مستخدم مجهول
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «صلح الإمام الحسن عليه السلام»
ط
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Ali110110 |
imported>Ali110110 طلا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''صلح الإمام الحسن عليه السلام''' عنوان ينصرف | '''صلح الإمام الحسن عليه السلام''' عنوان ينصرف إلى المعاهدة التي جرت بين الإمام (عليه السلام) وبين [[معاوية بن أبي سفيان]] في [[سنة 41 هجرية]] الذي سلّم فيها الإمام (عليه السلام) الحكم لمعاوية بشروط مذكورة في المصادر التاريخية. | ||
سطر ٥: | سطر ٥: | ||
==الكوفة بعد شهادة الإمام علي (عليه السلام)== | ==الكوفة بعد شهادة الإمام علي (عليه السلام)== | ||
<div class="reflist4" style="height: 220px; overflow: auto; padding: 3px" > | <div class="reflist4" style="height: 220px; overflow: auto; padding: 3px" > | ||
بايع [[الكوفة|الكوفيون]] [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) خليفة للمسلمين بعد موارة [[أمير المؤمنين]] (عليه السلام) الثرى مباشرة، الا أن الوضع المضطرب في الكوفة لم يكن يبشر بخير ولم يظهر فيه ما يدل على استقرار الوضع وهدوء الساحة، ومن هنا كانت المهمة الاولى الملقاة على عاتق الإمام التفكير بمعالجة الجبهة الداخلية وتهدئة الوسط الكوفي ثم بعث الولاة | بايع [[الكوفة|الكوفيون]] [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) خليفة للمسلمين بعد موارة [[أمير المؤمنين]] (عليه السلام) الثرى مباشرة، الا أن الوضع المضطرب في الكوفة لم يكن يبشر بخير ولم يظهر فيه ما يدل على استقرار الوضع وهدوء الساحة، ومن هنا كانت المهمة الاولى الملقاة على عاتق الإمام التفكير بمعالجة الجبهة الداخلية وتهدئة الوسط الكوفي ثم بعث الولاة إلى الولايات– باستثناء [[الشام]] التي كانت تحت حكم [[معاوية]]- ك[[مصر]] و[[الحجاز]] و[[خراسان]] و[[آذربايجان]] وسائر المناطق [[إيران|الايرانية]] وغيرها. | ||
يضاف إلى ذلك المهمة الكبرى التي لا بدّ من معالجتها ووضع حدّ للتمرد الشامي والقضاء على قائد الفتنة معاوية بن أبي سفيان.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref> علماً أن الشام لم تكن باللقمة السائغة التي يمكن ابتلاعها بيسر بل كانت عصية عن المعالجة | يضاف إلى ذلك المهمة الكبرى التي لا بدّ من معالجتها ووضع حدّ للتمرد الشامي والقضاء على قائد الفتنة معاوية بن أبي سفيان.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref> علماً أن الشام لم تكن باللقمة السائغة التي يمكن ابتلاعها بيسر بل كانت عصية عن المعالجة إلى حد ما في زمن [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام) فكيف بها بعد شهادته واضطراب الأمور وبروز معاوية على الساحة كحاكم شرعي. | ||
سطر ١٤: | سطر ١٤: | ||
ثم لو تجاوزنا مشكلة الشام والشاميين فهل يمتلك الإمام (عليه السلام) الكفاءات الكبيرة التي تستيطع إدارة سائر الولايات الكبيرة؟! فهو بحاجة | ثم لو تجاوزنا مشكلة الشام والشاميين فهل يمتلك الإمام (عليه السلام) الكفاءات الكبيرة التي تستيطع إدارة سائر الولايات الكبيرة؟! فهو بحاجة إلى حاكم مؤمن بصيرة بشؤون الادارة والحكم شجاع لم ينجرف مع زخارف الدنيا وزبرجها، خاصّة وأن الكثير من السياسيين الذين من المؤمل الاعتماد عليهم قد أبهرهم عطاء معاوية اللامحدود لأصحابه والمحيطين به. | ||
سطر ٢٠: | سطر ٢٠: | ||
واذا خرجنا من دائرة [[الكوفة]] وتوجهنا نحو [[البصرة]] نراها هي الأخرى لا يؤمل فيها خير وكيف يعوّل على مدينة عرفت بميولها [[العثمانية]] وهي أقرب | واذا خرجنا من دائرة [[الكوفة]] وتوجهنا نحو [[البصرة]] نراها هي الأخرى لا يؤمل فيها خير وكيف يعوّل على مدينة عرفت بميولها [[العثمانية]] وهي أقرب إلى معاوية منها إلى الإمام الحسن (عليه السلام). | ||
