انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «سرية مؤتة»

أُضيف ٩١٠ بايت ،  ٢٢ سبتمبر ٢٠١٦
ط
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Yousofi
طلا ملخص تعديل
imported>Yousofi
طلا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
قُتل رسولُ رسولِ الله في مؤتة - من قُری الشام- علی أمرٍ من الوالي، شُرحبيل. فانطلق جيش المسلمين بإمرة جعفر بن أبي طالب إلی مؤتة. اشتدّ البأس بين الجيشين وضاق الأمر علی المسلمين فانسحبوا منهزمين.
قُتل رسولُ رسولِ الله في مؤتة - من قُری [[الشام]]- علی أمرٍ من الوالي، شُرحبيل. فانطلق جيش المسلمين بإمرة [[جعفر بن أبي طالب]] إلی مؤتة. اشتدّ البأس بين الجيشين وضاق الأمر علی المسلمين فانسحبوا منهزمين.
<br />
<br />
لامهم المسلمون عند عودتهم إلی المدينة لکن النبي تفقدهم.
لامهم المسلمون عند عودتهم إلی [[المدينة]] لکن النبي تفقدهم.
<br />
<br />
وقطعت يدا جعفر بن أبي طالب في هذه المعرکة واُستشهد بعد إصابته بجراحات بالغة.  
وقطعت يدا جعفر بن أبي طالب في هذه المعرکة فاستشهد بعد إصابته بجراحات بالغة.  


==سبب الحرب==
==سبب الحرب==
في السنة الثامنة للهجرة<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص15 ؛ الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص212 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب،1ج، ص205-206</ref> بعث رسول اللّه كتاباً مع الحارث ابن عمير الأزدي اللِّهبي إلى بُصرى - هي مركز حوران من أعمال دمشق الشام وقد وردها النبيّ قبل نبوته مرتين، وصالَحَ أهلُها المسلمين سنة ثلاث عشرة عند فتوحات الشام، فهي أول مدن الشام فُتحت صلحاً- وصل الحارث في طريقه إلى مؤتة - من قرى الشام بالبلقاء دون دمشق- وكان عليها شُرحَبيل بن عمرو الغَسّاني، ظنّ شُرحبيل بالحارث أنه من رُسل محمد بن عبدالله فاعترضه وقال له: «لعلّك من رُسل محمد؟» قال الحارث: «نعم، أنا رسولُ رسول اللّه». فأمر به أن يؤخذ فيُقتل، فاُخذ وَقُتل.
في السنة الثامنة للهجرة<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص15 ؛ الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص212 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب،1ج، ص205-206</ref> بعث رسول اللّه كتاباً مع الحارث ابن عمير الأزدي اللِّهبي إلى بُصرى - هي مركز حوران من أعمال [[دمشق]] [[الشام]] وقد وردها النبيّ قبل نبوته مرتين، وصالَحَ أهلُها المسلمين سنة ثلاث عشرة عند [[الفتوحات الإسلامية|فتوحات]] الشام، فهي أول مدن الشام فُتحت صلحاً- وصل الحارث في طريقه إلى مؤتة - من قرى الشام بالبلقاء دون دمشق- وكان عليها شُرحَبيل بن عمرو الغَسّاني، ظنّ شُرحبيل بالحارث أنه من رُسل [[محمد بن عبدالله(ص)|محمد بن عبدالله]] فاعترضه وقال له: «لعلّك من رُسل محمد؟» قال الحارث: «نعم، أنا رسولُ رسول اللّه». فأمر به أن يؤخذ فيُقتل، فاُخذ وَقُتل.
