مستخدم مجهول
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الصراط»
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Foad لا ملخص تعديل |
imported>Foad لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''الصراط''' في معناه الأصليّ ـ على [[الطريق]] . وهو طريق خاصّ بسِماته ومزاياه، لا كسائر الطرق. إنّه الطريق الذي من شأنه أن يضمّ سالكيه ويطويهم في متنه. | '''الصراط''' في معناه الأصليّ ـ على [[الطريق]]. وهو طريق خاصّ بسِماته ومزاياه، لا كسائر الطرق. إنّه الطريق الذي من شأنه أن يضمّ سالكيه ويطويهم في متنه. | ||
==معنى الصراط== | ==معنى الصراط== | ||
في معناه الأصليّ | في معناه الأصليّ ــ على الطريق. وهو طريق خاصّ بسِماته ومزاياه، لا كسائر الطرق. إنّه الطريق الذي من شأنه أن يضمّ سالكيه ويطويهم في متنه. ومن شأنه ـ استمداداً من مادّة «صَرَطَ» اللغويّة ــ أن «يصرط» السائرين فيه ويبتلعهم، فلا يفكّهم حتّى يوصلهم إلى خاتمته ونهايته؛ إذ الصِّراط والسِّراط ــ ولهما دلالة واحدة ــ مشتّقان من «صرط» و «سرط» بمعنى: ابتلع وازدرد. وفي السّرط والابتلاع دلالة على التغييب والإخفاء، ممّا يوحي بأنّ الصراط يغيّب المارّين فيه ويصبغهم بصبغته المتميّزة.<ref>القاموس المحيط مادة «سرط» و «صرط“. </ref>. | ||
==الصراط في القرآن== | ==الصراط في القرآن== | ||
وصف [[القرآنُ الكريم]] الطريقَ الحقَّ الذي يوصل إلى لقاء الله تعالى بالاستقامة؛ وقد ورد هذا الوصف في [32] موضعاً منه . <ref>المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مادة «صرط“ | وصف [[القرآنُ الكريم]] الطريقَ الحقَّ الذي يوصل إلى لقاء الله تعالى بالاستقامة؛ وقد ورد هذا الوصف في [32] موضعاً منه. <ref>المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مادة «صرط“. </ref> كما نصّ على نعت «السَّويّ» للصراط في موضعين من آياته الشريفة. <ref>سورة طه: آية 135 ، سورة مريم: آية 43. </ref>؛تمييزاً لصراط الحقّ عن صراط الباطل.. الذي لابدّ أن يكون طريقاً أعوج، يبتلع أيضاً الداخلين فيه ويغيّبهم في أعماق ظلماته، ثمّ يمضي بهم في انحرافه واعوجاجه فلا يُفضي في النهاية إلاّ على بوّابة [[الجحيم]]. من هنا وُصِف الصراط الأعوج بـ «صراط الجحيم» في قوله تعالى: ” { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } “. <ref>سورة الصافّات: آية 23 .</ref>. | ||
==أستقامة الصراط== | ==أستقامة الصراط== | ||
اقترن صراط الحقّ بصفة [[الاستقامة]] . وهذه [[الصفة]] لها دلالة على التوسّط و [[الاعتدال]] في [[الحركة]] و [[المسير]] ، فلا مَزلّة إلى يمين ولا مَضلّة إلى شمال. وله كذلك دلالة على معنى السرعة في بلوغ الغاية الكبرى؛ ذلك أنّ استقامة الخطّ تجعله أقصر مسافة بين مبدئه ومنتهاه.. في حين يَسِم الاعوجاجُ الطريقَ بِسمات الطول والبطء والانحراف. | اقترن صراط الحقّ بصفة [[الاستقامة]]. وهذه [[الصفة]] لها دلالة على التوسّط و [[الاعتدال]] في [[الحركة]] و [[المسير]] ، فلا مَزلّة إلى يمين ولا مَضلّة إلى شمال. وله كذلك دلالة على معنى السرعة في بلوغ الغاية الكبرى؛ ذلك أنّ استقامة الخطّ تجعله أقصر مسافة بين مبدئه ومنتهاه.. في حين يَسِم الاعوجاجُ الطريقَ بِسمات الطول والبطء والانحراف. | ||
