحياة الدنيوية لا تستوعب الثواب أو العقاب على الكثير من الأعمال والتصرفات. فمثلا: ذلك المجرم الذي قتل آلاف الأبرياء لا يمكن الاقتصاص منه في هذه الدنيا إلا مرّة واحدة وبطبيعة الحال سوف تبقى الكثير من جرائمه بدون عقاب مع أن مقتضى [[العدل]] الإلهي أن يرى حتى من ارتكب أقل الأعمال الحسنة أو السيئة نتائجها وجزاءَها.
 
إذن. فكما إنّ هذا العالم دار اختبار وتكليف، فلابد من وجود عالم آخر، يعتبر دار ثواب وعقاب، وظهور نتائج الأعمال فيه، ليصل كل فرد إلى ما يتلائم وأعماله، لتتجسد العدالة الإلهية عمليا وحسيّا بذلك. <ref>مصباح يزدي، ص366؛ محمد رضايي، ج 1 ، ص 187.</ref> وقد جاء في أكثر من آية من آيات الذكر الحكيم الإشارة إلى حقيقة أنه لا يمكن المساواة بن المجرمين والصالحين بحال من الأحوال، كما في قوله تعالى: {{قرآن|أَمْ حَسِبَ الَّذینَ اجْتَرَحُوا السَّیئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كالَّذینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْیاهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما یحْكمُونَ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزی كلُّ نَفْسٍ بِما كسَبَتْ وَهُمْ لا یظْلَمُونَ}}. <ref>الجاثية، 22-23</ref>
 
=== دليل إمكان المعاد ===
من السهل على المؤمنين بالقرآن الكريم الإيمان بإمكانية المعاد لما لمسوه من الأمثلة التي ساقها القرآن كظواهر مشابهة للمعاد والدالة على إمكانية البعث والنشور وعودة الحياة يوم القيامة، منها:
==== رقاد أصحاب الكهف ====
أشار القرآن إلى مجموعة من الفتية آمنوا باللَّه تعالى وكانوا يخفون إيمانهم خوفاً من ملكهم، الّذي كان يعبد الأصنام ويدعو إليها، ويقتل من خالفه، ثم اتفق أنّهم اجتمعوا وأظهروا أمرهم لبعضهم، ولجأوا إلى كهف فضرب سبحانه على آذانهم، فناموا في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين، ثم بعثهم. يقول سبحانه في سورة الكهف: {{قرآن|إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا  فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا  ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا.... وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا}}.
إحياء الموتى على يد [[النبي عيسى|عيسى]] {{عليه السلام}}: المثال الآخر الذي أشارت إليه الآيات القرآنية لتقريب فكرة المعاد يتمثل في إحياء الموتى على يد النبي عيسى {{عليه السلام}} في قوله تعالى: {{قرآن|وَأُبْرِئُ الْأَكمَهَ وَلْأَبْرَصَ وَ أُحْي الْمَوْتی بِإِذْنِ اللَّهِ}}.<ref>المائدة: 110 </ref>
 
==== إحياء النباتات بعد جفافها ====
وهذا هو المثال الثالث الذي قرّب فيه القرآن فكرة المعاد وإمكانية وقوعها وأن إعادة إحياء الموتى تقترب من الناحية الإمكانية مع إحياء النباتات الجافة، كما في الآية المباركة: {{قرآن|فَانظُرْ إِلَی آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كیفَ یحْیي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِك لَمُحْیي الْمَوْتَی وَهُوَ عَلَی كلِّ شَيءٍ قَدِیرٌ}}.<ref>الروم: 50.</ref>
وغير ذلك من الشواهد التي أشارت إليها الآيات الكريمة كإحياء الطيور وإحياء النبي عزير.
 
