انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «القضاء والقدر»

لا يوجد ملخص تحرير
طلا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
{{معتقدات الشيعة}}
'''القضاء والقدر'''، الاعتقاد بالقضاء والقدر من صميم [[العقائد]] الإسلامية التي جاءت في الكتاب والسنة وكذلك أیدتها الأدلّة العقلیة، وليس لمسلم واع إنكار وجودهما، إنما اندلعت السجالات العلمية من حيث تفسيرهما وتحليلهما فأصبحت من المسائل الکلامیة المثیرة للجدل، والمغزى من هاتين المفردتين، تحقق كل ظاهرة في عالم الوجود على نحو آكدٍ ومحسوم من خلال نسبته إلى [[الله]]، فما من شيء من خلقه إلّا مقهور تحت علمه وقدرته تعالى.
'''القضاء والقدر'''، هما من الأصول الإسلامية الواردة في [[القرآن الكريم|الكتاب]] و<nowiki/>[[السنة]]، والقضاء هو الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به، والقدر بمعنى تقدير الخلق وتقدير الرزق والآجال وكل ما صنع، وقد عرّفهما [[الإمام الرضا]]{{اختصار/ع}} بقوله: القدر هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين.
في هذا المضمار هناك سؤال يطرح نفسه: أنه إذا كان كلّ شيء في الكون من جهة الله، محتوما وآكدا، فأين [[إختيار]] الإنسان؟ ومن هذا المنطلق
وقد أجاب عن هذه المسألة علماء المسلمين من مختلف [[المذاهب الإسلامية|المذاهب]] وأثارت جدالات بينهم واحتدم السجال حتى أدّى إلى تأسيس مدارس في [[الكلام الإسلامي|علم الكلام]] بين فهناك من انحاز الى نفي اختيار الإنسان والتأكيد على جانب [[التوحيد الأفعالي]] ومال الآخر الى تنقيص التوحيد الأفعالي والتأكيد على فاعلية الإنسان وحريته والتي انتهت إلى نظرية [[الجبر والتفويض|التفويض]]. وهناك مساهمات من مدرسة [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]  واتباعهم في حل هذه الإشكالية.


==تعريف القضاء والقدر==
*القضاء: (قضي) القاف والضاد والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على إحكام أمرٍ وإتقانهِ وإنفاذه لجهته، قال الله تعالى: {{قرآن|فقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ في يَوْمَيْنِ{{<ref>سورة فصلت: 12.</ref>، أي أحكَمَ خَلْقَهنّ والقضاء: الحُكم. قال الله {{عز وجل}} في ذكر من قال: {{قرآن|فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}}<ref>سورة طه: 72.</ref>، أي اصنَعْ واحكُمْ. ولذلك سمِّي القاضي قاضياً، لأنَّه يحكم الأحكامَ ويُنْفِذُها. وسمِّيت المنيَّةُ قضاءً لأنَّه أمر يُنْفَذُ في ابن آدم وغيرهِ من الخَلْق.<ref>ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 99.</ref>
*القدر :القاف والدال والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على مَبْلَغ الشَّيء وكُنهه ونهايته. فالقدر: مبلغُ كلِّ شيء. يقال: قَدْرُه كذا، أي مبلغُه. وكذلك القَدَر. وقَدَرتُ الشّيءَ أَقْدِرُه وأَقْدُرُه من التقدير، وقدَّرته أُقَدِّره. والقَدْر: قضاء الله {{عز وجل}} الأشياءَ على مبالغها ونهاياتها التي أرادَها لها، وهو القَدَرُ أيضاً.<ref>ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 62. </ref>


*'''القضاء والقدر اصطلاحا'''
==مكانة البحث==
والقضاء هو الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به، والقدر بمعنى تقدير الخلق وتقدير الرزق والآجال وكل ما صنع، وقد عرّفهما [[الإمام الرضا]] {{عليه السلام}} بقوله: القدر هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين.<ref>الكليني، الكافي، ج‌ 1، ص 383</ref>
إنّ مسألة القضاء والقدر المعبّر عنها بلغتنا المعاصرة ب‍ «تقرير المصير»،من [[العقائد الإسلامية]] المسلَّمة الّتي وَرَدَت في [[القرآن الكريم|الكتاب]]... والسُّنة، وأيَّدَتْها الأدلةُ والبراهينُ العقليّةُ. وهي من المعارف القرآنية العالية بحيث إذا لم يتعمّق بها الباحث فيها لأودت به إلى إحدى الهاويتين السحيقتين هما: [[الجبر والتفويض|الجبر]] أو [[الجبر والتفويض|التفويض]].
قد أخذ هذا المعتقد مساحة من الفكر الإسلامي والمطمح من هذا المصطلح هو تحقق ظاهرة من الظواهر في عالم الوجود على نحو آكدٍ ومحسوم من خلال نسبته إلى [[الله]] لأن الله سبحانه وتعالى تمام القدرة و العلم فلانستطيع أن نتصور الضعف والإمكان في ساحة كبريائه فما من شيء من خلقه إلا مقهور تحت علمه وقدرته تعالى فبناءا على هذه المقدمه ثمة سؤال يطرح نفسه في المجامع العلمية للمسلمين:أنه إذا كان كل شيء من جهة الله محتوما وآكدا، فأين إختيار الإنسان ؟<ref>الحيدري، السيد كمال،القضاء والقدر و اشكالية تعطيل الفعل الإنساني. ص8</ref>
ملفت للنظر أن هذا الموضوع، تجاذب الحديث حوله وأثار سجالات علمية في الأوساط الدينية، بين رجالات [[الدين (فقه)|الدين]] والمنظرين في هذا المضمار. ومن جانب آخر دخل هذا النقاش في سرح السياسة وقد شهد التأريخ أنه أصبح ذريعة لبعض الحكومات الجائرة  لتنهب المجتمعات البشرية ولتتربع على الثروات الشعوب ومقتنياتها بإسم القضاء و القدر.<ref> الحيدري، السيد كمال،القضاء والقدر و اشكالية تعطيل الفعل الإنساني. ص153</ref>


==القضاء والقدر في القرآن الكريم==
==معرفة المفهوم==
تُستعمل مادّتا القضاء والقدر لعدّة معان، ومنها في ما يخصّ البحث من مادّة القضاء:{{بحاجة إلى مصدر}}
#قضى أو يقضي بين المتخاصمين، كقوله تعالى: {{قرآن|إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيـمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)}}.<ref>سورة الجاثية: 17.</ref>
#قضى الله الأمر: أَنْبَأه به، كقوله{{عز وجل}} في ما أخبر به لوطاً عن مصير قومه في سورة الحجر: {{قرآن|وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذلِكَ الاَْمْرَ أَنَّ دَابِرَ هؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}}<ref>سورة الحجر: 66. </ref>، أي أنبأناه.
#قضى الله الشيء، وبه: أوجبه، أمر به، كقوله تعالى: {{قرآن|وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}}<ref>سورة الإسراء: 23. </ref>، أي أمر ربّك وأوجب عليكم ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه.
#قضى الله الأمر أو الشيء: تعلّقت إرادته به، قدّره، كقوله تعالى: {{قرآن|وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}}.<ref> سورة البقرة: 117.</ref> أي إذا أراد أمراً.
وقوله تعالى: {{قرآن|هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلا}}.<ref>سورة الأنعام:2.</ref>، أي قدّر لكلّ إنسان مدّة يحيا فيها.


ومنها فيما يخصّ البحث من مادّة القدر:{{بحاجة إلى مصدر}}
===الجذور اللغوية===
قدر على الشيء أو العمل: استطاع أن يفعله، يتغلّب عليه فهو قادر، والقدير: ذو القوّة، كقوله تعالى:
*{{قرآن|أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}}<ref>سورة يس: 81.</ref>
*{{قرآن|وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ}}<ref>البقرة:20.</ref> أيْ ذو القدرة على فعل كلّ شيء على قدر ما تقتضي الحكمة.


