انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «صلح الإمام الحسن عليه السلام»

ط
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Madani
imported>Madani
طلا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''صلح الإمام الحسن عليه السلام''' عنوان ينصرف الى المعاهدة التي جرت بين الإمام (عليه السلام) وبين [[معاوية بن أبي سفيان]] في [[سنة 41 هجرية]] الذي سلّم فيها الإمام (عليه السلام) الحكم لمعاوية بشروط مذكورة في المصادر التاريخية.
'''صلح الإمام الحسن عليه السلام''' عنوان ينصرف الى المعاهدة التي جرت بين الإمام (عليه السلام) وبين [[معاوية بن أبي سفيان]] في [[سنة 41 هجرية]] الذي سلّم فيها الإمام (عليه السلام) الحكم لمعاوية بشروط مذكورة في المصادر التاريخية.


[[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن بن علي بن أبي طالب]] (عليه السلام) هو الإمام الثاني من أئمة [[أهل البيت]] (عليه السلام). تصدّى لمسند [[الخلافة]] بعد مبايعة الناس له، فوقف في بادئ الأمر أمام دسائس معاوية وكان يرفض منحه أي مشروعية لكونه يرى المشروعية في الحكم منحصرة به (عليه السلام) فقط. ومن هنا تأزم الوضع بينهما حتى كادت الحرب أن تنشب بين الطرفين.
[[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الحسن بن علي بن أبي طالب]] (عليه السلام) هو الإمام الثاني من أئمة [[أهل البيت]] (عليه السلام). تصدّى لمسند [[الخلافة]] بعد مبايعة الناس له، فوقف في بادئ الأمر أمام دسائس معاوية وكان يرفض منحه أي مشروعية لكونه يرى المشروعية في الحكم منحصرة به (عليه السلام) فقط. ومن هنا تأزم الوضع بينهما حتى كادت الحرب أن تنشب بين الطرفين.
سطر ٥: سطر ٦:
==الكوفة بعد شهادة الإمام علي (عليه السلام)==
==الكوفة بعد شهادة الإمام علي (عليه السلام)==


بايع [[الكوفة|الكوفيون]] [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) خليفة للمسلمين بعد موارة [[أمير المؤمنين]] (عليه السلام) الثرى مباشرة، الا أن الوضع المضطرب في الكوفة لم يكن يبشر بخير ولم يظهر فيه ما يدل على استقرار الوضع وهدوء الساحة، ومن هنا كانت المهمة الاولى الملقاة على عاتق الإمام التفكير بمعالجة الجبهة الداخلية وتهدئة الوسط الكوفي ثم بعث الولاة الى الولايات– باستثناء [[الشام]] التي كانت تحت حكم [[معاوية]]- ك[[مصر]] و[[الحجاز]] و[[خراسان]] و[[آذربايجان]] وسائر المناطق [[إيران|الايرانية]] وغيرها. يضاف الى ذلك المهمة الكبرى التي لا بدّ من معالجتها ووضع حدّ للتمرد الشامي والقضاء على قائد الفتنة معاوية بن أبي سفيان.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref>
بايع [[الكوفة|الكوفيون]] [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) خليفة للمسلمين بعد موارة [[أمير المؤمنين]] (عليه السلام) الثرى مباشرة، الا أن الوضع المضطرب في الكوفة لم يكن يبشر بخير ولم يظهر فيه ما يدل على استقرار الوضع وهدوء الساحة، ومن هنا كانت المهمة الاولى الملقاة على عاتق الإمام التفكير بمعالجة الجبهة الداخلية وتهدئة الوسط الكوفي ثم بعث الولاة الى الولايات– باستثناء [[الشام]] التي كانت تحت حكم [[معاوية]]- ك[[مصر]] و[[الحجاز]] و[[خراسان]] و[[آذربايجان]] وسائر المناطق [[إيران|الايرانية]] وغيرها.  
 
 
يضاف إلى ذلك المهمة الكبرى التي لا بدّ من معالجتها ووضع حدّ للتمرد الشامي والقضاء على قائد الفتنة معاوية بن أبي سفيان.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref> علماً أن الشام لم تكن باللقمة السائغة التي يمكن ابتلاعها بيسر بل كانت عصية عن المعالجة الى حد ما في زمن [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام) فكيف بها بعد شهادته واضطراب الأمور وبروز معاوية على الساحة كحاكم شرعي.


علماً أن الشام لم تكن باللقمة السائغة التي يمكن ابتلاعها بيسر بل كانت عصية عن المعالجة الى حد ما في زمن [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام) فكيف بها بعد شهادته واضطراب الأمور وبروز معاوية على الساحة كحاكم شرعي.


وعليه لا بدّ من الاستعداد التام لمثل هذه المشكلة وعلى الإمام أن يوفر من الجيش ما يكون مؤهلاً لخوض معركة كبرى مع خصم عنود قد انصاعت له الشام بالمطلق، فما هي تلك القوة التي يصول بها الإمام (عليه السلام) وهو يرى قبل أيّام كيف أنّ والده (عليه السلام) كان يحث الكوفيين على قتال الشاميين فلم يجد منهم التفاعل المأمول.
وعليه لا بدّ من الاستعداد التام لمثل هذه المشكلة وعلى الإمام أن يوفر من الجيش ما يكون مؤهلاً لخوض معركة كبرى مع خصم عنود قد انصاعت له الشام بالمطلق، فما هي تلك القوة التي يصول بها الإمام (عليه السلام) وهو يرى قبل أيّام كيف أنّ والده (عليه السلام) كان يحث الكوفيين على قتال الشاميين فلم يجد منهم التفاعل المأمول.


ثم لو تجاوزنا مشكلة الشام والشاميين فهل يمتلك الإمام (عليه السلام) الكفاءات الكبيرة التي تستيطع إدارة سائر الولايات الكبيرة؟! فهو بحاجة الى حاكم مؤمن بصيرة بشؤون الادارة والحكم شجاع لم ينجرف مع زخارف الدنيا وزبرجها، خاصّة وأن الكثير من السياسيين الذين من المؤمل الاعتماد عليهم قد أبهرهم عطاء معاوية اللامحدود لأصحابه والمحيطين به. هؤلاء هم نفس الرجال الذي خاطبهم أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان». بل ازداد الحال سوءاً في عصر الإمام الحسن (عليه السلام).
 
ثم لو تجاوزنا مشكلة الشام والشاميين فهل يمتلك الإمام (عليه السلام) الكفاءات الكبيرة التي تستيطع إدارة سائر الولايات الكبيرة؟! فهو بحاجة الى حاكم مؤمن بصيرة بشؤون الادارة والحكم شجاع لم ينجرف مع زخارف الدنيا وزبرجها، خاصّة وأن الكثير من السياسيين الذين من المؤمل الاعتماد عليهم قد أبهرهم عطاء معاوية اللامحدود لأصحابه والمحيطين به.
 
 
هؤلاء هم نفس الرجال الذي خاطبهم أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان». بل ازداد الحال سوءاً في عصر الإمام الحسن (عليه السلام).
 


واذا خرجنا من دائرة [[الكوفة]] وتوجهنا نحو [[البصرة]] نراها هي الأخرى لا يؤمل فيها خير وكيف يعوّل على مدينة عرفت بميولها [[العثمانية]] وهي أقرب الى معاوية منها الى الإمام الحسن (عليه السلام).
واذا خرجنا من دائرة [[الكوفة]] وتوجهنا نحو [[البصرة]] نراها هي الأخرى لا يؤمل فيها خير وكيف يعوّل على مدينة عرفت بميولها [[العثمانية]] وهي أقرب الى معاوية منها الى الإمام الحسن (عليه السلام).


