مستخدم مجهول
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المعاد»
←شبهات المنكرين للمعاد والرد عليها
imported>Alkazale |
imported>Alkazale |
||
سطر ١٥٥: | سطر ١٥٥: | ||
الصورة الأُولى: إذا أكل إنسان إنساناً بحيث عاد بدن الثاني جزءاً من بدن الإنسان الأوّل، فالأجزاء التّي كانت للمأكول ثم صارت للآكل، إمّا أن تعاد في كل واحد منهما، أو تعاد في أحدهما، أو لا تعاد أصلًا. والأول محال، لاستحالة أن يكون جزءٌ واحدٌ بعينه، في آن واحد، في شخصين متبائنين. والثاني خلاف المفروض، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه. والثالث أسوأ حالًا من الثاني، اذ يلزم أنْ لا يكون أي من الإنسانين معاداً بعينه. فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها. | الصورة الأُولى: إذا أكل إنسان إنساناً بحيث عاد بدن الثاني جزءاً من بدن الإنسان الأوّل، فالأجزاء التّي كانت للمأكول ثم صارت للآكل، إمّا أن تعاد في كل واحد منهما، أو تعاد في أحدهما، أو لا تعاد أصلًا. والأول محال، لاستحالة أن يكون جزءٌ واحدٌ بعينه، في آن واحد، في شخصين متبائنين. والثاني خلاف المفروض، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه. والثالث أسوأ حالًا من الثاني، اذ يلزم أنْ لا يكون أي من الإنسانين معاداً بعينه. فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها. | ||
الصورة الثانية: لو أكل إنسان كافر، إنساناً مؤمناً، وقلنا بأنً المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة، فيلزم تعذيب المؤمن، لأنّ المفروض أنّ بدنه أو جزءاً منه، صار جزء من بدن الكافر، والكافر يُعَذَّب، فيلزم تعذيب المؤمن. <ref>السبحاني: الالهيات، | الصورة الثانية: لو أكل إنسان كافر، إنساناً مؤمناً، وقلنا بأنً المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة، فيلزم تعذيب المؤمن، لأنّ المفروض أنّ بدنه أو جزءاً منه، صار جزء من بدن الكافر، والكافر يُعَذَّب، فيلزم تعذيب المؤمن. <ref>السبحاني: الالهيات، ج 4، ص 396. </ref> | ||
أما فلاسفة المشائية فإنهم لما واجهوا هذه الإشكالية ذهبوا إلى القول بأنّ المعاد الجسماني غير ممكن الإثبات عقلا. | أما فلاسفة المشائية فإنهم لما واجهوا هذه الإشكالية ذهبوا إلى القول بأنّ المعاد الجسماني غير ممكن الإثبات عقلا. | ||
وأما المتكلمون فقد ذهب الكثير منهم للذبِّ عن هذه الصورة من الإشكال بما حاصله أنّ المُعاد، إنما هو الأجزاء الأصلية، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، وهذه الأجزاء الأصلية، الّتي كانت للإنسان المأكول، هي في الآكل فضلات، فإنا نعلم أنّ الإنسان يبقى مدة عمره وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه، فإذا كانت فضلات فيه، لم يجب إعادتها في الآكل بل في المأكول. | وأما المتكلمون فقد ذهب الكثير منهم للذبِّ عن هذه الصورة من الإشكال بما حاصله أنّ المُعاد، إنما هو الأجزاء الأصلية، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، وهذه الأجزاء الأصلية، الّتي كانت للإنسان المأكول، هي في الآكل فضلات، فإنا نعلم أنّ الإنسان يبقى مدة عمره وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه، فإذا كانت فضلات فيه، لم يجب إعادتها في الآكل بل في المأكول. | ||