قَدَرَ:
'''القضاء مفردة صيغت من جذر «ق ض ي» و تدلّ لغةً''' ؛
*قَدَرَ الرِّزق عليه ويَقْدِر: ضيّقه، كقوله تعالى: {{قرآن|قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}}<ref> سورة سبأ: 36.</ref>  
*الْقَضَاءُ: الحكم، وأصله قَضَاىٌ لأنَّه من قَضَيْتُ، إلّا أنّ الياء لما جاءت بعد الألف همزت.<ref> تاج اللغة و صحاح العربية، ج‏6، ص: 2463</ref>
*قدر الله الأمر بقدره: دبَّره أو أراد وقوعه، كقوله تعالى: {{قرآن|فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}}<ref>سورة المرسلات: 23.</ref>  
*القَدَرُ مفردة صيغت من «ق د ر»  ويدلُّ لغةً على مَبْلَغ الشَّيء وكُنهه ونهايته. يقال: قَدْرُه كذا، أي مبلغُه. وكذلك القَدَر. وقَدَرتُ الشّيءَ أَقْدِرُه وأَقْدُرُه من التقدير، وقدَّرته أُقَدِّره.
*القَدَرُ، محرَّكةً: مَبْلَغُ الشي‏ءِ، ويُضَمُّ، كالمِقْدارِ، و الطاقةُ، كالقَدْرِ فيهما.<ref>القاموس المحيط، ج‏2، ص: 198</ref>


قدّر:
===المعنى الإصطلاحي===
*قدّر الله الأمر: قضى به، أو حكم بأنْ يكون، كقوله{{عز وجل}} في شأن زوجة [[لوط]] {{ع}}: {{قرآن|فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}}.<ref> سورة النمل: 57. </ref>، أي حكمنا، أو قضينا عليها بأن تكون من الهالكين.


*قَدَّرَ في الأمْرِ: تَمَهَّلَ وتروّى في إنجازه، كقوله{{عز وجل}} مخاطباً [[داود]]{{عليه السلام}}: {{قرآن|وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}}<ref>سورة سبأ: 11.</ref>، أيْ تمهّل وتروَّ في صُنعه كي تحكم عمله.
أما في الإصطلاح
القَدَر:
القضاء هو الحكم بالشيء من جانب [[الله]] والقطع على ما يليق به، والقدر بمعنى تقدير الخلق وتقدير الرزق والآجال وكل ما صنع، وقد عرّفهما
*القَدَر: المقدار والكميّة، كقوله تعالى: {{قرآن|وَإِنْ مِن شَيْء إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَر مَعْلُوم}}<ref>سورة الحجر: 21.</ref>، أيْ بمقدار وكميّة معلومة.
وقد أشار [[العلامة الحلي|العلامة الحلّي]] في [[شرح التجريد]] أن هناك ثلاثة معان لهاتين المفردتين فننقل المعلومة على حسب النص :
*قَدَرُ الشيءِ: زمانه أو مكانه، كقوله تعالى: {{قرآن|أَلَمْ نَخلُقكُمْ مِنْ مَاء مَهِين* فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَار مَكِين* إِلَى قَدَر مَعْلُوم}}<ref>سورة المرسلات: 20-22.</ref>، أيْ إلى زمان محدّد معلوم.
*القضاء
*قَدَرُ اللهِ: قضاؤُه المحكم، أو حكمهُ المبرَم على خلقه، كقوله تعالى: {{قرآن|سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً}}.<ref> الأحزاب: 38. </ref> أي قضاءً محكماً، وحُكماً مُبْرَماً.
#«يطلق القضاء على الخلق والإتمام قال الله تعالى فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ‌<ref>سورة فصلت، الآية12</ref> أي خلقهن وأتمهن،
لعلّ تعدّد معاني ما يُنسبُ إلى الله{{عز وجل}} من مادَّتَي القضاء والقدر، قد أدّى إلى لبسِ معنى ما ورد منهما في [[القرآن]] والحديث، واعتقاد بعض [[المسلمين]] بأنّ الإنسان يسيّر في حياته، في كلّ ما يعمل من خير، أو شرّ وفق ما قضى الله{{عز وجل}} عليه وقدّر قبل أنْ يخلقَ.
#و على الحكم و الإيجاب كقوله تعالى وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ‌<ref>سورة الإسراء، الآية 23</ref> أي أوجب وألزم،
#وعلى الإعلام والإخبار كقوله تعالى وَقَضَيْنٰا إِلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ فِي الْكِتٰابِ‌<ref>سورة الإسراء، الآية4 </ref> أي أعلمناهم وأخبرناهم،
*وأما القدر:
#يطلق القدر على الخلق كقوله تعالى وَقَدَّرَ فِيهٰا أَقْوٰاتَهٰا ،
#و الكتابة كقول الشاعر: واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى التي كان سطر والبيان كقوله تعالى إِلاّٰ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنٰاهٰا مِنَ الْغٰابِرِينَ‌ أي بينا وأخبرنا بذلك.»<ref>( العلامة الحلي، کشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد ص315، السنة 1413 )</ref>


==القضاء والقدر في السُنّة الشريفة==
*وقد أشار العلامة الحلي إن المطمح من هذا المصطلح هو الأمر من الله والحكم مستندا إلى رواية نقلها في شرح التجريد.<ref>( العلامة الحلي، کشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد ص316)</ref>
لقد وردت الكثير من [[الروايات]] من [[أئمة أهل البيت]] {{عليهم السلام}}في القضاء والقدر، ومنها :
*ما ورد عن [[ابن عباس|ابن عبّاس]] قال:«دخل رجل من أهل [[العراق]] على [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]]{{عليه السلام}}،فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل [[الشام]] أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] {{عليه السلام}} : أجل يا شيخ، فو الله ما علوتم تلعةً ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من الله وقدر، فقال الشيخ: عند الله أحتسبُ عنائي يا أمير المؤمنين، فقال: مهلا يا شيخ، لعلّك تظنُّ قضاءً حتماً وقدراً لازماً، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزّجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد، ولم يكن على مُسيء لائمةٌ ولا لمحسن محمدةٌ، ولكان المحسن أولى باللاّئمة من المذنب والمذنب أولى بالاحسان من الُمحسن، تلك مقالةُ عبدةِ الأوثانِ وخُصماءِ الرحمن وقدريّة هذه [[الاسلام|الاُمّة]] ومجوسها. يا شيخ إنّ الله {{عز وجل}} كلّف تخييراً، ونهى تحذيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع مُكرهاً، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، {{قرآن|ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}}» <ref>الكليني، الكافي، ج 1، ص 377.</ref>
*ما ورد عن [[الإمام]] [[الصادق (ع)|جعفر بن محمد الصادق]] {{عليه السلام}}:«إنّ الناس في القَدَرِ على ثلاثة أوجه: رجلٌ يزعمُ أنّ الله {{عز وجل}} أجبر الناس على المعاصي، فهذا قد ظلم الله في حُكمه فهو [[الكافر|كافر]]. ورجلٌ يزعمُ أنّ الأمر مفوّضٌ إليهم، فهذا قد أوهن الله في سلطانه فهو كافر. ورجل يزعمُ أنّ الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلِّفهم ما لا يُطيقون وإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلمٌ بالغ»<ref>الهندي، كشف اللثام، ج‌ 1، ص 403.</ref>
*ما ورد عن [[الإمام الرضا]] {{عليه السلام}} قال:
#«إنّ الله {{عز وجل}} لم يُطَعْ باكراه، ولم يُعصَ بغلبة، ولم يُهمل العباد في مُلكه، هو المالك لما ملّكهم والقادرُ على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العبادُ بطاعته لم يكن الله منها صادّاً، ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته فشاءَ أنْ يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإنْ لم يَحُلْ وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه يعني أنّ الإنسان الذي أطاع الله لم يكن مجبراً على الطاعة، والإنسان الذي عصاه لم يغلب مشيئة الله، بل الله شاء أن يكون العبد مختاراً في فعله».<ref>المجلسي، روضة المتقين، ج‌ 12، ص 52.</ref>
# قال:«قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم بمشيئتي كنتَ أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاءُ، وبقوَّتي أدَّيتَ إليَّ فرائضي، وبنعمتي قويتَ على معصيتي، جعلتُك سميعاً بصيراً قويّاً، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك».<ref>الكليني، الكافي، ج 1، ص 152.</ref>


