مستخدم مجهول
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الغلو»
ط
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Ahmadnazem |
imported>Ahmadnazem طلا ملخص تعديل |
||
سطر ٣٠: | سطر ٣٠: | ||
ورد لفظ الغلو في [[القرآن الكريم]] في موضعين: | ورد لفظ الغلو في [[القرآن الكريم]] في موضعين: | ||
الأول: قوله تعالى: {{قرآن|يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوْا فِيْ دِيْنِكُمْ وَلاَ تَقُوْلُوْا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيْحُ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُوْلُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوْحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوْا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُوْلُوْا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوْا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيْلاً}}.<ref>النساء: 171.</ref> | |||
بيّن أغلب المفسرين هذه الآية ومن بينهم [[السيد الطباطبائي]] في تفسير الميزان على أن ظاهر الخطاب بقرينة ما يذكر فيه من أمر [[المسيح]] عليه السلام أنه خطاب [[النصارى|للنصارى]]، وإنما خوطبوا بأهل الكتاب -وهو لفظ مشترك- اشعاراً بأن تسميتهم [[أهل الكتاب|بأهل الكتاب]] يقتضي أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزله [[الله]] وبيّنه في كتبه. وربما أمكن أن يكون خطاباً لليهود والنصارى جميعاً. وقوله "إنما عيسى ابن [[مريم]]" تصريح بالاسم واسم الأم ليكون أبعد عن التفسير والتأويل بأي معنى مغاير وليكون دليلاً على كونه انسان ذي أم.<ref>الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 151.</ref> | بيّن أغلب المفسرين هذه الآية ومن بينهم [[السيد الطباطبائي]] في تفسير الميزان على أن ظاهر الخطاب بقرينة ما يذكر فيه من أمر [[المسيح]] عليه السلام أنه خطاب [[النصارى|للنصارى]]، وإنما خوطبوا بأهل الكتاب -وهو لفظ مشترك- اشعاراً بأن تسميتهم [[أهل الكتاب|بأهل الكتاب]] يقتضي أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزله [[الله]] وبيّنه في كتبه. وربما أمكن أن يكون خطاباً لليهود والنصارى جميعاً. وقوله "إنما عيسى ابن [[مريم]]" تصريح بالاسم واسم الأم ليكون أبعد عن التفسير والتأويل بأي معنى مغاير وليكون دليلاً على كونه انسان ذي أم.<ref>الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 151.</ref> | ||
الثاني: قوله تعالى: {{قرآن|قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ}}.<ref>المائدة: 77.</ref> | |||
ويظهر هنا خطاب آخر [[النبي|للنبي]] [[محمد]] صلى الله عليه وآله بأمره أن يدعو أهل الكتاب إلى عدم الغلو في دينهم. والغالي المتجاوز عن الحد بالإفراط. ويقابله الفالي في طرف التفريط.<ref>الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 6، ص 76.</ref> | ويظهر هنا خطاب آخر [[النبي|للنبي]] [[محمد]] صلى الله عليه وآله بأمره أن يدعو أهل الكتاب إلى عدم الغلو في دينهم. والغالي المتجاوز عن الحد بالإفراط. ويقابله الفالي في طرف التفريط.<ref>الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 6، ص 76.</ref> | ||
سطر ٤٦: | سطر ٤٦: | ||
ورد الغلو في كلمات أئمة [[أهل البيت]] عليهم السلام عدد وافر من النصوص الروائية التي نهت وحذرت من المغالاة فيهم عليهم السلام، والارتفاع بهم إلى مقام [[الألوهية]] و[[الربوبية]]. نشير إلى بعضها: | ورد الغلو في كلمات أئمة [[أهل البيت]] عليهم السلام عدد وافر من النصوص الروائية التي نهت وحذرت من المغالاة فيهم عليهم السلام، والارتفاع بهم إلى مقام [[الألوهية]] و[[الربوبية]]. نشير إلى بعضها: | ||