وأما [[الخوارج]] فأمرهم أوضح والتعويل عليهم يعد ضربا من الخيال فانهم وإن رفعوا في أوائل حركتهم شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأظهروا الاستعداد لمساندة من يقوم بذلك الا أنهم تحولوا | وأما [[الخوارج]] فأمرهم أوضح والتعويل عليهم يعد ضربا من الخيال فانهم وإن رفعوا في أوائل حركتهم شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأظهروا الاستعداد لمساندة من يقوم بذلك الا أنهم تحولوا إلى طلاب حكم وميل للتصدي للخلافة. فلم يبق مع الإمام (عليه السلام) الا [[الشيعة]] وهؤلاء أيضا لم يكونوا على نسق واحد بل هناك طائفة كبيرة منهم متظاهرة بالولاء و[[التشيع]] لا يمكن التعويل على ولائها وإحراز مواقفها حتى اللحظة الأخيرة من المعركة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref> | ||
سطر ٣٠: | سطر ٣٠: | ||
===مقدمات المعركة وإرهاصاتها=== | ===مقدمات المعركة وإرهاصاتها=== | ||
في المقابل نجد [[معاوية بن أبي سفيان]] قد حشد كل قواه وسخر كل طاقاتها وحرّك مرتزقته ليثيروا الفتن ويخلقوا المشاكل في [[الحجاز]] و[[اليمن]] و[[مصر]]، بل امتدت حركتهم | في المقابل نجد [[معاوية بن أبي سفيان]] قد حشد كل قواه وسخر كل طاقاتها وحرّك مرتزقته ليثيروا الفتن ويخلقوا المشاكل في [[الحجاز]] و[[اليمن]] و[[مصر]]، بل امتدت حركتهم إلى داخل [[الكوفة]] التي تمثل مركز حكومة الإمام (عليه السلام) وتمكّنوا من استقطاب رؤوساء القبائل وكبار البيوتات والأسر هناك بالمال تارة والتهديد والترهيب أخرى. | ||
يضاف | يضاف إلى بثّ الإشاعات والاكاذيب في الوسط الاسلامي وخاصة في الساحة العراقية، هذا مع ارسال المجاميع المقاتلة للنهب والقتل وبث الرعب في المناطق الخاضعة لحكوم الإمام (عليه السلام)، مع اشاعة أخبار سياسة البذل اللامحدود التي اعتمدها معاوية ودهائه في إدارة شؤون الحكم في [[الشام]] والمناطق الخاضعة له. كل ذلك مثل الأرضية المناسبة والارهاصات التي تكشف استعداد معاوية لخوض الحرب مع الكوفة عاصمة الدولة الاسلامية.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص158-159.</ref> | ||
سطر ٣٩: | سطر ٣٩: | ||
وقد استعد قيس لمهاجمة جيش الشام وذهب [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) | وقد استعد قيس لمهاجمة جيش الشام وذهب [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) إلى [[المدائن]]، الا أن الاحداث كانت لا تسير لصالح جيش الإمام (عليه السلام) حيث اشيع قتل قيس مما أدى إلى حصول تمرّد في جيش الإمام (عليه السلام).<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref> | ||
وقد اشار بعض المؤرخين | وقد اشار بعض المؤرخين إلى هذه القضية بقوله: بينا كان الحسن (عليه السلام) بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره: «ألا إن [[قيس بن سعد]] قد قتل!» فشدّ الناس على حجرة الحسن (عليه السلام) فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره !! وطعنه رجل بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه وانتقل – كما يقول الطبري- إلى منزل [[سعد بن مسعود الثقفي]]– عمّ [[المختار]]- وكان عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) بها فأقرّه الحسن (عليه السلام)، فقال له المختار وهو غلام شاب: | ||
هل لك في الغنى والشرف؟ | هل لك في الغنى والشرف؟ | ||
سطر ٤٨: | سطر ٤٨: | ||
قال: وما ذاك؟ | قال: وما ذاك؟ | ||
قال: توثق الحسن(عليه السلام)، وتستأمن به | قال: توثق الحسن(عليه السلام)، وتستأمن به إلى معاوية! | ||
فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت [[رسول الله]] (صلى الله عليه وآله) فاوثقه! بئس الرجل أنت!.<ref>الطبري، تاريخ الرسل و الملوك (تاريخ الطبري)، بريل، 1881م، ج7، ص2؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت: دار صادر، 1385هـ ق، ج3، ص404؛ به نقل جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref> | فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت [[رسول الله]] (صلى الله عليه وآله) فاوثقه! بئس الرجل أنت!.<ref>الطبري، تاريخ الرسل و الملوك (تاريخ الطبري)، بريل، 1881م، ج7، ص2؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت: دار صادر، 1385هـ ق، ج3، ص404؛ به نقل جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref> | ||
