انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الغلو»

أُضيف ٢١٬٥١٦ بايت ،  ٣ فبراير ٢٠١٧
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Maytham
طلا ملخص تعديل
imported>Baselaldnia
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
{{ويكي}}
{{ويكي}}
{{معتقدات الشيعة}}
{{معتقدات الشيعة}}
[[الغلو]]: هو الزّيادة على الحدّ الشّرعيّ المتعارف عليه، والإفراط في ما قرّره [[الوحي]]، أي تجاوز الحدّ المعيّن من الدّين على مستوى الإعتقادات، كأن [[الغلو|يغالي]] الإنسان [[الإمامة|بالإمام]] الّذي يتبعه فيعطيه مقامات كبيرة أو صفات لا تكون إلاّ في [[النبي صلّى الله عليه وآله و سلم|النبي]] {{صل}}، بل أنّ البعض يجعل من يتبعه إلهاً، أو أن يدّعي [[المعجزة|المعجزات]] لشخصيّات معيّنة كما في معجزات [[الصحابة]]، و[[الأولياء]]. أو يدعي لهم [[الكرامة|بكرامات]]. وقد يكون [[الغلو]] في [[العبادات]] كمن يصلّي اللّيل والنّهار، أو يصومهما، وهذا الأمر خلاف التّكليف الّذي وضعه [[الله]]{{عز وجل}} على العباد.
الغلو: هو الارتفاع ومجاوزة الحد للشيء سواء أكان في المعتقدات الدينية أو غيرها. واستعمل الغلو في [[القرآن]] في معنى مجاوزة الحد المفترض للمخلوق والارتفاع به إلى مقام [[الألوهية]]. أو [[التقصير]] إلى حد [[الرمي]] و[[القذف]].  
==معنى الغلو==
[[الغلو]] في الاصطلاح اللغوي: هو مجاوزة الحد والإفراط في الشيء،<ref>لسان العرب 15: 132</ref> وقد أورد [[القرآن الكريم]] هذه الكلمة مرتين:
*الاُولى في قوله تعالى: « يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّـهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّـهِ وَكِيلًا...».<ref>سورة النساء: 171</ref>


والمراد من الغلو عند [[أهل البيت]] عليهم السلام هو مجاوزة الحدود والارتفاع بهم إلى مقام الألوهية. كما يظهر من  [[الروايات]] التي تنهي عن تأليههم أو رفعهم عن مقام [[العبودية]] لله تعالى، أو [[التفويض|تفويض]] أمر الخلق إليهم أو القول بأنهم أنبياء، ونحوها من التعبيرات التي يظهر منها تجاوز حدود مقاماتهم التي ثبتت لهم عليهم السلام.


*الثانية في قوله تعالي: « قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ».<ref>سورة المائدة : 77</ref>
ظاهرة الغلو قديمة قدم الرسالات السماوية، إذ اختلفت استجابات المدعوين لتلك الرسالات فكان منهم [[الغلاة]].  


وذكر [[محمد رشيد رضا]] في تفسير هذه [[آية |الآية]] أن «[[الغلو]]: الإفراط وتجاوز الحد في الأمر ، فإذا كان في [[الدين]] فهو تجاوز حد [[الوحي]] المنزل الى ما تهوى الأنفس ؛ كجعل [[النبوة|الأنبياء]] والصالحين أرباباً ينفعو{{عز وجل}}...».<ref>تفسير المنار 6: 488 ـ 489 ط . دار المعرفة</ref> [[الغلو|فالغلوّ]] إذاً هو الزيادة على الحد الشرعي والإفراط في ما قرّره [[الوحي]].
ولا شك أن طبيعة المجتمع وطبيعة ما فيه من صراعات، أدت إلى ظهور الغلو والفرق الغالية وغيرها من الفرق، حيث أخذت كل فرقة دورها على صعيد الحياة الدينية والسياسية والفكرية.


==تهمة الشيعة بالغلو==
== معنى الغلو ==
كان [[الشيعة]] طوال التاريخ الإسلامي في معارضة دائمة مع السلطان ؛ لأنهم يرفضون الظلم ، ولا يخضعون للحاكم الظالم ، وكان لهذا الموقف السياسي نتائج وخيمة ، فقادتهم أفكارهم الى سيف الجلاد ، ونُهبت أموالهم ، وشُهِّر بهم ، وسُخِّفت  وشُوِّهت عقائدهم ، من خلال الدعايات التي كانت تبثها السلطات الحاكمة عبر التاريخ ، وأصبحت هذه الدعايات فيما بعد وكأنّها حقائق عند الكثير من [[المسلمون|المسلمين]]. ومن الأمور التي قيلت في حق [[الشيعة]] أنهم أتباع [[عبدالله بن سبأ]] [[اليهود|اليهودي]] الذي دخل [[الإسلام |الإسلام]] وأسّس [[الشيعة|المذهب الشيعي]] ثم زرع فيه الأفكار [[الغلو|المغالية]] ، التي يراد لها أن تحطم [[الإسلام]] وتحط من قَدْرِه ، والذين يقولون هذا الكلام يذهبون الى أنّ ابن سبأ هو السبب فيما عرف بالفتنة أيام [[عثمان بن عفان |عثمان بن عفان]]. كما اتّهمو [[الشيعة]] [[الغلو|بالغلو]] كونهم يقولون [[العصمة|بعصمة]] [[الأئمة الإثني عشر]].
=== الغلو في اللغة ===
تدور الأحرف الأصلية لهذه الكلمة ومشتقاتها على معنى واحد يدل على مجاوزة الحد والقدر:
قال ابن منظور: (غلا في [[الدين]]، والأمر يغلو غُلُواً: جاوز حده. وقال بعضهم: غلوت في الأمر غلواً إذا جاوزت فيه الحد وأفرطت فيه. وفي الحديث: إياكم والغلو في الدين أي [[التشدد]] فيه ومجاوزة الحد).<ref>لسان العرب، ج10، ص112 مادة غلا.</ref>