== المعاد في القرآن الكريم ==
=== اهتمام القرآن بقضية المعاد ===
يظهر اهتمام [[القرآن الكريم]] بأمر المعاد جليّاً من كثرة [[الآيات]] التي تعرضت للحديث عنه من أكثر من زواية والتي بلغت ما يقرب الثلث من مجموع الآيات القرآنية التي تتوزع على مجموعة من الطوائف، هي:
*الطائفة التي تركز على وجوب الإيمان بالآخرة.<ref>من قبيل ما ورد في: سورة البقرة، الآيه 4؛ سورة النمل: 3. </ref>
*الطائفة من الآيات التي تشير إلى النتائج الخطيرة التي تترتب على إنكار المعاد. <ref>من قبيل ما ورد في: سورة الإسراء، الآية10؛ سورة الفرقان، الآية11؛ سورة سبأ، الآية8؛ سورة مؤمنون، الآية 74 </ref>
*الآيات التي تبشّر بالنعم الأخروية الخالدة.<ref>من قبيل: سورة الرحمن: 46 تا آخر؛ سورة الواقعه: 15-38؛ سورة الدهر: 11-21.</ref>
*الآيات التي تحذر من الخلود في عذاب جهنم.<ref>من قبيل: سورة الحاقه: 20-27؛ سورة الملك، الآية6-11؛ سورة الواقعة: 42-56. </ref>
*الآيات التي تربط بين الأعمال الصالحة والطالحة وما يترتب عليها يوم القيامة.
*الآيات التي تتحدث عن إمكانية البعث والنشور وضرورتهما.
*الآيات التي تردّ على شبهات منكري المعاد.
*الآيات التي تربط الضلال والانحراف بنسيان يوم الحساب وإنكار القيامة.<ref>من قبيل: سورة ص: 26؛ سورة السجدة: 140. </ref>
إن التأمل بتلك الطوائف من الآيات المباركة يظهر لنا وبوضوح أن طائفة كبيرة من كلام الأنبياء وجدالهم مع الناس اختص بهذا الأصل العقائدي، بل يمكن القول بأنّ الجهود التي بذلها الأنبياء لإثبات المعاد تفوق جهودهم في إثبات أصل [[التوحيد]]؛ وذلك لأن الناس قد أظهروا عناداً وجدلا كبيرين في تلقي هذا الأصل والإيمان به أكثر مما أبدوه في سائر الأصول كأصل التوحيد، ومن هنا اقتضى التركيز عليه كثيراً.
 
=== بواعث إنكار المعاد ===
الناس أمام دعوة [[الأنبياء]] إلى البعث في النشأة الأخرى كانوا على صنفين: معتنق يشكل الأقلّية في المجتمع الإنساني، ومنكر يشكل الأكثرية الساحقة فيه. وكان [[المشركون]] من العرب، المعاصرون لل[[النبي الأكرم|نبي]]، أكثر عناداً ولجاجاً في المعارف، خصوصاً ما يرجع منها إلى البعث ويوم الحساب. ومن تلك العوامل:
 
'''الباعث الأول''': الاستئناس بالجانب المادي المحسوس واستغراب بل رفض كل ما لا يقع تحت الحواس، وبما أن المعاد والقيامة من الأمور الحسيّة فمن هنا أنكر الغارقون في الجانب المادي هذا الأصل بذريعة أنه لا يخضع لسلطة الحواس.
 
'''الباعث الثاني''': التحلل من القيود والحدود: إنّ الإيمان بالمبدأ والمعاد، لا يتلخّص في الإقرار اللساني، بل المؤمن يحمل مسؤولية خاصة أمام اللَّه سبحانه في الحياة الدنيوية، ولازم هذه المسؤولية، الالتزام بحدودٍ وقيودٍ تصُدُّه عن التحلل والإنخراط في الملاذ والشهوات والانهماك في إشباع الغرائز الحيوانية. وقد كان الالتذاذ واتّباع الهوى، غاية المنى لأكثر المنكرين، وكان يسود عليهم سيادة الإله على خلقه، قال سبحانه: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا.﴾ <ref>الفرقان: 43 </ref>
 
و لمّا كان الاعتقاد بالمعاد، منافٍ لهذا المبدأ الحيواني، أنكروه بحجج واهية، ويشير الذكر الحكيم إلى هذا الباعث، بقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ <ref> القيامة: 3-6 </ref> فالآية الأُولى تذكر معتقدهم وإنكارهم، والآية الثانية تذكر باعث إنكارهم، وأنّه ليس هو ما يتظاهرون به من عدم إمكان جمع العظام، وإنّما هو رغبتهم في أن يرفعوا كل عائق يحدّ من انغماسهم في الملذات، وكلّ رادع يصدّهم عن إرضاء الغرائز البهيميّة. وقوله: "لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ"، بمعنى ليشقّ أمامه، ولا يرتدع بشي‏ء من القوانين والتشريعات. <ref>جعفر السبحاني، الالهيات، ج‏ 4، ص 181. </ref>
 
'''الباعث الثالث''': يتمثل بوجود بعض الشبهات التي تواجه المعاد التي لم يتمكن المنكرون من الإجابة عنها فمالوا إلى إنكار أصل القضية.
 