وبلغ خبره إلى رسول اللّه فاشتدّ عليه ذلك وندب الناس، وكأنّه طلب إليهم أن يخرجوا إلى مُعسكرهم، فخرجوا وعسكروا بالجُرْف–علی ثلاثة أميال من المدينة-، من دون أن يعيّن أميراً عليهم فلما صلّى الظهر جلس، وجلس أصحابُه حوله ليعيّن لهم أميرا.<ref>الواقدي، المغازي، ج2، ص755-756 ؛ ابن حجر، الإصابة، ج1، ص286، رقم 1459، ابن الأثير، اُسد الغابة، ج1، ص388</ref>
وبلغ خبره إلى [[رسول الله (ص)|رسول اللّه]] فاشتدّ عليه ذلك وندب الناس، وكأنّه طلب إليهم أن يخرجوا إلى مُعسكرهم، فخرجوا وعسكروا بالجُرْف–علی ثلاثة أميال من المدينة-، من دون أن يعيّن أميراً عليهم فلما صلّى الظهر جلس، وجلس أصحابُه حوله ليعيّن لهم أميرا.<ref>الواقدي، المغازي، ج2، ص755-756 ؛ ابن حجر، الإصابة، ج1، ص286، رقم 1459، ابن الأثير، اُسد الغابة، ج1، ص388</ref>


==تعيين الاُمراء==
==تعيين الاُمراء==
إن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمّر عليهم جعفرَ بن أبي طالب، فإن قُتل فزيد بن حارثة الكلبي، فان قُتل فعبد اللّه بن رواحة فان اُصيب عبد اللّه بن رواحة فليرتضِ المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم. ثمّ عقد لهم  رسول اللّه لواءً أبيض، وهم ثلاثة آلاف.<ref>الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص212 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص205 ؛ قال اليعقوبي: قيل: كان المتقدم جعفراً ثم زيد بن حارثة ثم عبداللّه بن رواحة (تاريخ اليعقوبي، ج2، ص65. وقال المعتزلي: اتفق المحدثون على أنّ زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا: كان الأمير الأول جعفر بن أبي طالب فان قُتل فزيد بن حارثة فان قُتل فعبد اللّه بن رواحة، ورووا في ذلك روايات. (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج15، ص62)</ref>
إن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمّر عليهم [[جعفر بن أبي طالب|جعفرَ بن أبي طالب]]، فإن قُتل [[زيد بن حارثة|فزيد بن حارثة الكلبي]]، فان قُتل فعبد اللّه بن رواحة فان اُصيب عبد اللّه بن رواحة فليرتضِ المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم. ثمّ عقد لهم  رسول اللّه لواءً أبيض، وهم ثلاثة آلاف.<ref>الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص212 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص205 ؛ قال اليعقوبي: قيل: كان المتقدم جعفراً ثم زيد بن حارثة ثم عبداللّه بن رواحة (تاريخ اليعقوبي، ج2، ص65. وقال المعتزلي: اتفق المحدثون على أنّ زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا: كان الأمير الأول جعفر بن أبي طالب فان قُتل فزيد بن حارثة فان قُتل فعبد اللّه بن رواحة، ورووا في ذلك روايات. (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج15، ص62)</ref>




==خطاب الرسول فيهم==
==خطاب الرسول فيهم==
ثمّ خطبهم رسول اللّه وخرج معهم مشيعاً حتى بلغ ثنيّة الوداع فوقف ووقفوا حوله فخطبهم ثانية؛ ومن کلماته: «اغزوا بسم اللّه، فقاتلوا عدوّ اللّه وعدوّكم بالشام، وستجدون فيها رجالاً معتزلين للناس في الصوامع فلاتعرّضوا لهم،... ولاتقتلنّ امرأة ولا صغيراً مُرضعاً ولا كبيراً فانياً، ولا تغرقُنّ نخلاً، ولا تقطعُنّ شجراً، ولا تهدموا بيتاً»