ويرى المحقّقون من [[أهل السنة والجماعة |السنّة]] و [[الشيعة]] ، أنّ هذا الرجل حاكته المخيلة [[بني أمية|الأموية]]  ؛ حيث كانوا يرون أنّ الفكر [[الشيعة|الشيعي]] الثوري يهدد سلطانهم ، وما [[عبد الله بن سبأ]] إلاّ أسطورة ليس لها وجود ، وقد أكد هذا المعنى الدكتور [[طه حسين]] -وهو من [[أهل السنة والجماعة |أهل السنة]]- في كتابه([[الفتنة الكبرى (كتاب)|الفتنة الكبرى]]) حيث خصّص مساحة واسعة للبحث عن هذا الموضوع ، وفنّده من خلال البحث العلمي ،كما أثبت [[السيد مرتضى العسكري]] أنّ ابن سبأ شخصية مختلقة في كتابه [[عبد الله بن سبأ (كتاب)|عبد الله بن سبأ]]، وكذلك فعل الدكتور [[علي الوردي]] في كتاب ([[وعاظ السلاطين (كتاب) |وعّاظ السلاطين]]).
وقال الطريحي: (غلا في الدين غلواً من باب قعد: تصلب وتشدد حتى تجاوز الحد والمقدار).<ref>مجمع البحرين، ج1، ص318 مادة غلا.</ref>


أما [[العصمة]] فهي تعني إن [[الخلافة|خليفة]] [[النبي صلّى الله عليه وآله و سلم|النبي]] {{صل}} لابد أن يكون [[العصمة|معصوما]] ، وإلاّ إذا لم يكن [[العصمة|معصوما]] لا يستحق هذا المنصب الإلهي ([[الخلافة]])، و[[العصمة]] تعني أن [[الإمامة|الإمام]] لا يرتكب الذنب مع قدرته على ارتكابه ، ولا يترك [[الواجب]] مع قدرته على تركه. وهل مثل هذا بعيد عن أُناس  [[آية التطهير|أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا]] ، حيث قال:((  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ))<ref>. الأحزاب:33</ref>وقد نصّت [[الحديث|روايات]] الفريقين على أنّ [[أهل البيت(ع)|أهل بيته ]] {{عليهم السلام}} هم : [[علي بن ابي طالب|علي]]{{ع}} و[[فاطمة الزهراء|فاطمة]] {{عليها السلام}} و [[الحسن بن علي بن أبي طالب|الحسن]] {{ع}}و[[الحسين بن علي بن أبي طالب|الحسين]]{{ع}} ، دون نسائه .<ref>انظر: صحيح مسلم : ح 2404، 2408، 2424 رواية زيد بن أرقم، ورواية عائشة</ref><ref>سنن الترمذي: ح 3205 رواية اُم سلمة</ref><ref>أسباب النزول، للواحدي: 200</ref>
وقال الراغب: (الغلو تجاوز الحد، يقال ذلك إذا كان في السعر غلاء).<ref>المفردات في غريب القرآن، ص364 مادة غلا.</ref>


== الغلو في المدرستين ==
وقال ابن فارس: (الغين واللام والحرف المعتل أصل صحيح يدل على ارتفاع ومجاوزة قدرٍ).<ref>معجم مقاييس اللغة، مادة غلوي.</ref>


بعدما اتّضح معنى [[الغلو]] ، وأنّه الزيادة على ما حدّه الشرع وقرّره [[الوحي]]،يتبيّن:
ويقال غلا غلاءً فهو غالٍ، وغلا في الأمر غلواً أي جاوز حده. وغلت القدر تغلي غلياناً، وغلوت بالسهم غلواً إذا رميت به أبعد مما تقدر عليه، ويقال غلا في الدين غلواً تشدد وتصلب حتى جاوز الحد.<ref>تاج العروس، مادة غلو. والقاموس المحيط، مادة غلو.</ref>
:أنّ المقصود بهذا الحد - وإن كان أمراً عاماً - يشمل [[العقيدة]] و[[الشريعة]]، إلاّ أنّ [[الغلو]] الذي وقع محلاً للبحث والاتهام والاهتمام هو ما كان [[الغلو|غلواً]] في [[العقيدة]] ، أمّا ما كان [[الغلو|غلواً]] في [[الشريعة]] - بأن يُزاد في [[الأحكام الشرعية|أحكامها الإلزامية]] ويُتشدد في تطبيقها أكثر مما هو مقرّر فيها - فلم يجر البحث فيه إلاّ نادراً . وما شهده التاريخ الإسلامي هو معركة الآراء والأفكار في [[الغلو]] العقائدي دون [[الغلو]] التشريعي ، وبحثنا الذي نحن فيه يدور حول هذه المعركة ، حيث يتهم [[الشيعة]] و[[الشيعة|أتباع مدرسة أهل البيت]] {{عليهم السلام}} [[الغلو|بالغلو]] في [[الأئمة الإثني عشر|الأئمة]] {{عليهم السلام}}  [[الغلو|غلواً]] عقائدياً .