==دقة الصراط وحدّته== | ==دقة الصراط وحدّته== | ||
يوصف الصراط | يوصف الصراط ــ إضافةً إلى الاستقامة ــ بصفتين أُخريَين تكشفان عن واقعيّة دقيقة، إذ قالت عنه روايات النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين بأنّه «أدقّ من الشَّعرة، وأحدّ من السيف». فكيف يكون صراط الله المستقيم على هذه الشاكلة من الدقّة الدقيقة والحدّة الحادّة؟ وماذا تعني هاتان الصفتان في حاضر الإنسان وفي مستقبله حين يدخل في حقائق [[القيامة]] المنكشفة.؟ | ||
==الصراط صراطان== | ==الصراط صراطان== | ||
لابدّ من التنويه أوّلاً بهذه الحقيقة، وهي أنّ الصراط المستقيم صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة. يقول الإمام الحسن العسكري {{ع}} | لابدّ من التنويه أوّلاً بهذه الحقيقة، وهي أنّ الصراط المستقيم صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة. يقول الإمام الحسن العسكري {{ع}} عن هذين الصراطين: «.. فأمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قَصُر عن الغلوّ، وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يَعدِل إلى شيء من الباطل. وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة... الذي هو مستقيم» <ref>بحار الأنوار، ج 24، ص9، ح 1. </ref>. | ||
وهذا ممّا يكشف لنا سريعاً عن ارتباط الصراط بالمنهج [[الإلهيّ]] الذي أعدّه الله لتتعرّف عليه [[البشرية]] وتهتدي به في الحركة الصاعدة المتقدّمة دوماً إلى الأمام، والذي كان حُجج الله من أنبياء وأوصياء سلام الله عليهم هم الداعين إليه والدالّين عليه | وهذا ممّا يكشف لنا سريعاً عن ارتباط الصراط بالمنهج [[الإلهيّ]] الذي أعدّه الله لتتعرّف عليه [[البشرية]] وتهتدي به في الحركة الصاعدة المتقدّمة دوماً إلى الأمام، والذي كان حُجج الله من أنبياء وأوصياء سلام الله عليهم هم الداعين إليه والدالّين عليه. | ||
==صراط الدنيا== | ==صراط الدنيا== | ||
الواقع أنّ المضمون [[الدينيّ]] [[المقدس]] ـ بما يتضمّن من التزام ومن رفض ـ ينبغي أن يصبغ بصبغته الأصيلة حياة الفرد وحياة الأمة، وهو الذي يغيّبهم في نوره وسعادته إذا نَهجوا فيه.. حتّى يبلّغهم [[الكمال]] اللائق المطلوب، فإذا هم بشر أسوياء. وهذا هو صراطهم في الدنيا. | الواقع أنّ المضمون [[الدينيّ]] [[المقدس]] ـ بما يتضمّن من التزام ومن رفض ـ ينبغي أن يصبغ بصبغته الأصيلة حياة الفرد وحياة الأمة، وهو الذي يغيّبهم في نوره وسعادته إذا نَهجوا فيه.. حتّى يبلّغهم [[الكمال]] اللائق المطلوب، فإذا هم بشر أسوياء. وهذا هو صراطهم في الدنيا. | ||
