انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «صلح الإمام الحسن عليه السلام»

لا يوجد ملخص تحرير
imported>Ahmadnazem
imported>Ahmadnazem
لا ملخص تعديل
سطر ١٧: سطر ١٧:


هؤلاء هم نفس الرجال الذي خاطبهم أبوه أمير المؤمنين {{ع}} بقوله: '''ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان'''. بل ازداد الحال سوءاً في عصر الإمام الحسن {{ع}}.
هؤلاء هم نفس الرجال الذي خاطبهم أبوه أمير المؤمنين {{ع}} بقوله: '''ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان'''. بل ازداد الحال سوءاً في عصر الإمام الحسن {{ع}}.


وإذا خرجنا من دائرة [[الكوفة]] وتوجّهنا نحو [[البصرة]] نراها هي الأخرى لا يؤمل فيها خير وكيف يعوّل على مدينة عرفت بميولها [[العثمانية]] وهي أقرب إلى معاوية منها إلى الإمام الحسن {{ع}}.
وإذا خرجنا من دائرة [[الكوفة]] وتوجّهنا نحو [[البصرة]] نراها هي الأخرى لا يؤمل فيها خير وكيف يعوّل على مدينة عرفت بميولها [[العثمانية]] وهي أقرب إلى معاوية منها إلى الإمام الحسن {{ع}}.


وأما [[الخوارج]] فأمرهم أوضح والتعويل عليهم يعدّ ضرباً من الخيال فإنّهم وإن رفعوا في أوائل حركتهم شعار [[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]] وأظهروا الإستعداد لمساندة من يقوم بذلك إلا أنّهم تحوّلوا إلى طلاب حكم وميل للتصدي للخلافة. فلم يبق مع الإمام {{ع}} إلا [[الشيعة]] وهؤلاء أيضاً لم يكونوا على نسق واحد بل هناك طائفة كبيرة منهم متظاهرة بالولاء و[[التشيع]] لا يمكن التعويل على ولائها وإحراز مواقفها حتى اللحظة الأخيرة من المعركة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص158.</ref>
وأما [[الخوارج]] فأمرهم أوضح والتعويل عليهم يعدّ ضرباً من الخيال فإنّهم وإن رفعوا في أوائل حركتهم شعار [[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]] وأظهروا الإستعداد لمساندة من يقوم بذلك إلا أنّهم تحوّلوا إلى طلاب حكم وميل للتصدي للخلافة. فلم يبق مع الإمام {{ع}} إلا [[الشيعة]] وهؤلاء أيضاً لم يكونوا على نسق واحد بل هناك طائفة كبيرة منهم متظاهرة بالولاء و[[التشيع]] لا يمكن التعويل على ولائها وإحراز مواقفها حتى اللحظة الأخيرة من المعركة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص158.</ref>


وإذا كان الكوفيون قد اضطربت مواقفهم في الأيّام الأخيرة من حياة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] {{ع}} فكيف ينساقون بيسر لولده من بعده؟! فلم يبق معه إلّا الخلّص من شيعته والموالين الحقيقيين له {{ع}} وهؤلاء لم يكونوا بالوعي السياسي التام الذي يحصّنهم من الوقوع بين الفينة والأخرى في شراك مكنة الدعاية المضادة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص158.</ref>
وإذا كان الكوفيون قد اضطربت مواقفهم في الأيّام الأخيرة من حياة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] {{ع}} فكيف ينساقون بيسر لولده من بعده؟! فلم يبق معه إلّا الخلّص من شيعته والموالين الحقيقيين له {{ع}} وهؤلاء لم يكونوا بالوعي السياسي التام الذي يحصّنهم من الوقوع بين الفينة والأخرى في شراك مكنة الدعاية المضادة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص158.</ref>


===مقدمات المعركة وإرهاصاتها===
===مقدمات المعركة وإرهاصاتها===
في المقابل نجد [[معاوية بن أبي سفيان]] قد حشد كل قواه وسخّر كل طاقاتها وحرّك مرتزقته ليثيروا الفتن ويخلقوا المشاكل في [[الحجاز]] و[[اليمن]] و[[مصر]]، بل امتدت حركتهم إلى داخل [[الكوفة]] التي تمثّل مركز حكومة الإمام {{ع}} وتمكّنوا من استقطاب رؤوساء القبائل وكبار البيوتات والأسر هناك بالمال تارة وبالتهديد والترهيب أخرى.
في المقابل نجد [[معاوية بن أبي سفيان]] قد حشد كل قواه وسخّر كل طاقاتها وحرّك مرتزقته ليثيروا الفتن ويخلقوا المشاكل في [[الحجاز]] و[[اليمن]] و[[مصر]]، بل امتدت حركتهم إلى داخل [[الكوفة]] التي تمثّل مركز حكومة الإمام {{ع}} وتمكّنوا من استقطاب رؤوساء القبائل وكبار البيوتات والأسر هناك بالمال تارة وبالتهديد والترهيب أخرى.