والمختار هو ذلك الشخص الذي ثار بعد خمسة وعشرين عاماً لدماء الشهداء وقاد حركة [[الشيعة]] ضد الحكم [[بني أمية|الأموي]]، مما يجعلنا نشك في ما نسب | والمختار هو ذلك الشخص الذي ثار بعد خمسة وعشرين عاماً لدماء الشهداء وقاد حركة [[الشيعة]] ضد الحكم [[بني أمية|الأموي]]، مما يجعلنا نشك في ما نسب إلى الرجل من كلمات قد تكون من ابتكارات خصومه [[الزبير|الزبيريين]] (اتباع [[عبد الله بن الزبير]])، وعلى فرض صحة ما نسب اليه فهو أمر لا غرابة فيه وممكن صدوره من شاب حدث لا خبرة لها بالسياسة وبمنازل الرجال، وسواء صحّت النسبة أم لم تصح الا أن الكلام المذكور والأحداث التي وقعت تكشف لنا عن حقيقة خطرة وهي أن تصدي الإمام الحسن (عليه السلام) للحكم اقترن بوجود تيار من النفعيين الذين لا يهمهم الا مصالحهم الشخصية وما تدرّه السياسة عليهم من مناصب وأموال تعزز كياناتهم الشخصية والعشائرية فقط ولا تهمهم مصالح المسلمين قطعاً.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref> | ||
سطر ٦٣: | سطر ٦٣: | ||
==مكان الصلح وزمانه== | ==مكان الصلح وزمانه== | ||
تم الاعلان عن مبادئ الصلح وتوقيعه في منطقة [[مسكن]] وبحضور جماعة كبيرة من [[الشام|الشاميين]].<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 471.</ref> وقد اشار الشيخ [[باقر شريف القرشي]] في كتابه [[حياة الإمام الحسن (عليه السلام)|''حياة الإمام الحسن (عليه السلام)'']] | تم الاعلان عن مبادئ الصلح وتوقيعه في منطقة [[مسكن]] وبحضور جماعة كبيرة من [[الشام|الشاميين]].<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 471.</ref> وقد اشار الشيخ [[باقر شريف القرشي]] في كتابه [[حياة الإمام الحسن (عليه السلام)|''حياة الإمام الحسن (عليه السلام)'']] إلى اختلاف المؤرخين في تاريخ توقيع الصلح كما اختلف في مكانه فذهب جماعة من المؤرخين إلى القول بان الصلح عقد في شهر [[ربيع الأول]] من سنة 41 هجرية وهناك من حدّده ب[[ربيع الثاني]] من نفس السنة وذهب فريق ثالث إلى القول بأنه وقع في [[جمادى الأولى]].<ref>باقر شريف القرشي، حياة الحسن ص 471.</ref> | ||
سطر ٧١: | سطر ٧١: | ||
روى [[الطبري]] في تاريخه: أن معاوية قد أرسل | روى [[الطبري]] في تاريخه: أن معاوية قد أرسل إلى الحسن (عليه السلام) بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب اليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك. | ||
سطر ٧٩: | سطر ٧٩: | ||
وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر | وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر إلى القول بأنه: لاشك أن الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنهم تصرفوا في الخبر بنحو ما فاضافوا اليه من مفترياتهم؛ وذلك لان الباحث المنصف الذي يرصد الاحداث كما هي يرى أن الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد [[الشيعة]] بإمامته وعصمته رجلا ورعا يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى ان الصراع من معاوية لا يجدي نفعا ولا يعود على الأمّة الا بسفك الكثير من الدماء وان نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وان وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص160-161.</ref> | ||
سطر ٨٥: | سطر ٨٥: | ||
والأعجب من ذلك أن الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب | والأعجب من ذلك أن الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب إلى الأسطورة والسخرية منها إلى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref> | ||
وذهب بعض المؤرخين | وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأن الإمام الحسن (عليه السلام) صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم عليا، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ (عليه السلام)، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإن أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحدا، وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>راجع: تاريخ الطبري، «حوادث سنة 40»؛ ابن الأثير، الكامل، ج3، ص405، و كذا تاريخ اسلام تأليف الفياض؛ نقلاً جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref> | ||
وقد تعرض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلا: | وقد تعرض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلا: | ||