فيما ذهب [[الملا صدرا|صدر المتأهلين]] إلى معالجة هذه الشهبة عن طريق نظرية البدن المثالي، وأنّ الإنسان يبعث بهذا البدن لا البدن المادي للآكل والمأكول. وبهذا يكون الملاصدرا طرح نظرية جديدة في المعاد الجسماني لا يتوجه إليها الإشكال. <ref>ملا صدرا، الأسفار الأربعة، | فيما ذهب [[الملا صدرا|صدر المتأهلين]] إلى معالجة هذه الشهبة عن طريق نظرية البدن المثالي، وأنّ الإنسان يبعث بهذا البدن لا البدن المادي للآكل والمأكول. وبهذا يكون الملاصدرا طرح نظرية جديدة في المعاد الجسماني لا يتوجه إليها الإشكال. <ref>ملا صدرا، الأسفار الأربعة، ج 9، ص 190-191؛ حسيني طهراني، ج 6، ص 85-117. </ref> | ||
=== شبهة إعادة المعدوم === | === شبهة إعادة المعدوم === | ||
إن الدافع لإنكار المعاد هو تلك الشبهة التي يعبّر عنها في الفلسفة بـ (استحالة إعادة المعدوم)، أي أن هؤلاء كانوا يعتقدون بأنّ الإنسان هو هذا البدن المادي الذي يتلاشى وينعدم بالموت، وإذا ردّت له الحياة من جديد بعد الموت، فهو إنسان آخر، إذ أنّ إعادة المعدوم أمر محال وممتنع - حسب قواعدهم- وليس لها إمكان ذاتي. <ref>سورة الرعد: | إن الدافع لإنكار المعاد هو تلك الشبهة التي يعبّر عنها في الفلسفة بـ (استحالة إعادة المعدوم)، أي أن هؤلاء كانوا يعتقدون بأنّ الإنسان هو هذا البدن المادي الذي يتلاشى وينعدم بالموت، وإذا ردّت له الحياة من جديد بعد الموت، فهو إنسان آخر، إذ أنّ إعادة المعدوم أمر محال وممتنع - حسب قواعدهم- وليس لها إمكان ذاتي. <ref>سورة الرعد: 5. </ref> | ||
وقد ردّ [[القرآن الكريم]] على تلك الشبهة بأنّ الإنسان لايفنى بعد الموت وإنّما الذي يفنى منه خصوص الجسد وأما الروح فيتلقاها ملك الموت وهي التي ستحشر، فلا معنى حينئذ لإثارة إشكالية إعادة المعدوم، كما جاء في قوله تعالى: {{قرآن|وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يتَوَفَّاكم مَّلَك الْمَوْتِ الَّذِي وُكلَ بِكمْ ثُمَّ إِلَی رَبِّكمْ تُرْجَعُونَ}}. <ref>السجدة: 10- 11</ref> | وقد ردّ [[القرآن الكريم]] على تلك الشبهة بأنّ الإنسان لايفنى بعد الموت وإنّما الذي يفنى منه خصوص الجسد وأما الروح فيتلقاها ملك الموت وهي التي ستحشر، فلا معنى حينئذ لإثارة إشكالية إعادة المعدوم، كما جاء في قوله تعالى: {{قرآن|وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يتَوَفَّاكم مَّلَك الْمَوْتِ الَّذِي وُكلَ بِكمْ ثُمَّ إِلَی رَبِّكمْ تُرْجَعُونَ}}. <ref>السجدة: 10- 11.</ref> | ||
=== الشبهة في مجال قدرة الفاعل === | === الشبهة في مجال قدرة الفاعل === | ||
الشبهة الأخرى: إنّه يشترط في وقوع آيّة ظاهرة من الظواهر وتحققها: قدرة الفاعل على ذلك، إضافة للإمكان الذاتي وقابلية القابل، ومن هنا لابد أن يكون المتولي- حسب هذه الشبهة- لأمر المعاد قادراً على إعادتها قدرة تامة، مع قابلية تلك الأجساد للعودة إلى الحياة؛ خلافا لبداية الخلق فإن بداية الخلق تجري حسب القوانين الطبيعية والشروط الموضوعية التي تحتضن الخلية كالرحم ووجود جسد مؤهل للتعامل مع هذه الخلية الملقحة. | الشبهة الأخرى: إنّه يشترط في وقوع آيّة ظاهرة من الظواهر وتحققها: قدرة الفاعل على ذلك، إضافة للإمكان الذاتي وقابلية القابل، ومن هنا لابد أن يكون المتولي- حسب هذه الشبهة- لأمر المعاد قادراً على إعادتها قدرة تامة، مع قابلية تلك الأجساد للعودة إلى الحياة؛ خلافا لبداية الخلق فإن بداية الخلق تجري حسب القوانين الطبيعية والشروط الموضوعية التي تحتضن الخلية كالرحم ووجود جسد مؤهل للتعامل مع هذه الخلية الملقحة. | ||
والجواب: من اين نعرف أنّ الله تعالى لا يملك القدرة على إحياء الموتى؟! | والجواب: من اين نعرف أنّ الله تعالى لا يملك القدرة على إحياء الموتى؟! | ||