قال [[أمير المؤمنين]] [[علي ابن أبي طالب]] عليه السلام: " | قال [[أمير المؤمنين]] [[علي ابن أبي طالب]] عليه السلام: "يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي: مُحبٌ مفرط ومبغض مفرط، وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى ابن مريم عليه السلام من النصارى. قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). المائدة: 116 – 117. ثم قال: فمن ادّعى للأنبياء ربوبية، وادّعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة، فنحن منه براء في الدنيا والآخرة".<ref>الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 217، الباب 46، ح، 1.</ref> | ||
عن الفضيل بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله [[الصادق]] عليه السلام يقول: " | عن الفضيل بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله [[الصادق]] عليه السلام يقول: "اتقوا الله وعظموا الله، وعظموا [[رسول الله]] صلى الله عليه وآله. ولا تفضلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله أحداً، فإن الله سبحانه وتعالى فضّله. وأحبّوا أهل بيت نبيكم حبّاً مقتصداً ولا تغلو ولا تفرقوا. ولا تقولوا ما لا نقول. فإنكم إن قلتم وقلنا، ومتم ومتنا، ثم بعثكم الله وبعثنا، فكنا حيث يشاء الله وكنتم".<ref>الحميري، قرب الإسناد، الحديث، 452، ص 129.</ref> | ||
وقال صالح بن سهل، كنت أقول في الصادق عليه السلام ما تقول الغلاة، فنظر إليّ وقال: " | وقال صالح بن سهل، كنت أقول في الصادق عليه السلام ما تقول الغلاة، فنظر إليّ وقال: "ويحك يا صالح، إنّا والله عبيدٌ مخلوقون لنا ربٌّ نعبده، وإن لم نعبده عذّبنا".<ref>المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 347.</ref> | ||
يتضح من مجموع هذه الروايات التي ذكرناها أن المراد من الغلو عند [[أهل البيت]] عليهم السلام هو مجاوزة الحدود والارتفاع بهم إلى مقام الألوهية. كما يظهر من هذه الروايات التي تنهي عن تأليههم أو رفعهم عن مقام [[العبودية]] لله تعالى، أو [[التفويض|تفويض]] أمر الخلق إليهم أو القول بأنهم أنبياء، ونحوها من التعبيرات التي يظهر منها تجاوز حدود مقاماتهم التي ثبتت لهم عليهم السلام. | يتضح من مجموع هذه الروايات التي ذكرناها أن المراد من الغلو عند [[أهل البيت]] عليهم السلام هو مجاوزة الحدود والارتفاع بهم إلى مقام الألوهية. كما يظهر من هذه الروايات التي تنهي عن تأليههم أو رفعهم عن مقام [[العبودية]] لله تعالى، أو [[التفويض|تفويض]] أمر الخلق إليهم أو القول بأنهم أنبياء، ونحوها من التعبيرات التي يظهر منها تجاوز حدود مقاماتهم التي ثبتت لهم عليهم السلام. | ||
سطر ٥٨: | سطر ٥٨: | ||
ورد تعريف الغلو في عدد من كلمات علماء الفريقين. منها: | ورد تعريف الغلو في عدد من كلمات علماء الفريقين. منها: | ||
1- يقول | 1- يقول الشيخ [[المفيد]]: "الغلو هو التجاوز عن الحد والخروج عن القصد، والافراط في حق [[الأنبياء]] والأئمة عليهم السلام".<ref>المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 109.</ref> | ||
وقال في ذيل قوله تعالى: " | وقال في ذيل قوله تعالى: "لا تغلوا في دينكم" إن الله تعالى نهى عن تجاوز الحد في المسيح. وحذّر من الخروج عن القصد وجعل ما ادّعته [[النصارى]] فيه غلواً لتعديه الحد.<ref>المفيد، أوائل المقالات، ص 238.</ref> | ||
2- يقول | 2- يقول [[الشهرستاني]] في كتابه "الملل والنحل": "الغالية هؤلاء هم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقة، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبّهوا واحداً من [[الأئمة]] بالإله وربما شبهّوا الإله بالخلق وفي على طرفي الغلو و[[التقصير]]، وإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب [[الحلول|الحلولية]]، ومذاهب [[التناسخ|التناسخية]]، ومذاهب [[اليهود]] والنصارى، إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق والنصارى شبهت الخلق بالخالق".<ref>الشهرستاني، الملل والنحل، ج 1، ص 173.</ref> | ||
فالغلو موقف إنساني مبالغ فيه في قضية مبدئية أو في شخص مرتبط بهذه القضية. ويكون الغلو مع الشيء المبالغ فيه أو هذه تعبيراً عن الموافقة أو الرفض. فقد يغالي الإنسان بحبه واعجابه كما قد يغالي بكراهيته وعزوفه. | فالغلو موقف إنساني مبالغ فيه في قضية مبدئية أو في شخص مرتبط بهذه القضية. ويكون الغلو مع الشيء المبالغ فيه أو هذه تعبيراً عن الموافقة أو الرفض. فقد يغالي الإنسان بحبه واعجابه كما قد يغالي بكراهيته وعزوفه. | ||