وأما [[الخوارج]] فأمرهم أوضح والتعويل عليهم يعد ضربا من الخيال فانهم وإن رفعوا في أوائل حركتهم شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأظهروا الاستعداد لمساندة من يقوم بذلك الا أنهم تحولوا الى طلاب حكم وميل للتصدي للخلافة. فلم يبق مع الإمام (عليه السلام) الا [[الشيعة]] وهؤلاء أيضا لم يكونوا على نسق واحد بل هناك طائفة كبيرة منهم متظاهرة بالولاء و[[التشيع]] لا يمكن التعويل على ولائها وإحراز مواقفها حتى اللحظة الأخيرة من المعركة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref>
وأما [[الخوارج]] فأمرهم أوضح والتعويل عليهم يعد ضربا من الخيال فانهم وإن رفعوا في أوائل حركتهم شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأظهروا الاستعداد لمساندة من يقوم بذلك الا أنهم تحولوا الى طلاب حكم وميل للتصدي للخلافة. فلم يبق مع الإمام (عليه السلام) الا [[الشيعة]] وهؤلاء أيضا لم يكونوا على نسق واحد بل هناك طائفة كبيرة منهم متظاهرة بالولاء و[[التشيع]] لا يمكن التعويل على ولائها وإحراز مواقفها حتى اللحظة الأخيرة من المعركة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref>


واذا كان الكوفيون قد اضطربت مواقفهم في الايام الاخيرة من حياة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام) فكيف ينساقون بيسر لولده من بعده؟! فلم يبق معه الّا الخلّص من شيعته والموالين الحقيقيين له (عليه السلام) وهؤلاء لم يكونوا بالوعي السياسي التام الذي يحصنهم من الوقوع بين الفينة والأخرى في شراك ماكنة الدعاية المضادة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref>
واذا كان الكوفيون قد اضطربت مواقفهم في الايام الاخيرة من حياة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام) فكيف ينساقون بيسر لولده من بعده؟! فلم يبق معه الّا الخلّص من شيعته والموالين الحقيقيين له (عليه السلام) وهؤلاء لم يكونوا بالوعي السياسي التام الذي يحصنهم من الوقوع بين الفينة والأخرى في شراك ماكنة الدعاية المضادة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص158.</ref>
سطر ٢١: سطر ٣١:
===مقدمات المعركة وإرهاصاتها===
===مقدمات المعركة وإرهاصاتها===


في المقابل نجد [[معاوية بن أبي سفيان]] قد حشد كل قواه وسخر كل طاقاتها وحرّك مرتزقته ليثيروا الفتن ويخلقوا المشاكل في [[الحجاز]] و[[اليمن]] و[[مصر]]، بل امتدت حركتهم الى داخل [[الكوفة]] التي تمثل مركز حكومة الإمام (عليه السلام) وتمكّنوا من استقطاب رؤوساء القبائل وكبار البيوتات والأسر هناك بالمال تارة والتهديد والترهيب أخرى. يضاف الى بثّ الإشاعات والاكاذيب في الوسط الاسلامي وخاصة في الساحة العراقية، هذا مع ارسال المجاميع المقاتلة للنهب والقتل وبث الرعب في المناطق الخاضعة لحكوم الإمام (عليه السلام)، مع اشاعة أخبار سياسة البذل اللامحدود التي اعتمدها معاوية ودهائه في إدارة شؤون الحكم في [[الشام]] والمناطق الخاضعة له. كل ذلك مثل الأرضية المناسبة والارهاصات التي تكشف استعداد معاوية لخوض الحرب مع الكوفة عاصمة الدولة الاسلامية.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص158-159.</ref>
في المقابل نجد [[معاوية بن أبي سفيان]] قد حشد كل قواه وسخر كل طاقاتها وحرّك مرتزقته ليثيروا الفتن ويخلقوا المشاكل في [[الحجاز]] و[[اليمن]] و[[مصر]]، بل امتدت حركتهم الى داخل [[الكوفة]] التي تمثل مركز حكومة الإمام (عليه السلام) وتمكّنوا من استقطاب رؤوساء القبائل وكبار البيوتات والأسر هناك بالمال تارة والتهديد والترهيب أخرى.  
 
 
يضاف الى بثّ الإشاعات والاكاذيب في الوسط الاسلامي وخاصة في الساحة العراقية، هذا مع ارسال المجاميع المقاتلة للنهب والقتل وبث الرعب في المناطق الخاضعة لحكوم الإمام (عليه السلام)، مع اشاعة أخبار سياسة البذل اللامحدود التي اعتمدها معاوية ودهائه في إدارة شؤون الحكم في [[الشام]] والمناطق الخاضعة له. كل ذلك مثل الأرضية المناسبة والارهاصات التي تكشف استعداد معاوية لخوض الحرب مع الكوفة عاصمة الدولة الاسلامية.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص158-159.</ref>
 
 
وبعد أن انجز مرتزقة معاوية المهام الموكلة اليهم سار بجيشه نحو [[العراق]] وعسكر في منطقة [[مسكن]]، وكان [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام) قد أعدّ في أخريات حياته جيشاً لمحاربة الشاميين وكان على هذا الجيش أن يواصل مهمته لكن وقع الخلاف في من يقود هذا الجيش فهل تكون القيادة ل[[قيس بن سعد]] بن عبادة أو ل[[عبيد الله بن عباس]]؟
 
 
وقد استعد قيس لمهاجمة جيش الشام وذهب [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) الى [[المدائن]]، الا أن الاحداث كانت لا تسير لصالح جيش الإمام (عليه السلام) حيث اشيع قتل قيس مما أدى الى حصول تمرّد في جيش الإمام (عليه السلام).<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref>


وبعد أن انجز مرتزقة معاوية المهام الموكلة اليهم سار بجيشه نحو [[العراق]] وعسكر في منطقة [[مسكن]]، وكان [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام) قد أعدّ في أخريات حياته جيشاً لمحاربة الشاميين وكان على هذا الجيش أن يواصل مهمته لكن وقع الخلاف في من يقود هذا الجيش فهل تكون القيادة ل[[قيس بن سعد]] بن عبادة أو ل[[عبيد الله بن عباس]]؟ وقد استعد قيس لمهاجمة جيش الشام وذهب [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) الى [[المدائن]]، الا أن الاحداث كانت لا تسير لصالح جيش الإمام (عليه السلام) حيث اشيع قتل قيس مما أدى الى حصول تمرّد في جيش الإمام (عليه السلام).<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref>


وقد اشار بعض المؤرخين الى هذه القضية بقوله: بينا كان الحسن (عليه السلام) بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره: «ألا إن [[قيس بن سعد]] قد قتل!» فشدّ الناس على حجرة الحسن (عليه السلام) فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره !! وطعنه رجل بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه وانتقل – كما يقول الطبري- الى منزل [[سعد بن مسعود الثقفي]]– عمّ [[المختار]]- وكان عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) بها فأقرّه الحسن (عليه السلام)، فقال له المختار وهو غلام شاب:
وقد اشار بعض المؤرخين الى هذه القضية بقوله: بينا كان الحسن (عليه السلام) بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره: «ألا إن [[قيس بن سعد]] قد قتل!» فشدّ الناس على حجرة الحسن (عليه السلام) فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره !! وطعنه رجل بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه وانتقل – كما يقول الطبري- الى منزل [[سعد بن مسعود الثقفي]]– عمّ [[المختار]]- وكان عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) بها فأقرّه الحسن (عليه السلام)، فقال له المختار وهو غلام شاب:
سطر ٣٤: سطر ٥٢:


فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت [[رسول الله]] (صلى الله عليه وآله) فاوثقه! بئس الرجل أنت!.<ref>الطبري، تاريخ الرسل و الملوك (تاريخ الطبري)، بريل، 1881م، ج7، ص2؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت: دار  صادر، 1385هـ ق، ج3، ص404؛ به نقل جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref>
فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت [[رسول الله]] (صلى الله عليه وآله) فاوثقه! بئس الرجل أنت!.<ref>الطبري، تاريخ الرسل و الملوك (تاريخ الطبري)، بريل، 1881م، ج7، ص2؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت: دار  صادر، 1385هـ ق، ج3، ص404؛ به نقل جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref>


والمختار هو ذلك الشخص الذي ثار بعد خمسة وعشرين عاماً لدماء الشهداء وقاد حركة [[الشيعة]] ضد الحكم [[بني أمية|الأموي]]، مما يجعلنا نشك في ما نسب الى الرجل من كلمات قد تكون من ابتكارات خصومه [[الزبير|الزبيريين]] (اتباع [[عبد الله بن الزبير]])، وعلى فرض صحة ما نسب اليه فهو أمر لا غرابة فيه وممكن صدوره من شاب حدث لا خبرة لها بالسياسة وبمنازل الرجال، وسواء صحّت النسبة أم لم تصح الا أن الكلام المذكور والأحداث التي وقعت تكشف لنا عن حقيقة خطرة وهي أن تصدي الإمام الحسن (عليه السلام) للحكم اقترن بوجود تيار من النفعيين الذين لا يهمهم الا مصالحهم الشخصية وما تدرّه السياسة عليهم من مناصب وأموال تعزز كياناتهم الشخصية والعشائرية فقط ولا تهمهم مصالح المسلمين قطعاً.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref>
والمختار هو ذلك الشخص الذي ثار بعد خمسة وعشرين عاماً لدماء الشهداء وقاد حركة [[الشيعة]] ضد الحكم [[بني أمية|الأموي]]، مما يجعلنا نشك في ما نسب الى الرجل من كلمات قد تكون من ابتكارات خصومه [[الزبير|الزبيريين]] (اتباع [[عبد الله بن الزبير]])، وعلى فرض صحة ما نسب اليه فهو أمر لا غرابة فيه وممكن صدوره من شاب حدث لا خبرة لها بالسياسة وبمنازل الرجال، وسواء صحّت النسبة أم لم تصح الا أن الكلام المذكور والأحداث التي وقعت تكشف لنا عن حقيقة خطرة وهي أن تصدي الإمام الحسن (عليه السلام) للحكم اقترن بوجود تيار من النفعيين الذين لا يهمهم الا مصالحهم الشخصية وما تدرّه السياسة عليهم من مناصب وأموال تعزز كياناتهم الشخصية والعشائرية فقط ولا تهمهم مصالح المسلمين قطعاً.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص159.</ref>


من هنا وكما يقول بعض المحللين للصلح، ومنهم الشيخ حسين سليمان في كتابه الإمام الحسن (عليه السلام) القائد والأسوة: «لم يكن الإمام الحسن (عليه السلام) في خيار سوى ترجيح كفّة الحل السلمي لمشكلة الأمّة، خاصة بعد أن تزاحمت عوامل الضغط الداخلية والخارجية، والتي اضطر الإمام (عليه السلام) للقبول باتفاقية الهدنة (الصلح) بينه وبين معاوية، والتي جاءت بعد محاولات عديدة وجادّة أجراها الإمام (عليه السلام) مع جماهير الأمّة للوقوف بوجه الهجمة الأموية قبل الوصول إلى هذه المرحلة».
من هنا وكما يقول بعض المحللين للصلح، ومنهم الشيخ حسين سليمان في كتابه الإمام الحسن (عليه السلام) القائد والأسوة: «لم يكن الإمام الحسن (عليه السلام) في خيار سوى ترجيح كفّة الحل السلمي لمشكلة الأمّة، خاصة بعد أن تزاحمت عوامل الضغط الداخلية والخارجية، والتي اضطر الإمام (عليه السلام) للقبول باتفاقية الهدنة (الصلح) بينه وبين معاوية، والتي جاءت بعد محاولات عديدة وجادّة أجراها الإمام (عليه السلام) مع جماهير الأمّة للوقوف بوجه الهجمة الأموية قبل الوصول إلى هذه المرحلة».


وبعد أن شعر الإمام (عليه السلام) بخطورة موقف الأمّة على مسيرة الحركة الرسالية، وجد (عليه السلام) أن السبيل الوحيد في الحفاظ على أبناء الحركة الرسالية هو في توقيع اتفاقية هدنة مع معاوية، وبهذه الاتفاقية يستطيع الإمام (عليه السلام) أن يحافظ على الميراث الرسالي ليصل إلى الأجيال القادمة، خاصة وأن الأوضاع الأمنية باتت شبه مهددة سواء من جانب معاوية وجلاوزته أو من جانب قطاع كبير من جماهير الأمّة...<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref>
وبعد أن شعر الإمام (عليه السلام) بخطورة موقف الأمّة على مسيرة الحركة الرسالية، وجد (عليه السلام) أن السبيل الوحيد في الحفاظ على أبناء الحركة الرسالية هو في توقيع اتفاقية هدنة مع معاوية، وبهذه الاتفاقية يستطيع الإمام (عليه السلام) أن يحافظ على الميراث الرسالي ليصل إلى الأجيال القادمة، خاصة وأن الأوضاع الأمنية باتت شبه مهددة سواء من جانب معاوية وجلاوزته أو من جانب قطاع كبير من جماهير الأمّة...<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref>
سطر ٤٣: سطر ٦٤:


==مكان الصلح وزمانه==
==مكان الصلح وزمانه==
تم الاعلان عن مبادئ الصلح وتوقيعه في منطقة [[مسكن]] وبحضور جماعة كبيرة من [[الشام|الشاميين]].<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 471.</ref> وقد اشار الشيخ [[باقر شريف القرشي]] في كتابه [[حياة الإمام الحسن (عليه السلام)|''حياة الإمام الحسن (عليه السلام)'']] الى اختلاف المؤرخين في تاريخ توقيع الصلح كما اختلف في مكانه فذهب جماعة من المؤرخين الى القول بان الصلح عقد في شهر [[ربيع الأول]] من سنة 41 هجرية وهناك من حدّده ب[[ربيع الثاني]] من نفس السنة وذهب فريق ثالث الى القول بأنه وقع في [[جمادى الأولى]].<ref>باقر شريف القرشي، حياة الحسن ص 471.</ref>
تم الاعلان عن مبادئ الصلح وتوقيعه في منطقة [[مسكن]] وبحضور جماعة كبيرة من [[الشام|الشاميين]].<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 471.</ref> وقد اشار الشيخ [[باقر شريف القرشي]] في كتابه [[حياة الإمام الحسن (عليه السلام)|''حياة الإمام الحسن (عليه السلام)'']] الى اختلاف المؤرخين في تاريخ توقيع الصلح كما اختلف في مكانه فذهب جماعة من المؤرخين الى القول بان الصلح عقد في شهر [[ربيع الأول]] من سنة 41 هجرية وهناك من حدّده ب[[ربيع الثاني]] من نفس السنة وذهب فريق ثالث الى القول بأنه وقع في [[جمادى الأولى]].<ref>باقر شريف القرشي، حياة الحسن ص 471.</ref>