الآيات القرآنية أبانت هذه المعانيّ، وشوّقت للسلوك في طريق الاستقامة والاستواء | الآيات القرآنية أبانت هذه المعانيّ، وشوّقت للسلوك في طريق الاستقامة والاستواء ــ بما يستكنّ فيه من بهجة ونور ــ في مثل قوله عزّوجل: ” { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } “. <ref>سورة آل عمران: آية101 . </ref> وفي قوله على لسان أحد الأنبياء عليهم السّلام: ” { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } “ <ref>سورة آل عمران: آية51 . </ref> ، وفي مثل خطابه المقدّس: ” { وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا } “. <ref> سورة الأنعام : آية 126 .</ref> ، وقوله مخاطباً النبيّ الخاتم صلّى الله عليه وآله: ” { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } “ <ref> سورة المؤمنون : آية 73 .</ref> . وكما تكون الهداية إلى الصراط هدايةَ [[إبانةٍ]] و [[كشف]]، تكون هداية إيصال وإبلاغ.. عبّر عنها قول الحقّ تعالى: ” { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } “ <ref> سورة الحجّ : آية 24 . </ref>. | ||
===تحذير من الأنزلاق=== | ===تحذير من الأنزلاق=== | ||
إنّ الكشف عن سبيل الحقّ والهداية إلى [[الصراط المستقيم]] يستبطن تحذيراً من مفارقة [[الاستقامة]] ، وتحذيراً من التفرّق ذات اليمين وذات الشمال.. فتزلّ قدم بعد ثبوتها. إحدى آيات القرآن المجيد نصّت على هذا التحذير الناهي عن الانزلاق من جادّة الصراط والانجرافَ في تيّارات [[السبل]] الأخرى الملتوية المضلِّلة. تقول آية سورة الأنعام: ” { وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبِعُوه ولا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بكم عن سبيلهِ “ } <ref> سورة الأنعام : آية 153 . </ref> | إنّ الكشف عن سبيل الحقّ والهداية إلى [[الصراط المستقيم]] يستبطن تحذيراً من مفارقة [[الاستقامة]]، وتحذيراً من التفرّق ذات اليمين وذات الشمال.. فتزلّ قدم بعد ثبوتها. إحدى آيات القرآن المجيد نصّت على هذا التحذير الناهي عن الانزلاق من جادّة الصراط والانجرافَ في تيّارات [[السبل]] الأخرى الملتوية المضلِّلة. تقول آية سورة الأنعام: ” { وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبِعُوه ولا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بكم عن سبيلهِ “ } <ref> سورة الأنعام : آية 153 . </ref>. | ||
ولا ريب أنّ التفرّق عن سبيل الله هو تفرّق عن الصراط المستقيم. وهذا يستتبع ـ لا | ولا ريب أنّ التفرّق عن سبيل الله هو تفرّق عن الصراط المستقيم. وهذا يستتبع ـ لا محالةـ اتّباعَ السبل الأخرى.. ممّا يجعل [[الإنسان]] يهوي في انتكاسة [[وجوديّة]] مدمِّرة تنقله من حالة الإنسان المعتدل السويّ الناهج منهج الكمال الإنسانيّ، إلى حالة [[انقلاب]] الموازين واضطراب الرؤية والانكفاء عن [[الحقيقة]] الوجوديّة الأصيلة. وهذه المقارنة بين النهجين تكشف عنها آية من سورة المُلك: ” { أفَمَن يَمشي مُكِبّاً على وجهِه أهدى أم مَن يَمشي سَويّاً على صراطٍ مستقيم “ } <ref> سورة الملك : آية 22 . </ref> ؟! | ||
