انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «غزوة حنين»

أُضيف ٢٣ بايت ،  ١٠ أغسطس ٢٠١٥
ط
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Madani
imported>Madani
طلا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
{{تطوير مقال}}
{{تطوير مقال}}
'''غزوة حُنين''' وقعت بعد فتح مكّة مباشرة وذلك في السنة الثامنة للهجرة (630م) في منطقة حُنين، بين جيش المسلمين بقيادة النبي الأكرم (ص) من جهة وبين المشركين من قبيلتي هوازِن وثقيف من جهة أخرى الساكنين في منطقة الطائف. حيث مالت كفّة الحرب في بدايتها لصالح المشركين بسبب الخطة التي اعتمدها المشركون وحضور المسلمين الجدد في المعركة، والتي كادت أن تعصف بجيش المسلمين وتنتهي بمقتل النبي الأكرم (ص)، إلا أنّ المسلمين أعادوا تنظيم صفوفهم ورجعوا مرّة أخرى إلى المعركة بقوّة ليكون النصر حليفاً لهم في نهاية المطاف مستولين على كثير من الغنائم والأسرى.
'''غزوة حُنين''' وقعت بعد فتح مكّة مباشرة وذلك في السنة الثامنة للهجرة (630م) في منطقة حُنين، بين جيش المسلمين بقيادة النبي الأكرم {{صل}} من جهة وبين المشركين من قبيلتي هوازِن وثقيف من جهة أخرى الساكنين في منطقة الطائف. حيث مالت كفّة الحرب في بدايتها لصالح المشركين بسبب الخطة التي اعتمدها المشركون وحضور المسلمين الجدد في المعركة، والتي كادت أن تعصف بجيش المسلمين وتنتهي بمقتل النبي الأكرم {{صل}}، إلا أنّ المسلمين أعادوا تنظيم صفوفهم ورجعوا مرّة أخرى إلى المعركة بقوّة ليكون النصر حليفاً لهم في نهاية المطاف مستولين على كثير من الغنائم والأسرى.
== تاريخ الغزوة واسماؤها ==
== تاريخ الغزوة واسماؤها ==
ذكر المؤرخون حول تاريخ الغزوة أن رسول الله (ص) لمّا افتتح مكّة لثلاث عشرة مضت من رمضان، وكان فتح مكّة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، فأقام (ص) بمكّة خمس عشرة ليلة، ثم غدا يوم السبت لستّ ليال خلون من شوّال إلى منطقة حُنين.(1)
ذكر المؤرخون حول تاريخ الغزوة أن رسول الله   {{صل}} لمّا افتتح مكّة لثلاث عشرة مضت من رمضان، وكان فتح مكّة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، فأقام {{صل}} بمكّة خمس عشرة ليلة، ثم غدا يوم السبت لستّ ليال خلون من شوّال إلى منطقة حُنين. <ref>الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي، ج 3 ، ص 889 ؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2، ص 137 ، 150 ؛ البلاذري، أحمد بن يحيى، انساب الاشراف، ج 1، ص 438 .</ref>


== سبب الغزوة ==
== سبب الغزوة ==
بعد فتح مكة وإستسلام معظم أهلها، أو إسلام القبائل المحيطة بمكة فضلاً عن قبائل قريش ومشايخه، إلاّ (هوازن) و(ثقيف) فإنهم عتوا عن أمر رسول اللّه (ص) وفكّروا في اجتياح المسلمين والإغارة عليهم، فاجتمعوا وجمعوا الجموع والسلاح وقالوا: إنّ محمداً قاتله قوم لم يحسنوا القتال ولم يكن لهم علم بالحرب فغلب عليهم، ونحن اُولوا بصيرة في الحرب وتجربة في القتال، فسوف نغلبه. ثم عزموا على قصده قبل أن يقصدهم، وقالوا: قبل أنّ يظهر ذلك منه سيروا إليه.(2) وفي رواية أخرى: كانت ثقيف وهوازن قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله من المدينة، وهم يظنون أنّه إنمّا يريدهم حيث خرج من المدينة، فلمّا أتاهم أنّه قد نزل مكّة، أقبلت هوازن عامدين إلى النبي (ص) وأقبلت معهم ثقيف، حتى نزلوا حُنيناً.(3)
بعد فتح مكة وإستسلام معظم أهلها، أو إسلام القبائل المحيطة بمكة فضلاً عن قبائل قريش ومشايخه، إلاّ (هوازن) و(ثقيف) فإنهم عتوا عن أمر رسول اللّه (ص) وفكّروا في اجتياح المسلمين والإغارة عليهم، فاجتمعوا وجمعوا الجموع والسلاح وقالوا: إنّ محمداً قاتله قوم لم يحسنوا القتال ولم يكن لهم علم بالحرب فغلب عليهم، ونحن اُولوا بصيرة في الحرب وتجربة في القتال، فسوف نغلبه. ثم عزموا على قصده قبل أن يقصدهم، وقالوا: قبل أنّ يظهر ذلك منه سيروا إليه. <ref>الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج 3، ص 885 ؛ البلاذري، أحمد بن يحيى، انساب الاشراف، ج 1، ص 438 .</ref>وفي رواية أخرى: كانت ثقيف وهوازن قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله من المدينة، وهم يظنون أنّه إنمّا يريدهم حيث خرج من المدينة، فلمّا أتاهم أنّه قد نزل مكّة، أقبلت هوازن عامدين إلى النبي   {{صل}} وأقبلت معهم ثقيف، حتى نزلوا حُنيناً. <ref> الطبري، تاريخ الطبري، ج 3، ص 70.</ref>
وقد سمّيت الغزوة بيوم حُنين تارة(4) ووقعة حُنين،(5) وغزاة حُنين،(6) وغزوة هوازِن(7) ووقعة هوازِن تارة أخرى.(8)
وقد سمّيت الغزوة بيوم حُنين تارة <ref>سورة التوبة، آيه 25 ؛ ابن حزم، جوامع السيرة، وخمس رسائل أخرى، ص 241 .</ref>ووقعة حُنين، <ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 62 .</ref> وغزاة حُنين، <ref> أحمد بن يحيى البلاذري، أنساب الأشراف، ج ۱، ص 438 .</ref>وغزوة هوازِن <ref> ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج 2، ص 149 ؛ المسعودي، التنبيه والأشراف، ص 269 .</ref> ووقعة هوازِن تارة أخرى. <ref> ابن حزم، جوامع السيرة، وخمس رسائل أخرى، ص 241 .</ref>