والمقصود بالعقيدة الإسلامية هو [[أصول الدين|الاُصول الثلاثة]] المعروفة : [[التوحيد]] ، و[[النبوة]]، و[[المعاد]]، والأصل الثالث المتمثل [[المعاد|بالمعاد]] لابد وأن يخرج من البحث ، إذ لا يُتصور وقوع [[الغلو]] فيه ، فيبقي من [[العقيدة]] أمران : [[التوحيد]] و[[النبوة]] . و[[العصمة]] التي يثبتها [[الشيعة]] الى [[الأئمة الإثني عشر|أئمتهم]] {{عليهم السلام}} هي مرحلة وسطى بين [[النبوة]] وسائر الأمة ، [[الأئمة الأطهار عليهم السلام|فالأئمة]]{{عليهم السلام}}  ليسوا [[الأنبياء|أنبياء]] ، ولكنهم [[الخلافة|خلفاء]] [[النبي صلّى الله عليه وآله و سلم|النبي]] {{صل}} ، و[[الخلافة|خليفة]] [[النبي صلّى الله عليه وآله و سلم|النبي]] {{صل}} لابد أن يكون [[العصمة|معصوما]] ، والمراد من [[العصمة]]: هو أن لايعمل [[الحرام]] مع قدرته على ارتكابه ، وأن لا يترك واجبا مع قدرته على تركه.
وبهذا يتضح أن المعنى اللغوي للغلو، هو الارتفاع ومجاوزة الحد للشيء سواء أكان في المعتقدات الدينية أو غيرها.


=== الغلو في الاصطلاح ===
لما كان المعنى الاصطلاحي يقوم على المعنى اللغوي ويخصص عموم اطلاقه، رجعنا إلى النصوص الواردة في الغلو من [[القرآن الكريم]] و[[الروايات]] الواردة عن [[الأئمة]] عليهم السلام وأقوال العلماء.


=== الغلو في القرآن الكريم ===
ورد لفظ الغلو في القرآن الكريم في موضعين:
الأول: قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوْا فِيْ دِيْنِكُمْ وَلاَ تَقُوْلُوْا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيْحُ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُوْلُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوْحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوْا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُوْلُوْا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوْا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيْلاً). [[النساء]]: 171.


ومن هنا يتضح أنّ [[العصمة]] ليس لها علاقة بتأليه [[الأئمة الأطهار عليهم السلام|الأئمة]] {{عليهم السلام}} ، أو ادعاء أنّ [[الأئمة الإثني عشر|الأئمة]]{{عليهم السلام}} أفضل من [[النبي صلّى الله عليه وآله و سلم|النبي]] {{صل}} أو مساوين له ، وقد أجمع [[المسلمون]] على أنّ [[الرسول صلي الله عليه و آله و سلم|الرسول الأكرم محمد]] {{صل}}  أشرف الخلق أجمعين من الأولين والآخرين. كما أجمعوا : أنّ [[النبوة]] ختمت به {{صل}}.
بيّن أغلب المفسرين هذه الآية ومن بينهم السيد الطباطبائي في تفسير الميزان على أن ظاهر الخطاب بقرينة ما يذكر فيه من أمر [[المسيح]] عليه السلام أنه خطاب [[النصارى|للنصارى]]، وإنما خوطبوا بأهل الكتاب -وهو لفظ مشترك- اشعاراً بأن تسميتهم بأهل الكتاب يقتضي أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزله [[الله]] وبيّنه في كتبه. وربما أمكن أن يكون خطاباً لليهود والنصارى جميعاً، فإن [[اليهود]] أيضاً كالنصارى في غلوهم في الدين وقولهم على الله غير الحق. وقوله (إنما عيسى ابن [[مريم]]) تصريح بالاسم واسم الأم ليكون أبعد عن التفسير والتأويل بأي معنى مغاير وليكون دليلاً على كونه انسان ذي أم.<ref>الميزان في تفسير القرآن، ج5، ص151.</ref>


==الغلو في الصحابة==
الثاني: قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ). المائدة: 77.
يعتقد [[أهل السنة والجماعة |السنة]] [[عدالة الصحابة|بعدالة جميع صحابة]] [[النبي صلّى الله عليه وآله و سلم|النبي]] {{صل}} ، ولا يجوز انتقادهم ، بل كلهم مؤمنون في الجنة ، قال: [[ا بن حزم الظاهري|أبو محمد بن حزم]]: [[الصحابة]] كلّهم في الجنّة قطعاً ، ولا يدخل أحد منهم في النار لأنّهم المخاطبون بقوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُولَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ »<ref>الإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني 1:10، و الجرح والتعديل للرازي: 7 ـ 9</ref>
ولكن يوجد في [[القرآن الكريم |القرآن]]  [[السورة|سورة]] كاملة تحت اسم [[المنافقون |المنافقون]] ، و [[المنافقون |المنافقون]] ليس [[الكفر|الكفار]] ، بل هم بعض [[الصحابة|صحابة]] [[النبي الأكرم|النبي]] {{صل}} ، أي إنّ هذه [[السورة]] نزلت بحقهم ، كما وصف [[القرآن الكريم |القرآن]] بعض [[المسلمون|المسلمين]] بأصحاب القلوب الضعيفة ، ثم إنّ [[الصحابة]] شتموا بعضهم بعضا ، وقاتل بعضهم بعضا .فكيف يكون كلهم من أهل الجنة وكلهم على صلاح وقد حصل بينهم ماحصل؟ وهذا هو التناقض بعينه .