===لكلٌ صراط=== | ===لكلٌ صراط=== | ||
الإنسان [[المؤمن]] يسلك ـ إذَن | الإنسان [[المؤمن]] يسلك ـ إذَن ــ خلال حياته في صراط. ولكلّ فرد صراطه الخاصّ.. الذي يتّخذ سَعتَه أو ضِيقه من مدى انفتاح صاحبه ــ ظاهراً وباطناً ــ على منهج [[الحقّ]]، ومن مدى اقترانه بالصدق. والمفروض أنّ المؤمن يحسّ بصراطه ويرى درب المسير الذي يصونه من التلفّت إلى غير منهج الله. وهو يستطيع أن يقيس سعة صراطه الخاصّ وضيقه بمقدار الحقّ فيما يعتقد، وبمقدار الصدق فيما يعمل ويمارس.. أي: بمقدار استمساكه بعقيدة [[الولاية]] و [[البراءة]] الإلهيّة (أو الالتزام والرفض).. فيُعظِّم ما عظّمَ اللهُ، ويُهوِّن ما هوّن اللهُ، في تفصيلات حياته، وفي دقائق سيرته اليوميّة المتجدّدة. | ||
==صراط الأخرة== | ==صراط الأخرة== | ||
صراط الإنسان في [[الدنيا]] هذا.. سوف يتجلّى يوم القيامة: جسراً ممدوداً على متن جهنّم، لابدّ للوصول إلى نعيم [[الجِنان]] من المرور عليه. معنى هذا: أنّ الصراط الأُخرويّ هو امتداد لصراط الإنسان في حياته الأرضيّة، بل هو نفسه قد تجسّد ظاهراً للعيان في [[عالم الانكشاف]] الأخرويّ المبين. | صراط الإنسان في [[الدنيا]] هذا.. سوف يتجلّى يوم القيامة: جسراً ممدوداً على متن جهنّم، لابدّ للوصول إلى نعيم [[الجِنان]] من المرور عليه. معنى هذا: أنّ الصراط الأُخرويّ هو امتداد لصراط الإنسان في حياته الأرضيّة، بل هو نفسه قد تجسّد ظاهراً للعيان في [[عالم الانكشاف]] الأخرويّ المبين. | ||
وهو جسر تصفه الروايات بأنّه مظلم، يسعى الناس عليه على قدر أنوارهم. ويصوّر حديث للإمام الصادق {{ع}} مسير الناس آنذاك على الصراط: | وهو جسر تصفه الروايات بأنّه مظلم، يسعى الناس عليه على قدر أنوارهم. ويصوّر حديث للإمام الصادق {{ع}} مسير الناس آنذاك على الصراط: | ||
«هو أدقّ من الشَّعرة، وأحدّ من [[السيف]] : | «هو أدقّ من الشَّعرة، وأحدّ من [[السيف]]: | ||
فمنهم مَن يمرّ عليه مثلَ [[البرق]] . | فمنهم مَن يمرّ عليه مثلَ [[البرق]]. | ||
ومنهم مَن يمرّ عليه مثلَ عَدْو [[الفَرَس]] . | ومنهم مَن يمرّ عليه مثلَ عَدْو [[الفَرَس]]. | ||
ومنهم من يمرّ عليه [[ماشياً]] . | ومنهم من يمرّ عليه [[ماشياً]]. | ||
ومنهم من يمرّ عليه [[حَبْواً]] . | ومنهم من يمرّ عليه [[حَبْواً]]. | ||
ومنهم من يمرّ عليه متعلّقاً.. فتأخذ [[النار]] منه شيئاً، وتترك منه شيئاً» <ref> أمالي الصدوق ، ص149 ، ح4 . </ref> . | ومنهم من يمرّ عليه متعلّقاً.. فتأخذ [[النار]] منه شيئاً، وتترك منه شيئاً» <ref> أمالي الصدوق ، ص149 ، ح4 . </ref>. | ||