== الحوادث التي سبقت وقوعها ==
== الحوادث التي سبقت وقوعها ==
=== الخطوات التي قام بها المشركون قبل المعركة ===
=== الخطوات التي قام بها المشركون قبل المعركة ===
اجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني النصر، وقد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبني جشم بن معاوية، وبني سعد بن بكر وناساً من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية والأحلاف، وبني مالك بن ثقيف بن بكر، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب. وفي جشم دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة ابن خزاعة بن أزية بن جشم رئيسهم وسيّدهم شيخ كبير ليس فيه إلا ليؤتم برأيه ومعرفته. وفي ثقيف سيّدان ليس لهم في الأحلاف إلّا قارب بن الأسود، وفي بني مالك ذو الخمار سُبَيع بن الحرث وأخوه أحمر.(9)
اجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني النصر، وقد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبني جشم بن معاوية، وبني سعد بن بكر وناساً من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية والأحلاف، وبني مالك بن ثقيف بن بكر، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب. وفي جشم دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة ابن خزاعة بن أزية بن جشم رئيسهم وسيّدهم شيخ كبير ليس فيه إلا ليؤتم برأيه ومعرفته. وفي ثقيف سيّدان ليس لهم في الأحلاف إلّا قارب بن الأسود، وفي بني مالك ذو الخمار سُبَيع بن الحرث وأخوه أحمر. <ref>الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج 3، ص 885 ؛ ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4 ، ص 80 ؛ المسعودي، التنبيه والاشراف، ص 270 .</ref>
ولمّا اختاروا مالك بن عوف رئيساً وقائداً لهم أمر بأن يساق مع الناس أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم ليقاتل كلّ أمرئ عن نفسه وماله وأهله فيكون أشدّ لحربه. وكان فيهم دُرَيد بن الصِمّة رئيس بني جشم وكان شيخاً كبيراً قد ذهب بصره من الكبر، وكان صاحب رأي وتدبير وله معرفة بالحروب، فساروا حتى انتهوا إلى أوطاس، فلمّا نزلوا بأوطاس إجتمع الناس، وفيهم دريد بن الصمة، فلما نزل قال: في أي وادٍ أنتم؟
ولمّا اختاروا مالك بن عوف رئيساً وقائداً لهم أمر بأن يساق مع الناس أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم ليقاتل كلّ أمرئ عن نفسه وماله وأهله فيكون أشدّ لحربه. وكان فيهم دُرَيد بن الصِمّة رئيس بني جشم وكان شيخاً كبيراً قد ذهب بصره من الكبر، وكان صاحب رأي وتدبير وله معرفة بالحروب، فساروا حتى انتهوا إلى أوطاس، فلمّا نزلوا بأوطاس إجتمع الناس، وفيهم دريد بن الصمة، فلما نزل قال: في أي وادٍ أنتم؟
قالوا: بأوطاس.
قالوا: بأوطاس.
سطر ٢٤: سطر ٢٤:
قالوا: لم يشهدها منهم أحد.
قالوا: لم يشهدها منهم أحد.
قال: غاب الجدّ والجَد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر.
قال: غاب الجدّ والجَد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر.
قال: ذلك الجذعان لا ينفعان ولا يضران.(10) وجعلت الأمداد تأتيهم- وهم في أوطاس- من كلّ ناحية.(11) ولمّا سمع بهم النبي (ص) بعث إليهم عبد اللّه بن أبي حدود - حَدْرَد- الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس، فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول اللّه (ص) فأتاه وأخبره الخبر.(12)
قال: ذلك الجذعان لا ينفعان ولا يضران. <ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 80 - 82 .</ref> وجعلت الأمداد تأتيهم- وهم في أوطاس- من كلّ ناحية. <ref> الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج 3، ص 886 - 887 .</ref>ولمّا سمع بهم النبي (ص) بعث إليهم عبد اللّه بن أبي حدود - حَدْرَد- الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس، فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول اللّه (ص) فأتاه وأخبره الخبر. <ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج ص 82 - 83 .</ref>
1. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۸۹؛ ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۳۷، ۱۵۰؛ البلاذري، أحمد بن يحيى، انساب الاشراف، ج ۱، ص ۴۳۸.
 
2. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۸۵؛ البلاذري، أحمد بن يحيى، انساب الاشراف، ج ۱، ص ۴۳۸.
3. الطبري، تاريخ الطبري، ج ۳، ص ۷۰.
4. سورة التوبة، آيه ۲۵؛ ابن حزم، جوامع السيرة، وخمس رسائل أخرى، ص ۲۴۱.
5. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج ۲، ص ۶۲.
6. أحمد بن يحيى البلاذري، أنساب الأشراف، ج ۱، ص ۴۳۸.
7. ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۴۹؛ المسعودي، التنبيه والأشراف، ص ۲۶۹.
8. ابن حزم، جوامع السيرة، وخمس رسائل أخرى، ص ۲۴۱.
9. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۸۵؛ ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۸۰؛ المسعودي، التنبيه والاشراف، ص ۲۷۰.
10. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۸۰- ۸۲.


=== الخطوات الاحترازية التي قام بها النبي (ص) قبل المعركة ===
=== الخطوات الاحترازية التي قام بها النبي (ص) قبل المعركة ===
روى محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين (الإمام الباقر عليه السلام)، قال: لمّا أجمع رسول الله (ص) السير إلى هوازن ليلقاهم، ذكر له أنّ عند صفوان بن أميّه أدراعاً وسلاحاً، فأرسل إليه، فقال: يا أبا أميّة - وهو يومئذ مشرك-: أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً. فقال له صفوان: أغصباً يا محمد! قال: بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك، قال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائه درع بما يصلحها من السلاح.(13)
روى محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين (الإمام الباقر {{عليه السلام}}، قال: لمّا أجمع رسول الله {{صل}} السير إلى هوازن ليلقاهم، ذكر له أنّ عند صفوان بن أميّه أدراعاً وسلاحاً، فأرسل إليه، فقال: يا أبا أميّة - وهو يومئذ مشرك-: أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً. فقال له صفوان: أغصباً يا محمد! قال: بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك، قال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائه درع بما يصلحها من السلاح. <ref>الطبري، تاريخ الطبري، ج 3، ص 73 ؛ قس شمسشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج 5، ص 312 .</ref>
فخرج إليهم رسول الله في جيش عظيم عدتهم اثنا عشر ألفاً: عشرة آلاف أصحابه الذين فتح بهم مكة، وألفان من أهل مكّة ممّن أسلم عام الفتح.(14) قالوا وخرج رجال من مكّة مع النبيّ (ص) فلم يغادر منهم أحداً- على غير دين- ركباناً ومشاة، ينظرون لمن تكون‏ الدائرة فيصيبون من الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصّدمة- شدّة المصيبة- لمحمّد (ص) وأصحابه‏.(15) وانتهى رسول الله (ص) إلى حُنين بمعيّة من كان معه من المسلمين مساءَ ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوّال.(16)‏
فخرج إليهم رسول الله في جيش عظيم عدتهم اثنا عشر ألفاً: عشرة آلاف أصحابه الذين فتح بهم مكة، وألفان من أهل مكّة ممّن أسلم عام الفتح. قالوا وخرج رجال من مكّة مع النبيّ {{صل}} فلم يغادر منهم أحداً- على غير دين- ركباناً ومشاة، ينظرون لمن تكون‏ الدائرة فيصيبون من الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصّدمة- شدّة المصيبة- لمحمّد {{صل}} وأصحابه‏.وانتهى رسول الله {{صل}} إلى حُنين بمعيّة من كان معه من المسلمين مساءَ ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوّال.


=== اصطفاف الجيوش ===
=== اصطفاف الجيوش ===
وكان مالك بن عوف قائد المشركين قد بعث بثلاثة جواسيس ليتجسسوا له على المسلمين، ويأتوه بأخبارهم، فعادوا بأجمعهم فزعين ممّا شاهدوه من قوّة المسلمين وكثرتهم. فقرر أن يجبُر ضعف جنوده وقلتهم باستخدام الخدع العسكرية، والتوسل بأُسلوب المباغتة لدحر جيش المسلمين، ولتحقيق هذا الهدف هبط بجيشه في واد ينحدر إلى منطقة "حُنين"، وأمر بأن يختفي الجنود والمقاتلون خلف الصخور والأحجار، وفي شغاف الجبال، وكلّ ما ارتفع من ذلك الوادي ونشز، حتى إذا انحدر جنود الإسلام في هذا الوادي في غفلة من هذا التدبير خرج رجالُ هوازن وثقيف من مكامنهم، وكمائنهم، ورموا المسلمين الغافلين عن خطة العدو، بالحجارة والنبل، ثم يخرج اليهم فريق في أسفل الوادي ويضربونهم بالسيوف!! <ref>انظر كتاب: سيد المرسلين، ص516، للشيخ جعفر السبحاني، نشر مؤسسة الإمام الصادق</ref>
وكان مالك بن عوف قائد المشركين قد بعث بثلاثة جواسيس ليتجسسوا له على المسلمين، ويأتوه بأخبارهم، فعادوا بأجمعهم فزعين ممّا شاهدوه من قوّة المسلمين وكثرتهم. فقرر أن يجبُر ضعف جنوده وقلتهم باستخدام الخدع العسكرية، والتوسل بأُسلوب المباغتة لدحر جيش المسلمين، ولتحقيق هذا الهدف هبط بجيشه في واد ينحدر إلى منطقة "حُنين"، وأمر بأن يختفي الجنود والمقاتلون خلف الصخور والأحجار، وفي شغاف الجبال، وكلّ ما ارتفع من ذلك الوادي ونشز، حتى إذا انحدر جنود الإسلام في هذا الوادي في غفلة من هذا التدبير خرج رجالُ هوازن وثقيف من مكامنهم، وكمائنهم، ورموا المسلمين الغافلين عن خطة العدو، بالحجارة والنبل، ثم يخرج اليهم فريق في أسفل الوادي ويضربونهم بالسيوف!! <ref>انظر كتاب: سيد المرسلين، ص516، للشيخ جعفر السبحاني، نشر مؤسسة الإمام الصادق و الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي، ج 3، ص 894 - 895 . </ref>