== خلاصة البحث ==
ويظهر هنا خطاب آخر للنبي [[محمد]] صلى الله عليه وآله بأمره أن يدعو أهل الكتاب إلى عدم الغلو في دينهم وأهل الكتاب وخاصةً النصارى مبتلون بذلك. والغالي المتجاوز عن الحد بالإفراط. ويقابله الفالي في طرف التفريط.<ref>الميزان في تفسير القرآن، ج6، ص76.</ref>


*أولا : إن [[القرآن|الكتاب]] و[[السنة النبوية|السنّة]] لا يدلان على أنّ هناك مكانة خاصة لكل من حمل وصف الصُحبة [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|للنبي ]] {{صل}} ، وكيف يكون ذلك في شريعة مقياسها الثابت هو [[الإيمان]] والعمل الصالح و[[التقوى]]، فإن كانت صُحبة صاحب [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|النبي]] {{صل}} مقرونة بهذه المعاني ، وكان محافظاً عليها حتي آخر عمره كان مستحقاً لهذه المكانة ، وإلاّ فلا . وحينئذٍ فمثل هذه المكانة لا يمكن إثباتها لكل [[الصحابة]]، والمقطوع به أن جملةً منهم لا يستحقونها بنص [[القرآن الكريم]] كما مرّ .
ذكر القرطبي في تفسيره: (ويعني بذلك فيما ذكره المفسرون غلو اليهود في [[عيسى]] حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه رباً. فالإفراط والتقصير كله سيئة وكفر.<ref>تفسير القرطبي، ج6، ص21.</ref>


نستنتج مما تقدم أن الغلو في القرآن استعمل في معنى مجاوزة الحد المفترض للمخلوق والارتفاع به إلى مقام الألوهية. أو التقصير إلى حد الرمي والقذف.


*ثانيا : إن ثبوت هذه المكانة لمن استحقها من [[الصحابة]] لا تدل على استحقاقه [[الخلافة|لخلافة]] [[الرسول صلي الله عليه و آله و سلم|الرسول الأكرم محمد ]] {{صل}} ، وبالتالي تولي قيادة التجربة الإسلامية من بعده ، فقد يرضى الأب عن ابنه بلحاظ خصوصيات معينة ، ولكنه في الوقت نفسه لا يراه مؤهلاً لتفويض مسؤولية الاُسرة والممتلكات إليه من بعده، فالرضا عن الشخص لا يستلزم استعداده لتفويض شؤون الرسالة والاُمة والتجربة اليه. فإن مدرسة [[أهل البيت]] {{عليهم‏ السلام}} تؤمن بثبوت مجموعة من الفضائل لبعض [[الصحابة|صحابة]] [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|النبي]] {{صل}} ، وتناقش في تعميم هذه الفضائل لكل من صَحِب [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|النبي ]] {{صل}} ، ولا تؤمن بأن هذه الفضائل وحدها هي الأساس في استحقاق [[الإمامة]] و[[الخلافة]]. فتعميم الفضائل إفراط و[[الغلو|غلو]]، وإتخاذها أساساً في [[الإمامة]] و[[الخلافة]] تفريط .
=== الغلو في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ===


ورد الغلو في كلمات أئمة [[أهل البيت]] عليهم السلام في عدد وافر من النصوص الروائية التي نهت وحذرت من المغالاة فيهم عليهم السلام والارتفاع بهم إلى مقام الألوهية و[[الربوبية]]. نشير إلى بعضها:


*ثالثا : ومن هنا آمنت هذه المدرسة بأن [[الإمامة]] و[[الخلافة]] لا تقام إلاّ على أعلى المؤهلات التي يمكن للإنسان أن يحوزها ، ويمكن للسماء أن تفيضها، وهي [[العصمة]] و[[النص]] و[[الوصية]] والأفضلية في العلم، فليس هناك [[الغلو|غلو]] في فضائل الأفراد ، وإنّما هو تحفّظ شديد على موقع خطير في رسالة سماوية خاتمة لا رسالة بعدها. ومن هنا قال : [[الإمام علي بن أبي طالب|الإمام علي]] {{عليه‏ السلام}}في حق [[أهل البيت]] {{عليهم‏ السلام}}:
قال [[أمير المؤمنين]] [[علي ابن أبي طالب]] عليه السلام: (يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي: مُحبٌ مفرط ومبغض مفرط، وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى ابن مريم عليه السلام من النصارى. قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). المائدة: 116 – 117. ثم قال: فمن ادّعى للأنبياء ربوبية، وادّعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة، فنحن منه براء في الدنيا والآخرة).<ref>عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، ص217، الباب 46، الحديث: 1.</ref>


::«لا يقاس [[اهل البيت|بآل محمد]] {{صل}} من هذه الاُمة أحد ، ولا يسوّي بهم... هم أساس الدين وعماد اليقين... ولهم خصائص حق [[الولاية]]، وفيهم [[الوصية]] و[[الوراثة]]».<ref>نهج البلاغة: نهاية الخطبة الثانية</ref>
عن الفضيل بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله [[الصادق]] عليه السلام يقول: (اتقوا الله وعظموا الله، وعظموا [[رسول الله]] صلى الله عليه وآله. ولا تفضلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله أحداً، فإن الله سبحانه وتعالى فضّله. وأحبّوا أهل بيت نبيكم حبّاً مقتصداً ولا تغلو ولا تفرقوا. ولا تقولوا ما لا نقول. فإنكم إن قلتم وقلنا، ومتم ومتنا، ثم بعثكم الله وبعثنا، فكنا حيث يشاء الله وكنتم).<ref>قرب الإسناد، الحديث: 452، ص129.</ref>
 
