الفرق بين المراجعتين لصفحة: «إقبال اللاهوري»

'''محمد إقبال اللاهوري''' (1877-1938م)، مفكر وشاعر وسياسي مسلم من الهند، ولد في بيئة مسلمة لوالدين مسلمين، واهتم بقضايا الإسلام والعرفان.

رفض محمد إقبال فصل الإسلام عن الحضارة الإسلامية، واعتقد بأن تجديد الدين لا يمكن دون إحياء الحضارة. واعتقد أن بقاء الإسلام كثقافة وقانون وحضارة يعتمد على التغيرات القائمة على تطور العلوم الجديدة. كما رأى إقبال ضرورة تجديد علم الكلام وفقاً للدراسات العلمية الجديدة وضرورة بحث المسائل الفقهية وفقاً لمتطلبات العصر والاحتياجات القائمة. واعتقد أيضاً أن أكبر مشكلة للمسلمين هي مشكلة الهوية والابتعاد عن التعاليم الإسلامية، وأن المسلمين يمكن أن يفخروا بوجودهم إذا أنشأوا منظمات حكومية منفصلة على أساس مبادئ الإسلام في المناطق التي يسكنها المسلمون.

يعتبر إقبال بأن القرآن أوثق مصادر الإسلام والحياة وأمتنها، وكان مفتونا بنبي الإسلام محمد وكتب قصائد عنه، كما كتب قصائد في مدح الإمام علي والسيدة فاطمة أيضاً.

ولد محمد إقبال اللاهوري في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1877م في مدينة سيالكوت في ولاية بنجاب في الهند (باكستان الآن)، في حي كشميري وفي عائلة مسلمة.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلّامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص79؛ [http://pajuhesh.irc.ir/Product/book/show.text/id/875/book_keyword//occasion//index/1/indexId/86813 أحمد بور، نجم الشرق، 1383ش].</ref> كان والده الشيخ نور محمد يعمل بالخياطة، وكان رجل سلوك وعلى دراية بالشعر والأدب الصوفي،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص84-85.</ref> كما كان رجلاً صالحا وتقياً، وكان محبوباً عند الناس أجمع بسبب تقواه وإيمانه.<ref>شستي ، بانغ ديرا، 199م، ص3.</ref>

تعلم إقبال اللغتين الفارسية والعربية في مسقط رأسه وتعرف على العلوم الإسلامية والتعاليم القرآنية،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص82.</ref> والتحق بمدرسة ثانوية أسسها المبشرون المسيحيون الأسكتلنديون،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص107-108؛ [http://pajuhesh.irc.ir/Product/book/show.text/id/875/book_keyword//occasion//index/1/indexId/86801 أحمد بور، نجم الشرق، 1383ش.]</ref> وبعد ذلك درس إقبال اللغة الإنجليزية في جامعة لاهور ثم حصل على درجة الماجستير في الفلسفة عام 1899م بالمرتبة الأولى.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص118-119.</ref> وفي الوقت نفسه، درس مبادئ الاقتصاد والقانون.<ref>مجتبائي، «إقبال اللاهوري»، ص624.</ref> وفي عام 1905م ذهب إقبال إلى إنجلترا لمواصلة دراسته ودافع عن أطروحة الدكتوراه حول موضوع "نضوج ما بعد الطبيعة في إيران" في جامعة كامبريدج،<ref>مجتبائي، «إقبال اللاهوري»، ص625.</ref> ثم حصل على درجة أستاذ في الفلسفة في ألمانيا،<ref>مجتبائي، «إقبال اللاهوري»، ص624.</ref> وعاد إلى الهند عام 1908م وبدأ فيها بالتدريس والعمل بالمحاماة.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص192-199.</ref>

تزوج إقبال في سن السادسة عشرة وفقا لعادات الأسرة،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص233.</ref> وعلى عكسه كانت زوجة إقبال من عائلة ثرية،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص234.</ref> وانتهى هذا الزواج بالانفصال دون الطلاق،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص233-234.</ref> وكان له تأثير كبير عليه،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص236.</ref> وتزوج إقبال للمرة الثانية في عام 1910م،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص240.</ref> وللمرة الثالثة في عام 1913م.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص241.</ref> وعاش مع زوجتيه في بيت واحد.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص241.</ref>

كان إقبال محباً لطيور الحمام، وكانت تأتيه السلالات المختلفة منها كهدايا من أصدقائه، وكان يهتم بها بنفسه.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص395.</ref> تأثر إثبال بوفاة والدته عام 1914م حتى أنه ظلّ مكتئباً لفترة.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص302.</ref>

كان إقبال اللاهوري من أتباع أهل السنة،<ref>خسرو شاهي، [https://www.tabnak.ir/fa/news/99231 «شعر جميل لإقبال عن السيدة الزهراء»]، موقع تابناك.</ref> وكان محباً لأهل بيت النبي،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص140.</ref> توفي إقبال إثر المرض صباح يوم 21 أبريل/نيسان 1938م،<ref>

لم يعتبر إقبال الإسلام منفصلاً عن الحضارة الإسلامية واعتقد أن تجديد الدين لن يكون ممكناً إلا بإحياء الحضارة،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج2، ص866.</ref> واعتقد إقبال بأن المسلمين يجب أن يتعلموا من العلوم والتكنولوجيا الغربية من أجل إحياء الحضارة الإسلامية.