== شبهات المنكرين للمعاد والرد عليها ==
 
=== شُبهة الآكل والمأكول ===
إنّ هذه الشبهة من أقدم الشبهات التّي وردت في الكتب [[الكلام|الكلامية]] حول [[المعاد الجسماني]]، وقد اعتنى بدفعها [[المتكلمون]] والفلاسفة عناية بالغة، والإشكال يقرر بصورتين:
 
الصورة الأُولى: إذا أكل إنسان إنساناً بحيث عاد بدن الثاني جزءاً من بدن الإنسان الأوّل، فالأجزاء التّي كانت للمأكول ثم صارت للآكل، إمّا أن تعاد في كل واحد منهما، أو تعاد في أحدهما، أو لا تعاد أصلًا. والأول محال، لاستحالة أن يكون جزءٌ واحدٌ بعينه، في آن واحد، في شخصين متبائنين. والثاني خلاف المفروض، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه. والثالث أسوأ حالًا من الثاني، اذ يلزم أنْ لا يكون أي من الإنسانين معاداً بعينه. فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها.
 
الصورة الثانية: لو أكل إنسان كافر، إنساناً مؤمناً، وقلنا بأنً المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة، فيلزم تعذيب المؤمن، لأنّ المفروض أنّ بدنه أو جزءاً منه، صار جزء من بدن الكافر، والكافر يُعَذَّب، فيلزم تعذيب المؤمن. <ref>السبحاني: الالهيات، ج 4، ص 396. </ref>
أما فلاسفة المشائية فإنهم لما واجهوا هذه الإشكالية ذهبوا إلى القول بأنّ المعاد الجسماني غير ممكن الإثبات عقلا.
وأما المتكلمون فقد ذهب الكثير منهم للذبِّ عن هذه الصورة من الإشكال بما حاصله أنّ المُعاد، إنما هو الأجزاء الأصلية، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، وهذه الأجزاء الأصلية، الّتي كانت للإنسان المأكول، هي في الآكل فضلات، فإنا نعلم أنّ الإنسان يبقى مدة عمره وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه، فإذا كانت فضلات فيه، لم يجب إعادتها في الآكل بل في المأكول.
فيما ذهب [[الملا صدرا|صدر المتأهلين]] إلى معالجة هذه الشهبة عن طريق نظرية البدن المثالي، وأنّ الإنسان يبعث بهذا البدن لا البدن المادي للآكل والمأكول. وبهذا يكون الملاصدرا طرح نظرية جديدة في المعاد الجسماني لا يتوجه إليها الإشكال. <ref>ملا صدرا، الأسفار الأربعة، ج 9، ص 190-191؛ حسيني طهراني، ج 6، ص 85-117. </ref>
 
=== شبهة إعادة المعدوم ===
إن الدافع لإنكار المعاد هو تلك الشبهة التي يعبّر عنها في الفلسفة بـ (استحالة إعادة المعدومأي أن هؤلاء كانوا يعتقدون بأنّ الإنسان هو هذا البدن المادي الذي يتلاشى وينعدم بالموت، وإذا ردّت له الحياة من جديد بعد الموت، فهو إنسان آخر، إذ أنّ إعادة المعدوم أمر محال وممتنع - حسب قواعدهم- وليس لها إمكان ذاتي. <ref>سورة الرعد: 5. </ref>
وقد ردّ [[القرآن الكريم]] على تلك الشبهة بأنّ الإنسان لايفنى بعد الموت وإنّما الذي يفنى منه خصوص الجسد وأما الروح فيتلقاها ملك الموت وهي التي ستحشر، فلا معنى حينئذ لإثارة إشكالية إعادة المعدوم، كما جاء في قوله تعالى: {{قرآن|وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يتَوَفَّاكم مَّلَك الْمَوْتِ الَّذِي وُكلَ بِكمْ ثُمَّ إِلَی رَبِّكمْ تُرْجَعُونَ}}. <ref>السجدة: 10- 11.</ref>
 
=== الشبهة في مجال قدرة الفاعل ===
الشبهة الأخرى: إنّه يشترط في وقوع آيّة ظاهرة من الظواهر وتحققها: قدرة الفاعل على ذلك، إضافة للإمكان الذاتي وقابلية القابل، ومن هنا لابد أن يكون المتولي- حسب هذه الشبهة- لأمر المعاد قادراً على إعادتها قدرة تامة، مع قابلية تلك الأجساد للعودة إلى الحياة؛ خلافا لبداية الخلق فإن بداية الخلق تجري حسب القوانين الطبيعية والشروط الموضوعية التي تحتضن الخلية كالرحم ووجود جسد مؤهل للتعامل مع هذه الخلية الملقحة.
والجواب: من اين نعرف أنّ الله تعالى لا يملك القدرة على إحياء الموتى؟!
 