وقال صالح بن سهل، كنت أقول في الصادق عليه السلام ما تقول الغلاة، فنظر إليّ وقال: (ويحك يا صالح، إنّا والله عبيدٌ مخلوقون لنا ربٌّ نعبده، وإن لم نعبده عذّبنا).<ref>مناقي آل أبي طالب، ج3، ص347.</ref>
يتضح من مجموع هذه الروايات التي ذكرناها أن المراد من الغلو عند [[أهل البيت]] عليهم السلام هو مجاوزة الحدود والارتفاع بهم إلى مقام الألوهية. كما يظهر من هذه الروايات التي تنهي عن تأليههم أو رفعهم عن مقام [[العبودية]] لله تعالى، أو تفويض أمر الخلق إليهم أو القول بأنهم أنبياء، ونحوها من التعبيرات التي يظهر منها تجاوز حدود مقاماتهم التي ثبتت لهم عليهم السلام.
 
=== الغلو في كلمات أعلام المسلمين ===
 
ورد تعريف الغلو في عدد من كلمات علماء الفريقين. منها:
 
1- يقول الشيخ [[المفيد]]: (الغلو هو التجاوز عن الحد والخروج عن القصد، والافراط في حق الأنبياء والأئمة عليهم السلام).<ref>تصحيح اعتقادات الإمامية، ص109.</ref>
 
وقال في ذيل قوله تعالى: (لا تغلوا في دينكم) إن الله تعالى نهى عن تجاوز الحد في المسيح. وحذّر من الخروج عن القصد وجعل ما ادّعته النصارى فيه غلواً لتعديه الحد.<ref>أوائل المقالات، ص238.</ref>
 
2- يقول [[الشهرستاني]] في كتابه (الملل والنحل): (الغالية هؤلاء هم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقة، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبّهوا واحداً من [[الأئمة]] بالإله وربما شبهّوا الإله بالخلق وفي على طرفي الغلو والتقصير، وإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية، ومذاهب اليهود والنصارى، إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق والنصارى شبهت الخلق بالخالق).<ref>الملل والنحل، ج1، ص173.</ref>
 
فالغلو موقف إنساني مبالغ فيه في قضية مبدئية أو في شخص مرتبط بهذه القضية. ويكون الغلو مع الشيء المبالغ فيه أو هذه تعبيراً عن الموافقة أو الرفض. فقد يغالي الإنسان بحبه واعجابه كما قد يغالي بكراهيته وعزوفه.
 
== منشأ ظاهرة الغلو ==
=== جذور الغلو التاريخية ===
لما كانت ظاهرة الغلو ظاهرة فكرية دينية، فإن الإنسان هو السبب الرئيسي في تحركها حيث كان لتكوينه الفكري والحضاري أثره المباشر في عملية الصراع والتفاعل.
 
يستفاد من النصوص القرآنية أن ظاهرة الغلو قديمة قدم الرسالات السماوية، إذ اختلفت استجابات المدعوين لتلك الرسالات فكان منهم الغلاة. وما كان ارسال [[نوح]] عليه السلام إلا لوقوع قومه في الغلو حيث غلوا في مجموعة من الصالحين فأوصلوهم درجة الألوهية. ثم ظهر الغلو في [[بني إسرائيل]] وبلغوا فيه مبلغاً كبيراً، ومن أجل ذلك جاءت الآيتان اللتان ورد فيهما النهي عن الغلو، والخطاب فيها موجه إلى بني إسرائيل.
 
ولا شك أن طبيعة المجتمع وطبيعة ما فيه من صراعات، أدت إلى ظهور الغلو والفرق الغالية وغيرها من الفرق، حيث أخذت كل فرقة دورها على صعيد الحياة الدينية والسياسية والفكرية.
 
ولأجل تفسير ظاهرة الغلو في [[الإسلام]] يمكن القول بوجود عدد من العوامل لنشوء هذه الظاهرة. منها:
 
=== الأغراض السياسية ===
لما أصبح الإسلام قوياً واتسعت رقعته، أنذر الرسول بالرحيل إلى الرفيق الأعلى، وجعل [[الخليفة]] من بعده [[الإمام]] أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في [[الغدير|بيعة غدير]] خم. وهذا الأمر قوّض نفوس بعض [[الصحابة]] فطمع عدد من الأشخاص [[الخلافة|بالخلافة]] بُعيد وفاة رسول الله وقبل تجهيزه كل من [[المهاجرين]] و[[الأنصار]] فصدر منهم ما صدر وحدث ما حدث في [[سقيفة بني ساعدة]] وحُرِفت وصية [[رسول الله]] صلى الله عليه وآله، واغتصبوا الخلافة والتي هي حق شرعي سماوي من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
 
وفي غضون ربع قرن على وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، شهد العالم الإسلامي آنذاك صراعاً سياسياً حاداً بين كبار الصحابة ومن ثم كبار [[التابعين]]، ليكون ثمرة هذا الصراع تشكيل اللبنة الأولى للأفكار و[[العقائد]] التي برزت في خلافة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، لتشكل فيما بعد أبرز المذاهب والأحزاب السياسية آنذاك.
 