=== حاملو ألوية المسلمين ===
=== حاملو ألوية المسلمين ===
في المقابل نجد الرسول (ص) يخطط للمعركة ويعد لها عدّتها حيث نظم صفوف جيشه فعبّأ (ص) أصحابه وصفّهم صفوفا في السّحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله عليّ عليه السلام، وفي الأنصار رايات، مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر- و يقال لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة- ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وفي كلّ بطن من الأوس والخزرج لواء أو راية.
في المقابل نجد الرسول (ص) يخطط للمعركة ويعد لها عدّتها حيث نظم صفوف جيشه فعبّأ (ص) أصحابه وصفّهم صفوفا في السّحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله عليّ عليه السلام، وفي الأنصار رايات، مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر- و يقال لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة- ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وفي كلّ بطن من الأوس والخزرج لواء أو راية. <ref> ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج2 ، ص 150؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 62 . و  الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي، ج 3، ص 892 ؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2، ص 150.</ref>


== وقائع الغزوة ==
== وقائع الغزوة ==
=== نشوب القتال ===
=== نشوب القتال ===
في المقابل نجد الرسول (ص) يخطط للمعركة ويعد لها عدّتها حيث نظم صفوف جيشه فعبّأ (ص) أصحابه وصفّهم صفوفا في السّحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله عليّ عليه السلام، وفي الأنصار رايات، مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر- و يقال لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة- ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وفي كلّ بطن من الأوس والخزرج لواء أو راية.
في المقابل نجد الرسول (ص) يخطط للمعركة ويعد لها عدّتها حيث نظم صفوف جيشه فعبّأ (ص) أصحابه وصفّهم صفوفا في السّحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله عليّ عليه السلام، وفي الأنصار رايات، مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر- و يقال لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة- ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وفي كلّ بطن من الأوس والخزرج لواء أو راية. <ref>الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي، ج 3، ص 895 - 897 ؛ ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص 150 -151 . و ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 83 . و . ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 85 .</ref>


=== المدافعون عن النبي (ص) والمنهزمون من المعركة ===
=== المدافعون عن النبي (ص) والمنهزمون من المعركة ===
اختلفت كلمة المصادر التاريخية في المقاتلين الذين ثبتوا مع رسول الله (ص) فقيل هم أربعة: علي بن أبي طالب عليه السلام، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب من بني هاشم، وابن مسعود.(20) وفي رواية أخرى انهزم المسلمون عن رسول الله حتى بقي في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، وهم: علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب والفضل بن العباس وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وقيل أيمن بن أمّ أيمن.(21) وقد بلغ عدد الفارين من المعركة ما بين مائة وثلاثمائة من الرجال.(22)
اختلفت كلمة المصادر التاريخية في المقاتلين الذين ثبتوا مع رسول الله {{صل}} فقيل هم أربعة: علي بن أبي طالب عليه السلام، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب من بني هاشم، وابن مسعود. <ref> ابن ابي شيبة، المصنَّف في الاحاديث والآثار، ج 8، ص 552 - 553 ؛ شمسشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد، ج 5، ص 329 .</ref> وفي رواية أخرى انهزم المسلمون عن رسول الله حتى بقي في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، وهم: علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب والفضل بن العباس وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وقيل أيمن بن أمّ أيمن. <ref> اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 62؛ الطبرسي، فضل بن الحسن، أعلام الورى باعلام الهدى، ج ۱، ص 386 .</ref> وقد بلغ عدد الفارين من المعركة ما بين مائة وثلاثمائة من الرجال. <ref> النويري، احمد بن عبد الوهاب، نهاية الإرب في فنون الأدب، ج ۱۷، ص 328 .</ref>
11. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۸۶- ۸۸۷.
12. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۸۲- ۸۳.
13. الطبري، تاريخ الطبري، ج ۳، ص ۷۳؛ قس شمسشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج ۵، ص ۳۱۲.
14. ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج۲ ، ص ۱۵۰؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج ۲، ص ۶۲.
15. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۹۴- ۸۹۵.
16. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۹۲؛ ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۵۰.
17. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۹۵- ۸۹۷؛ ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۵۰-۱۵۱.
18. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۸۳.
19. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۸۵.
20. ابن ابي شيبة، المصنَّف في الاحاديث والآثار، ج ۸، ص ۵۵۲- ۵۵۳؛ شمسشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد، ج ۵، ص ۳۲۹.