==مراتب القضاء والقدر==
*معنى القضاء والقدر أنّ كل شيء مقدّر للإنسان مكتوب عليه منذ الأزل بحيث لن يكون بمقدوره أن ينفكّ عن مصيره المقرّر له سلفا،على ما يوحي به عدد كبير من النصوص القرآنية والروائية،كما في قوله سبحانه: (قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا)<ref>(التوبة: 51)</ref>.<ref>الحيدري، السيد كمال،القضاء والقدر و اشكالية تعطيل الفعل الإنساني</ref>
إنَّ لكل من القضاء والقدر مراتب،أو أقسام وهي:
=== القضاء والقدر التشريعيان===
يعني الأوامر والنواهي الإلهية الواردة في [[القران الكريم|الكتاب]] و[[السنة]]،وقد أشار إليه أمير المؤمنين {{عليه السلام}} في كلامه حينما سأله الشامي عن معنى القضاء والقدر فقال: «الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلِ الْحَسَنَةِ وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ وَالْمَعُونَةُ عَلَى الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ وَالْخِذْلَانُ لِمَنْ عَصَاهُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ كُلُّ ذَلِكَ قَضَاءُ اللَّهِ فِي أَفْعَالِنَا وَقَدَرُهُ لِأَعْمَالِنَا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَظُنَّهُ فَإِنَّ الظَّنَّ لَهُ مُحْبِطُ الْأَعْمَالِ».<ref>ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي العزيزية، ج‌ 4، ص 108.</ref>
===القضاء والقدر التكوينيان===
ويعني ما يرجع إلى الحقائق الكونيّة ونظام الوجود وله أقسام وهي:{{بحاجة إلى مصدر}}
*القضاء والقدر العلميّان
وهو عبارة عن تحديد كل شئ بخصوصياته في علمه {{عز وجل}} الأزلي، قبل إيجاده، فهو {{عز وجل}} يعلم حدّ كل شئ ومقداره وخصوصياته الجسمانيّة وغير الجسمانيّة.


والمراد من القضاء العلمي هو علمه {{عز وجل}} بضرورة وجود الأشياء وإبرامها عند تحقق جميع ما يتوقّف عليه وجودها من الأسباب والشرائط ورفع الموانع.
==أقسام القضاء والقدر==


فعلمه السابق بحدود الأشياء وضرورة وجودها، تقدير وقضاء علميّان، وقد أُشير إلى هذا القسم، في آيات الكتاب المجيد:
===العلمي والعيني===


قال سبحانه: {{قرآن|وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا}}<ref>سورة ال عمران: 145.</ref>
ينقسم كلّ منهما إلى قسمين: علمي وعيني خارجي.
وقال أيضاً: {{قرآن|قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}}<ref>سورة التوبة: 51.</ref>
*فالتقدير العلمي: عبارة عن تحديد كلّ شيء بخصوصياته في علم اللّه الأزلي قبل أن يخلق الخلق، حيث كان عالما بالخصوصيات المادية والمعنوية ومقدارها قال تعالى: أَ لاٰ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. <ref>حمود محمد جميل، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية،ص307</ref>
وقال سبحانه: {{قرآن|وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِى كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}}<ref>سورة فاطر: 3.</ref>  
وبتعبير آخر هو تحديد كل شيء بخصوصياته في علمه الأزلي سبحانه قبل أن يخلق العالم أو قبل أن يخلق الأشياء الحادثة. فاللّه سبحانه يعلم حد كل شيء ومقداره وخصوصياته الجسمانية و المعنوية.<ref>السبحاني التبريزي، الإلهيات على هدي القرأن والسنة والعقل المجلد2 ص171</ref>
وقال تعالى:{{قرآن|ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ....}}<ref>سورة الحديد: 22.</ref>
*القضاء العلمي: عبارة عن علمه تعالى بضرورة وجود الأشياء وإبرامها أي يعلم بوجوب تحقق أي شيء أو عدم تحققه، فعلمه تعالى السابق بحدود الأشياء وضرورة وجودها بعد استيفاء شرائطها المقرّرة.<ref>حمود، محمد جميل، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية،ص307</ref>
أنّ المراد من «القضاء العلمي» هو علمه بضرورة وجود الأشياء وإبرامها، وأنّ أي شيء يتحقق بالضرورة وما لا يتحقق كذلك.<ref>السبحاني التبريزي، الإلهيات على هدي القرأن والسنة والعقل المجلد2 ص171</ref>
*التقدير العيني: فهو ما يتحقق في عالم الخارج بعد اكتساء الشيء علّله وشروطه أو عدم ذلك. فالتقدير العيني: هو عبارة عن الخصوصيات التي يكتسبها الشيء من علّله عند تحققه وتلبّسه بالوجود الخارجي.<ref>حمود محمد جميل، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية،ص307</ref>
فهو عبارة عن الخصوصيات التي يكتسبها الشيء من علله عند تحققه و تلبّسه بالوجود الخارجي. كما أن المراد من «القضاء العيني» هو ضرورة وجود الشيء عند وجود علّته التامة ضرورة عينية خارجية.<ref>السبحاني التبريزي، الإلهيات على هدي القرأن والسنة والعقل المجلد2 ص171</ref>
*القضاء العيني: عبارة عن ضرورة وجود الشيء عند وجود علته التامة ضرورة عينية خارجية. فالتقدير والقضاء العلميان مقدّمان على التقدير والقضاء العينيين الخارجيين. وقد نصّ [[الكتاب العزيز|الكتاب]] الكريم على كلا القسمين العلمي والعيني.<ref>حمود محمد جميل، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية،ص307</ref>


*القضاء والقدر العينيان
===التشريعي والتكويني===
التقدير العيني عبارة عن الخصوصيات الّتي يكتسبها الشي‏ء من علله عند تحقّقه وتلبّسه بالوجود الخارجي. والقضاء العيني هو ضرورة وجود الشي‏ء عند وجود علّته التامّة ضرورةً عينيّةً خارجيّةً.
يُقسّم القضاء والقدر باعتبار التشريع والتكوين، القطع وعدم القطع، إلى عدّة أقسام:
*القدر التشريعي: أنّ [[الله]] - تعالى - قد قدّر أفعال الإنسان الاختيارية، وقسّمها على أساس مصالحها ومفاسدها إلى [[الواجب|واجبة]]، [[المستحب|مستحبّة]]، [[حرام|محرّمة]] [[المكروه|مكروهة]] و[[المباح|مباحة]]، كما عيّن مقدار [[الثواب|ثوابها]].
*القضاء التشريعي: هو أنّ اللّٰه أصدر أمر تنفيذ القدر التشريعي،أي أنه أكّد على الالتزام بها.<ref>المحمدي الري شهري،محمد، موسوعة العقائد الإسلامية في الكتاب والسنة، الجزء 6، ص88</ref>
وباعتبار التكوين والواقع الخارجي إلى القضاء والقدر التكوينيان وهما على نوعين:
*أحدهما: القضاء والقدر التكوينيان في خلق الموجودات، ويعنيان تقديرها وإيجادها.
*القضاء والقدر التكوينيان فيما يتعلّق بأفعال الإنسان. ويعني التقدير التكويني بالنسبة إلى أفعال الإنسان أنّ اللّٰه أعطى الإنسان القدرة على اختيارها والقيام بها بمقدار محدود معيّن، وفيما يُراد من القضاء التكويني الأمر التكويني الإلهي بتنفيذ هذه التحديدات. جدير بالذكر أنّ القدرة المحدودة الّتي مُنحت للإنسان لا تمنع مالكية اللّٰه وسلطته على أفعال الإنسان، ولذلك فإنّ القضاء والقدر التكويني لا يستوجبان الجبر ولا التفويض<ref>المحمدي الريشهري،محمد، موسوعة العقائد الإسلامية في الكتاب والسنة، الجزء 6، ص89</ref>