وهذه الشبهة الضعيفة، إنما تطرح من قبل أولئك الذين يجهلون [[الصفات الإلهية|قدرة الله]] اللامتناهية، التي ليس لها حدود، وتتعلق بكل شيء ممكن الوقوع، كما هو الملاحظ بأنّه تعالى خلق هذا الكون الواسع بكل ما يتمتع به من عظمة مثيرة للدهشة والإعجاب:
{{قرآن|أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}}.
 
إضافة إلى أن الخلق الجديد ليس أكثر صعوبة من الخلق الأوّل، ولا يحتاج إلى قدرة أكثر، بل من الممكن القول أنه أهون وأسهل، اذ ليس فيه إلا إعادة الروح الموجودة: {{قرآن|...فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَ ...}} و {{قرآن|وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَ...}} وقوله تعالى في سورة الحج في الآية الخامسة: {{قرآن|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}}. <ref>اليزدي، دروس في العقيدة، ص 380. </ref>
 
=== الشبهة في مجال علم الفاعل ===
الشبهة الأخرى هي ما يقال: إنّه إذا أراد [[الله]] إحياء الناس، ومجازاة أعمالهم ثواباً أو عقاباً فيلزم من جانب أن يميّز بين الأبدان التي لا تعدّ ولا تحصى، ليعيد كل روح إلى بدنها، ومن جانب آخر، لابد من أن يتذكر جميع الأعمال الحسنة والسيئة، ليجازي كلا منها بما تستحقه من الثواب أو العقاب، ولكن كيف يمكن التمييز والتعرف على الأبدان التي تحوّلت إلى تراب، واختلطت ذراتها وأجزاؤها؟ وكيف يمكنه أن يضبط ويتذكر أعمال البشر كلّها خلال الآلاف بل الملايين من السنين ليحاسبها؟
وهذه الشبهة طرحها أولئك الذين يجهلون العلم الإلهي غير المتناهي، حيث قاسوا العلم الإلهي بعلومهم الناقصة والمحدودة، غافلين عن أن العلم الإلهي ليس له حدود، وله إحاطة بكل شيء، ولا ينسى الله تعالى أي شيء. <ref>اليزدي، دروس في العقيدة ص 380.</ref>
وينقل [[القرآن الكريم]] في [[سورة طه]] 51- 52 عن فرعون قوله ل[[النبي موسى|موسى]] {{عليه السلام}}: {{قرآن|قالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}} فقال موسى {{عليه السلام}}: {{قرآن|عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}}.
وقد ذكر في سورة أخرى الجواب عن الشبهتين الأخيرتين: {{قرآن|قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}}.<ref>سورة يس: 79.</ref>
 
== بحوث ذات صلة ==
*[[أصول الدين]]
*[[الميزان]]


ومن المؤلفات الأخرى حول المعاد، كتاب المعاد في القرآن لحسين المظاهري، والمعاد وعالم ما بعد الموت لناصر مكارم الشيرازي، والمعاد في القرآن لإبراهيم أميني، والمعاد لغلام حسين إبراهيمي ديناني، والمعاد في الميزان، جمعه شمس الدين الربيعي (مباحث العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان حول المعاد)، والمعاد بين الروح والجسد، لمحمد تقي فلسفي، المعاد رؤية قرآنية للسيد كمال الحيدري.
==مواضيع ذات صلة==
*تجرد النفس
*التناسخ
==الهوامش==
==الهوامش==
{{مراجع}}
{{مراجع}}
==وصلات خارجية==
==وصلات خارجية==
{{Div col|2}}
{{Div col|2}}
سطر ١٩٢: سطر ١٧٩:
*[http://al-shia.org/html/ara/books/lib-aqaed/al_aqaed/alaqae07.htm جواب الشبهات المثارة حول المعاد]
*[http://al-shia.org/html/ara/books/lib-aqaed/al_aqaed/alaqae07.htm جواب الشبهات المثارة حول المعاد]
{{Div col end}}
{{Div col end}}
==المصادر والمراجع ==
==المصادر والمراجع ==
{{المصادر}}
{{المصادر}}
confirmed، movedable، templateeditor
٨٬٨٧٦

تعديل