يضاف إلى بثّ الإشاعات والأكاذيب في الوسط الإسلامي وخاصة في الساحة العراقية، هذا مع إرسال المجاميع المقاتلة للنهب والقتل وبثّ الرعب في المناطق الخاضعة لحكوم الإمام {{ع}}، مع إشاعة أخبار سياسة البذل اللامحدود التي اعتمدها معاوية ودهائه في إدارة شؤون الحكم في [[الشام]] والمناطق الخاضعة له. كل ذلك مثّل الأرضية المناسبة والإرهاصات التي تكشف استعداد معاوية لخوض الحرب مع الكوفة عاصمة الدولة الإسلامية.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام: ص158-159.</ref>
يضاف إلى بثّ الإشاعات والأكاذيب في الوسط الإسلامي وخاصة في الساحة العراقية، هذا مع إرسال المجاميع المقاتلة للنهب والقتل وبثّ الرعب في المناطق الخاضعة لحكوم الإمام {{ع}}، مع إشاعة أخبار سياسة البذل اللامحدود التي اعتمدها معاوية ودهائه في إدارة شؤون الحكم في [[الشام]] والمناطق الخاضعة له. كل ذلك مثّل الأرضية المناسبة والإرهاصات التي تكشف استعداد معاوية لخوض الحرب مع الكوفة عاصمة الدولة الإسلامية.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام: ص158-159.</ref>


وبعد أن أنجز مرتزقة معاوية المهام الموكلة إليهم سار بجيشه نحو [[العراق]] وعسكر في منطقة مسكن، وكان [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] {{ع}} قد أعدّ في أواخر حياته جيشاً لمحاربة الشاميين وكان على هذا الجيش أن يواصل مهمته لكن وقع الخلاف في من يقود هذا الجيش فهل تكون القيادة لـ[[قيس بن سعد]] بن عبادة أو لـ[[عبيد الله بن عباس]]؟
وبعد أن أنجز مرتزقة معاوية المهام الموكلة إليهم سار بجيشه نحو [[العراق]] وعسكر في منطقة مسكن، وكان [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] {{ع}} قد أعدّ في أواخر حياته جيشاً لمحاربة الشاميين وكان على هذا الجيش أن يواصل مهمته لكن وقع الخلاف في من يقود هذا الجيش فهل تكون القيادة لـ[[قيس بن سعد]] بن عبادة أو لـ[[عبيد الله بن عباس]]؟


وقد استعدّ قيس لمهاجمة جيش الشام وذهب [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] {{ع}} إلى [[المدائن]]، إلا أنّ الأحداث كانت لا تسير لصالح جيش الإمام {{ع}} حيث أُشيع قتل قيس مما أدى إلى حصول تمرّد في جيش الإمام {{ع}}.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص159.</ref>
وقد استعدّ قيس لمهاجمة جيش الشام وذهب [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] {{ع}} إلى [[المدائن]]، إلا أنّ الأحداث كانت لا تسير لصالح جيش الإمام {{ع}} حيث أُشيع قتل قيس مما أدى إلى حصول تمرّد في جيش الإمام {{ع}}.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص159.</ref>


وقد أشار بعض المؤرخين إلى هذه القضية بقوله: بينما كان الحسن {{ع}} بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره: «ألا إن [[قيس بن سعد]] قد قتل!» فشدّ الناس على حجرة الحسن {{ع}} فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره !! وطعنه رجل بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه وانتقل – كما يقول الطبري- إلى منزل [[سعد بن مسعود الثقفي]]– عمّ [[المختار]]- وكان عامل أمير المؤمنين {{ع}} بها فأقرّه الحسن {{ع}}، فقال له المختار وهو غلام شاب:
وقد أشار بعض المؤرخين إلى هذه القضية بقوله: بينما كان الحسن {{ع}} بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره: «ألا إن [[قيس بن سعد]] قد قتل!» فشدّ الناس على حجرة الحسن {{ع}} فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره !! وطعنه رجل بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه وانتقل – كما يقول الطبري- إلى منزل [[سعد بن مسعود الثقفي]]– عمّ [[المختار]]- وكان عامل أمير المؤمنين {{ع}} بها فأقرّه الحسن {{ع}}، فقال له المختار وهو غلام شاب:
سطر ٥٠: سطر ٤٢:


فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت [[رسول الله]] {{صل}} فاوثقه! بئس الرجل أنت!.<ref>الطبري، تاريخ الطبري، ج7، ص2. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص404. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص159.</ref>
فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت [[رسول الله]] {{صل}} فاوثقه! بئس الرجل أنت!.<ref>الطبري، تاريخ الطبري، ج7، ص2. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص404. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص159.</ref>