وبعد خلافة أمير المؤمنين عليه السلام سعى كثير من الحكام إلى الحط من مكانة أهل البيت عليهم السلام عند الناس، ومحاولة الصاق التهم بهم، من قبيل القول بتأليههم ووصفهم ببعض [[الصفات]] الإلهية ونحوها من النعوت الخارجة عن حد البشرية. كان ذلك للتقليل من شأنهم ومكانتهم وتكفيرهم بغية تفريق الناس من حولهم، لأن التفاف الناس حول أهل البيت عليهم السلام يهدد عرش الحكام والمتسلطين على رقاب الناس.<ref>الغلو حقيقته وأقسامه، ص23.</ref>
 
=== الانحطاط الفكري ===
كان هم المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وآله تدارس القرآن الكريم والسنة النبوية في مجال الأحكام الشرعية والتعامل اليومي، يتأملون فيها ويستخرجون المبادئ والأحكام ويخاطبون الأمم المختلفة. وامتنعوا عن الجدل في العقيدة لنهي النبي صلى الله عليه وآله وصحابته عنه. فصفت العقائد مع قلة الوقائع والاختلافات بين الناس لقرب عهدهم بعصر الرسالة، وتمكنهم من الرجوع إلى الثقات.<ref>مذاهب الإسلاميين، ص 28- 29.</ref>
 
وما إن توسعت رقعة الدولة الإسلامية وامتدت حركة الإسلام شرقاً وغرباً حتى انضم إلى الإسلام عدد كبير من أهل المدن التي انتشر فيها الإسلام. فجابه المسلمون مشاكل متعددة. بعضها عقدية ناتجة عن احتكاكهم بالأديان والثقافات الأجنبية، وبعضها الآخر عملية تستدعي حلولاً فقهية بغية تنظيم العلاقات المتجددة والأوضاع الناتجة عن انتشار الإسلام، فما كان إلا أن تلاحقت الحوادث وتعددت الحياة الإسلامية فبدأت الفتن والمنازعات بين المسلمين.<ref>دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية، ص 139.</ref>
 
ثم إن عدم الوعي وفقدان القدرة على عدم فهم حقيقة العبودية والانبهار بكرامات الأنبياء والأئمة عليهم السلام وعدم التمييز والتمحيص للأحاديث الموضوعة التي وضعها المدّلسون كان من العوامل وراء نشأة ظاهرة الغلو.<ref>الغلو حقيقته وأقسامه، ص 26.</ref>
 
ولا نهمل كثرة الوضع والوضاعين في أحاديث رسول الله وظهور حركات الزندقة في داخل المجتمع الإسلامي والتي تعود بشكل أو بأخر للواقع السياسي. كل هذه الأمور ساهمت في ظهور وانتشار ظاهرة الغلو بين المسلمين.
 
== حدُّ الغلو ==
 
نستنتج مما تقدم أن الغلو في شقيّه الإفراط والتفريط يُدخل صاحبه في الكفر. ومفهوم الكفر واضح جداً. إذن كيف يمكننا أن نعين حداً للغلو؟
 
يستفاد من النصوص الدينيّة وروايات أهل البيت عليهم السلام أنّ الغلوّ يتحقّق في الحالات الآتية:
 
1- ادّعاء الخالقيّة المستقلّة للإنسان
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: (اجعلونا مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم، فلن تبلغوا).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص 279.</ref>
 
وتقيد الخالقيّة بالمستقلّة، لأنّه لا مانع من نسبة الخلق، بمعنى تشكيل صورة مادّة سابقة بقدرة الله تعالى وإذنه، كما ورد عن النبيّ عيسى عليه السلام قوله في القرآن الكريم: ﴿أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾. آل عمران: 49.
 
2- ادّعاء الألوهيّة للإنسان
 
قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾. النساء: 171.
 
وعن الإمام الرضا عليه السلام: (إنّ من تجاوز بأمير المؤمنين العبوديّة فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين).<ref>الاحتجاج، ج2، ص233. </ref>
 
3- ادّعاء الربوبيّة المستقلّة للإنسان
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: (اجعل لنا ربًّا نؤوب إليه، وقولوا فينا ما شئتم).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص283.</ref>
 
ومعنى الربوبيّة: التدبير، وقُيدت بالمستقلّة لجواز نسبة الربّ غير المستقلّ إلى الإنسان، كما يقال: ربُّ العمل، ربُّ البيت، ونظيره قوله تعالى عن الملائكة: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ النازعات: 5.  فهي مدبِّرة إلاّ أنّ تدبيرها غير مستقلّ عن الله تعالى، إنّما هو بإرادته وإذنه.
 