ثمّ خطبهم رسول اللّه وخرج معهم مشيعاً حتى بلغ [[ثنيّة الوداع]] فوقف ووقفوا حوله فخطبهم ثانية؛ ومن کلماته: «اغزوا بسم اللّه، فقاتلوا عدوّ اللّه وعدوّكم بالشام، وستجدون فيها رجالاً معتزلين للناس في [[الصومعة|الصوامع]] فلاتعرّضوا لهم،... ولاتقتلنّ امرأة ولا صغيراً مُرضعاً ولا كبيراً فانياً، ولا تغرقُنّ نخلاً، ولا تقطعُنّ شجراً، ولا تهدموا بيتاً»


==مسيرهم إلى الشام ==
==مسيرهم إلى الشام ==
مضی المسلمون حتى نزلوا وادي القرى. سمع العدوّ بمسيرهم، فقام والي مؤتة، شُرحبيل بن عمرو الغسّاني الأزدي، بتجميع  الجموع وأمّر عليهم أخاه سَدوس وأرسلهم إلی المسلمين. انهزم جيش شُرحبيل وتقدم المسلمون حتى نزلوا مَعان من أرض الشام- وهو اليوم في الأردن- وهناك بلغهم كثرة عدد العدوّ من العرب والعجم، فأقام المسلمون في مَعان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول اللّه فنخبره بعدد عدوّنا، فإمّا أن يمدّنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له. فشجّع الناس عبد اللّه بن رواحة فقال: «واللّه إن التي تكرهون للذي خرجتم تطلبون (الشهادة) وما نقاتل الناس بعدد، ولا قوة، ولا كثرة، ما  نقاتلهم إلاّ بهذا الدين الذي أكرمنا اللّه به، فانطلِقوا فانما هي إحدى الحُسنيين: إما ظهور، وإما شهادة»! فقال الناس: قد واللّه صدق ابنُ رواحة. فمضى الناس حتى إذا دنوا إلی قرية من البلقاء يقال لها «مشارف»، وإذا بجيش هِرقل من الروم، والعرب معهم. فانحاز المسلمون إلى قرية اُخرى من قرى البلقاء يقال لها مؤتة، ثم دنا العدو منهم حتى التقوا هناك.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص17. الواقدي، المغازي، ج2، ص756ـ760. الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص213 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص205</ref> وهذا في جمادى الاولى من السنة الثمانية للهجرة.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص15 ؛ الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص 212 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص205-206</ref>
مضی المسلمون حتى نزلوا وادي القرى. سمع العدوّ بمسيرهم، فقام والي مؤتة، شُرحبيل بن عمرو الغسّاني الأزدي، بتجميع  الجموع وأمّر عليهم أخاه سَدوس وأرسلهم إلی المسلمين. انهزم جيش شُرحبيل وتقدم المسلمون حتى نزلوا مَعان من أرض الشام- وهو اليوم في [[الأردن]]- وهناك بلغهم كثرة عدد العدوّ من العرب [[العجم|والعجم]]، فأقام المسلمون في مَعان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول اللّه فنخبره بعدد عدوّنا، فإمّا أن يمدّنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له. فشجّع الناس عبد اللّه بن رواحة فقال: «واللّه إن التي تكرهون للذي خرجتم تطلبون (الشهادة) وما نقاتل الناس بعدد، ولا قوة، ولا كثرة، ما  نقاتلهم إلاّ بهذا الدين الذي أكرمنا اللّه به، فانطلِقوا فانما هي إحدى الحُسنيين: إما ظهور، وإما شهادة»! فقال الناس: قد واللّه صدق ابنُ رواحة. فمضى الناس حتى إذا دنوا إلی قرية من البلقاء يقال لها «مشارف»، وإذا بجيش [[هرقل|هِرقل]] من [[الروم]]، والعرب معهم. فانحاز المسلمون إلى قرية اُخرى من قرى البلقاء يقال لها مؤتة، ثم دنا العدو منهم حتى التقوا هناك.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص17. الواقدي، المغازي، ج2، ص756ـ760. الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص213 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص205</ref> وهذا في جمادى الاولى من السنة الثمانية للهجرة.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص15 ؛ الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص 212 ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص205-206</ref>