من وجهة نظر إقبال، لا يمكن للجيل الجديد من المسلمين الاستفادة من علم الكلام الذي يقوم على الفلسفة اليونانية، لأن هذا العلم أصبح قديماً، ولذا يجب تدوين علم كلام جديد بناءً على دراسات العلوم الجديدة،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج2، ص866.</ref> هذا بالإضافة إلى ظروف الحياة وتحولاتها الكبيرة التي تحيجنا إلى علم كلام جديد يرسّخ المبادئ الدينية.<ref>إقبال، حياة و أفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص270.</ref>

وأيضاً يرى إقبال أنه ينبغي إعادة صياغة الفقه الإسلامي بطريقة جديدة،<ref>إقبال، حياة و أفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج2، ص867.</ref> إذ لو أراد الجيل الجديد من المسلمين أن يحلّوا القضايا الفقهية فيجب عليهم أن يحلّوها وفقاً لاحتياجاتهم الحالية واحتياجات عصرهم، إذ أن الجيل الجديد غير ملزم بالفهم الفقهي للمسلمين المتقدمين ولا بإجماعاتهم.<ref>إقبال، حياة و أفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج2، ص867.</ref>

عُرِف إقبال بافتتانه وإعجابه بنبي الإسلام، ويظهر هذا من قصائده التي كتبها عن النبي محمد،<ref>[https://t.me/DrSoroush سروش، «غوري در غزل إقبال» الجلسة1.]</ref> وفيما يخص القرآن آمن إقبال بأنه كتاب يؤكد على العمل أكثر من الفكر،<ref>بهرامي، «إقبال اللاهوري»، ج1، ص267.</ref> كما  اعتقد بأن القرآن هو الكتاب الأكثر موثوقية للإسلام والحياة والتي تؤكد على "العمل".<ref>[http://ensani.ir/fa/article/239955/انتقاد-تند-اقبال-لاهوری-از-تصوف سر گل زائي، محمد، «انتقاد حاد لإقبال اللاهوري من التصوف»]، جامع علوم إنساني.</ref>

كان إقبال مهتماً بالصوفية منذ صغره؛ نظراً لاهتمام والده بكتب ابن عربي،<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص84-85.</ref> فكرس جزءاً مفصلاً من أطروحته في الدكتوراه للصوفية،<ref>مجتبائي، «إقبال اللاهوري»، ص626.</ref> لكن على الرغم من اهتمامه بالصوفية ودفاعه عنها، أثار إقبال أيضاً بعض الانتقادات لها،<ref>[https://ganjoor.net/iqbal/romooz-bikhodi/sh17/ إقبال اللاهوري، سر فقد الذات، موقع گنجور.</ref>

فاعتبر بعض الأفكار الصوفية المبنية على الكسل معارضة لمفاهيم الإسلام القوي،<ref>[http://ensani.ir/fa/article/239955/انتقاد-تند-اقبال-لاهوری-از-تصوف سر گل‌ زايي، محمد، «انتقاد إقبال اللاهوري للتصوف»]، جامع العلوم الإنسانية، </ref> ومن أسس فكر إقبال الصوفي والعرفاني الحب والمودة، والسلوك العرفاني المعتدل، وعدم تعارض المادية والروحانية ولا هذه الدنيا مع الآخرة.<ref>[http://ensani.ir/fa/article/239955/انتقاد-تند-اقبال-لاهوری-از-تصوف سرگل‌زایی، محمد، «انتقاد إقبال اللاهوري للتصوف»]، جامع العلوم الإنسانية.</ref>

بينما أشاد إقبال اللاهوري بدور الصوفية القديمة في تشكيل وتوجيه تطور التجربة الدينية، انتقد الممثلين المعاصرين للمدارس الصوفية لجهلهم بروح وفكر العصر الحديث.<ref>[http://ensani.ir/fa/article/239955/انتقاد-تند-اقبال-لاهوری-از-تصوف سر گل‌ زائي، محمد، «انتقاد إقبال اللاهوري للتصوف»]، جامع العلوم الإنسانية، </ref> يعتقد إقبال أن العديد من القيم الصوفية لها أسس غير إسلامية ومستمدة من ديانات أخرى. ووفقاً له فإن نظرية "الفناء الصوفية" تتعارض مع تعاليم القرآن والسنة النبوية، إذ كان يعتقد بأن الهدف الأخلاقي والديني للبشر ليس قمع الذات بل إثباتها، وهذا يتحقق عندما يجعل البشر شخصيتهم جديرة ومثالية.<ref>[http://ensani.ir/fa/article/239955/انتقاد-تند-اقبال-لاهوری-از-تصوف سر گل‌ زائي، محمد، «انتقاد إقبال اللاهوري للتصوف»]، جامع العلوم الإنسانية، </ref>