وهذا المرور مَنوط ـ سرعةً وبُطءً ـ بقدر [[نور]] المارّين، وتتفاوت سرعة المشي بتفاوت نور [[اليقين]] ، ذلك أنّ المعرفة اليقينيّة والأعمال الخالصة هي في حقيقتها الوجوديّة أنوار، ولا يسعى المؤمنون إلى لقاء الله إلاّ بقوّة أنوارهم.. قال تعالى: ” { يومَ تَرى المؤمنينَ والمؤمناتِ يَسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمانِهم “ } <ref> سورة الحديد : آية12 . </ref> | وهذا المرور مَنوط ـ سرعةً وبُطءً ـ بقدر [[نور]] المارّين، وتتفاوت سرعة المشي بتفاوت نور [[اليقين]] ، ذلك أنّ المعرفة اليقينيّة والأعمال الخالصة هي في حقيقتها الوجوديّة أنوار، ولا يسعى المؤمنون إلى لقاء الله إلاّ بقوّة أنوارهم.. قال تعالى: ” { يومَ تَرى المؤمنينَ والمؤمناتِ يَسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمانِهم “ } <ref> سورة الحديد : آية12 . </ref>. | ||
والنور هناك ليس «بكثرة الأعمال. إنّما النور بعِظَم نور الأعمال. وإنّما يَعظُم نور العمل على قدر ما في [[القلب]] من نور القُربة. وكلّ نور أقرب إلى الله فهو أقوى وأنوَر. فكم مِن رجُل قلّ عمله هناك، سبق إلى الجنّة مَن هو أربى منه أضعافاً مضاعفة. ألاَ ترى إلى قوله {{صل}} لمعاذ بن جبل: خلِّص.. يَكفِك القليل من العمل »<ref>أسرار الآيات ، ص195 .</ref> . | والنور هناك ليس «بكثرة الأعمال. إنّما النور بعِظَم نور الأعمال. وإنّما يَعظُم نور العمل على قدر ما في [[القلب]] من نور القُربة. وكلّ نور أقرب إلى الله فهو أقوى وأنوَر. فكم مِن رجُل قلّ عمله هناك، سبق إلى الجنّة مَن هو أربى منه أضعافاً مضاعفة. ألاَ ترى إلى قوله {{صل}} لمعاذ بن جبل: خلِّص.. يَكفِك القليل من العمل »<ref>أسرار الآيات ، ص195 .</ref> . | ||
سطر ٥٠: | سطر ٥٠: | ||
إنّ النور القرآنيّ نور حيّ شاخص في الواقع. وتحذير [[القرآن]] من ظلمة الكفر و [[الفسوق]] و [[العصيان]] هو تحذير من ظلمة كائنة لها وجود؛ لكنّ خَدَر الظلام ربّما يشتمل على الإنسان ويحيط به، فلا يشعر بسواده الخانق في غالب الحالات. | إنّ النور القرآنيّ نور حيّ شاخص في الواقع. وتحذير [[القرآن]] من ظلمة الكفر و [[الفسوق]] و [[العصيان]] هو تحذير من ظلمة كائنة لها وجود؛ لكنّ خَدَر الظلام ربّما يشتمل على الإنسان ويحيط به، فلا يشعر بسواده الخانق في غالب الحالات. | ||
أمّا أهل النور.. فإنّهم يحسّون بالانكشاف والبهجة، فيمنحهم هذا النور رؤية واضحة دقيقة يبصرون بها يوميّات حياتهم، ويعرفون بوضوحٍ معتقداتهم، ويشخّصون بجلوة ـ أجلى من ضوء النهار ـ مواقفهم . | أمّا أهل النور.. فإنّهم يحسّون بالانكشاف والبهجة، فيمنحهم هذا النور رؤية واضحة دقيقة يبصرون بها يوميّات حياتهم، ويعرفون بوضوحٍ معتقداتهم، ويشخّصون بجلوة ـ أجلى من ضوء النهار ـ مواقفهم . | ||
إنّهم مُتشبِّعون باليقين و [[الإخلاص]] ، ومتنوِّرون من الداخل بجمال [[التوحيد]] في المعتقد وفي العمل.. فهم يمشون في حياتهم: في النور، ومن خلال النور، ويغذّون السير تلقاء عوالم من النور أرقى وأسمى . | إنّهم مُتشبِّعون باليقين و [[الإخلاص]]، ومتنوِّرون من الداخل بجمال [[التوحيد]] في المعتقد وفي العمل.. فهم يمشون في حياتهم: في النور، ومن خلال النور، ويغذّون السير تلقاء عوالم من النور أرقى وأسمى. | ||
==الصراط والطغيان== | ==الصراط والطغيان== | ||