والمختار هو ذلك الشخص الذي ثار بعد خمسة وعشرين عاماً لدماء الشهداء وقاد حركة [[الشيعة]] ضد الحكم [[بني أمية|الأموي]]، مما يجعلنا نشك في ما نسب إلى الرجل من كلمات قد تكون من ابتكارات خصومه [[الزبير|الزبيريين]] (أتباع [[عبد الله بن الزبير]])، وعلى فرض صحة ما نسب إليه فهو أمر لا غرابة فيه وممكن صدوره من شاب حدث لا خبرة لها بالسياسة وبمنازل الرجال، وسواء صحّت النسبة أم لم تصح إلا أنّ الكلام المذكور والأحداث التي وقعت تكشف لنا عن حقيقة خطرة وهي أنّ تصدي الإمام الحسن {{ع}} للحكم اقترن بوجود تيار من النفعيين الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية وما تدرّه السياسة عليهم من مناصب وأموال تعزز كياناتهم الشخصية والعشائرية فقط ولا تهمهم مصالح المسلمين قطعاً.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص159.</ref>
والمختار هو ذلك الشخص الذي ثار بعد خمسة وعشرين عاماً لدماء الشهداء وقاد حركة [[الشيعة]] ضد الحكم [[بني أمية|الأموي]]، مما يجعلنا نشك في ما نسب إلى الرجل من كلمات قد تكون من ابتكارات خصومه [[الزبير|الزبيريين]] (أتباع [[عبد الله بن الزبير]])، وعلى فرض صحة ما نسب إليه فهو أمر لا غرابة فيه وممكن صدوره من شاب حدث لا خبرة لها بالسياسة وبمنازل الرجال، وسواء صحّت النسبة أم لم تصح إلا أنّ الكلام المذكور والأحداث التي وقعت تكشف لنا عن حقيقة خطرة وهي أنّ تصدي الإمام الحسن {{ع}} للحكم اقترن بوجود تيار من النفعيين الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية وما تدرّه السياسة عليهم من مناصب وأموال تعزز كياناتهم الشخصية والعشائرية فقط ولا تهمهم مصالح المسلمين قطعاً.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص159.</ref>


من هنا وكما يقول بعض المحللين للصلح، ومنهم الشيخ حسين سليمان في كتابه الإمام الحسن {{ع}} القائد والأسوة: «لم يكن الإمام الحسن {{ع}} في خيار سوى ترجيح كفّة الحل السلمي لمشكلة الأمّة، خاصة بعد أن تزاحمت عوامل الضغط الداخلية والخارجية، والتي اضطر الإمام {{ع}} للقبول باتفاقية الهدنة (الصلح) بينه وبين معاوية، والتي جاءت بعد محاولات عديدة وجادّة أجراها الإمام {{ع}} مع جماهير الأمّة للوقوف بوجه الهجمة الأموية قبل الوصول إلى هذه المرحلة».
من هنا وكما يقول بعض المحللين للصلح، ومنهم الشيخ حسين سليمان في كتابه الإمام الحسن {{ع}} القائد والأسوة: «لم يكن الإمام الحسن {{ع}} في خيار سوى ترجيح كفّة الحل السلمي لمشكلة الأمّة، خاصة بعد أن تزاحمت عوامل الضغط الداخلية والخارجية، والتي اضطر الإمام {{ع}} للقبول باتفاقية الهدنة (الصلح) بينه وبين معاوية، والتي جاءت بعد محاولات عديدة وجادّة أجراها الإمام {{ع}} مع جماهير الأمّة للوقوف بوجه الهجمة الأموية قبل الوصول إلى هذه المرحلة».


وبعد أن شعر الإمام {{ع}} بخطورة موقف الأمّة على مسيرة الحركة الرسالية، وجد {{ع}} أنّ السبيل الوحيد في الحفاظ على أبناء الحركة الرسالية هو في توقيع اتفاقية هدنة مع معاوية، وبهذه الإتفاقية يستطيع الإمام {{ع}} أن يحافظ على الميراث الرسالي ليصل إلى الأجيال القادمة، خاصة وأن الأوضاع الأمنية باتت شبه مهددة سواء من جانب معاوية وجلاوزته أو من جانب قطاع كبير من جماهير الأمّة...<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>
وبعد أن شعر الإمام {{ع}} بخطورة موقف الأمّة على مسيرة الحركة الرسالية، وجد {{ع}} أنّ السبيل الوحيد في الحفاظ على أبناء الحركة الرسالية هو في توقيع اتفاقية هدنة مع معاوية، وبهذه الإتفاقية يستطيع الإمام {{ع}} أن يحافظ على الميراث الرسالي ليصل إلى الأجيال القادمة، خاصة وأن الأوضاع الأمنية باتت شبه مهددة سواء من جانب معاوية وجلاوزته أو من جانب قطاع كبير من جماهير الأمّة...<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>
سطر ٦٧: سطر ٥٦:


تعرّضت وثيقة الصلح منذ توقيعها ولمدة مئتي عام للتلاعب من قبل [[بني أمية|الأمويين]] و[[بني العباس|العباسيين]] والإتجاهات السياسية الأخرى حيث حاول كل فريق منهم أن يطرحها بنحو تؤمن له الغلبة والظهور بمظهر المنتصر. وبما أن المؤرخين بتروا وثيقة الصلح ولم يذكروا كل ما سجله [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] {{ع}} من شروط. من هنا لابدّ من البحث عن القرائن الحافة التي قد تلقي ضوءاً على خفاياها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>
تعرّضت وثيقة الصلح منذ توقيعها ولمدة مئتي عام للتلاعب من قبل [[بني أمية|الأمويين]] و[[بني العباس|العباسيين]] والإتجاهات السياسية الأخرى حيث حاول كل فريق منهم أن يطرحها بنحو تؤمن له الغلبة والظهور بمظهر المنتصر. وبما أن المؤرخين بتروا وثيقة الصلح ولم يذكروا كل ما سجله [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] {{ع}} من شروط. من هنا لابدّ من البحث عن القرائن الحافة التي قد تلقي ضوءاً على خفاياها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>


روى [[ابن جرير بن يزيد الطبري|الطبري]] في تاريخه: أنّ معاوية قد أرسل إلى الحسن {{ع}} بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
روى [[ابن جرير بن يزيد الطبري|الطبري]] في تاريخه: أنّ معاوية قد أرسل إلى الحسن {{ع}} بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.


فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاويه صحيفه الحسن {{ع}} التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن {{ع}}، سأله الحسن {{ع}} أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذى ختم معاويه في أسفله، فأبى معاويه أن يعطيه ذلك،
فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاويه صحيفه الحسن {{ع}} التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن {{ع}}، سأله الحسن {{ع}} أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذى ختم معاويه في أسفله، فأبى معاويه أن يعطيه ذلك،
فقال: لك ما كنت كتبت إلي أوّلا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك.
فقال: لك ما كنت كتبت إلي أوّلا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك.
قال الحسن {{ع}}: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن {{ع}} من الشروط شيئاً.<ref>الطبري، تاريخ الطبري: ج7، ص2. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref> وروى مضمون ذلك ابن الأثير في تاريخه.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص405. نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>
قال الحسن {{ع}}: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن {{ع}} من الشروط شيئاً.<ref>الطبري، تاريخ الطبري: ج7، ص2. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref> وروى مضمون ذلك ابن الأثير في تاريخه.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص405. نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160.</ref>


وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر إلى القول بأنّه: لاشكّ أنّ الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنّهم تصرّفوا في الخبر بنحو ما فأضافوا إليه من مفترياتهم، وذلك لأنّ الباحث المنصف الذي يرصد الأحداث كما هي يرى أنّ الإمام الحسن {{ع}} لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنّه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد [[الشيعة]] بإمامته وعصمته رجلاً ورعاً يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى أنّ الصراع من معاوية لا يجدي نفعاً ولا يعود على الأمّة إلا بسفك الكثير من الدماء وأنّ نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وإن وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160-161.</ref>
وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر إلى القول بأنّه: لاشكّ أنّ الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنّهم تصرّفوا في الخبر بنحو ما فأضافوا إليه من مفترياتهم، وذلك لأنّ الباحث المنصف الذي يرصد الأحداث كما هي يرى أنّ الإمام الحسن {{ع}} لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنّه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد [[الشيعة]] بإمامته وعصمته رجلاً ورعاً يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى أنّ الصراع من معاوية لا يجدي نفعاً ولا يعود على الأمّة إلا بسفك الكثير من الدماء وأنّ نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وإن وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص160-161.</ref>


ثم لو صحّت رواية الصحيفة البيضاء فلابد من القول بأنّ معاوية إنّما افتعل تلك الكذبة ليبرر لنفسه عدم الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه تحت نشوة الإنتصار والإنفراد بالسلطة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
ثم لو صحّت رواية الصحيفة البيضاء فلابد من القول بأنّ معاوية إنّما افتعل تلك الكذبة ليبرر لنفسه عدم الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه تحت نشوة الإنتصار والإنفراد بالسلطة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>


والأعجب من ذلك أنّ الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب إلى الأسطورة والسخرية منها إلى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
والأعجب من ذلك أنّ الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب إلى الأسطورة والسخرية منها إلى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>


وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأنّ الإمام الحسن {{ع}} صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم علياً، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ {{ع}}، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإنّ أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحداً، وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص405. وكذا تاريخ إسلام تأليف الفياض. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأنّ الإمام الحسن {{ع}} صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم علياً، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ {{ع}}، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإنّ أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحداً، وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص405. وكذا تاريخ إسلام تأليف الفياض. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>


وقد تعرّض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلاً:
وقد تعرّض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلاً:
إنّ هؤلاء المؤرخين لم يلتفتوا إلى حقيقة مهمة وهي أنّ الإمام الحسن {{ع}} لو كان– حقيقة- قد ركّز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة أتباعه، يضاف إلى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فأين خراج دارابجرد وأين الكوفة؟ أليس من المناسب أن يطلب الإمام الحسن {{ع}} تأمين المال من خزانة الدولة في [[الشام]]؟
إنّ هؤلاء المؤرخين لم يلتفتوا إلى حقيقة مهمة وهي أنّ الإمام الحسن {{ع}} لو كان– حقيقة- قد ركّز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة أتباعه، يضاف إلى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فأين خراج دارابجرد وأين الكوفة؟ أليس من المناسب أن يطلب الإمام الحسن {{ع}} تأمين المال من خزانة الدولة في [[الشام]]؟


وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام أو من مكان آخر؟ أليس كل ذلك يعود إلى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم أين الشروط الأساسية التي تمثّل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>
وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام أو من مكان آخر؟ أليس كل ذلك يعود إلى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم أين الشروط الأساسية التي تمثّل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161.</ref>


في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]] {{ع}} في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أنّ ما سجّله البلاذري في تاريخه أقرب إلى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161-162.</ref>
في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]] {{ع}} في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أنّ ما سجّله البلاذري في تاريخه أقرب إلى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص161-162.</ref>


===متن وثيقة الصلح===
===متن وثيقة الصلح===
روى [[البلاذري]] في ''أنساب الأشراف'': دفع معاوية إلى الحسن {{ع}} صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: اكتب فيها ما شئت. فكتب الحسن {{ع}}:
روى [[البلاذري]] في ''أنساب الأشراف'': دفع معاوية إلى الحسن {{ع}} صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: اكتب فيها ما شئت. فكتب الحسن {{ع}}:


بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان، صالحه على:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان، صالحه على:
سطر ١٥٠: سطر ١٢٨:


مهّد الإمام الحسن {{ع}} لاختبار الناس ومعرفة مدى إيمانهم بالحرب والإستعداد لها حينما خطبهم قائلا: '''إنّا والله ما يثنينا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع.... ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله، عزّ وجلّ، بظبى السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى'''. فناداه النّاس من كلّ جانب: البقيّة البقيّة! وأمضى الصّلح».<ref>ابن الأثير،الكامل في التاريخ: ج3، ص406.</ref>
مهّد الإمام الحسن {{ع}} لاختبار الناس ومعرفة مدى إيمانهم بالحرب والإستعداد لها حينما خطبهم قائلا: '''إنّا والله ما يثنينا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع.... ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله، عزّ وجلّ، بظبى السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى'''. فناداه النّاس من كلّ جانب: البقيّة البقيّة! وأمضى الصّلح».<ref>ابن الأثير،الكامل في التاريخ: ج3، ص406.</ref>


وقال [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']]: وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن {{ع}} وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه {{ع}} وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين.... ونظر [[الإمام الحسن (ع)|الإمام الحسن]] {{ع}}- بعد حوادث جرت في تلك الاثناء- في أمر الناس. فازدادت بصيرته {{ع}} بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين {{ع}} وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فاستجاب للصلح.<ref>المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص10.</ref>
وقال [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']]: وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن {{ع}} وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه {{ع}} وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين.... ونظر [[الإمام الحسن (ع)|الإمام الحسن]] {{ع}}- بعد حوادث جرت في تلك الاثناء- في أمر الناس. فازدادت بصيرته {{ع}} بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين {{ع}} وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فاستجاب للصلح.<ref>المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص10.</ref>


وعن سليم بن قيس الهلالي قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب {{ع}} على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: '''أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي لها أهلاً وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعتم فيها يا معاوية'''...<ref>الطبرسي، الإحتجاج: ج‏2، ص289.</ref>
وعن سليم بن قيس الهلالي قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب {{ع}} على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: '''أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي لها أهلاً وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعتم فيها يا معاوية'''...<ref>الطبرسي، الإحتجاج: ج‏2، ص289.</ref>


وفي رواية أخرى أنه {{ع}} قال: '''لو وجدت أعوانا ما سلمت له الأمر لأنه محرم على [[بني أمية]]'''.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص576.</ref> وقال في معرض الجواب عن سؤال أحد المعترضين على الصلح: '''والله ما سلمت الأمر إليه إلا أنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً'''.<ref>الطبرسي، الإحتجاج، ج‏2، ص 291.</ref>
وفي رواية أخرى أنه {{ع}} قال: '''لو وجدت أعوانا ما سلمت له الأمر لأنه محرم على [[بني أمية]]'''.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص576.</ref> وقال في معرض الجواب عن سؤال أحد المعترضين على الصلح: '''والله ما سلمت الأمر إليه إلا أنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً'''.<ref>الطبرسي، الإحتجاج، ج‏2، ص 291.</ref>
===منع إراقة الدماء===
===منع إراقة الدماء===


سطر ١٦٤: سطر ١٣٩:


'''إن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ورأيت أَنَّ ما حَقَنَ الدِّماءَ خَيرٌ ممَّا سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين'''.<ref>الأربلي، كشف الغمة: ج‏1، ص571.</ref>
'''إن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ورأيت أَنَّ ما حَقَنَ الدِّماءَ خَيرٌ ممَّا سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين'''.<ref>الأربلي، كشف الغمة: ج‏1، ص571.</ref>