إن هؤلاء المؤرخين لم يلتفوا | إن هؤلاء المؤرخين لم يلتفوا إلى حقيقة مهمة وهي أن الإمام الحسن (عليه السلام) لو كان– حقيقة- قد ركز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة اتباعه؛ يضاف إلى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فاين خراج دارابجرد واين الكوفة؟ أليس من المناسب ان يطلب الإمام الحسن (عليه السلام) تأمين المال من خزانة الدولة في [[الشام]]؟ | ||
وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام او من مكان آخر؟ أ ليس كل ذلك يعود | وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام او من مكان آخر؟ أ ليس كل ذلك يعود إلى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم اين الشروط الاساسية التي تمثل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها | ||
الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref> | الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref> | ||
في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]] (عليه السلام) في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أن ما سجله البلاذري في تاريخه أقرب | في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]] (عليه السلام) في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أن ما سجله البلاذري في تاريخه أقرب إلى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص161-162.</ref> | ||
===متن وثيقة الصلح=== | ===متن وثيقة الصلح=== | ||
سطر ١٠٨: | سطر ١٠٨: | ||
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان، صالحه على: | بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان، صالحه على: | ||
{{Div col|2}} | {{Div col|2}} | ||
# أن يسلم إليه– | # أن يسلم إليه– إلى معاوية- ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين؟! | ||
#وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى. | #وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى. | ||
#والناس آمنون حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم. | #والناس آمنون حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم. | ||
سطر ١٢٣: | سطر ١٢٣: | ||
هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن: | هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن: | ||
{{Div col|2}} | {{Div col|2}} | ||
# يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله | # يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعإلى وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين. | ||
#ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين. | #ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين. | ||
# وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله | # وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعإلى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم. | ||
#وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا. | #وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا. | ||
#وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق. | #وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق. | ||
سطر ١٧٢: | سطر ١٧٢: | ||
===منع إراقة الدماء=== | ===منع إراقة الدماء=== | ||
أشار الإمام الحسن (عليه السلام) في إحدى خطبه | أشار الإمام الحسن (عليه السلام) في إحدى خطبه إلى إحدى مبررات الصلح مع معاوية قائلا: | ||
«إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ورأيت أَنَّ ما حَقَنَ الدِّماءَ خَيرٌ ممَّا سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم و بقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين».<ref>الأربلي، كشف الغمة، ج1، ص 571.</ref> | «إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ورأيت أَنَّ ما حَقَنَ الدِّماءَ خَيرٌ ممَّا سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم و بقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين».<ref>الأربلي، كشف الغمة، ج1، ص 571.</ref> | ||
سطر ١٨٠: | سطر ١٨٠: | ||