[[الطغيان]] و [[الاستكبار]] على الله سبحانه | [[الطغيان]] و [[الاستكبار]] على الله سبحانه ــ في التعبير القرآنيّ ــ من لوازم الخروج عن استقامة الصراط والوقوع في المزلاّت: ” { فاستَقِمْ كما أُمِرتَ ومَن تابَ معك ولا تَطْغَوا، إنّه بما تعملون بصير “ } <ref> سورة طه : آية81 . </ref> | ||
ومَن ينحرف عن صراط الله ويَتَعدَّ حدوده فإنّما يكون قد تمرّد على الله. والتمرّد يعني | ومَن ينحرف عن صراط الله ويَتَعدَّ حدوده فإنّما يكون قد تمرّد على الله. والتمرّد يعني ــ فيما يعني ــ أن يطغى المرء ويرى نفسه ــ عامداً أم غير عامد ــ أكبر من أن يُسالم الله ويتطامن لربوبيّته، فيكون قد استكبر على الله.. تماماً كما فعل [[إبليس]] من قبلُ لمّا طغى واستكبر على الله، فكان أباً لكلّ طغيان ولكلّ استكبار. | ||
==أدق من الشعًر و أحدّ من السيف== | ==أدق من الشعًر و أحدّ من السيف== | ||
ما من شكّ أنّ التمسّك بالحقّ والالتزام بالموقف التوحيديّ الراسخ | ما من شكّ أنّ التمسّك بالحقّ والالتزام بالموقف التوحيديّ الراسخ ــ بما يتطلّب من البراءة والرفض لكلّ مُطاع من دون الله، أفكاراً أم أشخاصاً أم أعمالاً ــ إنّما يشبه المشي في طريق ضيّق شديد الضِّيق، حادّ بارز الحدّة.. كأنّما هو نصلة سيف! وهذا يذكّر بالنصوص التي تنعت طريق الحقّ بأنّه محفوف بالمكارِه <ref>بحار الأنوار ، ج71 ، ص72 ، ح16 </ref> ، وبأنّ القابضين على دينهم كالقابضين على الجمر <ref>الكافي ، ج2 ، ص216 ، ح2 </ref>. | ||
إلى جوار هذا.. فإنّ نهج الصراط التوحيديّ نفسه ـ بصرف النظر عن الظروف الخارجيّة ـ يتّسم بدقّة دقيقة ورهافة شديدة، لا يبلغ درجاتها العالية ومَراقيها الرفيعة إلاّ أهل [[الصدق ]] وأهل الإصرار على مواصلة الطريق. | إلى جوار هذا.. فإنّ نهج الصراط التوحيديّ نفسه ـ بصرف النظر عن الظروف الخارجيّة ـ يتّسم بدقّة دقيقة ورهافة شديدة، لا يبلغ درجاتها العالية ومَراقيها الرفيعة إلاّ أهل [[الصدق ]] وأهل الإصرار على مواصلة الطريق. | ||
إنّ السعي الإنسانيّ على الصراط ينبغي أن يكون سعياً موسوماً بالإقبال والإخلاص. والسلوك فيه بغيرهما لا يكون إلاّ شكلاً ظاهريّاً لا يُغني في عالم الحقائق شيئاً. معنى هذا: أن السلوك الديني لابدّ أن يكون نابعاً من بصيرة، صادراً عن همّة عالية مقبلة على الله. مِن أجل هذا كان الإذعان لمظاهر الدين بسبب الإكراه ممّا لا جدوى فيه ولا نجاة معه. ومن أجل هذا كان لا إكراه في [[الدِّين]] بعدما تَبيّنَ الرُّشدُ من الغَيّ. <ref> سورة البقرة : آية 256 . </ref> . | إنّ السعي الإنسانيّ على الصراط ينبغي أن يكون سعياً موسوماً بالإقبال والإخلاص. والسلوك فيه بغيرهما لا يكون إلاّ شكلاً ظاهريّاً لا يُغني في عالم الحقائق شيئاً. معنى هذا: أن السلوك الديني لابدّ أن يكون نابعاً من بصيرة، صادراً عن همّة عالية مقبلة على الله. مِن أجل هذا كان الإذعان لمظاهر الدين بسبب الإكراه ممّا لا جدوى فيه ولا نجاة معه. ومن أجل هذا كان لا إكراه في [[الدِّين]] بعدما تَبيّنَ الرُّشدُ من الغَيّ. <ref> سورة البقرة : آية 256 . </ref> . | ||