وفي كلام له {{ع}}: '''كانت جماجم [[العرب]] بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين'''.<ref>الأربلي، كشف الغمة: ج‏1، ص523.</ref>
وفي كلام له {{ع}}: '''كانت جماجم [[العرب]] بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين'''.<ref>الأربلي، كشف الغمة: ج‏1، ص523.</ref>


والمُلاحظ في هذه الرواية كونها تنافي ما ذكر سابقاً من تخاذل رؤساء العرب وعدم استجابتهم للإمام {{ع}} يضاف إلى ذلك أنّ الرواية بأكثر من سبب منها أنها مرفوعة ومعارضتها لكثير من الروايات التي تشير إلى تخاذل الناس وتراجعهم وقال {{ع}} في جواب [[سليمان بن صرد الخزاعي]] وجماعة من المعترضين على الصلح: لكنِّي أَرى غيرَ ما رأَيْتُمْ وما أَردتُ بما فعلْتُ إِلَّا حَقْنَ الدِّمَاء.<ref>الراوندي، تنزيه الأنبياء: ص172.</ref>
والمُلاحظ في هذه الرواية كونها تنافي ما ذكر سابقاً من تخاذل رؤساء العرب وعدم استجابتهم للإمام {{ع}} يضاف إلى ذلك أنّ الرواية بأكثر من سبب منها أنها مرفوعة ومعارضتها لكثير من الروايات التي تشير إلى تخاذل الناس وتراجعهم وقال {{ع}} في جواب [[سليمان بن صرد الخزاعي]] وجماعة من المعترضين على الصلح: لكنِّي أَرى غيرَ ما رأَيْتُمْ وما أَردتُ بما فعلْتُ إِلَّا حَقْنَ الدِّمَاء.<ref>الراوندي، تنزيه الأنبياء: ص172.</ref>


وفي بيان آخر: «ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها».<ref>الطبرسي، الإحتجاج: ج‏1، ص282.</ref>
وفي بيان آخر: «ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها».<ref>الطبرسي، الإحتجاج: ج‏1، ص282.</ref>
سطر ١٧٧: سطر ١٤٩:


===حفظ الدين===
===حفظ الدين===
من المبررات التي دعت إلى الصلح والغايات التي تكمن في ذلك «حفظ [[الدين]]»؛ وذلك لأنّ الحالة العامة للمجتمع [[الاسلام|الإسلامي]] إبّان تلك الفترة كانت توحي بأنّ أصل الدين الإسلامي في خطر فيما إذا دارت الحرب بين الجانبين وأنّ الحرب ليست بصالح الكوفيين والشاميين على حد سواء بل تجرّ إلى ضعف الجبهة الإسلامية مما يوفر الأرضية المناسبة للرومان لمهاجمة بلاد المسلمين، ويؤيد ذلك ما سجّله [[اليعقوبي]] في [[تاريخ اليعقوبي (كتاب)|تاريخه]] حيث قال: ورجع [[معاوية بن أبي سفيان|معاوية]] إلى الشام سنة 41 هـ ، وبلغه أنّ طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وإحكامه، فوجّه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار. وكان معاوية أوّل من صالح الروم.<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص144-145.</ref>
من المبررات التي دعت إلى الصلح والغايات التي تكمن في ذلك «حفظ [[الدين]]»؛ وذلك لأنّ الحالة العامة للمجتمع [[الاسلام|الإسلامي]] إبّان تلك الفترة كانت توحي بأنّ أصل الدين الإسلامي في خطر فيما إذا دارت الحرب بين الجانبين وأنّ الحرب ليست بصالح الكوفيين والشاميين على حد سواء بل تجرّ إلى ضعف الجبهة الإسلامية مما يوفر الأرضية المناسبة للرومان لمهاجمة بلاد المسلمين، ويؤيد ذلك ما سجّله [[اليعقوبي]] في [[تاريخ اليعقوبي (كتاب)|تاريخه]] حيث قال: ورجع [[معاوية بن أبي سفيان|معاوية]] إلى الشام سنة 41 هـ ، وبلغه أنّ طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وإحكامه، فوجّه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار. وكان معاوية أوّل من صالح الروم.<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص144-145.</ref>


يضاف إلى ذلك أنّ الوضع الثقافي والوعي الديني للمجتمع الإسلامي كان بنحو لا يؤمن معه عدم تأثر المسلمين سلباً وتراجعهم عن قيم الدين ومقدساته فيما إذا سالت الدماء بين [[المسلم|المسلمين]]؛ ولعلّ ذلك هو الذي جعل [[الإمام الحسن المجتبى|الإمام الحسن]] {{ع}} يبرر صلحه بحفظ الدين وخشيته أن يُجتثّ المسلمون عن وجه الأرض.<ref>القرشي، حياة الحسن: ص35.</ref>
يضاف إلى ذلك أنّ الوضع الثقافي والوعي الديني للمجتمع الإسلامي كان بنحو لا يؤمن معه عدم تأثر المسلمين سلباً وتراجعهم عن قيم الدين ومقدساته فيما إذا سالت الدماء بين [[المسلم|المسلمين]]؛ ولعلّ ذلك هو الذي جعل [[الإمام الحسن المجتبى|الإمام الحسن]] {{ع}} يبرر صلحه بحفظ الدين وخشيته أن يُجتثّ المسلمون عن وجه الأرض.<ref>القرشي، حياة الحسن: ص35.</ref>
سطر ١٨٦: سطر ١٥٦:


لا يشكُّ المتابع لتاريخ المسلمين منذ [[الهجرة النبوية]] إلى [[المدينة المنورة]] مروراً بعهد [[الخلفاء الثلاثة|الخلفاء]] أنّهم عاشوا الكثير من [[الغزوة|الغزوات]] والحروب التي طال أمد بعضها كالحروب مع الرومان والفرس وبعض الأقوام والشعوب المجاورة كما في [[الجزيرة العربية]] يضاف إلى ذلك الحروب الثلاثة التي أثيرت بوجه حكومة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] {{ع}}، كل ذلك كانت له انعكاسات سلبية على روحية [[المسلم|المسلمين]] عامة والمقاتلين خاصّة، وهذا ما أشار إليه [[الشيخ المفيد]] حينما سجّل لنا شهادة تاريخية تكشف عن تلك الحقيقة قائلاً: «وسار [[معاوية]] نحو [[العراق]] ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك [[الإمام الحسن المجتبى|الحسن]] {{ع}} وبعث [[حجر بن عدي]] فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خف معه أخلاط من الناس‏...».<ref>المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص6.</ref>
لا يشكُّ المتابع لتاريخ المسلمين منذ [[الهجرة النبوية]] إلى [[المدينة المنورة]] مروراً بعهد [[الخلفاء الثلاثة|الخلفاء]] أنّهم عاشوا الكثير من [[الغزوة|الغزوات]] والحروب التي طال أمد بعضها كالحروب مع الرومان والفرس وبعض الأقوام والشعوب المجاورة كما في [[الجزيرة العربية]] يضاف إلى ذلك الحروب الثلاثة التي أثيرت بوجه حكومة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] {{ع}}، كل ذلك كانت له انعكاسات سلبية على روحية [[المسلم|المسلمين]] عامة والمقاتلين خاصّة، وهذا ما أشار إليه [[الشيخ المفيد]] حينما سجّل لنا شهادة تاريخية تكشف عن تلك الحقيقة قائلاً: «وسار [[معاوية]] نحو [[العراق]] ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك [[الإمام الحسن المجتبى|الحسن]] {{ع}} وبعث [[حجر بن عدي]] فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خف معه أخلاط من الناس‏...».<ref>المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص6.</ref>


يضاف إلى ذلك أنّ الإمام الحسن {{ع}} عندما بويع للخلافة بعد أبيه {{ع}} عرض عليه الكثير من الناس ولائهم مبدين استعدادهم للقتال تحت رايته فأراد أن يختبر نوايا القوم قال لهم: '''إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك'''.
يضاف إلى ذلك أنّ الإمام الحسن {{ع}} عندما بويع للخلافة بعد أبيه {{ع}} عرض عليه الكثير من الناس ولائهم مبدين استعدادهم للقتال تحت رايته فأراد أن يختبر نوايا القوم قال لهم: '''إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك'''.


فركب وركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه وبما وعدوه وغرّوه كما غرّوا [[أمير المؤمنين]] {{ع}} من قبله.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص574.</ref>
فركب وركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه وبما وعدوه وغرّوه كما غرّوا [[أمير المؤمنين]] {{ع}} من قبله.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص574.</ref>


وقال الإمام الحسن {{ع}} في ذم هؤلاء:‏ '''يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين مرّة بعد مرّة ولو سلّمت إلى [[معاوية]] الأمر فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع [[بني أمية]] والله ليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنون أن يلي عليكم حبشياً'''.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص576.</ref>
وقال الإمام الحسن {{ع}} في ذم هؤلاء:‏ '''يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين مرّة بعد مرّة ولو سلّمت إلى [[معاوية]] الأمر فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع [[بني أمية]] والله ليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنون أن يلي عليكم حبشياً'''.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص576.</ref>


وفي كلام له {{ع}} قال فيه: '''إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصّه من القتل، فرأيت دفع هذه الحروب إلى يوم ما'''.<ref>الدينوري، أخبار الطوال: ص220.</ref>
وفي كلام له {{ع}} قال فيه: '''إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصّه من القتل، فرأيت دفع هذه الحروب إلى يوم ما'''.<ref>الدينوري، أخبار الطوال: ص220.</ref>