والملاحظ في هذه الرواية كونها تنافي ما ذكر سابقا من تخاذل رؤساء العرب وعدم استجابتهم للإمام (عليه السلام) يضاف | والملاحظ في هذه الرواية كونها تنافي ما ذكر سابقا من تخاذل رؤساء العرب وعدم استجابتهم للإمام (عليه السلام) يضاف إلى ذلك أن الرواية باكثر من سبب منها أنها مرفوعة ومعارضتها لكثير من الروايات التي تشير إلى تخاذل الناس وتراجعهم وقال (عليه السلام) في جواب [[سليمان بن صرد الخزاعي]] وجماعة من المعترضين على الصلح: لكنِّي أَرى غيرَ ما رأَيْتُمْ وما أَردتُ بما فعلْتُ إِلَّا حَقْنَ الدِّمَاء.<ref>الراوندي، تنزيه الأنبياء، ص 172.</ref> | ||
سطر ١٨٩: | سطر ١٨٩: | ||
===حفظ الدين=== | ===حفظ الدين=== | ||
من المبررات التي دعت | من المبررات التي دعت إلى الصلح والغايات التي تكمن في ذلك «حفظ [[الدين]]»؛ وذلك لان الحالة العامة للمجتمع الاسلامي إبّان تلك الفترة كانت توحي بان أصل الدين الاسلامي في خطر فيما إذا دارت الحرب بين الجانبين وأن الحرب ليست بصالح الكوفيين والشاميين على حد سواء بل تنجر إلى ضعف الجبهة الاسلامية مما يوفر الارضية المناسبة للرومان لمهاجمة بلاد المسلمين، ويؤيد ذلك ما سجّله [[اليعقوبي]] في تاريخه حيث قال: ورجع معاوية إلى الشام سنة 41هـ ق، وبلغه أن طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وإحكامه، فوجّه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار. وكان معاوية أوّل من صالح الروم.<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 144 و 145.</ref> | ||
| | ||
يضاف | يضاف إلى ذلك أن الوضع الثقافي والوعي الديني للمجتمع الاسلامي كان بنحو لا يؤمن معه عدم تأثر المسلمين سلباً وتراجعهم عن قيم الدين ومقدساته فيما اذا سالت الدماء بين المسلمين؛ ولعل ذلك هو الذي جعل الإمام الحسن (عليه السلام) يبرر صلحه بحفظ الدين وخشيته أن يجتثّ المسلمون عن وجه الأرض.<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 35.</ref> | ||
===تململ الجماهير من الحرب=== | ===تململ الجماهير من الحرب=== | ||
لا يشك المتابع لتاريخ المسلمين منذ [[الهجرة النبوية]] | لا يشك المتابع لتاريخ المسلمين منذ [[الهجرة النبوية]] إلى [[المدنية المنورة]] مروراً بعهد [[الخلفاء]] أنهم عاشوا الكثير من [[الغزوة|الغزوات]] والحروب التي طال أمد بعضها كالحروب مع الرومان والفرس وبعض الاقوام والشعوب المجاورة كما في [[الجزيرة العربية]] يضاف إلى ذلك الحروب الثلاثة التي أثيرت بوجه حكومة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام)، كل ذلك كانت له انعكاسات سلبية على روحية المسلمين عامة والمقاتلين خاصّة، وهذا ما اشار اليه [[الشيخ المفيد]] حينما سجل لنا شهادة تاريخية تكشف عن تلك الحقيقة قائلا: «وسار [[معاوية]] نحو [[العراق]] ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خف معه أخلاط من الناس...».<ref>المفيد، الإرشاد ج2، ص 6.</ref> | ||
يضاف | يضاف إلى ذلك أن الإمام الحسن (عليه السلام) عندما بويع للخلافة بعد أبيه (عليه السلام) عرض عليه الكثير من الناس ولائه ومبدين استعدادهم للقتال تحت رايته فأراد أن يختبر نوايا القوم قال لهم: «إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك». | ||
سطر ٢٠٨: | سطر ٢٠٨: | ||
وفي كلام له (عليه السلام) قال فيه: «إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصّه من القتل، فرأيت دفع هذه الحروب | وفي كلام له (عليه السلام) قال فيه: «إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصّه من القتل، فرأيت دفع هذه الحروب إلى يوم ما».<ref>الدينوري، أخبار الطوال، ص 220.</ref> | ||
===خطر الخوارج=== | ===خطر الخوارج=== | ||
كتب [[ابن عربي]] صاحب كتاب [[أحكام القرآن]] مشيراً | كتب [[ابن عربي]] صاحب كتاب [[أحكام القرآن]] مشيراً إلى خطر الخوارج: «وعمل الحسن رضي الله عنه بمقتضى حاله ، فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه، وكان ذلك بأسباب سماوية، ومقادير أزلية، ومواعيد من الصادق صادقة، ومنها ما رأى من تشتت آراء من معه، ومنها أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه، وعلم أنّه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليها معاوية».<ref>ابن عربي، أحكام القرآن، ج 3 ص 152.</ref> | ||
===عدم توازن القوى=== | ===عدم توازن القوى=== | ||