سطر ١٠١: | سطر ١٠١: | ||
عن الإمام [[الصادق]] عليه السلام: "اجعلونا مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم، فلن تبلغوا".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 279.</ref> | عن الإمام [[الصادق]] عليه السلام: "اجعلونا مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم، فلن تبلغوا".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 279.</ref> | ||
وتقيد الخالقيّة بالمستقلّة، لأنّه لا مانع من نسبة الخلق، بمعنى تشكيل صورة مادّة سابقة بقدرة الله تعالى وإذنه، كما ورد عن النبيّ عيسى عليه السلام قوله في القرآن الكريم: " | وتقيد الخالقيّة بالمستقلّة، لأنّه لا مانع من نسبة الخلق، بمعنى تشكيل صورة مادّة سابقة بقدرة الله تعالى وإذنه، كما ورد عن النبيّ عيسى عليه السلام قوله في القرآن الكريم: "أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ".<ref>آل عمران: 49.</ref> | ||
=== ادّعاء الألوهيّة للإنسان === | === ادّعاء الألوهيّة للإنسان === | ||
قال تعالى: " | قال تعالى: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً".<ref>النساء: 171.</ref> | ||
وعن الإمام [[علي الرضا]] عليه السلام: " | وعن الإمام [[علي الرضا]] عليه السلام: "إنّ من تجاوز بأمير المؤمنين العبوديّة فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين".<ref>الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 233. </ref> | ||
=== ادّعاء الربوبيّة المستقلّة للإنسان === | === ادّعاء الربوبيّة المستقلّة للإنسان === | ||
عن الإمام [[الصادق عليه السلام|الصادق]] عليه السلام: " | عن الإمام [[الصادق عليه السلام|الصادق]] عليه السلام: "اجعل لنا ربًّا نؤوب إليه، وقولوا فينا ما شئتم".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 283.</ref> | ||
ومعنى الربوبيّة: التدبير، وقُيدت بالمستقلّة لجواز نسبة الربّ غير المستقلّ إلى الإنسان، كما يقال: ربُّ العمل، ربُّ البيت، ونظيره قوله تعالى عن الملائكة: " | ومعنى الربوبيّة: التدبير، وقُيدت بالمستقلّة لجواز نسبة الربّ غير المستقلّ إلى الإنسان، كما يقال: ربُّ العمل، ربُّ البيت، ونظيره قوله تعالى عن الملائكة: "فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا".<ref>النازعات: 5.</ref> فهي مدبِّرة إلاّ أنّ تدبيرها غير مستقلّ عن الله تعالى، إنّما هو بإرادته وإذنه. | ||
ومن الروايات التي تنهى عن الاعتقاد بالربوبيّة المستقلّة، والتدبير كذلك، ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام في دعائه: " | ومن الروايات التي تنهى عن الاعتقاد بالربوبيّة المستقلّة، والتدبير كذلك، ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام في دعائه: "اللهمّ إنّي أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا...اللهمّ من زعم أنّا أرباب، فنحن منه براء، ومن زعم أنّ إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليه منه براء كبراءة عيسى عليه السلام من النصارى، اللهم إنّا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون".<ref>الصدوق، الاعتقادات في دين الإماميّة، ص 99.</ref> | ||
=== القول بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ أحدًا بعده نبيّ === | === القول بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ أحدًا بعده نبيّ === | ||
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: " | ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من قال: بأنّنا أنبياء، فعليه لعنة الله، ومن شكّ في ذلك فعليه لعنة الله".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج25، ص296.</ref> وورد عنه عليه السلام أنّه قال لأحد أصحابه: "يا أبا عبد الله، أبرأ ممّن قال إنّا أنبياء".<ref>الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 515.</ref> | ||