==شماتة أبي سفيان و غيره بالمسلمين==
==شماتة أبي سفيان و غيره بالمسلمين==
قال ابن إسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله (ص) من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضّغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لمعه في كنانته. وصرخ جبلة بن الحنبل- وقال ابن هشام: كلدة بن الحنبل-: ألا بطل السّحر اليوم. وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي قتل يوم أحد: اليوم أدرك ثأري من محمد.(23)
قال ابن إسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله {{صل}} من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضّغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لمعه في كنانته. وصرخ جبلة بن الحنبل- وقال ابن هشام: كلدة بن الحنبل-: ألا بطل السّحر اليوم. وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي قتل يوم أحد: اليوم أدرك ثأري من محمد. <ref> ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۸۶- ۸۷.</ref>




=== تدارك النبي (ص) للموقف ===
=== تدارك النبي (ص) للموقف ===
في تلك الأجواء العصيبة أمر الرسول (ص) عمَّه العباس الذي كان صاحب صوت عظيم أن ينادي في المسلمين الذين كانوا يواصلون فرارهم، ولا يلوون على شيء: فأخذ العباس بزمام ناقة الرسول وأخذ ينادي "يا معشَر الأنصار، يا معشر السَمُرة، يا أصحاب سورة البقرة" ويقصد من السمرة الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان.
في تلك الأجواء العصيبة أمر الرسول (ص) عمَّه العباس الذي كان صاحب صوت عظيم أن ينادي في المسلمين الذين كانوا يواصلون فرارهم، ولا يلوون على شيء: فأخذ العباس بزمام ناقة الرسول وأخذ ينادي "يا معشَر الأنصار، يا معشر السَمُرة، يا أصحاب سورة البقرة" ويقصد من السمرة الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان.
فبلغت صرخاتُ العباس مسامع المسلمين فثارت حميتُهم، وأخذوا يثوبون إلى رسول اللّه (ص) وهم يقولون: لبيك لبيك.(24) فكان الرجل منهم يريد ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ثم يقتحم عن بعيره فيخلي سبيله في الناس، ثم يؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله (ص)، حتى إذا اجتمع إليه (ص) منهم مائه رجل إستقبلوا الناس- أي المشركين-، فاقتتلوا.(25)
فبلغت صرخاتُ العباس مسامع المسلمين فثارت حميتُهم، وأخذوا يثوبون إلى رسول اللّه {{صل}} وهم يقولون: لبيك لبيك. <ref> الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج 3، ص 898 - 899 </ref> فكان الرجل منهم يريد ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ثم يقتحم عن بعيره فيخلي سبيله في الناس، ثم يؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله {{صل}}، حتى إذا اجتمع إليه {{صل}} منهم مائه رجل إستقبلوا الناس- أي المشركين-، فاقتتلوا. <ref> الطبري، تاريخ الطبري، ج 3، ص 75 - 76 .</ref>


=== استبسال الإمام علي عليه السلام ===
=== استبسال الإمام علي عليه السلام ===
روى أبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن أنس، قال: وكان عليّ- رضي الله عنه- يومئذ أشدّ الناس قتالا بين يديه.(26) ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله.(27) وجاء في الكافي وإعلام الورى أن عليّاً عليه السلام قتل أربعين رجلاً من المشركين.(28)‏
روى أبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن أنس، قال: وكان عليّ- رضي الله عنه- يومئذ أشدّ الناس قتالا بين يديه. <ref>شمسشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج 5، ص 324 .</ref> ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله. <ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 63 ؛ ابن الأثير، الکامل في التاريخ، ج 2، ص 263 .</ref>وجاء في الكافي وإعلام الورى أن عليّاً عليه السلام قتل أربعين رجلاً من المشركين. <ref>الکليني، أصول الکافي، ج 8، ص 376 ؛ الطبرسي، الفضل بن الحسن، أعلام الورى بأعلام الهدى، ج 1، ص 387.</ref>