سطر ٥٠: سطر ٧٠:


تعرضت وثيقة الصلح منذ توقيعها ولمدة مئتي عام للتلاعب من قبل [[بني أمية|الأمويين]] و[[بني العباس|العباسيين]] والاتجاهات السياسية الاخرى حيث حاول كل فريق منهم أن يطرحها بنحو تؤمن له الغلبة والظهور بمظهر المنتصر. وبما أن المؤرخين بتروا وثيقة الصلح ولم يذكروا كل ما سجله [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) من شروط. من هنا لابد من البحث عن القرائن الحافة التي قد تلقي ضوءا على خفاياها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref>
تعرضت وثيقة الصلح منذ توقيعها ولمدة مئتي عام للتلاعب من قبل [[بني أمية|الأمويين]] و[[بني العباس|العباسيين]] والاتجاهات السياسية الاخرى حيث حاول كل فريق منهم أن يطرحها بنحو تؤمن له الغلبة والظهور بمظهر المنتصر. وبما أن المؤرخين بتروا وثيقة الصلح ولم يذكروا كل ما سجله [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]] (عليه السلام) من شروط. من هنا لابد من البحث عن القرائن الحافة التي قد تلقي ضوءا على خفاياها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref>


روى [[الطبري]] في تاريخه: أن معاوية قد أرسل الى الحسن (عليه السلام) بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب اليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
روى [[الطبري]] في تاريخه: أن معاوية قد أرسل الى الحسن (عليه السلام) بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب اليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.


فلما أتت الحسن اشترط اضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاويه صحيفه الحسن (عليه السلام) التي كتب اليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن (عليه السلام)، ساله الحسن (عليه السلام) أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذى ختم معاويه في أسفله، فأبى معاويه أن يعطيه ذلك، فقال: لك ما كنت كتبت الي أوّلا تسألني أن أعطيكه، فاني قد اعطيتك حين جاءني كتابك. قال الحسن (عليه السلام): وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن (عليه السلام) من الشروط شيئا.<ref>الطبري، تاريخ الرسل و الملوك (تاريخ الطبري) بريل، 1881م، ج7، ص2؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref> وروى مضمون ذلك ابن الأثير في تاريخه.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت: دار صادر، 1385هـ ق، ج3، ص405؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref>
 
فلما أتت الحسن اشترط اضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاويه صحيفه الحسن (عليه السلام) التي كتب اليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن (عليه السلام)، ساله الحسن (عليه السلام) أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذى ختم معاويه في أسفله، فأبى معاويه أن يعطيه ذلك،  
فقال: لك ما كنت كتبت الي أوّلا تسألني أن أعطيكه، فاني قد اعطيتك حين جاءني كتابك.  
قال الحسن (عليه السلام): وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن (عليه السلام) من الشروط شيئا.<ref>الطبري، تاريخ الرسل و الملوك (تاريخ الطبري) بريل، 1881م، ج7، ص2؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref> وروى مضمون ذلك ابن الأثير في تاريخه.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت: دار صادر، 1385هـ ق، ج3، ص405؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص160.</ref>
 


وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر الى القول بأنه: لاشك أن الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنهم تصرفوا في الخبر بنحو ما فاضافوا اليه من مفترياتهم؛ وذلك لان الباحث المنصف الذي يرصد الاحداث كما هي يرى أن الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد [[الشيعة]] بإمامته وعصمته رجلا ورعا يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى ان الصراع من معاوية لا يجدي نفعا ولا يعود على الأمّة الا بسفك الكثير من الدماء وان نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وان وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص160-161.</ref>
وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر الى القول بأنه: لاشك أن الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنهم تصرفوا في الخبر بنحو ما فاضافوا اليه من مفترياتهم؛ وذلك لان الباحث المنصف الذي يرصد الاحداث كما هي يرى أن الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد [[الشيعة]] بإمامته وعصمته رجلا ورعا يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى ان الصراع من معاوية لا يجدي نفعا ولا يعود على الأمّة الا بسفك الكثير من الدماء وان نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وان وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص160-161.</ref>


ثم لو صحت رواية الصحيفة البيضاء فلابد من القول بأن معاوية إنما افتعل تلك الكذبة ليبرر لنفسه عدم الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه تحت نشوة الانتصار والانفراد بالسلطة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>
ثم لو صحت رواية الصحيفة البيضاء فلابد من القول بأن معاوية إنما افتعل تلك الكذبة ليبرر لنفسه عدم الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه تحت نشوة الانتصار والانفراد بالسلطة.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>


والأعجب من ذلك أن الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب الى الأسطورة والسخرية منها الى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>
والأعجب من ذلك أن الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب الى الأسطورة والسخرية منها الى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>


وذهب بعض المؤرخين الى القول بأن الإمام الحسن (عليه السلام) صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم عليا، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ (عليه السلام)، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإن أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحدا، وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>راجع: تاريخ الطبري، «حوادث سنة 40»؛ ابن الأثير، الكامل، ج3، ص405، و كذا تاريخ اسلام تأليف الفياض؛ نقلاً جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>
وذهب بعض المؤرخين الى القول بأن الإمام الحسن (عليه السلام) صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم عليا، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ (عليه السلام)، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإن أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحدا، وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>راجع: تاريخ الطبري، «حوادث سنة 40»؛ ابن الأثير، الكامل، ج3، ص405، و كذا تاريخ اسلام تأليف الفياض؛ نقلاً جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>


وقد تعرض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلا:
وقد تعرض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلا:
إن هؤلاء المؤرخين لم يلتفوا الى حقيقة مهمة وهي أن الإمام الحسن (عليه السلام) لو كان– حقيقة- قد ركز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة اتباعه؛ يضاف إلى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فاين خراج دارابجرد واين الكوفة؟ أليس من المناسب ان يطلب الإمام الحسن (عليه السلام) تأمين المال من خزانة الدولة في [[الشام]]؟
وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام او من مكان آخر؟ أ ليس كل ذلك يعود الى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم اين الشروط الاساسية التي تمثل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها
الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>


إن هؤلاء المؤرخين لم يلتفوا الى حقيقة مهمة وهي أن الإمام الحسن (عليه السلام) لو كان– حقيقة- قد ركز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة اتباعه؛ يضاف الى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فاين خراج دارابجرد واين الكوفة؟ أليس من المناسب ان يطلب الإمام الحسن (عليه السلام) تأمين المال من خزانة الدولة في [[الشام]]؟ وهل كان يضر [[معاوية]]- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام او من مكان آخر؟ أ ليس كل ذلك يعود الى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم اين الشروط الاساسية التي تمثل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها الطبري وغيره من المؤرخين؟!<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص161.</ref>


في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]] (عليه السلام) في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أن ما سجله البلاذري في تاريخه أقرب الى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص161-162.</ref>
في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين [[بني أمية|الأموي]] و[[بني العباس|العباسي]] فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية [[أهل البيت]] (عليه السلام) في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أن ما سجله البلاذري في تاريخه أقرب الى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.<ref>جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، صص161-162.</ref>
سطر ٧٢: سطر ١٠٥:


روى [[البلاذري]] في ''أنساب الاشراف'': دفع معاوية إلى الحسن (عليه السلام) صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: أكتب فيها ما شئت. فكتب الحسن (عليه السلام):
روى [[البلاذري]] في ''أنساب الاشراف'': دفع معاوية إلى الحسن (عليه السلام) صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: أكتب فيها ما شئت. فكتب الحسن (عليه السلام):


بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان، صالحه على:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان، صالحه على:
 
{{Div col|2}}
1. أن يسلم إليه– الى معاوية- ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين؟!
# أن يسلم إليه– الى معاوية- ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين؟!
2. وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى.
#وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى.
3. والناس آمنون حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم.
#والناس آمنون حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم.
 