وهذه الشبهة الضعيفة، إنما تطرح من قبل أولئك الذين يجهلون [[الصفات الإلهية|قدرة الله]] اللامتناهية، التي ليس لها حدود، وتتعلق بكل شيء ممكن الوقوع، كما هو الملاحظ بأنّه تعالى خلق هذا الكون الواسع بكل ما يتمتع به من عظمة مثيرة للدهشة والإعجاب: | وهذه الشبهة الضعيفة، إنما تطرح من قبل أولئك الذين يجهلون [[الصفات الإلهية|قدرة الله]] اللامتناهية، التي ليس لها حدود، وتتعلق بكل شيء ممكن الوقوع، كما هو الملاحظ بأنّه تعالى خلق هذا الكون الواسع بكل ما يتمتع به من عظمة مثيرة للدهشة والإعجاب: | ||
{{قرآن|أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}}. | {{قرآن|أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}}. | ||
إضافة إلى أن الخلق الجديد ليس أكثر صعوبة من الخلق الأوّل، ولا يحتاج إلى قدرة أكثر، بل من الممكن القول أنه أهون وأسهل، اذ ليس فيه إلا إعادة الروح الموجودة: {{قرآن|...فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَ ...}} و {{قرآن|وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَ...}} وقوله تعالى في سورة الحج في الآية الخامسة: {{قرآن|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}}. <ref>اليزدي، دروس في العقيدة، ص 380. </ref> | إضافة إلى أن الخلق الجديد ليس أكثر صعوبة من الخلق الأوّل، ولا يحتاج إلى قدرة أكثر، بل من الممكن القول أنه أهون وأسهل، اذ ليس فيه إلا إعادة الروح الموجودة: {{قرآن|...فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَ ...}} و {{قرآن|وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَ...}} وقوله تعالى في سورة الحج في الآية الخامسة: {{قرآن|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}}. <ref>اليزدي، دروس في العقيدة، ص 380. </ref> | ||
سطر ١٧٩: | سطر ١٧٧: | ||
وهذه الشبهة طرحها أولئك الذين يجهلون العلم الإلهي غير المتناهي، حيث قاسوا العلم الإلهي بعلومهم الناقصة والمحدودة، غافلين عن أن العلم الإلهي ليس له حدود، وله إحاطة بكل شيء، ولا ينسى الله تعالى أي شيء. <ref>اليزدي، دروس في العقيدة ص 380.</ref> | وهذه الشبهة طرحها أولئك الذين يجهلون العلم الإلهي غير المتناهي، حيث قاسوا العلم الإلهي بعلومهم الناقصة والمحدودة، غافلين عن أن العلم الإلهي ليس له حدود، وله إحاطة بكل شيء، ولا ينسى الله تعالى أي شيء. <ref>اليزدي، دروس في العقيدة ص 380.</ref> | ||
وينقل [[القرآن الكريم]] في [[سورة طه]] 51- 52 عن فرعون قوله ل[[النبي موسى|موسى]] {{عليه السلام}}: {{قرآن|قالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}} فقال موسى {{عليه السلام}}: {{قرآن|عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}}. | وينقل [[القرآن الكريم]] في [[سورة طه]] 51- 52 عن فرعون قوله ل[[النبي موسى|موسى]] {{عليه السلام}}: {{قرآن|قالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}} فقال موسى {{عليه السلام}}: {{قرآن|عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}}. | ||
وقد ذكر في سورة أخرى الجواب عن الشبهتين الأخيرتين: {{قرآن|قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}}.<ref>سورة يس | وقد ذكر في سورة أخرى الجواب عن الشبهتين الأخيرتين: {{قرآن|قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}}.<ref>سورة يس: 79.</ref> | ||
== بحوث ذات صلة == | == بحوث ذات صلة == |