فالتقدير والقضاء العينيان ناظران إلى التقدير والضرورة الخارجيين اللّذين يحتفّان بالشي‏ء الخارجي، فهما مقارنان لوجود الشي‏ء بل متّحدان معه، مع أنّ التقدير والقضاء العلميان مقدّمان على وجود الشي‏ء. فالعالم المشهود لنا لا يخلو من تقدير وقضاء، فتقديره تحديد الأشياء الموجودة فيه من حيث وجودها، وآثار وجودها، وخصوصيّات كونها بما أنّها متعلقة الوجود والآثار بموجودات أخرى، أي العلل والشرائط، فيختلف وجودها وأحوالها باختلاف عللها وشرائطها، فالتقدير يهدي هذا النوع من الموجودات إلى ما قدّر له في مسير وجوده، قال تعالى: {{قرآن|الّذى خَلَقَ فَسَوّى‏* وَالَّذى قَدَّرَ فَهَدى‏}}<ref>سورة الأعلى: 2-3.</ref> أي‏هدى ما خلقه إلى ما قدّر له.
===الموقوف والمحتوم===
*القضاء والقدر المحتومان غير قابلين للتغيير،
*القضاء والقدر الموقوفين يتوقّفان على بعض الشروط، ولا يتحقّقان إلّافي حالة تحقّقها<ref>المحمدي الريشهري،محمد، موسوعة العقائد الإسلامية في الكتاب والسنة، الجزء 6، ص90 و91 وص123 إلى ص129</ref>


وأما قضاؤه، فلمّا كانت الحوادث في وجودها وتحقّقها منتهية إليه {{عز وجل}} فما لم تتمّ لها العلل والشرائط الموجبة لوجودها، فإنّها تبقى على حال التردّد بين الوقوع واللاوقوع، فإذا تمَّت عللها وعامّة شرائطها ولم يبق لها إلّاأن توجد، كان ذلك من اللّه قضاءً وفصلًا لها من الجانب الآخر وقطعاً للإبهام.
==القضاء والقدر وعلاقتهما بالعدل الإلهي==


وبذلك يظهر أنّ التقدير والقضاء العينيين من صفاته الفعليّة {{عز وجل}}، فإنّ مرجعهما إلى إفاضة الحدّ والضرورة على الموجودات، وإليه يشير [[الإمام الصادق]] {{عليه السلام}}في قوله: «القضاء والقدر خلقان من خلق اللّه، واللّه يزيد في الخلق ما يشاء»<ref>الصدوق، التوحيد، الباب60 الحديث1.</ref> ومن هنا يكشف لنا الوجه في عناية [[النبي (ص)|النبيّ]] {{صل}} و[[أهل البيت(ع)|أهل البيت]]  {{عليهم السلام}} بالإيمان ‏بالقدر، وأنّ المؤمن لا يكون مؤمناً إلّابالإيمان به، فإنّ التقدير والقضاء العينيين من شعب الخلقة، وأنّ حدود الأشياء وخصوصياتها، وضرورة وجودها منتهية إلى إرادته {{عز وجل}فالإيمان بهما، من شؤون التوحيد في الخالقيّة. ولأجل ذلك ترى أنّه {{عز وجل}} أسند القضاء والقدر إلى نفسه، وقال: {{قرآن|قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْ‏ءٍ قَدْراً}}.<ref>سورة الطلاق: 3.</ref>
ترتبط مسألة القضاء والقدر [[العدل (الكلام)|بالعدل الإلهي]] من زاويتين: الاُولى: من ناحية دور التقدير في المصائب [[الشرور|والشرور]]. والاُخرى من حيث دوره في أفعال الإنسان. وبما أنّ هاتين المسألتين ترتبطان بشكلٍ ما بغالبية المسائل المتعلّقة بالقضاء والقدر، فإنّ موضوع القضاء والقدر يتمّ بحثه في ذيل موضوع العدل الإلهي
وقال تعالى: {{قرآن|وَ إِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}}.<ref>سورة البقرة: 117.</ref>
بعد عرض الإشكال ودراسة السؤال، نرى أن هناك عدة حلول طرحت للإجابة عن هذه الإشكالية من قِبل علماء الدين بإتجاهاتهم الفكرية وكل نحلة فكرية حاولت أن تجيب عن السؤال بما تملك من المنهجية ومقتنيات علمية.<ref>المحمدي الريشهري،محمد، موسوعة العقائد الإسلامية في الكتاب والسنة، الجزء 6، ص84</ref>
وقال سبحانه: {{قرآن|فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِى يَوْمَيْنِ}}.<ref>سورة فصلت: 12.</ref>
 
وقال تعالى: {{قرآن|إِنَّا كُلَّ شَىْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ}}.<ref>سورة القمر: 49.</ref>
 
وقال سبحانه: {{قرآن|وَ إِنْ مِنْ شَىْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}}.<ref>سورة الحجر: 21.</ref>
==القضاء والقدر الإلهي وتحدي حرية الإنسان==
وغيرها من الآيات الحاكيّة عن قضائه سبحانه بالشي‏ء وإبرامه على صفحة الوجود.
يبدو أنّ هناك ضرب من التعارض بين [[الإيمان]] بعقيدة القضاء وما تميله من تعلق [[الإرادة الإلهية]] الأزلية وهي التي يستحيل تخلفها بالفعل، وبين إختيارية فعل الإنسان وتأثير الإرادة الإنسانية في وجوده. بل يمكن أن يتخطى جذور الإشكال إلى إشكالية عامة لاترى في العقيدة إلّا الجبر المطلق، بحيث تحول القضاء والقدر إلى هاجس مقلق ومقولة مرعبة ومن هذا المنطلق وطّدت العلاقة بين مسألة "القضاء والقدر" ومسألة "[[الجبر والإختيار]]"
يقول الشيخ الشهيد [[مرتضى مطهري|المطهري]]:"السر الذي جعل كلمة القضا والقدر وأمثالها مرعبة، هو صيرورتها مرادفة للجبر وعدم الحرية" <ref>مطهري، مرتضى، الإنسان والقضاء والقدر ص 59.</ref>
 
وهنا سؤال مبدئي يطرح نفسه في مساحة فكر الإنسان الواعي أنه: «كيف نوّفق بين وجود إله قادر على كلّ شيء، عالم بكلّ شيء من ناحية، وبين حرّية الإنسان المسؤول أخلاقيًا من ناحية أخرى.
وبعبارة أخرى: كيف نوفّق بين الحرّية الأخلاقية وبين فكرة السببية وعمومية القانون وشموله.
 