سطر ٢٣: سطر ٢٣:
تعبّأ المسلمون وجعلوا على ميمنتهم قُطبة بن قتادة العُذري، وعلى ميسرتهم عُباية بن مالك الأنصاري.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص19</ref>
تعبّأ المسلمون وجعلوا على ميمنتهم قُطبة بن قتادة العُذري، وعلى ميسرتهم عُباية بن مالك الأنصاري.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص19</ref>
<br />
<br />
روي عن أبي هريرة قال: لما رأينا المشركين في مؤتة رأينا ما لا قِبل لنا به من العدد والسلاح والكُراع والديباج والحرير والذهب فبرِق بصري. فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة! ما لك؟ كأ نّك ترى جموعاً كثيرة؟! قلت: نعم. فقال: لو كنت تشهدنا في بدر، أنا لم نُنصر بالكثرة!<ref>الواقدي، المغازي، ج2، ص760-761 </ref>
روي عن [[أبو هريرة|أبي هريرة]] قال: لما رأينا المشركين في مؤتة رأينا ما لا قِبل لنا به من العدد والسلاح والكُراع والديباج والحرير والذهب فبرِق بصري. فقال لي ثابت بن أقرم: يا [[أبو هريرة|أبا هريرة]]! ما لك؟ كأ نّك ترى جموعاً كثيرة؟! قلت: نعم. فقال: لو كنت تشهدنا في [[بدر (غزوة)|بدر]]، أنا لم نُنصر بالكثرة!<ref>الواقدي، المغازي، ج2، ص760-761 </ref>
<br />
<br />
إنّ جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه وقاتل حتی قُطعت يمينه، فأخذه بشماله فقُطِعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي اللّه عنه، وهو ثلاث وثلاثين سنة.<ref>نقل الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: عن علي بن عبد اللّه بن جعفر: أن جعفـر قُتل وهو ابن أربع وثلاثين سنة. ثم قال: وهذا عندي شبيه بالوهم ... وعلى أي الروايات قيس أمره عُلم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين، فانه قتل في سنة ثمان من الهجرة، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول اللّه احدى وعشرون سنة، وهو أسنّ من أخيه علي، أمير المؤمنين بعشر سنين.(الاصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص8 ط النجف، ص13 ط بيروت)</ref> ثم أخذ اللواء زيد بن حارثة وقاتل حتى قُتل طعناً بالرمح. ثمّ أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة فقاتل حتى قُتل.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص20 -21 ؛ الواقدي، المغازي، ج2، ص761. (روي عن الباقر عليه السلام اُصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة، خمس وعشرون منها في وجهه . الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص213)</ref>
إنّ [[جعفر بن أبي طالب]] أخذ اللواء بيمينه وقاتل حتی قُطعت يمينه، فأخذه بشماله فقُطِعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي اللّه عنه، وهو ثلاث وثلاثين سنة.<ref>نقل الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: عن علي بن عبد اللّه بن جعفر: أن جعفـر قُتل وهو ابن أربع وثلاثين سنة. ثم قال: وهذا عندي شبيه بالوهم ... وعلى أي الروايات قيس أمره عُلم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين، فانه قتل في سنة ثمان من الهجرة، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول اللّه احدى وعشرون سنة، وهو أسنّ من أخيه علي، أمير المؤمنين بعشر سنين.(الاصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص8 ط النجف، ص13 ط بيروت)</ref> ثم أخذ اللواء [[زيد بن حارثة]] وقاتل حتى قُتل طعناً بالرمح. ثمّ أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة فقاتل حتى قُتل.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص20 -21 ؛ الواقدي، المغازي، ج2، ص761. (روي عن الباقر عليه السلام اُصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة، خمس وعشرون منها في وجهه . الطبرسي، إعلام الورى، ج1، ص213)</ref>
<br />
<br />
لما قُتل ابن رواحة انهزم المسلمون في كل وجه أسوأ هزيمة وبادر رجل من الأنصار يقال له «ثابت بن أقرم» إلى اللواء فأخذه وجعل يصيح بالأنصار: «إليّ أيها الناس»! فجعل قليل منهم يثوبون إليه ويجتمعون، فنظر ثابت فيهم إلى خالد بن الوليد فناداه: «يا أبا سليمان! خذ اللواء». فقال له: «أنت قد شهدتَ بدراً ولك سنّ فلا آخذه وأنتَ أحق به»! فقال ثابت: «خذه أيّها الرجل فواللّه ما أخذته إلاّ لك»! فأخذه خالد. کان العدوّ يحمل علی المسلمين بلاهوادة فأخذ المسلون ينسحبون. جعل قُظبة بن عامر يصيح: «يا قوم! يُقتل الرجل مُقبلاً أحسن من أن يُقتل مُدبراً». فما يثوب إليه أحد.<ref>الواقدي، المغازي، ج2، ص763</ref>
لما قُتل ابن رواحة انهزم المسلمون في كل وجه أسوأ هزيمة وبادر رجل من [[الأنصار]] يقال له «ثابت بن أقرم» إلى اللواء فأخذه وجعل يصيح [[الأنصار|بالأنصار]]: «إليّ أيها الناس»! فجعل قليل منهم يثوبون إليه ويجتمعون، فنظر ثابت فيهم إلى [[خالد بن الوليد]] فناداه: «يا أبا سليمان! خذ اللواء». فقال له: «أنت قد شهدتَ [[بدر (غزوة)|بدراً]] ولك سنّ فلا آخذه وأنتَ أحق به»! فقال ثابت: «خذه أيّها الرجل فواللّه ما أخذته إلاّ لك»! فأخذه [[خالد بن الوليد|خالد]]. کان العدوّ يحمل علی المسلمين بلاهوادة فأخذ المسلون ينسحبون. جعل قُظبة بن عامر يصيح: «يا قوم! يُقتل الرجل مُقبلاً أحسن من أن يُقتل مُدبراً». فما يثوب إليه أحد.<ref>الواقدي، المغازي، ج2، ص763</ref>


==النبيّ بالمدينة==
==النبيّ بالمدينة==
روي أن النبي کان في المسجد إذ خُفض له کل رفيع ورُفع له کل خفيض حتی شاهد ما کان يجري في ساحة الحرب وبدأ يخبر المسلمين بکرّات المسلمين وأخبرهم بجعفر بن أبي طالب وهو تقدم للحرب آخذا الراية إلی أن قُطعت يده اليمنی وقد أخذ الراية بيده اليُسرى لکن قطعت يده الاُخرى أيضا فاحتضن الراية في صدره حتی اُستشهد وسقطت الرايةُ. ثم أخذ الرايةَ عبدُ اللّه بن رواحة وقد قُتل. ثمّ أخذها خالد بن الوليد، وتراجع المسلمون.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص166، رقم 356 و 198. وأشار إليه ابن هشام في السيرة النبوية، ج3، ص22 ورواه الواقدي في المغازي، ج2، ص761، 762. الاصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص8 ط النجف، ص13 ط بيروت. وهنا روى الطبري، ج3، ص41 بطريق غير وثيق وسند غير مؤيّد: أن النبيّ قال: اللهم إنّه سيف من سيوفك فانصره! فمنه سمّي سيف الله! وانظر قاموس الرجال، ج4، ص148، رقم 2592</ref>