ومن الروايات التي تنهى عن الاعتقاد بالربوبيّة المستقلّة، والتدبير كذلك، ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام في دعائه: (اللهمّ إنّي أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا...اللهمّ من زعم أنّا أرباب، فنحن منه براء، ومن زعم أنّ إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليه منه براء كبراءة عيسى عليه السلام من النصارى، اللهم إنّا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون).<ref>الاعتقادات في دين الإماميّة، ص99.</ref>
 
4- القول بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ أحدًا بعده نبيّ
 
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (من قال: بأنّنا أنبياء، فعليه لعنة الله، ومن شكّ في ذلك فعليه لعنة الله).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص296.</ref> وورد عنه عليه السلام أنّه قال لأحد أصحابه: (يا أبا عبد الله، أبرأ ممّن قال إنّا أنبياء).<ref>اختيار معرفة الرجال، ج2، ص 515.</ref>
 
وورد عن خالد بن نجيح أنّه قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام الإمام الصادق، وعنده خلق، فجلست ناحية، وقلت في نفسي: ما أغفلهم عند من يتكلّمون. فناداني: إنا والله عباد مخلوقون، لي ربّ أعبده، إن لم أعبده عذبني بالنار. قلت: لا أقول فيك إلاّ قولك في نفسك. قال: اجعلونا عبيدًا مربوبين، وقولوا فينا ما شئتم إلاّ النبوّة).<ref>مستدرك سفينة البحار، ج7، ص 52.</ref>
 
5- اعتقاد سقوط التكليف بالمعرفة
 
رواية عن الإمام العسكريّ عليه السلام، ذُكر فيها أنّ علي بن حسكة يزعم أنّ الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم كلّ ذلك معرفة الإمام،<ref>اختيار معرفة الرجال، ج2، ص804.</ref>  وبالتالي كان هذا الاعتقاد يؤدّي إلى الاعتقاد بسقوط التكليف عن العارف بالإمام، وبالتالي تركه عمليًّا، من هنا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (الغالي اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحجّ).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص 265.</ref>
 
وقد ذكر العلاّمة المجلسيّ بعض الأمور الأخرى من محقِّقات الغلوّ، فقال:
(إنّ الغلوّ في النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليه السلام إنّما يكون بالقول بألوهيتهم أو بكونهم شركاء له تعالى في المعبوديّة، أو في الخلق، أو الرزق، أو أنّ الله تعالى حلّ فيهم، أو اتّحد بهم، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحي، أو إلهام من الله تعالى، أو بالقول في الأئمة عليهم السلام أنّهم كانوا أنبياء، أو القول أنّ معرفتهم تغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي، والقول بكلّ منها إلحاد وكفر، وخروج عن الدين كما دلّت عليه الأدلّة العقليّة، والآيات، والأخبار).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص346.</ref>
 
== تنبيه الأئمّة عليه السلام إلى عدم التقصير ==
 
لا شك أن أئمة أهل البيت عليهم السلام يتمتعون بمراتب ومقامات عالية من العلم والإيمان لا يسع عامة الناس إدراكها، ولذلك نجد بعض كبار الأصحاب في عهد الأئمة كثيراً ما يُتهمون بالغلو بسبب القول بتلك المراتب والدرجات للأئمة عليهم السلام.
 
يقول السيد البروجوردي رحمه الله في كتابه البدر الزاهر: (كان السبب في ذلك يعود للقصور الفكري والعقائدي لبعض الشيعة فكانوا لذلك ينسبون ذوي المعرفة الكاملة والعقائد الصحيحة من الشيعة إلى الغلو والإفراط).<ref>البدر الزاهر: ص291.</ref>
 
ونلاحظ في بيانات أئمّة أهل البيت عليه السلام، الرافضة للغلوّ، الحذر من الاسترسال في نفي الكمالات بما يؤدّي إلى التقصير في معرفتهم، وبيان كمالاتهم، من هنا ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: (يا أبا حمزة، لا تضعوا عليًّا دون ما وضعه الله، ولا ترفعوه فوق ما رفعه الله).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص 283.</ref>
 
وفي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يحذّر فيها من الغلوّ والتقصير معًا، فعنه عليه السلام: (قال إبراهيم بن أبي محمود: فقلت للرضا: يا بن رسول الله إنّ عندنا أخبارًا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وفضلكم أهل البيت، وهي من رواية مخالفيكم، ولا نعرف مثلها عندكم، أفندين بها ؟ فقال: يا ابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليه السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عزّ وجلّ، فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس، ثمّ قال الرضا عليه السلام: يا ابن أبي محمود، إنّ مخالفينا وضعوا أخبارًا في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسماءنا، وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ (الأنعام: 108). يا ابن أبي محمود إذا أخذ الناس يمينًا وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنّه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه).<ref>عيون أخبار الرضا، ج2، ص 272.</ref>
 
بسبب ما مرَّ كثرت الروايات المعقِّبة بعد النهي عن الغلو بفتح المجال للحديث عن فضائلهم، وذلك بعبارات عديدة منها:
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: (إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص 270.</ref>
 
وعنه عليه السلام: (اعلم يا أبا ذر، أنّا عبيد الله عزّ وجل، وخليفته على عباده، لا تجعلونا أربابًا، وقولوا في فضلنا ما شئتم، فإنّكم لا تبلغون كنه ما فينا، ولا نهايته، فإنّ الله عزّ وجل قد أعطانا أكبر وأعظم ممّا يصفه واصفكم، أو يخطر على قلب أحدكم، فإذا عرفتمونا هكذا، فأنتم المؤمنون).<ref>بحار الأنوار، ج26، ص 2.</ref>
 
وعنه عليه السلام: (أنا أمير كلّ مؤمن ومؤمنة ممّن مضى ومن بقي، وأُيِّدت بروح العظمة، وإنّما أنا عبد من عبيد الله، لا تسمّونا أربابًا، وقولوا في فضلنا ما شئتم، فإنّكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا، ولا معشار العشر).<ref>بحار الأنوار، ص 6.</ref>
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لصاحبه: (لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم، اجعلونا مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص 279.</ref>
 
