انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «صلح الإمام الحسن عليه السلام»

ط
imported>Foad
imported>Foad
سطر ٥٤: سطر ٥٤:


==وثيقة الصلح==
==وثيقة الصلح==
تعرّضت وثيقة الصلح منذ توقيعها ولمدة مئتي عام للتلاعب من قبل [[بني أمية|الأمويين]] و[[بني العباس|العباسيين]] والإتجاهات السياسية الأخرى حيث حاول كل فريق منهم أن يطرحها بنحو تؤمن له الغلبة والظهور بمظهر المنتصر. وبما أن المؤرخين بتروا وثيقة الصلح ولم يذكروا كل ما سجله [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] {{ع}} من شروط. من هنا لابدّ من البحث عن القرائن الحافة التي قد تلقي ضوءاً على خفاياها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>
تعرّضت وثيقة الصلح منذ توقيعها ولمدة مئتي عام للتلاعب من قبل [[بني أمية|الأمويين]] و[[بني العباس|العباسيين]] والإتجاهات السياسية الأخرى حيث حاول كل فريق منهم أن يطرحها بنحو تؤمن له الغلبة والظهور بمظهر المنتصر. وبما أن المؤرخين بتروا وثيقة الصلح ولم يذكروا كل ما سجله [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]]{{ع}} من شروط. من هنا لابدّ من البحث عن القرائن الحافة التي قد تلقي ضوءاً على خفاياها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160.</ref>


روى [[ابن جرير بن يزيد الطبري|الطبري]] في تاريخه: أنّ معاوية قد أرسل إلى الحسن {{ع}} بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
روى [[ابن جرير بن يزيد الطبري|الطبري]] في تاريخه: أنّ معاوية قد أرسل إلى الحسن{{ع}} بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.


فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاويه صحيفه الحسن {{ع}} التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن {{ع}}، سأله الحسن {{ع}} أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذى ختم معاويه في أسفله، فأبى معاويه أن يعطيه ذلك،
فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاويه صحيفه الحسن{{ع}} التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن{{ع}}، سأله الحسن{{ع}} أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذى ختم معاويه في أسفله، فأبى معاويه أن يعطيه ذلك،
فقال: لك ما كنت كتبت إلي أوّلا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك.
فقال: لك ما كنت كتبت إلي أوّلا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك.
قال الحسن {{ع}}: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن {{ع}} من الشروط شيئاً.<ref>الطبري، تاريخ الطبري: ج7، ص2. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref> وروى مضمون ذلك ابن الأثير في تاريخه.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص405. نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>
قال الحسن{{ع}}: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن{{ع}} من الشروط شيئاً.<ref>الطبري، تاريخ الطبري: ج7، ص2. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160.</ref> وروى مضمون ذلك ابن الأثير في تاريخه.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 405؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160.</ref>


وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر إلى القول بأنّه: لاشكّ أنّ الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنّهم تصرّفوا في الخبر بنحو ما فأضافوا إليه من مفترياتهم، وذلك لأنّ الباحث المنصف الذي يرصد الأحداث كما هي يرى أنّ الإمام الحسن {{ع}} لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنّه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد [[الشيعة]] بإمامته وعصمته رجلاً ورعاً يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى أنّ الصراع من معاوية لا يجدي نفعاً ولا يعود على الأمّة إلا بسفك الكثير من الدماء وأنّ نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وإن وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160-161.</ref>
وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر إلى القول بأنّه: لاشكّ أنّ الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنّهم تصرّفوا في الخبر بنحو ما فأضافوا إليه من مفترياتهم، وذلك لأنّ الباحث المنصف الذي يرصد الأحداث كما هي يرى أنّ الإمام الحسن{{ع}} لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنّه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد [[الشيعة]] بإمامته وعصمته رجلاً ورعاً يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى أنّ الصراع من معاوية لا يجدي نفعاً ولا يعود على الأمّة إلا بسفك الكثير من الدماء وأنّ نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وإن وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160 - 161.</ref>


ثم لو صحّت رواية الصحيفة البيضاء فلابد من القول بأنّ معاوية إنّما افتعل تلك الكذبة ليبرر لنفسه عدم الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه تحت نشوة الإنتصار والإنفراد بالسلطة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
ثم لو صحّت رواية الصحيفة البيضاء فلابد من القول بأنّ معاوية إنّما افتعل تلك الكذبة ليبرر لنفسه عدم الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه تحت نشوة الإنتصار والإنفراد بالسلطة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.</ref>


والأعجب من ذلك أنّ الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب إلى الأسطورة والسخرية منها إلى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
والأعجب من ذلك أنّ الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب إلى الأسطورة والسخرية منها إلى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.</ref>


وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأنّ الإمام الحسن {{ع}} صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم علياً، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ {{ع}}، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإنّ أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحداً، وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص405. وكذا تاريخ إسلام تأليف الفياض. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأنّ الإمام الحسن{{ع}} صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم علياً، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ{{ع}}، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإنّ أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحداً، وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 405. وكذا تاريخ إسلام تأليف الفياض. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.</ref>


وقد تعرّض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلاً:
وقد تعرّض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلاً:
إنّ هؤلاء المؤرخين لم يلتفتوا إلى حقيقة مهمة وهي أنّ الإمام الحسن {{ع}} لو كان– حقيقة- قد ركّز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة أتباعه، يضاف إلى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فأين خراج دارابجرد وأين الكوفة؟ أليس من المناسب أن يطلب الإمام الحسن {{ع}} تأمين المال من خزانة الدولة في [[الشام]]؟
إنّ هؤلاء المؤرخين لم يلتفتوا إلى حقيقة مهمة وهي أنّ الإمام الحسن{{ع}} لو كان– حقيقة- قد ركّز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة أتباعه، يضاف إلى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فأين خراج دارابجرد وأين الكوفة؟ أليس من المناسب أن يطلب الإمام الحسن{{ع}} تأمين المال من خزانة الدولة في [[الشام]]؟


وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام أو من مكان آخر؟ أليس كل ذلك يعود إلى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم أين الشروط الأساسية التي تمثّل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام أو من مكان آخر؟ أليس كل ذلك يعود إلى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم أين الشروط الأساسية التي تمثّل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.</ref>


في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]] {{ع}} في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أنّ ما سجّله البلاذري في تاريخه أقرب إلى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161-162.</ref>
في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]]{{ع}} في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أنّ ما سجّله البلاذري في تاريخه أقرب إلى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161 - 162.</ref>


===متن وثيقة الصلح===
===متن وثيقة الصلح===
مستخدم مجهول