#وعلى أن لا يبغي للحسن ابن علي غائلة سرا ولا علانية، و(على أن) لا يخيف أحداً من أصحابه.
4. وعلى أن لا يبغي للحسن ابن علي غائلة سرا ولا علانية، و(على أن) لا يخيف أحداً من أصحابه.
 
شهد عبد الله بن الحرث، وعمرو بن سلمة.
شهد عبد الله بن الحرث، وعمرو بن سلمة.
{{Div col end}}


وردهما إلى معاوية ليشهد (بما في الكتاب) و يشهدا عليه.<ref>البلاذري، أنساب الأشراف، بيروت: دار التعارف،1397هـ ق، ج3، ص41-42؛ نقلاُ عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص162.</ref>
وردهما إلى معاوية ليشهد (بما في الكتاب) و يشهدا عليه.<ref>البلاذري، أنساب الأشراف، بيروت: دار التعارف،1397هـ ق، ج3، ص41-42؛ نقلاُ عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص162.</ref>


ورى ابن حجر وثيقة الصلح هكذا:
روى ابن حجر وثيقة الصلح هكذا:


بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم


هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن:
هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن:
{{Div col|2}}
# يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين.


1. يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين.
#ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.


2. ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.
# وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم.


3. وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم.
#وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا.


4. وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا.
#وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
 
{{Div col end}}
5. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.


أشهد عليه فلان وفلان بن فلان وكفى بالله شهيداً.<ref>ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة (القاهرة، مكتبة القاهرة، 1385هـ ق)، ص136؛ وراجع كذلك: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تصحيح محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مطبعة عيسى البابي، 1385هـ ق)، ج16، ص44؛ وراجع كذلك: ابن شهرآشوب، مناقب آل ابي طالب قم، توسعه انتشارات علامة، بلا تا؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص162.</ref>
أشهد عليه فلان وفلان بن فلان وكفى بالله شهيداً.<ref>ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة (القاهرة، مكتبة القاهرة، 1385هـ ق)، ص136؛ وراجع كذلك: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تصحيح محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مطبعة عيسى البابي، 1385هـ ق)، ج16، ص44؛ وراجع كذلك: ابن شهرآشوب، مناقب آل ابي طالب قم، توسعه انتشارات علامة، بلا تا؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص162.</ref>
سطر ١١٦: سطر ١٥٠:


أخذت الحروب التي شنّت ضد حكومة الإمام علي (عليه السلام) الكثير من خلص شيعته والموالين له كما في [[معركة الجمل|الجمل]] و[[معركة صفين|صفين]] و[[معركة النهروان|النهروان]] وبقي هناك مجموعة قليلة من هؤلاء، ولاريب أن إختلال توازن القوى بين الفريقين [[الشام|الشامي]] و[[العراق|العراقي]] (جيش الإمام) كان سيقضي على البقية الباقية فيما لو اندلعت الحرب بين المعسكرين؛ لأن معاوية سيستغل اختلاف توازن القوى هذا بين الفريقين لانزال أكبر هزيمة بشيعة الإمام (عليه السلام).
أخذت الحروب التي شنّت ضد حكومة الإمام علي (عليه السلام) الكثير من خلص شيعته والموالين له كما في [[معركة الجمل|الجمل]] و[[معركة صفين|صفين]] و[[معركة النهروان|النهروان]] وبقي هناك مجموعة قليلة من هؤلاء، ولاريب أن إختلال توازن القوى بين الفريقين [[الشام|الشامي]] و[[العراق|العراقي]] (جيش الإمام) كان سيقضي على البقية الباقية فيما لو اندلعت الحرب بين المعسكرين؛ لأن معاوية سيستغل اختلاف توازن القوى هذا بين الفريقين لانزال أكبر هزيمة بشيعة الإمام (عليه السلام).


وهذا ما أشار اليه [[أبو سعيد عقيصا]] حيث قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا ابن [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]](صلى الله عليه وآله) لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية ... و لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.<ref>الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج‏1، ص: 211.</ref>
وهذا ما أشار اليه [[أبو سعيد عقيصا]] حيث قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا ابن [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]](صلى الله عليه وآله) لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية ... و لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.<ref>الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج‏1، ص: 211.</ref>


وحينما خوطب الإمام الحسن (عليه السلام) بـ «يا مذل المؤمنين»! قال (عليه السلام): ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معزّ المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم.<ref>المجلسي، البحار، ج‏75 ص 287.</ref>
وحينما خوطب الإمام الحسن (عليه السلام) بـ «يا مذل المؤمنين»! قال (عليه السلام): ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معزّ المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم.<ref>المجلسي، البحار، ج‏75 ص 287.</ref>


وفي رواية أخرى قال (عليه السلام) ردّاً على المعترضين على الصلح: «وَيْحَكُمْ ما تَدْرُونَ ما عملتُ واللَّهِ الَّذي عَمِلْتُ خَيْرٌ لشيعَتِي ممَّا طلعَتْ عليه الشَّمسُ أَو غربت».<ref>المجلسي، البحار، ج‏44، ص 19.</ref>
وفي رواية أخرى قال (عليه السلام) ردّاً على المعترضين على الصلح: «وَيْحَكُمْ ما تَدْرُونَ ما عملتُ واللَّهِ الَّذي عَمِلْتُ خَيْرٌ لشيعَتِي ممَّا طلعَتْ عليه الشَّمسُ أَو غربت».<ref>المجلسي، البحار، ج‏44، ص 19.</ref>


وجاء في رواية أخرى ذكرها [[السيد المرتضى]] بلا سند أنً [[حجر بن عدي الكندي]] قال له (عليه السلام): سوّدت وجوه المؤمنين. فقال (عليه السلام): ما كل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم.<ref>شريف مرتضى، تنزيه الأنبياء، ص: 170.</ref>
وجاء في رواية أخرى ذكرها [[السيد المرتضى]] بلا سند أنً [[حجر بن عدي الكندي]] قال له (عليه السلام): سوّدت وجوه المؤمنين. فقال (عليه السلام): ما كل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم.<ref>شريف مرتضى، تنزيه الأنبياء، ص: 170.</ref>
سطر ١٢٨: سطر ١٦٦:


مهّد الإمام الحسن (عليه السلام) لاختبار الناس ومعرفة مدى إيمانهم بالحرب والاستعداد لها حينما خطبهم قائلا: «إنّا والله ما يثنينا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع.... ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله، عزّ و جلّ، بظبى السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى». فناداه النّاس من كلّ جانب: البقيّة البقيّة! و أمضى الصّلح».<ref>ابن الأثير،الكامل في التاريخ، ج 3، ص 406.</ref>
مهّد الإمام الحسن (عليه السلام) لاختبار الناس ومعرفة مدى إيمانهم بالحرب والاستعداد لها حينما خطبهم قائلا: «إنّا والله ما يثنينا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع.... ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله، عزّ و جلّ، بظبى السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى». فناداه النّاس من كلّ جانب: البقيّة البقيّة! و أمضى الصّلح».<ref>ابن الأثير،الكامل في التاريخ، ج 3، ص 406.</ref>