== ضابطة ردّ الحديث ==
 
وضع أهل البيت عليه السلام ضابطة لردّ ما ينقل عنهم، وهي أن يستحيل كونه في المخلوق، أمّا في حال إمكان وجوده في المخلوق فقد دعا أهل البيت عليه السلام في حال استغرابه إلى عدم رفضه وجحوده، وأمروا بإرجاعه إليهم عليه السلام، فقد ورد عن الإمام الصادق عليهم السلام: (ما جاءكم منّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين، ولم تعلموه، ولم تفهموه، فلا تجحدوه وردّوه إلينا، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردّوه إلينا).<ref>بحار الأنوار، ج25، ص 364.</ref>
 
== دعوة الأئمّة إلى الوسطيّة ==
 
إنّ الناتج عن النهي عن الغلوّ والتقصير هو أن يكون المؤمن وسطيًّا في نظرته إلى أهل البيت عليه السلام، وهذا ما عبَّر عنه الإمام الباقر عليه السلام بقوله: (يا معشر شيعة آل محمّد، كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي).<ref>بحار الأنوار، ج65، ص 78.</ref>
إنَّ معنى النُمرُقة – بضم النون والراء أو كسرهما- الوسادة، ومن الواضح أنّ الوسادة المنخفضة جدًا، أو المرتفعة كذلك لا تصلح للاستقرار، إنّما يصلح لذلك الوسادة الوسطى.
 
أمّا معنى الحديث فقد فسَّره ابن أبي الحديث بقوله: والمعنى أنَّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم الأمر الأوسط بين الطرفين المذمومين، فكلّ من جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، وكلّ من قصَّر عنهم، فالواجب أن يلحق بهم.
 
وبالمعنى نفسه ورد عن الإمام عليّ عليه السلام حديث صرَّح بالتقصير بعد الغلوّ وهو: (تلك خيار أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم النُمرُقة الوسطى يرجع إليهم الغالي، وينتهي إليهم المقَصّر).<ref>بحار الأنوار، ج66، ص 75.</ref>  
==الوصلات الخارجية==
==الوصلات الخارجية==
*[https://forums.alkafeel.net/showthread.php?t=2537 ماهو معنى الغلو ؟؟؟ ]
*[https://forums.alkafeel.net/showthread.php?t=2537 ماهو معنى الغلو ؟؟؟ ]
سطر ٥٢: سطر ١٧١:
{{Div col|2}}
{{Div col|2}}


*ابن منظور ، لسان العرب.
* الاحتجاج، الطبرسيّ، أحمد، (لا،ط)، النجف الأشرف، دار النعمان، 1386هـ.
*محمد رشيد رضا ، تفسير المنار.
* بحار الأنوار، المجلسي، محمد باقر.
*مسلم النيسابوري ، كتاب الصحيح.
 
*سنن الترمذي.
* الاعتقادات في دين الإماميّة، الصدوق، محمّد، تحقيق عصام عبد السيد، ط2، بيروت، دار المفيد، 1414هـ.
*الواحدي ، أسباب النزول.
 
*العسقلاني ، الإصابة في تمييز الصحابة.
* اختيار معرفة الرجال، الطوسي، محمّد.
*الرازي ، الجرح والتعديل.
 
*نهج البلاغة
* مستدرك سفينة البحار، الشاهرودي، علي، تحقيق حسن بن علي النمازي، (لا،ط)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1419هـ.
 
* البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر، البروجوردي، حسين الطباطبائي، مطبعة نگین، قم، الطبعة الثالثة، 1416هـ.
 
* الغلو حقيقته وأقسامه، الحيدري، كمال، مؤسسة الإمام الجواد عليه السلام للفكر والثقافة، قم المقدسة.
 
* مذاهب الإسلاميين، بدوي، عبد الرحمن.
 
* دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية، عبد الحميد، عرفان، مؤسسة الرسالة، بيروت.
 
* الملل والنحل، الشهرستاني، أبي الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد، تحقيق: محمد سيد گیلاني، دار المعرفة، بيروت، 1402هـ.
 
* أوائل المقالات، المفيد، محمد بن محمد النعمان العكبري البغدادي، إيران، 1370هـ.
 
* تصحيح اعتقادات الإمامية، المفيد، محمد بن محمد النعمان العكبري البغدادي، تحقيق: حسين درگاهي، الطبعة الثانية، دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت، 1414هـ.
 
* مناقب آل أبي طالب، المازندراني، أبي جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب السروي، تحقيق لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376هـ.
 
* قرب الإسناد، الحميري، أبي العباس عبدالله بن جعفر، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1413هـ.
 
* عيون أخبار الرضا عليه السلام، الصدوق، تحقيق: حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1404هـ.
 
* تفسير القرطبي، شمس الدين القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1964م.
 
* الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي، محمد حسين، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الأولى، 1997م.
 
* القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ.
 
* تاج العروس، الزبيدي، مرتضى، دار مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة الأولى، 1390هـ.
 
* معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، أبو الحسين أحمد، دار الكتب العلمية، إيران.
 
* المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، أبي القاسم الحسين بن محمد، دار المعرفة، بيروت.
 
* لسان العرب، ابن منظور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1988م.
 
* مجمع البحرين، الطريحي، فخر الدين، تحقيق، أحمد الحسيني، منشورات المكتبة المرتضوية، إيران، الطبعة الثانية، 1395هـ.
 
 
{{Div col end}}
{{Div col end}}
[[fa: غلو]]
[[fa: غلو]]
مستخدم مجهول