ومن هنا كان ظاهر [[الإيمان]] الذي يتستّر على غير الإيمان ـ وهو النفاق ـ ممّا لا خير فيه، بل هو وَبال على أهله وزيادة في الكفر. | ومن هنا كان ظاهر [[الإيمان]] الذي يتستّر على غير الإيمان ـ وهو النفاق ـ ممّا لا خير فيه، بل هو وَبال على أهله وزيادة في الكفر. | ||
==أحاديث مختارة== | ==أحاديث مختارة== | ||
*الإمام عليّ عليه السّلام: اليمين والشمال مَضَلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة: عليها باقي [[الكتاب]] وآثار [[النبوّة]] ، ومنها مَنفَذ السنّة، وإليها مصير العاقبة <ref>نهج البلاغة، الخطبة 16 .</ref>. | *الإمام عليّ عليه السّلام: اليمين والشمال مَضَلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة: عليها باقي [[الكتاب]] وآثار [[النبوّة]]، ومنها مَنفَذ السنّة، وإليها مصير العاقبة <ref>نهج البلاغة، الخطبة 16 .</ref>. | ||
*الإمام الصادق {{ع}}: إنّ الناس أخذوا يميناً وشمالاً، وإنّا وشيعتنا هُدِينا الصراطَ المستقيم <ref>الكافي ج2 : ص246 ،ح 5 .</ref>. | *الإمام الصادق {{ع}}: إنّ الناس أخذوا يميناً وشمالاً، وإنّا وشيعتنا هُدِينا الصراطَ المستقيم <ref>الكافي ج2 : ص246 ،ح 5 .</ref>. | ||
*رسول الله {{صل}} : الصراط أدقّ من الشَّعرة، وأحدّ من السيف <ref> بحار الأنوار ج8 : ص65 ، ح2 . </ref> . | *رسول الله {{صل}}: الصراط أدقّ من الشَّعرة، وأحدّ من السيف <ref> بحار الأنوار ج8 : ص65 ، ح2 . </ref>. | ||
*رسول {{صل}} :... فمنهم مَن يمضي عليه كلمح البرق، ومنهم مَن يمضي عليه كمَرِّ الريح، ومنهم مَن يُعطى نوراً إلى موضع قدمه، ومنهم مَن يحبو حبواً وتأخذ النار منه بذنوبٍ أصابها <ref>كنز العمّال، ح 39036 . </ref> . | *رسول {{صل}}: ... فمنهم مَن يمضي عليه كلمح البرق، ومنهم مَن يمضي عليه كمَرِّ الريح، ومنهم مَن يُعطى نوراً إلى موضع قدمه، ومنهم مَن يحبو حبواً وتأخذ النار منه بذنوبٍ أصابها <ref>كنز العمّال، ح 39036 . </ref>. | ||
==الهوامش== | ==الهوامش== | ||
{{مراجع|2 }} | {{مراجع|2 }} | ||
==المصادر== | ==المصادر== | ||
*القرآن الكريم . | *القرآن الكريم. | ||
* | *الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، تفسير الأمثل، مدرسة الإمام علي {{ع}}، ج1، ط1، قم ـ أيران، 1426 هـ. | ||
* | * الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ج1 ، ط1، بَيروت ـ لبنان، 1997م ـ 1417هـ. | ||
* | * القمي، علي بن أبراهيم، تفسير القمي، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، ج1، ط3، قم ـ أيران، 1404 هـ. | ||
* | * السبزواري، سيد عبد الأعلى الموسوي، مواهب الرّحمن في تفسير القرآن، مطبعة نكين، ج1، ط5، قم ـ أيران، 1431 هـ ـ 2010م. | ||
* | *الطباطبائي، محمد حسين،تفسير البيان في الموافقة بين الحديث والقرآن، دار التعارف للمطبوعات، ج1 ، ط1 ،بَيروت ـ لبنان، 1427هـ ـ 2006م. | ||
==وصلات خارجية== | ==وصلات خارجية== |