=== الإمداد الغيبي في المعركة ===
=== الإمداد الغيبي في المعركة ===
جاء في رواية الطبري، فأخذ النبي (ص) حفنة من تراب، فرمى بها في وجوههم، و قال: حم لا ينصرون!. فولى المشركون مدبرين.(29)‏ وقد صرّح القرآن الكريم(30) والأحاديث الشريفة(31) بنزول الملائكة يوم حُنين.
جاء في رواية الطبري، فأخذ النبي (ص) حفنة من تراب، فرمى بها في وجوههم، و قال: حم لا ينصرون!. فولى المشركون مدبرين. <ref> الطبري، تاريخ الطبري، ج ۳، ص ۷۸.</ref>وقد صرّح القرآن الكريم <ref>سوره التوبة، الآية 26 .</ref> والأحاديث الشريفة <ref>النويري، احمد بن عبد الوهاب، نهاية الإرب في فنون الأدب، ج 17 ، ص 334 .</ref> بنزول الملائكة يوم حُنين.
21. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج ۲، ص ۶۲؛ الطبرسي، فضل بن الحسن، أعلام الورى باعلام الهدى، ج ۱، ص ۳۸۶.
22. النويري، احمد بن عبد الوهاب، نهاية الإرب في فنون الأدب، ج ۱۷، ص ۳۲۸.
23. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۸۶- ۸۷.
24. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۸۹۸- ۸۹۹
25. الطبري، تاريخ الطبري، ج ۳، ص ۷۵- ۷۶.
26. شمسشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج ۵، ص ۳۲۴.
27. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج ۲، ص ۶۳؛ ابن الأثير، الکامل في التاريخ، ج ۲، ص ۲۶۳.
28. الکليني، أصول الکافي، ج ۸، ص ۳۷۶؛ الطبرسي، الفضل بن الحسن، أعلام الورى بأعلام الهدى، ج ۱، ص ۳۸۷.
29. الطبري، تاريخ الطبري، ج ۳، ص ۷۸.
30. سوره التوبة، الآية ۲۶.


=== قتلى المشركين وأسراهم ===
=== قتلى المشركين وأسراهم ===
بلغ عدد قتلى المشركين من بني مالك من قبيلة ثقيف سبعين قتيلاً.(32) وفي رواية أخرى أن قتلى هوازن كان بعدد قتلى المشركين في بدر أي سبعين قتيلا.(33) وفي رواية المسعودي: وقتل دريد بن الصمة يومئذ في نحو من مائة وخمسين رجلاً من هوازن، وهرب مالك بن عوف.(34) وكان السبي ستة آلاف رأس. والإبل أربعة وعشرين ألف بعير. والغنم أكثر من أربعين ألف شاة. وأربعة آلاف أوقية فضة.(35)
بلغ عدد قتلى المشركين من بني مالك من قبيلة ثقيف سبعين قتيلاً. <ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 92 .</ref> وفي رواية أخرى أن قتلى هوازن كان بعدد قتلى المشركين في بدر أي سبعين قتيلا. <ref> الذهبي، محمد بن احمد، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام، ج 1، ص 582 .</ref> وفي رواية المسعودي: وقتل دريد بن الصمة يومئذ في نحو من مائة وخمسين رجلاً من هوازن، وهرب مالك بن عوف. <ref>. المسعودي، التنبيه والإشراف، ج 1، ص 270 .</ref>وكان السبي ستة آلاف رأس. والإبل أربعة وعشرين ألف بعير. والغنم أكثر من أربعين ألف شاة. وأربعة آلاف أوقية فضة. <ref>ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج 2، ص 155 .</ref>


== أحداث ما بعد المعركة ==
== أحداث ما بعد المعركة ==
=== مصير المشركين ===
=== مصير المشركين ===
لمّا انهزم الناس أتوا بمعيّة مالك بن عوف الطائفَ، وعسكر عسكر منهم بأوطاس، وتوجّه بعضهم نحو نخلة ولم يكن فيمن توجّه إلى نخلة إلّا بنو عنزة من ثقيف. فبعث رسول الله (ص) خيلاً تتبع من سلك نخلة.(36) وبعث رسول الله (ص) أبا عامر الأشعري إلى أوطاس متبعاً للكفرة، فقتل. فقام بأمر الناس أبو موسى الأشعري، وأقبل المسلمون إلى أوطاس، فهرب المشركون منهم إلى الطائف.(37) وقد كان في السبي اُخت رسول اللّه (ص) الرضاعية: شيماء بنت الحارث بن عبد العُزّى، فلما قامت على رأسه قالت: يا محمّد اُختك شيماء. فنزع رسول اللّه (ص) برده فبسطه لها، فأجلسها عليه، ثم أكبّ عليها يسائلها، ورحّب بها، ودمعت عيناه. ثم قال: إن أحببت فأقيمي عندنا محبّة مكرّمة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك رجعت إلى قومك. قالت: أرجع إلى قومي‏‏.(38) وقال اليعقوبي في تاريخه: جاءت الشيماء وكلمته في السبايا وقالت: إنما هن خالاتك وأخواتك. فقال: ما كان لي ولبني هاشم فقد وهبته لك. فوهب المسلمون ما كان في أيديهم من السبايا كما فعل، إلا الأقرع ابن حابس وعيينة بن حصن.(39)
لمّا انهزم الناس أتوا بمعيّة مالك بن عوف الطائفَ، وعسكر عسكر منهم بأوطاس، وتوجّه بعضهم نحو نخلة ولم يكن فيمن توجّه إلى نخلة إلّا بنو عنزة من ثقيف. فبعث رسول الله {{صل}} خيلاً تتبع من سلك نخلة. <ref>الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج 3، ص 914 .</ref> وبعث رسول الله{{صل}} أبا عامر الأشعري إلى أوطاس متبعاً للكفرة، فقتل. فقام بأمر الناس أبو موسى الأشعري، وأقبل المسلمون إلى أوطاس، فهرب المشركون منهم إلى الطائف. <ref>البلاذري، احمد بن يحيى، أنساب الاشراف، ج 1، ص 439 - 440.</ref> وقد كان في السبي اُخت رسول اللّه {{صل}} الرضاعية: شيماء بنت الحارث بن عبد العُزّى، فلما قامت على رأسه قالت: يا محمّد اُختك شيماء. فنزع رسول اللّه {{صل}} برده فبسطه لها، فأجلسها عليه، ثم أكبّ عليها يسائلها، ورحّب بها، ودمعت عيناه. ثم قال: إن أحببت فأقيمي عندنا محبّة مكرّمة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك رجعت إلى قومك. قالت: أرجع إلى قومي‏‏. <ref> الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج 3، ص 913 - 914 .</ref> وقال اليعقوبي في تاريخه: جاءت الشيماء وكلمته في السبايا وقالت: إنما هن خالاتك وأخواتك. فقال: ما كان لي ولبني هاشم فقد وهبته لك. فوهب المسلمون ما كان في أيديهم من السبايا كما فعل، إلا الأقرع ابن حابس وعيينة بن حصن. <ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 63 .</ref>