روي أن النبي کان في [[المسجد النبوي|المسجد]] إذ خُفض له کل رفيع ورُفع له کل خفيض حتی شاهد ما کان يجري في ساحة الحرب وبدأ يخبر المسلمين بکرّات المسلمين وأخبرهم [[جعفر بن أبي طالب|بجعفر بن أبي طالب]] وهو تقدم للحرب آخذا الراية إلی أن قُطعت يده اليمنی وقد أخذ الراية بيده اليُسرى لکن قطعت يده الاُخرى أيضا فاحتضن الراية في صدره حتی اُستشهد وسقطت الرايةُ. ثم أخذ الرايةَ عبدُ اللّه بن رواحة وقد قُتل. ثمّ أخذها خالد بن الوليد، وتراجع المسلمون.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص166، رقم 356 و 198. وأشار إليه ابن هشام في السيرة النبوية، ج3، ص22 ورواه الواقدي في المغازي، ج2، ص761، 762. الاصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص8 ط النجف، ص13 ط بيروت. وهنا روى الطبري، ج3، ص41 بطريق غير وثيق وسند غير مؤيّد: أن النبيّ قال: اللهم إنّه سيف من سيوفك فانصره! فمنه سمّي سيف الله! وانظر قاموس الرجال، ج4، ص148، رقم 2592</ref>
==تسلية المصابين==
==تسلية المصابين==
إنصرف النبي إلی دار جعفر فالتقی بأسماء بنت عُميس زوجة جعفر فقال لها: أين أبنائي؟ فدعت أسماءُ بهم، وهم ثلاثة: عبداللّه وعون ومحمد، فمسح رسول اللّه رؤوسهم. فقالت أسماء: إنّك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام! فقال النبيّ: يا أسماء! ألم تعلمي أن جعفراً رضوان اللّه عليه استشهد؟ فبكت. فقال لها رسول اللّه: لا تبكي! فإنّ جبرئيل أخبرني أنّ له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر. فقالت أسماء: يا رسول اللّه! لو جمعتَ الناس وأخبرتَهم بفضل جعفر لا يُنسى فضله. فخرج رسول اللّه وصعد المنبر وأعلم الناس بذلك.<ref>البرقي، المحاسن،ج2،ص 194، رقم 199وص193، رقم 198</ref>
إنصرف النبي إلی دار [[جعفر ابن أبي طالب|جعفر]] فالتقی [[أسماء بنت عميس|بأسماء بنت عُميس]] زوجة جعفر فقال لها: أين أبنائي؟ فدعت أسماءُ بهم، وهم ثلاثة: عبداللّه وعون ومحمد، فمسح رسول اللّه رؤوسهم. فقالت [[أسماء بنت عميس|أسماء]]: إنّك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام! فقال النبيّ: يا أسماء! ألم تعلمي أن جعفراً رضوان اللّه عليه استشهد؟ فبكت. فقال لها رسول اللّه: لا تبكي! فإنّ [[جبرئيل]] أخبرني أنّ له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر. فقالت أسماء: يا رسول اللّه! لو جمعتَ الناس وأخبرتَهم بفضل جعفر لا يُنسى فضله. فخرج رسول اللّه وصعد المنبر وأعلم الناس بذلك.<ref>البرقي، المحاسن،ج2،ص 194، رقم 199وص193، رقم 198</ref>
<br />
<br />
ثمّ أمر رسولُ اللّه فاطمةَ أن تأتي أسماء بنت عميس هي ونساؤها، وتقيم عندها وتصنع لها طعاماً ثلاثة أيام.<ref>البرقي، المحاسن، ج2، ص193، رقم 197و196؛ الكليني، فروع الكافي، ج3؛ ص217،ح1؛ الصدوق، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج1، ص182- 183، ح549و546و548: وفيه: كان من عمل الجاهلية الاكل عند أهل المصيبة، والسنة: البعث إليهم بالطعام. وأمالي الطوسي،ص659، رقم1360</ref> (فجرت بذلك السنة أن يُصنَع لأهل المصيبة طعام ثلاثة أيام).
ثمّ أمر رسولُ اللّه [[فاطمة الزهرا|فاطمةَ]] أن تأتي [[أسماء بنت عميس]] هي ونساؤها، وتقيم عندها وتصنع لها طعاماً ثلاثة أيام.<ref>البرقي، المحاسن، ج2، ص193، رقم 197و196؛ الكليني، فروع الكافي، ج3؛ ص217،ح1؛ الصدوق، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج1، ص182- 183، ح549و546و548: وفيه: كان من عمل الجاهلية الاكل عند أهل المصيبة، والسنة: البعث إليهم بالطعام. وأمالي الطوسي،ص659، رقم1360</ref> (فجرت بذلك السنة أن يُصنَع لأهل المصيبة طعام ثلاثة أيام).