بهذا الوصف لا تختص بالإسلام دون بقية [[الدين (فقه)|الأديان السماوية]] كما أشاع ذلك بعض الشخصيات الثقافية السياسية الغربية، ورد عليهم الشيخ محمد عبده قبل أكثر من مئة سنة من الآن بنصّ دال جاء فيه: " أنّ البحث في القدر لم يختص بملّة من الملل وأنّ منشأ الكلام فيه هو الاعتقاد بإحاطة علم [[الله]] بكل شيء، وشمول قدرته لكل ممكن. وأن الخلاف في المسألة قد عظم بين المسيحيين أنفسهم قبل [[الإسلام]] واستمرّ إلى هذه الأيام. "<ref> تاريخ الأستاذ محمد عبده: ص ،130 نقلا عن: مشكلتا الوجود والمعرفة في الفكرالإسلامي الحديث،ص 175</ref>
ونصّ الشيخ [[محمد آصف المحسني القندهاري|محمد آصف محسني]] من المعاصرين: «مسألة القدر والقضاء ممّا جاءت به جميع الأديان وليست من خصائص الإسلام كما قيل " <ref> المحسني، محمد آسف، صراط الحّق في المعارف الإسلامية والأصول الاعتقادية، ط.2</ref>
 
من جهته أشار الشيخ [[محمد جواد مغنية]](ت:1979) إلى ما تحتلّه المسألة من عراقة وتوغل في الفكرالإنساني، فقال: «من أجل هذا شغلت (مقولة القضاء والقدر وحرية الإنسان) عقول الناس جميعًا منذ أقدم العصور،الفلاسفة وغيرالفلاسفة» <ref>مغنية، محمد جواد، فلسفات إسلامية: ص367</ref>
 
أما في النطاق الإسلامي ذاته فقد أشار [[مرتضى مطهري]] إلى خلفّيتها العريضة، على النحو التالي: «لهذه المسألة تأريخ بعيد الغور عند [[المسلم|المسلمين]]، فقد طرحت للبحث في صدر الإسلام بين المسلمين، وبحث حولها المفسرون والمتكلمون والفلاسفة والعرفاء وحتى الشعراء والأدباء، حتىّ أنّ دراسة سير هذه المسألة بين هذه الطبقات تستلزم كتابًا مستقلاً»
أن الجانب الأكبر من التعقيد والغموض الذي اكتسبته المسألة يعود إلى الالتباس الناشئ عن تصور التعارض بين الحرية والإيمان بالقضاء والقدر. من هذا المنطلق قدّم [[السيد محمد حسين الطباطبائي|الطباطبائي]] صياغة للمرتكز العلمي الذي تصدر منه إشكالية التعارض، ممهّدًا لذلك بإشارة إلى عراقة المسألة وتشابك الآراء من حولها، حيث أشار إلى خلفية هذه البحث في التراث البشري وتعارض الذي يبدو في باديء الرأي بين الإرادة الأزلية الإلهية وضرورة ما يحدث في الكون من جانب ومسألة حرية الإنسان وتقرير مصيره من جانب آخر. <ref> الطباطبائي/ محمد حسين الميزان في تفسير القرآن: ج،1ص97 ـ</ref>.
 
==الإتجاهات==
تشعبت المناهج الكلامية في مواجهة هذا السؤال المبدئي الى مدارس أهمها، [[المعتزلة]] و[[الأشعرية]] و[[الاثنا عشرية|الإمامية]] .
ذكر [[محمد جواد مغنية]] : أن هذه المسألة قد تشّعبت فيها الأقوال وتعّددت، ولكنّها تركت وأهملت ما عدا قول الإمامية، والمعتزلة وقول الأشاعرة» .<ref> : مغنية، محمد جواد، فلسفات إسلامية:ص 367</ref>
 
===نظرية الأشعرية في افعال العباد===
 
الطوائف القائلة بالجبر في العصور الإسلامية الأولى ليست واحدة، ولكنها انقرضت و لم يبق منها إلاّ الفكرة السائدة بين جماعة من أهل [[السنة|السنّة]] وهي نظرية الإمام [[أبو الحسن الأشعري|الأشعري]]، إنّ [[الأشاعرة]] و إن كانوا ينزهون أنفسهم عن كونهم مجبرة، لكن الأصول التي اعتقدوها و اتخذوها أداة للبحث، لا تنتج إلاّ القول بالجبر، <ref>(سبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ص 267)</ref>
فالأشاعرة قالوا بوجود علّة واحدة قائمة مكان جميع العلل و الأسباب. <ref>(الأشعري، ابوالحسن، الإبانة عن أصول الديانة، ص 20.)</ref> ، <ref>السيد الشريف الجرجاني، شرح المواقف، ج 8، ص 146</ref>
 
 
===نظرية التفويض المعتزلي===
ذهب جمهور [[المعتزلة]] إلى أنه سبحانه وتعالى قد فوّض الأفعال إلى العباد مع استقلالهم بالقدرة عليها على نحو الأصالة ولا مدخلية في الفعل لإرادته تعالى، فالعباد - بنظرهم - يفعلون ما يشاءون ويعملون ما يريدون من دون حاجة إلى الاستعانة بقدرة أخرى وسلطنة أولى زائدة على سلطنتهم<ref>سبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، ج 2_ص 320- </ref>
«إن [[المعتزلة]] استدلوا بوجوه كثيرة مرجعها إلى أمر واحد وهو أنه لو لا استقلال العبد بالفعل على سبيل الاختيار لبطل التكليف، وبطل التأديب الذي ورد به [[الفقه الإسلامي|الشرع،]] وارتفع المدح والذم، إذ ليس للفعل استناد إلى العبد أصلا، ولم يبق للبعثة فائدة، لأن العباد ليسوا موجدين لأفعالهم، فمن أين لهم استحقاق الثواب والعقاب»<ref>الجرجاني، مير سيد شريف، شرح المواقف، ج 8، ص 154. ولاحظ الأسفار الأربعة، ج 6، ص 370.</ref>
 
===الأمر بين الأمرين===
اتخذت مدرسة أهل البيت بين المدرسة الأشعرية والمعتزلة، الطريق الوسط وهو عقيدة "[[أمر بين الأمرين]]" حيث لم تنحاز الى [[الجبر والتفويض|الجبر]] ولا إلى [[التفويض]]، فهذه النظرية الثالثة، جامعة وحافظة لما يتبناه الطرفان من الأصول مع ذلك لم تستل منها النتائج، في حقلي الجبر والتفويض.
حصيلة هذه النظرية أنّ القضاء والقدر الإلهي لا يجعلان الإنسان مكتوف اليدين في تصرفاته ورغباته وتحديد مصيره ومن جانب آخر، أنّ قضية الإختيار في ساحة الإنسان لا تقلّص ساحة الكبرياء و الهيمنة الإلهية بل الأمرين( علم الإلهي بالأفعال وإختيار الإنسان ) ينسجمان في هذه النظرية.
 