كان إقبال متأثراً جداً بجلال الدين الرومي،<ref>مجتبائي، «إقبال اللاهوري»، ج9، ص626؛ [https://www.cgie.org.ir/fa/news/212894/اقبال-و-حافظ-درگفت-وگو-با-دکتر-فتح-الله-مجتبائی «إقبال وحافظ في محادثة مع الدكتور فتح الله مجتبائي»]، مركز دائرة المعارف الإسلامي؛ [https://t.me/DrSoroush سروش، «غوری در غزل‌های اقبال» جلسة2.]</ref> في حين لم يكن مهتما بحافظ الشيرازي بل وانتقده.<ref>إقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص304.</ref>

يعتبر مرتضى مطهري إقبال عالماً قيماً استخدم كل الوسائل الممكنة والمشروعة لتحقيق هدفه الخاص، وهو التعريف بالإسلام ونشره،<ref>مطهري، مرتضى، مجموعة الآثار، ج17، ص343.</ref> كما قدم الدكتور سروش المفكر الإيراني المعاصر إقبال كمثقف ديني عظيم لديه آراء إصلاحية.<ref>[https://t.me/DrSoroush سروش، «غوری در غزل‌های اقبال» جلسة 2.]</ref>

في أجواء شبه القارة الهندية أكد إقبال على ضرورة تعليم الفتيات والنساء،<ref>اقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص269.</ref> ورأى وجوب إصلاح قانون تعدد الزوجات، لأنه في الأيام الأولى للإسلام، كان ضرورياً بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي بخلاف الوقت الحاضر.<ref>اقبال، حياة وأفكار العلامة إقبال اللاهوري، 1372ش، ج1، ص269.</ref>

اتخذ إقبال اللاهوري الخطوة الأولى في شرح فلسفة الخاتمية، وأدى إطلاع إقبال وتأثره بأفكار الفلاسفة الغربيين مثل أوغست كانت وهنري برغسون إلى تشكيل رؤية خاصة به للخاتمية.<ref>عباسي، [http://ensani.ir/file/download/article/20120327180411-3048-107.pdf «الوحي و الخاتمية»]، ص161.</ref>

يقدم إقبال اللاهوري الوحي كنوع من التجربة الداخلية والاجتماعية التي تحققت للنبي،<ref>إقبال اللاهوري، إحياء الفكر الديني في الإسلام، 1346ش، ص145.</ref> حيث قد يصل أي عارف إلى درجة ما منها.<ref>إقبال اللاهوري، إحياء الفكر الديني في الإسلام، 1346ش، ص143.</ref> والوحي هو شيء من جنس الغريزة ينطبق على كل كائن حي في هذا العالم، ويظهر في كل واحد منها بشكل محدد وفقاً لمرحلته في التطور والكمال.<ref>إقبال اللاهوري، إحياء الفكر الديني في الإسلام، 1346ش، ص145.</ref>

بحسب رؤية إقبال، فقد وصل العقل البشري إلى مستوى من النمو والتطور يستطيع الإنسان من خلاله السير في طريق السعادة والإرشاد، فحل "العقل" محل "الوحي" وليس من الضروري إرسال الأنبياء ومواصلة النبوة.<ref>إقبال اللاهوري، إحياء الفكر الديني في الإسلام، 1346ش، ص145-146.</ref> ووفقاً له فقد وقف النبي بين العالم القديم والعالم الجديد،<ref>إقبال اللاهوري، إحياء الفكر الديني في الإسلام، 1346ش، ص145-146.</ref> وبقدر ما يتعلق الأمر بمصدر إلهامه، فهو ينتمي إلى العالم القديم، ثم ينتمي إلى العالم الجديد في فترة سيطرة العقل، وممن عارض هذه النظرية مرتضى مطهري،<ref>مطهري، الوحي والنبوة، 1385ش، ص45-57؛ مطهري، النبوة، 1387ش، ص22.</ref> في حين أيدها أمثال عبد الكريم سروش.<ref>سروش، بسط التجربة النبوية، 1385ش، ص66.</ref>

ورداً على سؤال "ما هو مصدر فلسفتك الخاصة؟" واعتبر إقبال الآية 105 من سورة المائدة مصدر فلسفته ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾<ref>يزدان‌ منش، «المرأة من وجهة نظر العلامة إقبال اللاهوري»، ص86.</ref>

تعرضت أفكار إقبال للانتقاد والتقييم من قبل مفكرين آخرين، ففي نقد عام ذكر مرتضى مطهري أن هناك مشكلتين في مساعي إقبال: الأولى إلمامه العميق بالثقافة الإسلامية، والأخرى جهله بالفلسفة الإسلامية.<ref>مطهري، مرتضى، مجموعة الآثار، ج24، ص52.</ref>

*مثنوي "أسرار الذات": نشر هذا الكتاب لأول مرة في عام 1914م،<ref>چستی، بانغ درا، 1991م، ص14.</ref> ويحتوي هذا الكتاب على آرائه حول نظرية الذات، كما ذكر فيه بعض الصفات لخليفة الله ووليّه، والتي هي شمائل الإمام الغائب.<ref>إقبال اللاهوري، الأشعار فارسية، 1366ش، ص14.</ref>