وورد عن خالد بن نجيح أنّه قال: " | وورد عن خالد بن نجيح أنّه قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام الإمام الصادق، وعنده خلق، فجلست ناحية، وقلت في نفسي: ما أغفلهم عند من يتكلّمون. فناداني: إنا والله عباد مخلوقون، لي ربّ أعبده، إن لم أعبده عذبني بالنار. قلت: لا أقول فيك إلاّ قولك في نفسك. قال: اجعلونا عبيدًا مربوبين، وقولوا فينا ما شئتم إلاّ النبوّة".<ref>الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج7، ص 52.</ref> | ||
=== اعتقاد سقوط التكليف بالمعرفة === | === اعتقاد سقوط التكليف بالمعرفة === | ||
رواية عن الإمام [[العسكري|العسكريّ]] عليه السلام، ذُكر فيها أنّ [[علي بن حسكة]] يزعم أنّ [[الصلاة]]، و[[الزكاة]]، و[[الحج|الحج]]، و[[الصوم]] كلّ ذلك معرفة الإمام،<ref>الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج2، ص804.</ref> وبالتالي كان هذا الاعتقاد يؤدّي إلى الاعتقاد بسقوط التكليف عن العارف بالإمام، وبالتالي تركه عمليًّا، من هنا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: " | رواية عن الإمام [[العسكري|العسكريّ]] عليه السلام، ذُكر فيها أنّ [[علي بن حسكة]] يزعم أنّ [[الصلاة]]، و[[الزكاة]]، و[[الحج|الحج]]، و[[الصوم]] كلّ ذلك معرفة الإمام،<ref>الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج2، ص804.</ref> وبالتالي كان هذا الاعتقاد يؤدّي إلى الاعتقاد بسقوط التكليف عن العارف بالإمام، وبالتالي تركه عمليًّا، من هنا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "الغالي اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحجّ".<ref>بحار الأنوار، ج 25، ص 265.</ref> | ||
وقد ذكر العلاّمة [[المجلسيّ]] بعض الأمور الأخرى من محقِّقات الغلوّ، فقال: | وقد ذكر العلاّمة [[المجلسيّ]] بعض الأمور الأخرى من محقِّقات الغلوّ، فقال: | ||
سطر ١٣٦: | سطر ١٣٦: | ||
يقول السيد [[البروجوردي]] رحمه الله في كتابه البدر الزاهر: "كان السبب في ذلك يعود للقصور الفكري والعقائدي لبعض الشيعة فكانوا لذلك ينسبون ذوي المعرفة الكاملة والعقائد الصحيحة من الشيعة إلى الغلو والإفراط".<ref>البروجوردي، البدر الزاهر، ص 291.</ref> | يقول السيد [[البروجوردي]] رحمه الله في كتابه البدر الزاهر: "كان السبب في ذلك يعود للقصور الفكري والعقائدي لبعض الشيعة فكانوا لذلك ينسبون ذوي المعرفة الكاملة والعقائد الصحيحة من الشيعة إلى الغلو والإفراط".<ref>البروجوردي، البدر الزاهر، ص 291.</ref> | ||
ونلاحظ في بيانات أئمّة أهل البيت عليه السلام، الرافضة للغلوّ، الحذر من الاسترسال في نفي الكمالات بما يؤدّي إلى [[التقصير]] في معرفتهم، وبيان كمالاتهم، من هنا ورد عن [[الإمام الباقر]] عليه السلام: " | ونلاحظ في بيانات أئمّة أهل البيت عليه السلام، الرافضة للغلوّ، الحذر من الاسترسال في نفي الكمالات بما يؤدّي إلى [[التقصير]] في معرفتهم، وبيان كمالاتهم، من هنا ورد عن [[الإمام الباقر]] عليه السلام: "يا أبا حمزة، لا تضعوا عليًّا دون ما وضعه الله، ولا ترفعوه فوق ما رفعه الله".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 283.</ref> | ||
وفي رواية عن الإمام [[الإمام الرضا(ع)|الرضا]] عليه السلام يحذّر فيها من الغلوّ والتقصير معًا، فعنه عليه السلام: " | وفي رواية عن الإمام [[الإمام الرضا(ع)|الرضا]] عليه السلام يحذّر فيها من الغلوّ والتقصير معًا، فعنه عليه السلام: "قال إبراهيم بن أبي محمود: فقلت للرضا: يا بن رسول الله إنّ عندنا أخبارًا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وفضلكم أهل البيت، وهي من رواية مخالفيكم، ولا نعرف مثلها عندكم، أفندين بها ؟ فقال: يا ابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليه السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عزّ وجلّ، فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس، ثمّ قال الرضا عليه السلام: يا ابن أبي محمود، إنّ مخالفينا وضعوا أخبارًا في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا [[التقصير]] اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسماءنا، وقد قال الله عزّ وجلّ: "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ" (الأنعام: 108). يا ابن أبي محمود إذا أخذ الناس يمينًا وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنّه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه".<ref>الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 272.</ref> | ||
بسبب ما مرَّ كثرت الروايات المعقِّبة بعد النهي عن الغلو بفتح المجال للحديث عن فضائلهم، وذلك بعبارات عديدة منها: | بسبب ما مرَّ كثرت الروايات المعقِّبة بعد النهي عن الغلو بفتح المجال للحديث عن فضائلهم، وذلك بعبارات عديدة منها: | ||
عن [[أمير المؤمنين]] عليه السلام: " | عن [[أمير المؤمنين]] عليه السلام: "إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 270.</ref> | ||
وعنه عليه السلام: " | وعنه عليه السلام: "اعلم يا [[أبو ذر الغفاري|أبا ذر]]، أنّا عبيد الله عزّ وجل، وخليفته على عباده، لا تجعلونا أربابًا، وقولوا في فضلنا ما شئتم، فإنّكم لا تبلغون كنه ما فينا، ولا نهايته، فإنّ الله عزّ وجل قد أعطانا أكبر وأعظم ممّا يصفه واصفكم، أو يخطر على قلب أحدكم، فإذا عرفتمونا هكذا، فأنتم المؤمنون".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 26، ص 2.</ref> | ||
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لصاحبه: " | وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لصاحبه: "لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم، اجعلونا مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 279.</ref> | ||
== ضابطة ردّ الحديث == | == ضابطة ردّ الحديث == | ||
وضع [[أهل البيت]] عليه السلام ضابطة لردّ ما ينقل عنهم، وهي أن يستحيل كونه في المخلوق، أمّا في حال إمكان وجوده في المخلوق فقد دعا أهل البيت عليه السلام في حال استغرابه إلى عدم رفضه وجحوده، وأمروا بإرجاعه إليهم عليه السلام، فقد ورد عن [[الإمام الصادق]] عليهم السلام: " | وضع [[أهل البيت]] عليه السلام ضابطة لردّ ما ينقل عنهم، وهي أن يستحيل كونه في المخلوق، أمّا في حال إمكان وجوده في المخلوق فقد دعا أهل البيت عليه السلام في حال استغرابه إلى عدم رفضه وجحوده، وأمروا بإرجاعه إليهم عليه السلام، فقد ورد عن [[الإمام الصادق]] عليهم السلام: "ما جاءكم منّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين، ولم تعلموه، ولم تفهموه، فلا تجحدوه وردّوه إلينا، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردّوه إلينا".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 364.</ref> | ||
== دعوة أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى الوسطيّة == | == دعوة أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى الوسطيّة == | ||
إنّ الناتج عن النهي عن الغلوّ و[[التقصير]] هو أن يكون المؤمن وسطيًّا في نظرته إلى أهل البيت عليه السلام، وهذا ما عبَّر عنه [[الإمام الباقر]] عليه السلام بقوله: " | إنّ الناتج عن النهي عن الغلوّ و[[التقصير]] هو أن يكون المؤمن وسطيًّا في نظرته إلى أهل البيت عليه السلام، وهذا ما عبَّر عنه [[الإمام الباقر]] عليه السلام بقوله: "يا معشر [[الشيعة الإثنا عشرية|شيعة آل محمّد]]، كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي".<ref>المجلسي، بحار الأنوار، ج 65، ص 78.</ref> | ||
إنَّ معنى النُمرُقة – بضم النون والراء أو كسرهما- الوسادة، ومن الواضح أنّ الوسادة المنخفضة جدًا، أو المرتفعة كذلك لا تصلح للاستقرار، إنّما يصلح لذلك الوسادة الوسطى. | إنَّ معنى النُمرُقة – بضم النون والراء أو كسرهما- الوسادة، ومن الواضح أنّ الوسادة المنخفضة جدًا، أو المرتفعة كذلك لا تصلح للاستقرار، إنّما يصلح لذلك الوسادة الوسطى. |