 
*'''مسألة جديرة للإلتفات'''
ولا يخفى على اللبيب أن المفوّضة وإن حاولت التمسك بمبدء [[العدل (الكلام)|العدالة]] في افعال اللّه، إلاّ أنهم وقعوا في محذور لا يقل عن المحذور الذي وقع فيه [[الأشاعرة]] وهو الإسراف في نفي السلطنة المطلقة عن الباري عزّ وجلّ وإثبات الشريك له في أمر الخلق والإيجاد.
إنّ دافع [[المعتزلة]] إلى القول بالتفويض هو الحفاظ على وصف من أوصافه سبحانه وهو [[العدل (الكلام)|«العدل»]]. فلما كان العدل عندهم هو الأصل والأساس في سائر المباحث، عمدوا إلى تطبيق مسألة أفعال العباد عليه فخرجوا بهذه النتيجة: إنّ القول بكون أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه ينافي عدله. ولجئوا بعدها إلى القول بأنها من صنع العبد وليس للّه فيها أي صنع. ولمّا كان الأصل عند الأشاعرة هو [[التوحيد الأفعالي]] وأنه لا مؤثر استقلالا و لا تبعا غيره سبحانه، عمدوا إلى تطبيق هذه المسألة على أساسهم. فجعلوا أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه و ليس للعبد فيها صنع.
فالطائفتان لم تتدبرا في مسألة أفعال العباد تدبرا عميقا، بل جعلتا النظر فيها فرعا للنظر في الأصل الذي تبنتاه. ولم يلتفتا إلى أنّ هناك طريقا ثالثا يجتمع فيه الأصلان: التوحيد الأفعالي و وصف العدل، مع القول بالاختيار.<ref>(سبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل_ ج 2، ص 324-)</ref>
نظرية الأمر بين الأمرين فقد حاولت رفع عمومية النظريتين فلا سلب إرادةٍ مطلق ولا تفويض فعلٍ مطلق بل فعل الإنسان في حال كونه مستنداً إلى العبد، مستند إلى اللَّه أيضاً وأنّ الفعل تتدخل فيه إرادتا الله والانسان معاً.
==الحصائل الإجتماعية الناجمة عن الفكر الجبري==
 
وذاكرة التاريخ مثقلة بالكثير من تلك الممارسات التي حصلت بذريعة القضاء و القدر والتي تهدف من تجسيم هذه الفكرة إلى السيطرة والهيمنة السياسية؛ ففي المشرق الإسلامي، تلقف [[بنو أمية|الأمويون]] الطرح [[الجبر والتفويض|الجبري]] الاستسلامي، الذي يقدم تبريرا دينيا كانوا في أشد الحاجة إليه لتسويغ ممارساتهم القمعية، كمذهب يكرّس الخضوع والاستسلام للقضاء والقدر الذي جاء بهم إلى الحكم، وكان "[[معاوية بن أبي سفيان]]" أول من حاول استخدام المذهب الجبري لتبرير جوره ...
 
وقد أشار [[محمد حسين كاشف الغطاء]] إلى ضعف المؤسسة الدينية، فمن أقوى أسباب سريان الداء بين المسلمين «ومروقهم من مشرق هذا الدين إلى منازع الغربيّين عدم قيام الزعماء في الدعوة» حتّى أنّ الإسلام امتحن بداءَين عضالين «امتحن بإهمال زعمائه سبيل الدعوة والإرشاد... إنّ رجال هذا الدين لمّا أهملوا الدعوة.. وتركوا نفوس المسلمين على سذاجتها، وألقوا حبلها على غاربها.. هنالك استيقظ العدوّ فرأى فرصة أمكنت وأمراً حان وقته وأينعت ثماره» <ref>كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية،_ ص 20-21).</ref>
أجل فما ألمّ بالمسلمين لم يكن إلاّ كأثر «لعدم قيام المصلحين وسكوت الآمرين بالمعروف والناهين، ولو قلت ما الذي أوجب سكوتهم وإغضاءهم عن تمزيق دينهم بترقيع دنياهم فلا هذا ولا ذاك، لقلت: حسبك في فمي ماء وهل ينطق من في فِيه ماء!»
 
 
==حلول إشكالية القضاء والقدر==
قد كتب المنظرين وعلماء الكلام ورجال العقيدة في الشريحة الشيعية أن النتائج التي أدّت الى الفكر الجبري هي ناجمة من الفهم العقيم لحقيقة القضاء و القدر المندرجة في طيات الكتاب والسنة. وقد تصدوا من السلف الى وقتنا الراهن للإجابة والرد على هذه الفكرة ، هادفين بالأدلة إلى الخروج من هذا المنحدر الفكري وفي باديء الرأي خاطبوا الفطرة السليمة والقناعات الفكرية في الأعراف البشرية وبالأخص المجتمع الإسلامي كما قال السيد
[[السيد محسن الخرازي]] في بداية المعارف الإلهية:
أن التوالي السلبية لهذا القول كثيرة، منها امتناع التكليف؛ لأنّ الناس غير قادرين، والتكليف بما لا يطاق قبيح، ومنها لغوية ارسال الرسل والأنبياء؛ لأن اتباعهم ليس تحت قدرتهم، ومنها عدم الفائدة في الوعد والوعيد؛ لأن المفروض عدم دخالة الناس في الأفعال، ومنها أنه لا معنى للمدح والذم بالنسبة إلى أفعال العباد، لعدم دخالتهم فيها أصلا. كما حكي عن مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال في الجواب عن السؤال عن الجبر: «لو كان كذلك، لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي و الزجر، ولسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن على مسيء لائمة، ولا لمحسن محمدة، الحديث» .
توضيحه: ّ أن الاختيار الإنساني هو بنفسه جزء من أجزاء هذا العالم يسري فيه القدر والقضاء، ومن ثم هو مشمول بنظام السببية العام وبسنن االله ونواميسه. ففعل الإنسان لا يقع خارجًا إلاّ إذا اختاره الإنسان وأراده. إذن الفعل الإنساني ومن ورائه الإرادة والاختيار اللذان ينتجانه لا يتصادم مع الإيمان بعقيدة القدر والقضاء، لأنه يندرج في إطارمبدأ السببية ونظام السنن.
على ّ أن إثبات فاعلية الإنسان هنا من خلال الدورالذي تنهض به إرادته واختياره لا يتعارض مع الإرادة والمشيئة الإلهية، حيث قوله سبحانه: {وما تشاءون إلا أن شاء االله رب العامين }<ref> (التكوير: 29) </ref>لأن المشيئة الإلهية تتحّرك ضمن قانون القدر والقضاء؛ أي ضمن قانون الأسباب والمسّببات ومن خلال مبدأ السنن الإلهية والنواميس الرّبانية المودعة في الوجود والحياة. أكثر من ذلك، نجد ّ أن العلاقة بين الاثنين تتجاوز تخوم عدم التعارض، إلى أن بالقدر والقضاء إلى أساس لصيرورة الاختيار ّ يتحول الإيمان أن الإنسان اختياره؛ على ما هي عليه النظرة المألوفة الخاطئة ، ّلأن من قضاء االله وقدره أن يكون الإنسان مختارًا في أفعاله، فلو صدر منه فعل من غير اختيار لكان ذلك منافيًا للقدر والقضاء الإلهي.<ref>الخرازي، محسن، بداية المعارف الإلهية في شرح العقائد الإمامية، ص 320</ref>
 
===مساهمات فكرية من أعلام مدرسة أهل البيت{{اختصار/عليهم}} حول مسألة القضاء والقدر===
قد كتب مجموعة من الباحثين الإسلاميين حول هذا الموضوع الذي أثار سجالات علمية واستوعب حجما كبيرا من الحقل البحثي في مضمار علم الكلام وللمفكري الشيعة سهم في هذا المجهود   
 
*'''كاشف الغطاء:'''
 
اول مساهمة نتناولها في هذا المقال هي مطارحات للشيخ كاشف الغطاء حول الموضوع والتي سجلت في كتابه ( الإسلام والدين)
 
يقول السيد كمال الحيدري في كتابه «القضاء والقدر واشكالية تعطيل الفعل»: لقد ركّز كاشف الغطاء  على قضية الانحطاط والتخلّف التي تضرب بشعابها في أوساط المجتمعات الإسلامية، وكان لابدّ أن يمرّ على مقولة القدر والقضاء بوصفها سببا فكريّاً ألقى بتبعاته على الواقع الاجتماعي للمسلمين من خلال القراءة العرفية المغلوطة لهذه العقيدة، فكان أن أطلق‌ صيحة رافضة للفهم الخاطئ المقلوب، وهو يقول: «دع عنك يا هذا هذه الخزعبلات والمخرفات والأباطيل والتعلّلات، فإنّ الله جلّ شأنه ما جعل القضاء والقدر لتتخذه ستاراً لسيّئاتك وتمشية لشهواتك وعصىً تتوصّل بها إلى معاصيك وأهوائك».<ref>كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية،  ج 1، ص 181-182.</ref>
 