<br />
<br />
روي أنّ النبي قد اغتمّ باستشهاد جعفر وزيد کثيرا إلی درجة أنّه كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدّاً ويقول: كانا يحدّثاني ويؤانساني فذهبا جميعاً.<ref>الصىدوق، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج1، ص177، ح527</ref> ثم جاءت الأخبار بأنهم قد قُتلوا في ذلك اليوم على تلك الهيئة.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص121، ح198</ref>
روي أنّ النبي قد اغتمّ باستشهاد [[جعفر ابن أبي طالب|جعفر]] و[[زيد بن حارثة|زيد]] کثيرا إلی درجة أنّه كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدّاً ويقول: كانا يحدّثاني ويؤانساني فذهبا جميعاً.<ref>الصىدوق، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج1، ص177، ح527</ref> ثم جاءت الأخبار بأنهم قد قُتلوا في ذلك اليوم على تلك الهيئة.<ref>الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص121، ح198</ref>


==رجوعهم إلى المدينة==
==رجوعهم إلى المدينة==
لم يرحّب المسلمون بالمهزومين فجعل البعض ینثرون في وجوههم التراب ويقولون : يا فُرّار! لکن قال رسول اللّه: ليسوا بالفُرّار، ولكنهم الكُرّار إن شاء اللّه.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص24 وعنه في إعلام الورى للطبرسي، ج1، ص215؛ الواقدي، المغازي، ج2، ص764</ref>
لم يرحّب المسلمون بالمهزومين فجعل البعض ینثرون في وجوههم التراب ويقولون: يا فُرّار! لکن قال رسول اللّه: ليسوا بالفُرّار، ولكنهم الكُرّار إن شاء اللّه.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص24 وعنه في إعلام الورى للطبرسي، ج1، ص215؛ الواقدي، المغازي، ج2، ص764</ref>
<br />
<br />
وحتّی روي إنّ الرجل يأتي إلى بيته وأهله فيدقّ عليهم الباب فيأبون أن يفتحوا له ويقولون: «ألا تقدّمت مع أصحابك؟!» فأمّا من كان كبيراً من أصحاب رسول اللّه فانه جلس في بيته استحياءً، حتى جعل النبيّ يُرسل إليهم رجلاً رجلاً ويقول لهم: «أنتم الكُرّار في سبيل اللّه».
وحتّی روي إنّ الرجل يأتي إلى بيته وأهله فيدقّ عليهم الباب فيأبون أن يفتحوا له ويقولون: «ألا تقدّمت مع أصحابك؟!» فأمّا من كان كبيراً من أصحاب رسول اللّه فانه جلس في بيته استحياءً، حتى جعل النبيّ يُرسل إليهم رجلاً رجلاً ويقول لهم: «أنتم الكُرّار في سبيل اللّه».
<br />
<br />
وكان من جيش مؤتة، سلمة بن هشام المخزومي، ابن اُمّ سلمة زوجة النبيّ، فدخل داره ولم يخرج منها، ودخلت امرأته على اُمّ سلمة فقالت لها اُمّ سلمة : «ما لي لا أرى سلمة بن هِشام أيشتكي شيئاً؟» فقالت امرأته: «لا واللّه! ولكنه لايستطيع الخروج، فإنه إذا خرج صاحوا به وبأصحابه: يا فُرّار! فلذلك قعد في البيت». فذكرت اُمّ سلمة ذلك لرسول اللّه، فقال رسول اللّه: «بل هم الكُرّار في سبيل اللّه، فليخرج!» فخرج.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص24 ؛ الواقدي، المغازي، ج2، ص765</ref>
وكان من جيش مؤتة، [[سلمة بن هشام المخزومي]]، ابن [[أم سلمة (زوجة النبي)|اُمّ سلمة]] زوجة النبيّ، فدخل داره ولم يخرج منها، ودخلت امرأته على [[أم سلمة (زوجة النبي)|اُمّ سلمة]]  فقالت لها [[أم سلمة (زوجة النبي)|اُمّ سلمة]]  : «ما لي لا أرى [[سلمة بن هشام المخزومي]] أيشتكي شيئاً؟» فقالت امرأته: «لا واللّه! ولكنه لايستطيع الخروج، فإنه إذا خرج صاحوا به وبأصحابه: يا فُرّار! فلذلك قعد في البيت». فذكرت [[أم سلمة (زوجة النبي)|اُمّ سلمة]]  ذلك [[محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله|لرسول اللّه]]، فقال رسول اللّه: «بل هم الكُرّار في سبيل اللّه، فليخرج!» فخرج.<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص24 ؛ الواقدي، المغازي، ج2، ص765</ref>


==الهوامش==
==الهوامش==
مستخدم مجهول