وقال [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']]: وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه (عليه السلام) وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين.... ونظر الإمام الحسن عليه السلام- بعد حوادث جرت في تلك الاثناء- في أمر الناس. فازدادت بصيرته (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فاستجاب للصلح.<ref>المفيد، الإرشاد ج‏2، ص 10.</ref>
وقال [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']]: وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه (عليه السلام) وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين.... ونظر الإمام الحسن عليه السلام- بعد حوادث جرت في تلك الاثناء- في أمر الناس. فازدادت بصيرته (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فاستجاب للصلح.<ref>المفيد، الإرشاد ج‏2، ص 10.</ref>


وعن سليم بن قيس الهلالي قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعتم فيها يا معاوية...<ref>الطبرسي، الإحتجاج، ج‏2، ص 289.</ref>
وعن سليم بن قيس الهلالي قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعتم فيها يا معاوية...<ref>الطبرسي، الإحتجاج، ج‏2، ص 289.</ref>
سطر ١٤٠: سطر ١٨٠:


«إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ورأيت أَنَّ ما حَقَنَ الدِّماءَ خَيرٌ ممَّا سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم و بقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين».<ref>الأربلي، كشف الغمة، ج‏1، ص 571.</ref>
«إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ورأيت أَنَّ ما حَقَنَ الدِّماءَ خَيرٌ ممَّا سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم و بقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين».<ref>الأربلي، كشف الغمة، ج‏1، ص 571.</ref>


وفي كلام له (عليه السلام): «كانت جماجم [[العرب]] بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين».<ref>الأربلي، كشف الغمة، ج‏1، ص 523.</ref>
وفي كلام له (عليه السلام): «كانت جماجم [[العرب]] بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين».<ref>الأربلي، كشف الغمة، ج‏1، ص 523.</ref>


والملاحظ في هذه الرواية كونها تنافي ما ذكر سابقا من تخاذل رؤساء العرب وعدم استجابتهم للإمام (عليه السلام) يضاف الى ذلك أن الرواية باكثر من سبب منها أنها مرفوعة ومعارضتها لكثير من الروايات التي تشير الى تخاذل الناس وتراجعهم وقال (عليه السلام) في جواب [[سليمان بن صرد الخزاعي]] وجماعة من المعترضين على الصلح: لكنِّي أَرى غيرَ ما رأَيْتُمْ وما أَردتُ بما فعلْتُ إِلَّا حَقْنَ الدِّمَاء.<ref>الراوندي، تنزيه الأنبياء، ص 172.</ref>
والملاحظ في هذه الرواية كونها تنافي ما ذكر سابقا من تخاذل رؤساء العرب وعدم استجابتهم للإمام (عليه السلام) يضاف الى ذلك أن الرواية باكثر من سبب منها أنها مرفوعة ومعارضتها لكثير من الروايات التي تشير الى تخاذل الناس وتراجعهم وقال (عليه السلام) في جواب [[سليمان بن صرد الخزاعي]] وجماعة من المعترضين على الصلح: لكنِّي أَرى غيرَ ما رأَيْتُمْ وما أَردتُ بما فعلْتُ إِلَّا حَقْنَ الدِّمَاء.<ref>الراوندي، تنزيه الأنبياء، ص 172.</ref>


وفي بيان آخر: «ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها».<ref>الطبرسي، الاحتجاج، ج‏1، ص 282.</ref>
وفي بيان آخر: «ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها».<ref>الطبرسي، الاحتجاج، ج‏1، ص 282.</ref>
سطر ١٥٣: سطر ١٩٦:
من المبررات التي دعت الى الصلح والغايات التي تكمن في ذلك «حفظ [[الدين]]»؛ وذلك لان الحالة العامة للمجتمع الاسلامي إبّان تلك الفترة كانت توحي بان أصل الدين الاسلامي في خطر فيما إذا دارت الحرب بين الجانبين وأن الحرب ليست بصالح الكوفيين والشاميين على حد سواء بل تنجر الى ضعف الجبهة الاسلامية مما يوفر الارضية المناسبة للرومان لمهاجمة بلاد المسلمين، ويؤيد ذلك ما سجّله [[اليعقوبي]] في تاريخه حيث قال: ورجع معاوية إلى الشام سنة 41هـ ق، وبلغه أن طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وإحكامه، فوجّه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار. وكان معاوية أوّل من صالح الروم.<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 144 و 145.</ref>
من المبررات التي دعت الى الصلح والغايات التي تكمن في ذلك «حفظ [[الدين]]»؛ وذلك لان الحالة العامة للمجتمع الاسلامي إبّان تلك الفترة كانت توحي بان أصل الدين الاسلامي في خطر فيما إذا دارت الحرب بين الجانبين وأن الحرب ليست بصالح الكوفيين والشاميين على حد سواء بل تنجر الى ضعف الجبهة الاسلامية مما يوفر الارضية المناسبة للرومان لمهاجمة بلاد المسلمين، ويؤيد ذلك ما سجّله [[اليعقوبي]] في تاريخه حيث قال: ورجع معاوية إلى الشام سنة 41هـ ق، وبلغه أن طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وإحكامه، فوجّه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار. وكان معاوية أوّل من صالح الروم.<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 144 و 145.</ref>
يضاف الى ذلك أن الوضع الثقافي والوعي الديني للمجتمع الاسلامي كان بنحو لا يؤمن معه عدم تأثر المسلمين سلباً وتراجعهم عن قيم الدين ومقدساته فيما اذا سالت الدماء بين المسلمين؛ ولعل ذلك هو الذي جعل الإمام الحسن (عليه السلام) يبرر صلحه بحفظ الدين وخشيته أن يجتثّ المسلمون عن وجه الأرض.<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 35.</ref>
يضاف الى ذلك أن الوضع الثقافي والوعي الديني للمجتمع الاسلامي كان بنحو لا يؤمن معه عدم تأثر المسلمين سلباً وتراجعهم عن قيم الدين ومقدساته فيما اذا سالت الدماء بين المسلمين؛ ولعل ذلك هو الذي جعل الإمام الحسن (عليه السلام) يبرر صلحه بحفظ الدين وخشيته أن يجتثّ المسلمون عن وجه الأرض.<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 35.</ref>


سطر ١٥٨: سطر ٢٠٢:


لا يشك المتابع لتاريخ المسلمين منذ [[الهجرة النبوية]] الى [[المدنية المنورة]] مروراً بعهد [[الخلفاء]] أنهم عاشوا الكثير من [[الغزوة|الغزوات]] والحروب التي طال أمد بعضها كالحروب مع الرومان والفرس وبعض الاقوام والشعوب المجاورة كما في [[الجزيرة العربية]] يضاف الى ذلك الحروب الثلاثة التي أثيرت بوجه حكومة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام)، كل ذلك كانت له انعكاسات سلبية على روحية المسلمين عامة والمقاتلين خاصّة، وهذا ما اشار اليه [[الشيخ المفيد]] حينما سجل لنا شهادة تاريخية تكشف عن تلك الحقيقة قائلا: «وسار [[معاوية]] نحو [[العراق]] ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خف معه أخلاط من الناس‏...».<ref>المفيد، الإرشاد ج‏2، ص 6.</ref>
لا يشك المتابع لتاريخ المسلمين منذ [[الهجرة النبوية]] الى [[المدنية المنورة]] مروراً بعهد [[الخلفاء]] أنهم عاشوا الكثير من [[الغزوة|الغزوات]] والحروب التي طال أمد بعضها كالحروب مع الرومان والفرس وبعض الاقوام والشعوب المجاورة كما في [[الجزيرة العربية]] يضاف الى ذلك الحروب الثلاثة التي أثيرت بوجه حكومة [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]] (عليه السلام)، كل ذلك كانت له انعكاسات سلبية على روحية المسلمين عامة والمقاتلين خاصّة، وهذا ما اشار اليه [[الشيخ المفيد]] حينما سجل لنا شهادة تاريخية تكشف عن تلك الحقيقة قائلا: «وسار [[معاوية]] نحو [[العراق]] ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خف معه أخلاط من الناس‏...».<ref>المفيد، الإرشاد ج‏2، ص 6.</ref>


يضاف الى ذلك أن الإمام الحسن (عليه السلام) عندما بويع للخلافة بعد أبيه (عليه السلام) عرض عليه الكثير من الناس ولائه ومبدين استعدادهم للقتال تحت رايته فأراد أن يختبر نوايا القوم قال لهم: «إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك».
يضاف الى ذلك أن الإمام الحسن (عليه السلام) عندما بويع للخلافة بعد أبيه (عليه السلام) عرض عليه الكثير من الناس ولائه ومبدين استعدادهم للقتال تحت رايته فأراد أن يختبر نوايا القوم قال لهم: «إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك».


فركب وركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه وبما وعدوه وغروه كما غروا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبله.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج‏2، ص 574.</ref>
فركب وركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه وبما وعدوه وغروه كما غروا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبله.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج‏2، ص 574.</ref>


وقال الإمام الحسن (عليه السلام) في ذم هؤلاء:‏ «يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين مرّة بعد مرّة ولو سلّمت إلى معاوية الأمر فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني أمية والله ليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنون أن يلي عليكم حبشياً».<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج‏2، ص 576.</ref>
وقال الإمام الحسن (عليه السلام) في ذم هؤلاء:‏ «يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين مرّة بعد مرّة ولو سلّمت إلى معاوية الأمر فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني أمية والله ليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنون أن يلي عليكم حبشياً».<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج‏2، ص 576.</ref>


وفي كلام له (عليه السلام) قال فيه: «إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصّه من القتل، فرأيت دفع هذه الحروب الى يوم ما».<ref>الدينوري، أخبار الطوال، ص 220.</ref>
وفي كلام له (عليه السلام) قال فيه: «إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصّه من القتل، فرأيت دفع هذه الحروب الى يوم ما».<ref>الدينوري، أخبار الطوال، ص 220.</ref>
سطر ١٧٤: سطر ٢٢٢:


ذكر [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']] أنه خرج مع [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]](عليه السلام) أخلاط من الناس بعضهم [[الشيعة|شيعة]] له ولأبيه (عليه السلام) وبعضهم محكمة– خوارج- يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن و طمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين...<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 170.</ref>
ذكر [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد|''الإرشاد'']] أنه خرج مع [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن]](عليه السلام) أخلاط من الناس بعضهم [[الشيعة|شيعة]] له ولأبيه (عليه السلام) وبعضهم محكمة– خوارج- يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن و طمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين...<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 170.</ref>


ولا ريب أن جيشا يتكون من هكذا خليط غير متجانس لم يؤمن منه التمرد على قائده والانهيار أمام أبسط التحدّيات وأضعف الضربات التي توجه اليه، فالخوارج - على سبيل المثال- لم يلتحقوا بجيش الإمام الحسن (عليه السلام) إيمانا بقيادته واعترافا بشرعيته وإنما خرجوا ابتغاء الفتنة والإفساد.<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 177.</ref>
ولا ريب أن جيشا يتكون من هكذا خليط غير متجانس لم يؤمن منه التمرد على قائده والانهيار أمام أبسط التحدّيات وأضعف الضربات التي توجه اليه، فالخوارج - على سبيل المثال- لم يلتحقوا بجيش الإمام الحسن (عليه السلام) إيمانا بقيادته واعترافا بشرعيته وإنما خرجوا ابتغاء الفتنة والإفساد.<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 177.</ref>


وقد ردّ الإمام الحسن (عليه السلام) على أحد المعترضين على الصلح بقوله: «رأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد أبداً إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نيّة لهم في خير ولا شر».<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3 ص 407.</ref>
وقد ردّ الإمام الحسن (عليه السلام) على أحد المعترضين على الصلح بقوله: «رأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد أبداً إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نيّة لهم في خير ولا شر».<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3 ص 407.</ref>


وحينما فشل الكوفيون في الاختبار الذي أعدّه الإمام الحسن (عليه السلام) وما بدر منهم من ردود فعل تكشف عن عدم ولائهم الحقيقي للإمام الحسن (عليه السلام) وحينما كتبوا الى معاوية مبدين استعدادهم لتسليم الحسن (عليه السلام) له متى شاء. وعندما خانه [[عبيد الله بن العباس]] والتحق بمعاوية مقابل حفنة من المال، إزدادت بصيرته (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكّمة– الخوارج- فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.<ref>المفيد،الإرشاد، ج‏2، ص 10.</ref>
وحينما فشل الكوفيون في الاختبار الذي أعدّه الإمام الحسن (عليه السلام) وما بدر منهم من ردود فعل تكشف عن عدم ولائهم الحقيقي للإمام الحسن (عليه السلام) وحينما كتبوا الى معاوية مبدين استعدادهم لتسليم الحسن (عليه السلام) له متى شاء. وعندما خانه [[عبيد الله بن العباس]] والتحق بمعاوية مقابل حفنة من المال، إزدادت بصيرته (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكّمة– الخوارج- فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.<ref>المفيد،الإرشاد، ج‏2، ص 10.</ref>


وكان قد كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر واستحثوه على السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به وبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك.<ref>المفيد، الإرشاد، ج‏2، ص 9.</ref>
وكان قد كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر واستحثوه على السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به وبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك.<ref>المفيد، الإرشاد، ج‏2، ص 9.</ref>
وعن [[زيد بن وهب الجهني]] أنه قال: لما طعن الحسن بن علي (عليه السلام) بالمدائن أتيته وهو متوجّع فقلت: ما ترى يا ابن [[رسول الله]] (صلى الله عليه وآله) فإن الناس متحيرون؟ فقال: أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي....<ref>الطبرسي، الاحتجاج، ج2  ص 290.</ref>
وعن [[زيد بن وهب الجهني]] أنه قال: لما طعن الحسن بن علي (عليه السلام) بالمدائن أتيته وهو متوجّع فقلت: ما ترى يا ابن [[رسول الله]] (صلى الله عليه وآله) فإن الناس متحيرون؟ فقال: أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي....<ref>الطبرسي، الاحتجاج، ج2  ص 290.</ref>


سطر ١٨٩: سطر ٢٤٢:


‏بعد أن تم عقد الصلح بين الطرفين دخل [[معاوية]] [[مسجد الكوفة]] وارتقى المنبر قائلاً: «ألا وإني كنت منيت الحسن (عليه السلام) وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي له بشي‏ء منها».<ref>الأربلي،  كشف ‏الغمة ج 1، ص 542.</ref>
‏بعد أن تم عقد الصلح بين الطرفين دخل [[معاوية]] [[مسجد الكوفة]] وارتقى المنبر قائلاً: «ألا وإني كنت منيت الحسن (عليه السلام) وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي له بشي‏ء منها».<ref>الأربلي،  كشف ‏الغمة ج 1، ص 542.</ref>


ولم يف معاوية بكل بنود الصلح بما فيها البند الأول ومع ذلك بقي الإمام (عليه السلام) رغم ما تعرض من ضغوط من قبل شيعته تتطالبه برفض المعاهدة ومصرة على أنّ الاتفاقية سقطت لعدم وفاء معاوية بما اشترط عليه الإمام (عليه السلام) من شروط، ومن مصاديق عدم وفائه بفقرات الصلح ومخالفته لسنة [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|الرسول]] (صلى الله عليه وآله) «الحاقه زياد بأبي سفيان» وهو مخالف لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) «الولد للفراش وللعاهر الحجر» و«إقامة [[صلاة الجمعة]] يوم الاربعاء»،<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 192.</ref> و«تعطيل الحدود» و«تجويز [[الربا]]» و«الأذان لصلاة العيد» و«[[الخطبة]] قبل [[صلاة العيد]]» بالإضافة الى الكذب ووضع الحديث و...».<ref>القرشي، حياة الحسن ترجمة حجازي،ص 410 ـ 402.</ref> ومن [[البدع]] التي قام بها معاوية استخلافه ابنه [[يزيد بن معاوية|يزيد]] كخليفة على المسلمين وبهذا يكون قد نقض الفقرة الثانية من المعاهدة.<ref>راضي ياسين، صلح الحسن، ص 409.</ref>
ولم يف معاوية بكل بنود الصلح بما فيها البند الأول ومع ذلك بقي الإمام (عليه السلام) رغم ما تعرض من ضغوط من قبل شيعته تتطالبه برفض المعاهدة ومصرة على أنّ الاتفاقية سقطت لعدم وفاء معاوية بما اشترط عليه الإمام (عليه السلام) من شروط، ومن مصاديق عدم وفائه بفقرات الصلح ومخالفته لسنة [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|الرسول]] (صلى الله عليه وآله) «الحاقه زياد بأبي سفيان» وهو مخالف لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) «الولد للفراش وللعاهر الحجر» و«إقامة [[صلاة الجمعة]] يوم الاربعاء»،<ref>راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 192.</ref> و«تعطيل الحدود» و«تجويز [[الربا]]» و«الأذان لصلاة العيد» و«[[الخطبة]] قبل [[صلاة العيد]]» بالإضافة الى الكذب ووضع الحديث و...».<ref>القرشي، حياة الحسن ترجمة حجازي،ص 410 ـ 402.</ref> ومن [[البدع]] التي قام بها معاوية استخلافه ابنه [[يزيد بن معاوية|يزيد]] كخليفة على المسلمين وبهذا يكون قد نقض الفقرة الثانية من المعاهدة.<ref>راضي ياسين، صلح الحسن، ص 409.</ref>


كذلك نقض معاوية الفقرة الثالثة المطالبة بالتوقف عن سب [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]](عليه السلام) بل جعل سبّه ولعنه من شروط خطبة الجمعة التي لا يتخلف عنها أئمة الجمعات، ولما قيل ل[[مروان بن الحكم]] «ما لكم تسبون عليّاً على المنابر؟» برر ذلك بقوله: «إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك».<ref>القرشي، حياة الحسن، صص 555 ـ 554.</ref>
كذلك نقض معاوية الفقرة الثالثة المطالبة بالتوقف عن سب [[أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب|أمير المؤمنين]](عليه السلام) بل جعل سبّه ولعنه من شروط خطبة الجمعة التي لا يتخلف عنها أئمة الجمعات، ولما قيل ل[[مروان بن الحكم]] «ما لكم تسبون عليّاً على المنابر؟» برر ذلك بقوله: «إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك».<ref>القرشي، حياة الحسن، صص 555 ـ 554.</ref>


اما الفقرة الرابعة المتعلقة ب[[الخراج|خراج]] [[دارابجرد]] فإن أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: «هو فيئنا لا نعطيه أحداً».<ref>جرير الطبري، تاريخ الطبري، ص 126.</ref> وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3 ص 405.</ref>
اما الفقرة الرابعة المتعلقة ب[[الخراج|خراج]] [[دارابجرد]] فإن أهل [[البصرة]] منعوه منه وقالوا: «هو فيئنا لا نعطيه أحداً».<ref>جرير الطبري، تاريخ الطبري، ص 126.</ref> وكان منعهم بأمر معاوية.<ref>ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3 ص 405.</ref>


أما مخالفته للفقرة الخامسة من الصلح فتمثلت بما كتبه معاوية الى عماله: «انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان»، ثم كتب كتاباً آخر: «من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فاقتلوه!!». وفي وراية أخرى أمر بحبسه وهدم داره.<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 568.</ref>
أما مخالفته للفقرة الخامسة من الصلح فتمثلت بما كتبه معاوية الى عماله: «انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان»، ثم كتب كتاباً آخر: «من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فاقتلوه!!». وفي وراية أخرى أمر بحبسه وهدم داره.<ref>القرشي، حياة الحسن، ص 568.</ref>


يضاف الى ذلك محاولات الاغتيال غير الناجحة التي دبرها معاوية– أكثر من مرّة- للتخلص من الإمام الحسن (عليه السلام) بالسمّ تارة والقتل أخرى.<ref>المفيد، الإرشاد، ص 357.</ref> ولمّا أعيته السبل وجد معاوية في [[جعدة بنت محمد]] بن الأشعث الكندي لتكون هي الأداة المناسبةـ بكافة المواصفاتـ لتنفيذ الجريمة، فاستطاع معاوية أن يتصل بجعدة وراح يعرض عليها الإغراءات المادية ويحدثها عن الأموال الطائلة والضياع والثروة التي سيعطيها إيّاها ووعدها أيضاً بتزويجها من ابنه يزيد... ولكن بشرط أن تدسّ السم إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، ففعلت ذلك.<ref>المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 13.</ref> وبهذا يكون معاوية قد نقض الفقرة الاخيرة من الصلح ولم يف بواحد منها.
يضاف الى ذلك محاولات الاغتيال غير الناجحة التي دبرها معاوية– أكثر من مرّة- للتخلص من الإمام الحسن (عليه السلام) بالسمّ تارة والقتل أخرى.<ref>المفيد، الإرشاد، ص 357.</ref> ولمّا أعيته السبل وجد معاوية في [[جعدة بنت محمد]] بن الأشعث الكندي لتكون هي الأداة المناسبةـ بكافة المواصفاتـ لتنفيذ الجريمة، فاستطاع معاوية أن يتصل بجعدة وراح يعرض عليها الإغراءات المادية ويحدثها عن الأموال الطائلة والضياع والثروة التي سيعطيها إيّاها ووعدها أيضاً بتزويجها من ابنه يزيد... ولكن بشرط أن تدسّ السم إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، ففعلت ذلك.<ref>المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 13.</ref> وبهذا يكون معاوية قد نقض الفقرة الاخيرة من الصلح ولم يف بواحد منها.
مستخدم مجهول