===خطر الخوارج===
===خطر الخوارج===
كتب [[ابن عربي]] صاحب كتاب [[أحكام القرآن]] مشيراً إلى خطر الخوارج: «وعمل الحسن رضي الله عنه بمقتضى حاله ، فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه، وكان ذلك بأسباب سماوية، ومقادير أزلية، ومواعيد من الصادق صادقة، ومنها ما رأى من تشتت آراء من معه، ومنها أنه رأى [[المارقون|الخوارج]] أحاطوا بأطرافه، وعلم أنّه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليها معاوية».<ref>ابن عربي، أحكام القرآن: ج3، ص152.</ref>
كتب [[ابن عربي]] صاحب كتاب [[أحكام القرآن]] مشيراً إلى خطر الخوارج: «وعمل الحسن رضي الله عنه بمقتضى حاله ، فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه، وكان ذلك بأسباب سماوية، ومقادير أزلية، ومواعيد من الصادق صادقة، ومنها ما رأى من تشتت آراء من معه، ومنها أنه رأى [[المارقون|الخوارج]] أحاطوا بأطرافه، وعلم أنّه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليها معاوية».<ref>ابن عربي، أحكام القرآن: ج3، ص152.</ref>


سطر ٢٠٦: سطر ١٧١:


ذكر [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']] أنّه خرج مع [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] {{ع}} أخلاط من الناس بعضهم [[الشيعة|شيعة]] له ولأبيه {{ع}} وبعضهم محكمة– خوارج- يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين...<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص170.</ref>
ذكر [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']] أنّه خرج مع [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] {{ع}} أخلاط من الناس بعضهم [[الشيعة|شيعة]] له ولأبيه {{ع}} وبعضهم محكمة– خوارج- يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين...<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص170.</ref>


ولا ريب أنّ جيشاً يتكون من هكذا خليط غير متجانس لم يؤمن منه التمرد على قائده والانهيار أمام أبسط التحدّيات وأضعف الضربات التي توجه إليه، فالخوارج - على سبيل المثال- لم يلتحقوا بجيش الإمام الحسن {{ع}} إيماناً بقيادته واعترافاً بشرعيته وإنّما خرجوا ابتغاء الفتنة والإفساد.<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص177.</ref>
ولا ريب أنّ جيشاً يتكون من هكذا خليط غير متجانس لم يؤمن منه التمرد على قائده والانهيار أمام أبسط التحدّيات وأضعف الضربات التي توجه إليه، فالخوارج - على سبيل المثال- لم يلتحقوا بجيش الإمام الحسن {{ع}} إيماناً بقيادته واعترافاً بشرعيته وإنّما خرجوا ابتغاء الفتنة والإفساد.<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص177.</ref>


وقد ردّ الإمام الحسن {{ع}} على أحد المعترضين على الصلح بقوله: '''رأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد أبداً إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نيّة لهم في خير ولا شر'''.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص407.</ref>
وقد ردّ الإمام الحسن {{ع}} على أحد المعترضين على الصلح بقوله: '''رأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد أبداً إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نيّة لهم في خير ولا شر'''.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص407.</ref>


وحينما فشل الكوفيون في الإختبار الذي أعدّه الإمام الحسن {{ع}} وما بدر منهم من ردود فعل تكشف عن عدم ولائهم الحقيقي للإمام الحسن {{ع}} وحينما كتبوا إلى معاوية مبدين استعدادهم لتسليم الحسن {{ع}} له متى شاء. وعندما خانه [[عبيد الله بن العباس]] والتحق بمعاوية مقابل حفنة من المال، ازدادت بصيرته {{ع}} بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكّمة– الخوارج- فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين {{ع}} وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.<ref>المفيد،الإرشاد: ج‏2، ص10.</ref>
وحينما فشل الكوفيون في الإختبار الذي أعدّه الإمام الحسن {{ع}} وما بدر منهم من ردود فعل تكشف عن عدم ولائهم الحقيقي للإمام الحسن {{ع}} وحينما كتبوا إلى معاوية مبدين استعدادهم لتسليم الحسن {{ع}} له متى شاء. وعندما خانه [[عبيد الله بن العباس]] والتحق بمعاوية مقابل حفنة من المال، ازدادت بصيرته {{ع}} بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكّمة– الخوارج- فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين {{ع}} وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.<ref>المفيد،الإرشاد: ج‏2، ص10.</ref>


وكان قد كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر واستحثّوه على السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن {{ع}} إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به وبلغ الحسن {{ع}} ذلك.<ref>المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص9.</ref>
وكان قد كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر واستحثّوه على السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن {{ع}} إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به وبلغ الحسن {{ع}} ذلك.<ref>المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص9.</ref>
وعن [[زيد بن وهب الجهني]] أنّه قال: لما طعن الحسن بن علي {{ع}} بالمدائن أتيته وهو متوجّع فقلت: ما ترى يا ابن [[رسول الله]] {{صل}} فإن الناس متحيرون؟ فقال: أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي....<ref>الطبرسي، الإحتجاج: ج2، ص290.</ref>
وعن [[زيد بن وهب الجهني]] أنّه قال: لما طعن الحسن بن علي {{ع}} بالمدائن أتيته وهو متوجّع فقلت: ما ترى يا ابن [[رسول الله]] {{صل}} فإن الناس متحيرون؟ فقال: أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي....<ref>الطبرسي، الإحتجاج: ج2، ص290.</ref>


مستخدم مجهول