سطر ٢٢٥: | سطر ٢٢٥: | ||
وحينما فشل الكوفيون في الاختبار الذي أعدّه الإمام الحسن (عليه السلام) وما بدر منهم من ردود فعل تكشف عن عدم ولائهم الحقيقي للإمام الحسن (عليه السلام) وحينما كتبوا | وحينما فشل الكوفيون في الاختبار الذي أعدّه الإمام الحسن (عليه السلام) وما بدر منهم من ردود فعل تكشف عن عدم ولائهم الحقيقي للإمام الحسن (عليه السلام) وحينما كتبوا إلى معاوية مبدين استعدادهم لتسليم الحسن (عليه السلام) له متى شاء. وعندما خانه [[عبيد الله بن العباس]] والتحق بمعاوية مقابل حفنة من المال، إزدادت بصيرته (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكّمة– الخوارج- فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.<ref>المفيد،الإرشاد، ج2، ص 10.</ref> | ||
سطر ٢٣٩: | سطر ٢٣٩: | ||
ولم يف معاوية بكل بنود الصلح بما فيها البند الأول ومع ذلك بقي الإمام (عليه السلام) رغم ما تعرض من ضغوط من قبل شيعته تتطالبه برفض المعاهدة ومصرة على أنّ الاتفاقية سقطت لعدم وفاء معاوية بما اشترط عليه الإمام (عليه السلام) من شروط، ومن مصاديق عدم وفائه بفقرات الصلح ومخالفته لسنة [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|الرسول]] (صلى الله عليه وآله) «الحاقه زياد بأبي سفيان» وهو مخالف لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) «الولد للفراش وللعاهر الحجر» و«إقامة [[صلاة الجمعة]] يوم الاربعاء»،<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 192.</ref> و«تعطيل الحدود» و«تجويز [[الربا]]» و«الأذان لصلاة العيد» و«[[الخطبة]] قبل [[صلاة العيد]]» بالإضافة | ولم يف معاوية بكل بنود الصلح بما فيها البند الأول ومع ذلك بقي الإمام (عليه السلام) رغم ما تعرض من ضغوط من قبل شيعته تتطالبه برفض المعاهدة ومصرة على أنّ الاتفاقية سقطت لعدم وفاء معاوية بما اشترط عليه الإمام (عليه السلام) من شروط، ومن مصاديق عدم وفائه بفقرات الصلح ومخالفته لسنة [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|الرسول]] (صلى الله عليه وآله) «الحاقه زياد بأبي سفيان» وهو مخالف لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) «الولد للفراش وللعاهر الحجر» و«إقامة [[صلاة الجمعة]] يوم الاربعاء»،<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 192.</ref> و«تعطيل الحدود» و«تجويز [[الربا]]» و«الأذان لصلاة العيد» و«[[الخطبة]] قبل [[صلاة العيد]]» بالإضافة إلى الكذب ووضع الحديث و...».<ref>القرشي، حياة الحسن ترجمة حجازي،ص 410 ـ 402.</ref> ومن [[البدع]] التي قام بها معاوية استخلافه ابنه [[يزيد بن معاوية|يزيد]] كخليفة على المسلمين وبهذا يكون قد نقض الفقرة الثانية من المعاهدة.<ref>راضي ياسين، صلح الحسن، ص 409.</ref> | ||
سطر ٢٤٨: | سطر ٢٤٨: | ||
أما مخالفته للفقرة الخامسة من الصلح فتمثلت بما كتبه معاوية | أما مخالفته للفقرة الخامسة من الصلح فتمثلت بما كتبه معاوية إلى عماله: «انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان»، ثم كتب كتاباً آخر: «من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فاقتلوه!!». وفي رواية أخرى أمر بحبسه وهدم داره.<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 568.</ref> | ||
يضاف | يضاف إلى ذلك محاولات الاغتيال غير الناجحة التي دبرها معاوية– أكثر من مرّة- للتخلص من الإمام الحسن (عليه السلام) بالسمّ تارة والقتل أخرى.<ref>المفيد، الإرشاد، ص 357.</ref> ولمّا أعيته السبل وجد معاوية في [[جعدة بنت محمد]] بن الأشعث الكندي لتكون هي الأداة المناسبةـ بكافة المواصفاتـ لتنفيذ الجريمة، فاستطاع معاوية أن يتصل بجعدة وراح يعرض عليها الإغراءات المادية ويحدثها عن الأموال الطائلة والضياع والثروة التي سيعطيها إيّاها ووعدها أيضاً بتزويجها من ابنه يزيد... ولكن بشرط أن تدسّ السم إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، ففعلت ذلك.<ref>المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 13.</ref> وبهذا يكون معاوية قد نقض الفقرة الاخيرة من الصلح ولم يف بواحد منها. | ||
==مصنفات حول صلح الإمام الحسن(عليه السلام)== | ==مصنفات حول صلح الإمام الحسن(عليه السلام)== |