=== الخطوات التي قام بها المسلمون بعد المعركة ===
=== الخطوات التي قام بها المسلمون بعد المعركة ===
قال رسول الله (ص): من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه‏.(40) ثم جمعت إلى رسول الله (ص) سبايا حُنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاريّ، وأمر رسول الله (ص) بالسّبايا والأموال إلى الجعرّانة، فحبست بها.(41) وكان رسول الله (ص) انتهى إلى الجعرّانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة.(42)
قال رسول الله {{صل}}: من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه‏. <ref> الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج 3، ص 908 .</ref> ثم جمعت إلى رسول الله {{صل}} سبايا حُنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاريّ، وأمر رسول الله {{صل}} بالسّبايا والأموال إلى الجعرّانة، فحبست بها. <ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 101 .</ref>وكان رسول الله {{صل}} انتهى إلى الجعرّانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة. <ref>ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ص 154 .</ref>
 
31. النويري، احمد بن عبد الوهاب، نهاية الإرب في فنون الأدب، ج ۱۷، ص ۳۳۴.
32. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۹۲.
33. الذهبي، محمد بن احمد، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام، ج ۱، ص ۵۸۲.
34. المسعودي، التنبيه والإشراف، ج ۱، ص ۲۷۰.
35. ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۵۵.
36. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۹۱۴.
37. البلاذري، احمد بن يحيى، أنساب الاشراف، ج ۱، ص ۴۳۹- ۴۴۰.
38. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۹۱۳- ۹۱۴.
39. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج ۲، ص ۶۳.
40. الواقدي، محمد بن عمر، کتاب المغازي، ج ۳، ص ۹۰۸.
 
=== إطلاق سراح الأسرى ===
=== إطلاق سراح الأسرى ===
بعد إنتهاء المعركة قدم جماعة من هوازن "الجعرّانة" على رسول اللّه (ص) فقالوا: يا رسولَ اللّه إنّما في هذه الأسرى من يكفُلك من عماتِكَ وخالاتك، وحواضنك... فقال رسول اللّه (ص): أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. فقال المهاجرون: أمّا ما كانَ لنا فهو لرسول اللّه. وقال الأنصار: ما كانَ لنا فهو لرسول اللّه.
بعد إنتهاء المعركة قدم جماعة من هوازن "الجعرّانة" على رسول اللّه {{صل}} فقالوا: يا رسولَ اللّه إنّما في هذه الأسرى من يكفُلك من عماتِكَ وخالاتك، وحواضنك... فقال رسول اللّه {{صل}}: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. فقال المهاجرون: أمّا ما كانَ لنا فهو لرسول اللّه. وقال الأنصار: ما كانَ لنا فهو لرسول اللّه.
وهكذا وهب الأنصارُ والمهاجرون نصيبَهم من الأسرى تبعاً لرسول اللّه (ص) ولم يتأخر عن ذلك إلا البعض ممن وهب نصيبه لاحقاً.(43)
وهكذا وهب الأنصارُ والمهاجرون نصيبَهم من الأسرى تبعاً لرسول اللّه {{صل}} ولم يتأخر عن ذلك إلا البعض ممن وهب نصيبه لاحقاً.