ثمّ قارب بين القضاء والقدر وبين حركة السنن والنواميس الحاكمة في الوجود بادئاً بمثال يلامس الوجدان الإنساني ولا يخطئه الحسّ‌، حين قال: «ألست أنت وكلّ بصير جدّ خبير أنّ كلّ جماعة وأمّة دخلت تحت جامعة واحدة وجهة عامّة لا محالة تحتاج إلى وضع نواميس تجري عليها، وتخرج بها عن الفوضى والسراح المودي بها والمؤدّي إلى هلاكها؟».<ref> كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية، ج 1، ص ، 158 فصل بعنوان القضاء والقدر</ref>
 
بعد هذا المثال انتقل إلى عالم الخليقة وحاجته إلى قضايا كلّية وأحكام عامّة تجري على جمهور الناس مدى العصور، منيطاً ذلك إلى ملك حكيم نهض بوضع كلّ ما يتوقّف عليه النظام والسير إلى السعادة النوعية جاعلاً «لكلّ ذلك أسباباً ومسبّبات، وعللاً وغايات يوجب بعضها بعضاً، وينجرّ بعضها إلى بعض على نواميس معيّنة وحدود مبيّنة، سبقت كلمته وقضت حكمته أن تسير على ذلك ولا تقف، ولا تنخرم ولا تختلف».
 
هذا ما كتبه كاشف الغطاء نصّاً في تقريب المقولة في الفصل من كتابه «الدين والإسلام» المعنون «القضاء والقدر»، ليفيد بعده أنّ الله سبحانه على هذا أبرم أحكامه وأحكم إبرامه، وأجرى في اللوح بما شاء أقلامه، واستبرأ فيهم مشيّته، ثمّ زوّد خلقه ووهبهم إيّاه جوهرين شريفين، هما «جوهر العقل وجوهر حرية الاختيار وإطلاق الإرادة وسراح المشيّة. وتلك هي الكلمة التي سبقت من ربّك، ولولاها لما تأسّست المدن ولا تمدّن الإنسان ولا اعتمر النظام ولا انتظم العمران».<ref>كاشف الغطاء، محمد حسين، الدين والإسلام، فصل بعنوان: القضاء والقدر، ج 1،ص160.</ref>  
 
*'''محمدجواد مغنية:'''
 
ممّن أسهم في معالجة عقيدة القدر والقضاء على الأساس ذاته هو الشيخ محمّد جواد مغنية (ت: 1979 م). ففي كتاب له عنوانه «فلسفة التوحيد» تناول بأسلوبه الجاذب اليسر هذه المقولة داخلاً إليها عبر نظام السببيّة وقانون العلّة والمعلول. فما دام موضوع القضاء والقدر هو ما يحدث في الطبيعة من ظواهر وما يصدر عن الإنسان من أعمال، وما دام لهذه الحوادث والأعمال والظواهر موجبات وأسباب، فإنّ القضاء والقدر المنبسطين فيها، إنّما «يوجبان ما يوجبان بتوسّط أسباب وعلل مترتّبة منتظمة، بعضها مؤثّرات وأخرى متأثّرات، ومتى اجتمعت الأسباب وارتفعت الموانع وُجد الشيء المقضي المقدّر» فلسفة التوحيد، المطبوع في إطار مجموعة:<ref>مغنية، محمد جواد، فلسفات إسلامية، ص 63؛ الحيدري، السيد كمال، القضاء والقدر وإشکالیة تعطیل الفعل الإنسانی، الصفحة: 55</ref>
ثم ينتقل إلى فقرة جديدة من كلام الشيخ مغنية قائلا ؛ ثمّ ينعطف لمقاربة المقولة بالسنن، فيستعرض بعض آيات السنن في القرآن الكريم، لينتهي إلى القول بأنّ هذه الآيات دلّت «بصراحة ووضوح على أنّ قانون الأسباب والمسبّبات، وربط النتائج بالمقدّمات هو قانون كونيّ إلهيّ يطّرد في كلّ شيء ولا يخرج عنه شيء إلاّ إذا خرج عن صنع الله».
وبذلك فإنّ القضاء والقدر داخلان في إطار هذا القانون الكوني الإلهي لا يشذّان عنه، وهما جزء منه أيضاً، لأنّهما من صنعه سبحانه ومن خلقه، كما نقرأ في الحديث الشريف: «إنّ القضاء والقدر خلقان من خلق الله».<ref>مغنية، محمد جواد، فلسفة التوحيد، المطبوع في إطار مجموعة فلسفات إسلامية، ص64؛ الحيدري، السيد كمال، القضاء والقدر وإشکالیة تعطیل الفعل الإنساني، الصفحة: 56</ref>
 
في ضوء هذه النظرية في التفسير ينتهي مغنية إلى القول نصّاً بأنّ‌: «الإيمان بقضاء الله وقدره هو عين الإيمان بالله ونظامه، وقدرته وسننه التي هي سنن الطبيعة بالذات» <ref>مغنية، محمد جواد، فلسفات إسلامية: ص 65؛ الحيدري، السيد كمال، القضاء والقدر وإشکالیة تعطیل الفعل الإنساني، الصفحة: 56
</ref>
 
*'''السيد الخوئي:'''
ما أجاد سماحته(السيد الخوئي) في محاضراته في كلام مفصل ننقل المهم منه ، وحاصله: منع كون الإرادة علّة تامة للفعل بل الفعل على الرغم من وجوده وتحققه يكون تحت اختيار النفس وسلطانها ولو كانت الإرادة علّة تامة لحركة العضلات ومؤثرة فيها لم يكن للنفس تلك السلطنة، ولكانت عاجزة عن التأثير فيها مع فرض وجودها..
ثم قال: «إنّ الميزان في الفعل الاختياري ما أوجدته النفس باختيارها وإعمال القدرة والسلطنة المعبر عنها بالاختيار وقد خلق اللّه النفس الإنسانية واجدة لهذه السلطنة والقدرة وهي ذاتية لها، وثابتة في صميم ذاتها، ولأجل هذه السلطنة تخضع العضلات لها، وتنقاد في حركاتها، فلا تحتاج النفس في إعمالها لتلك السلطنة والقدرة إلى إعمال سلطنة». <ref>المحاضرات، ج 1، ص 59-60 .السبحاني التبریزي، جعفر. المحرر حسن مکي العاملي ، 1413 الهجري،</ref>  <ref>الإلهیات علی هدی الکتاب والسنة والعقل، قم المقدسة، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، الجزء: 2، الصفحة: 310</ref>
 
*'''الإمام الخميني:'''
السيد الإمام الخميني بعد الغور في غمار البحث أخرج بهذه النتائج
#إنّ الأفعال النفسانية تصدر عن صميم النفس لا بإرادة مسبقة بل يكفي في صدورها، الاختيار الصادر من صميم ذات الإنسان
#هذه الوتيرة من الأفعال النابعة من جوهر النفس البشرية هي غير مسبوقة بالإرادة وعلاوة على ذلك غير مسبوقة بمبادئها أيضا، فليس قبل صدورها تصوّر ولا تصديق ولا شوق ولا عزم ولا جزم.
#إنّ الأفعال القلبية، اختيارية للنفس بضابط جوهرية الإختيار للنفس البشرية
والدليل على ثبوت الإختيار الجوهري للنفس، هو العلم الوجداني بذلك فإن كل انسان، كما يجد ذاته حاضرة لديه فهكذا يجد كونه مختارا، و أنّ هيمنة الفعل والترك بيده و في حوزته، وله أن يبادر نحو عمل أو أن لا يبادر، ولا شيء أظهر عند الشخص من هذا الاختيار، وحتى لو أنكره ظاهريًا، فلا يمكن إنكاره في صميم نفسه. وعلاوة على ذلك فإن ظهور الإختيار على مستوى السلوكي ووصف هذه السلوك بالإختيارية، يعرب عن تواجد هذه الصفة في طيات نفسه لأن افعال البشر هي بلورة ذاته وأفكاره ونواياه.<ref>الإلهیات علی هدی الکتاب والسنة والعقل، قم المقدسة، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، الجزء: 2، الصفحة: 313</ref>
 