=== تقسيم الغنائم ===
=== تقسيم الغنائم ===
ثم إن رسول اللّه (ص) قسَّم أموال بيت المال بين المسلمين، وأما الخُمس الذي هو حقُه الخاص به فقد وزَّعه بين أشراف قريش الحديثي العهد بالاسلام يتألَّفهم، ويتألفُ بهم قومهُم، فأعطى من هذا المال لـ: أبي سفيان بن حرب، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحارث بن الحارث، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، والعلاء بن جارية وصفوان بن اُمية، وغيرهم ممّن كانوا يعادونه إلى الأمس القريب من رؤوس الشرك ورموز الكفر، لكلِّ واحد منهم مائة بعير أو خمسين بعيراً. وهذا الفريق هم من يُصطلح عليهم في الفقه الاسلامي بالمؤلفة قلوبُهم، وهم يشكلون إحدى مصارف الزكاة بنص القرآن الكريم.(باركراف اضافي است انظر: سيرة سيد المرسلين، ص 533، نقلا عن المحبّر: ص 473، المغازي: ج 3 ص 944 - 948، السيرة النبوية: ج 3 ص 493، امتاع الاسماع: ج 1 ص 423)
ثم إن رسول اللّه (ص) قسَّم أموال بيت المال بين المسلمين، وأما الخُمس الذي هو حقُه الخاص به فقد وزَّعه بين أشراف قريش الحديثي العهد بالاسلام يتألَّفهم، ويتألفُ بهم قومهُم، فأعطى من هذا المال لـ: أبي سفيان بن حرب، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحارث بن الحارث، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، والعلاء بن جارية وصفوان بن اُمية، وغيرهم ممّن كانوا يعادونه إلى الأمس القريب من رؤوس الشرك ورموز الكفر، لكلِّ واحد منهم مائة بعير أو خمسين بعيراً. وهذا الفريق هم من يُصطلح عليهم في الفقه الاسلامي بالمؤلفة قلوبُهم، وهم يشكلون إحدى مصارف الزكاة بنص القرآن الكريم. <ref>انظر: سيرة سيد المرسلين، ص 533، نقلا عن المحبّر: ص 473، المغازي: ج 3 ص 944 - 948، السيرة النبوية: ج 3 ص 493، امتاع الاسماع: ج 1 ص 423</ref>
ويقول ابن سعد في الطبقات الكبرى بعد ان ذكر قصة هذا التقسيم الخاص للغنائم: وأعطى ذلك كله من الخمس وهو أثبت الأقاويل عندنا.
ويقول ابن سعد في الطبقات الكبرى بعد ان ذكر قصة هذا التقسيم الخاص للغنائم: وأعطى ذلك كله من الخمس وهو أثبت الأقاويل عندنا.
ولقد شقّ هذا النوع من الأسلوب في تقسيم الغنائم وهذا النمط من البذل الذي مارسه رسول اللّه (ص) على بعض المسلمين، وبخاصّة الأنصار، وقد جهلوا بالمصالح التي كان يراعيها، والأهداف العليا التي كان يتوخّاها (ص) من هذا النوع من البذل والعطاء... فجمعهم رسول الله (ص) وقال بعد كلام معهم: والذي نفسُ مُحمَّدٍ بيدهِ لولا الهجرة لكنت إمرءاً من الأنصار، ولو سلكَ الناسُ شِعباً وسلكتِ الأنصارُ شِعباً لسلكتُ شِعبَ الأنصار.
ولقد شقّ هذا النوع من الأسلوب في تقسيم الغنائم وهذا النمط من البذل الذي مارسه رسول اللّه {{صل}} على بعض المسلمين، وبخاصّة الأنصار، وقد جهلوا بالمصالح التي كان يراعيها، والأهداف العليا التي كان يتوخّاها {{صل}} من هذا النوع من البذل والعطاء... فجمعهم رسول الله {{صل}} وقال بعد كلام معهم: والذي نفسُ مُحمَّدٍ بيدهِ لولا الهجرة لكنت إمرءاً من الأنصار، ولو سلكَ الناسُ شِعباً وسلكتِ الأنصارُ شِعباً لسلكتُ شِعبَ الأنصار.
ثم ترحَّم على الأنصار وعلى أبنائهم وعلى أبناء أبنائهم فقال:
ثم ترحَّم على الأنصار وعلى أبنائهم وعلى أبناء أبنائهم فقال:
"اللّهُم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار".
"اللّهُم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار". <ref> ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 130 - 133.</ref>
وقد كانت كلماتُ النبي صلّى اللّه عليه وآله هذه من القوّة والعاطفيّة بحيث أثارت مشاعر الأَنصار، فبكوا بعد سماعها بكاء شديداً حتى اخضلّت لحاهُم وابتلَّت بالدّموع وقالوا: رَضينا يا رسولَ اللّه حظّاً وقسماً !!!.(44)
وقد كانت كلماتُ النبي صلّى اللّه عليه وآله هذه من القوّة والعاطفيّة بحيث أثارت مشاعر الأَنصار، فبكوا بعد سماعها بكاء شديداً حتى اخضلّت لحاهُم وابتلَّت بالدّموع وقالوا: رَضينا يا رسولَ اللّه حظّاً وقسماً !!!. <ref>. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2، ص 152-156.</ref>


=== العودة إلى المدينة ===
=== العودة إلى المدينة ===
وبعد أن أقام (ص) بالجعرّانة ثلاث عشرة ليلة، خرج ليلة الأربعاء الثامن عشر من ذي القعدة إلى مكة معتمراً ثم خرج منها يوم الخميس متوجّها صوب المدينة.(45)
وبعد أن أقام {{صل}} بالجعرّانة ثلاث عشرة ليلة، خرج ليلة الأربعاء الثامن عشر من ذي القعدة إلى مكة معتمراً ثم خرج منها يوم الخميس متوجّها صوب المدينة. <ref>ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ص 154.</ref>
41. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۱۰۱.
42. ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۵۴.
43. ابن هشام، السيرة النبوية، ج ۴، ص ۱۳۰- ۱۳۳.
44. ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۵۲- ۱۵۶.
45. ابن سعد، الطبقات الکبرى، ج ۲، ص ۱۵۴.


== الهوامش ==
== الهوامش ==
مستخدم مجهول