 
 
 
*'''العلامة الطباطبائي:'''
من منظور العلامة محمد حسين الطباطبائي، أنّ الذي ورّط المجبرة بما ذهبوا إليه من التزام المذهب الجبري، هو بحث القضاء والقدر، وخطأهم في تطبيق النتيجة التي انتهوا إليها حيث اشتبه عليهم أمر الحقائق والاعتباريات، واختلط عليهم الوجوب والإمكان. في سياق عرضه للمسألة، وبما يصلها بجوهر نظرية التفسير التي تتبنّاها يقول: «فانبساط القدر والقضاء في العالم هو سريان العلّية التامّة والمعلولية في العالم بتمامه وجميعه، وذلك لا ينافي سريان حكم القوّة والإمكان في العالم من جهة أخرى وبنظر آخر. فالفعل الاختياري الصادر عن الإنسان بإرادته إذا فرض منسوباً إلى جميع ما يحتاج إليه في وجوده من علم وإرادة وأدوات صحيحة ومادّة يتعلّق بها الفعل وسائر الشرائط الزمانية والمكانية كان ضروري الوجود، وهو الذي تعلّقت به الإرادة الإلهية الأزلية، لكن كون الفعل ضروريّاً بالقياس إلى جميع أجزاء علّته التامّة ومن جهتها لا يوجب كونه ضروريّاً إذا قيس إلى بعض أجزاء علّته التامّة، كما إذا قيس الفعل إلى الفاعل دون بقيّة أجزاء علّته التامّة فإنّه لا يتجاوز حدّ الإمكان ولا يبلغ البتة حدّ الوجوب». <ref> الحيدري، السيد كمال، القضاء و القدر و إشکالیة تعطیل الفعل الإنسانی، ص58.؛ الطباطبائي، السيد محمد حسين،  الميزان في تفسير القرآن: ج 1، ص 99.</ref>
 
 
 
 
*'''الشيخ مرتضى المطهري:'''
 
ممّن ولج البحث في القضاء والقدر على الأساس النظري ذاته المتمثِّل بدرجهما في نطاق نظام السببية العام وتفسيرهما على أساس السنن الإلهية المودعة في الكون والحياة، الشيخ مرتضى مطهّري (استشهد: 1979) أبرز تلاميذ الطباطبائي وألمع شرّاح غوامض أفكاره. فبعد أن أوضح في كتاب خاصّ عن هذه العقيدة بأنّ الله سبحانه شاء أن يوجب الأشياء عن طريق عللها وأسبابها الخاصّة، عاد ليقول: «إنّ القضاء والقدر لا يعنيان إلاّ ابتناء نظام السببية العامّة على أساس العلم والإرادة الإلهية». <ref>المطهري، مرتضى، الإنسان والقضاء والقدر، الترجمة العربية: ص 71.</ref> 
 
و بعد الخوض في غمار البحث وفي نهاية المطاف قال : «والخلاصة، هي أنّ تمام العلل والأسباب مظاهر للقضاء والقدر الإلهي. فكلّما تكثّرت العلل والأسباب المختلفة والوقائع المتباينة الممكن وقوعها بالنسبة لحادثة ما، تكثّرت أنواع القضاء والقدر المختلفة بالنسبة لها أيضاً. فما وقع من الأحوال هو بالقضاء والقدر الإلهي، وما لم يقع هو بالقضاء والقدر الإلهي أيضاً». <ref>المطهري، مرتضى، الإنسان والقضاء والقدر، الترجمة العربية: ، ص 88. </ref>


==الهوامش==
==الهوامش==
{{مراجع}}
{{مراجع}}
==المصادر والمراجع==
==المصادر والمراجع==
{{المصادر}}
*'''القرآن الكريم.'''
*الصدوق، محمد بن علي‏، '''التوحيد'''، قم-إيران، الناشر: جامعة المدرسين‏، ط 1، 1398 هـ.
*ابن أبي جمهور، محمد بن زين الدين‏، '''عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية'''، قم - إيران، الناشر: دار سيد الشهداء{{عليه السلام}} للنشر، ط 1، 1405 هـ.
*ابن فارس، أحمد، '''معجم مقاييس اللغة'''، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د.م، د.ت.
*الكلبايكاني، علي، '''محاضرات في الإلهيات'''، بيروت - لبنان، أضواءالحوزة (طبعة جديدة)، 1431 هـ - 2010 م.
*الكليني، محمد بن يعقوب، '''الكافي'''، طهران - إيران، دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 ه‍.
*المجلسي الأول، محمد تقي، '''روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه'''، قم - إيران، مؤسسة فرهنگى اسلامى كوشانبور، ط 2، 1406 ه‍ .
*الهندي، محمد بن الحسن، '''كشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام'''، قم-إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1416 هـ.
{{نهاية}}
{{معرفة الله}}
{{عقائد الشيعة}}


[[تصنيف:مصطلحات كلامية]]
*العلامة الحلي،کشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد، الناشر جامعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، السنة 1413.هـ
*العلاّمة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1393 ق.
*الحيدري، للسيد كمال، القضاء والقدر واشكالية تعطيل الفعل الإنساني،مكتبة فاران، بغداد،
*الشيخ جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ، محاضرات الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني، بقلم حسن محمد مكي العاملي، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، 1409 هـ
*المحمدي الري شهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلاية في الكتاب والسنة، قم المقدسة، مؤسسه علمي فرهنكي
دار الحديث، السنة 1387 ش
*حمود، محمد جميل، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية، بيروت، مؤسسة الأعلمي، سنة 1421 هـ
*آل‌كاشف‌الغطاء، محمدحسين‌، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية، المحقق: الساعدي، محمد جاسم‌، الناشر: المجمع العالمي لإهل البيت {{اختصار/عليهم}}: 1432 هـ
*الإنسان والقضاء والقدر، المطهري، مرتضى، ترجمة محمد علي التسخيري، الطبعة الثانية، دار التعارف، لبنان، 1981م
*مغنية، محمد جواد، فلسفات إسلامية، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1978م
*آل كاشف الغطاء النجفي،محمّد حسين، الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية، مطبعة العرفان، صيدا، 1330 هـ
*الإبانة عن أُصول الديانة، الأشعري، ابو الحسن علي بن إسماعيل، مكتبة دار البيان، السورية، 1416 ق
*الجرجاني، السيد الشريف على بن محمد، شرح المواقف، منشورات الشريف الرضى، قم المقدسة، 1412 ق.
*حمود، محمد جميل، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت،1421ق
*الخرازي، محسن، بداية المعارف الإلهية في شرح العقائد الإمامية، جامعة المدرسين في الحوزة العلمية، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة 1417ق
*الصحاح‌ تاج اللغة و صحاح العربية، الجوهري، أبو نصر(المتوفى: 393هـ)،  تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الرابعة، 1407 هـ‌
*قاموس المحيط، الفيروزآبادي، مجد الدين ابو طاهر محمد بن يعقوب، دار الفكر، بيروت، لبنان، 2010 م .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ُ