مستخدم مجهول
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أسطورة الغرانيق»
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Ahmadnazem |
imported>Ahmadnazem لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''أسطورة الغَرانيق''' تشير إلى [[روايات]] تقول بأن [[النبي (ص)]] عندما نزلت عليه [[سورة النجم]]، قرأ آياتها على [[المشركين]]، فألقى [[الشيطان]] كلاما على لسانه، وظنّ النبي أن هذا الكلام من [[الوحي]] وجزء من آيات [[القرآن]]، لكن [[جبرئيل]] أخبره بالأمر. ويرجع زمان هذه الواقعة إلى ما بعد [[هجرة المسلمين إلى الحبشة]]. | '''أسطورة الغَرانيق''' تشير إلى [[روايات]] تقول بأن [[النبي (ص)]] عندما نزلت عليه [[سورة النجم]]، قرأ آياتها على [[المشركين]]، فألقى [[الشيطان]] كلاما على لسانه، وظنّ النبي أن هذا الكلام من [[الوحي]] وجزء من آيات [[القرآن]]، لكن [[جبرئيل]] أخبره بالأمر. ويرجع زمان هذه الواقعة إلى ما بعد [[هجرة المسلمين إلى الحبشة]]. | ||
وردت هذه الروايات في عدد من المصادر [[علم التفسير|التفسيرية]] والتاريخية [[أهل السنة|لأهل السنة]]، كالطبقات الكبرى وتفسير الطبري، لكن الكثير من علماء [[الشيعة]] والسنة أنكروا هذه القصة، فاعتبر [[محمد هادي المعرفة]] وهو من مفسري الشيعة أن أسناد هذه [[الرواية الضعيفة|الروايات ضعيفة]]؛ لأنها لا تصل إلى [[صحابة النبي]]، وأن من رواها لم يدركوا النبي (ص). وأنكر ابن حيان الأندلسي تأثّر النبي بإلقائات شيطانية، وقال إنّ المصادر الحديثية المعتبرة عند أهل السنة لم تذكر هذه القصة، كما اعتقد [[الفخر الرازي]] أن هذه القصة رواها أهل الظاهر من المفسرين، أما أهل التحقيق منهم اعتبروها باطلة وموضوعة، واحتجوا عليها [[القرآن|بالقرآن]] و[[السنة]] و[[العقل]]. | وردت هذه الروايات في عدد من المصادر [[علم التفسير|التفسيرية]] والتاريخية [[أهل السنة|لأهل السنة]]، كالطبقات الكبرى وتفسير الطبري، لكن الكثير من علماء [[الشيعة]] والسنة أنكروا هذه القصة، فاعتبر [[محمد هادي المعرفة]] وهو من مفسري الشيعة أن أسناد هذه [[الرواية الضعيفة|الروايات ضعيفة]]؛ لأنها لا تصل إلى [[صحابة النبي]]، وأن من رواها لم يدركوا النبي (ص). وأنكر ابن حيان الأندلسي تأثّر النبي بإلقائات شيطانية، وقال إنّ المصادر الحديثية المعتبرة عند أهل السنة لم تذكر هذه القصة، كما اعتقد [[الفخر الرازي]] أن هذه القصة رواها أهل الظاهر من المفسرين، أما أهل التحقيق منهم اعتبروها باطلة وموضوعة، واحتجوا عليها [[القرآن|بالقرآن]] {{و}}[[السنة]] {{و}}[[العقل]]. | ||
وقد تمسك بعض المستشرقين الغربيين بهذه القصة، وذهبوا إلى إمكانية تدخّل الشيطان في [[الوحي]] على النبي (ص)، كما اعتمد عليها [[سلمان رشدي]] في كتابه [[آيات شيطانية]]، فأصدر [[الإمام الخميني]] حكما بقتله. | وقد تمسك بعض المستشرقين الغربيين بهذه القصة، وذهبوا إلى إمكانية تدخّل الشيطان في [[الوحي]] على النبي (ص)، كما اعتمد عليها [[سلمان رشدي]] في كتابه [[آيات شيطانية]]، فأصدر [[الإمام الخميني]] حكما بقتله. | ||
سطر ١١: | سطر ١١: | ||
==أسطورة الغرانيق في مصادر أهل السنة== | ==أسطورة الغرانيق في مصادر أهل السنة== | ||
وردت أسطورة الغرانيق في بعض المصادر التاريخية والتفسيرية والحديثية [[أهل السنة|لأهل السنة]]، منها [[سيرة ابن إسحاق]]،<ref>ابن إسحاق، سيرة ابن إسحاق، ص 217-218.</ref> وهو أول ما كتبه المسلمون عن [[سيرة النبي (ص)]]،<ref>توكلي طرقي، «ابناسحاق: مؤلف اولين سيره پيامبر»، ص 53.</ref> و[[الطبقات الكبرى]]،<ref>ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 160-161.</ref> وهو يحتوي على معلومات عن حياة أكثر من أربعة آلاف من رواة الحديث حتى أواسط القرن الثالث الهجري،<ref>[https://makarem.ir/main.aspx?typeinfo=23&lid=0&mid=248643&catid=24055 «معرفي الطبقات الكبرى»]، موقع مكتب آية الله مكارم الشيرازي.</ref> و[[تفسير الطبري]]،<ref>الطبري، جامع البيان، ج 17، ص 131.</ref> وهو من أقدم المصادر التفسيرية المعتمدة على الأحاديث التفسيرية.<ref>خرمشاهي، «سهم ايرانيان در تفسير قرآن»، ص 5.</ref> وتاريخ الإسلام،<ref>الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 1، ص 186-187.</ref> من مصادر القرن السابع الهجري،<ref>ذهبي، تاريخ الإسلام، 1409ق، ج 1، مقدمة التحقيق، ص أ.</ref> | وردت أسطورة الغرانيق في بعض المصادر التاريخية والتفسيرية والحديثية [[أهل السنة|لأهل السنة]]، منها [[سيرة ابن إسحاق]]،<ref>ابن إسحاق، سيرة ابن إسحاق، ص 217-218.</ref> وهو أول ما كتبه المسلمون عن [[سيرة النبي (ص)]]،<ref>توكلي طرقي، «ابناسحاق: مؤلف اولين سيره پيامبر»، ص 53.</ref> {{و}}[[الطبقات الكبرى]]،<ref>ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 160-161.</ref> وهو يحتوي على معلومات عن حياة أكثر من أربعة آلاف من رواة الحديث حتى أواسط القرن الثالث الهجري،<ref>[https://makarem.ir/main.aspx?typeinfo=23&lid=0&mid=248643&catid=24055 «معرفي الطبقات الكبرى»]، موقع مكتب آية الله مكارم الشيرازي.</ref> {{و}}[[تفسير الطبري]]،<ref>الطبري، جامع البيان، ج 17، ص 131.</ref> وهو من أقدم المصادر التفسيرية المعتمدة على الأحاديث التفسيرية.<ref>خرمشاهي، «سهم ايرانيان در تفسير قرآن»، ص 5.</ref> وتاريخ الإسلام،<ref>الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 1، ص 186-187.</ref> من مصادر القرن السابع الهجري،<ref>ذهبي، تاريخ الإسلام، 1409ق، ج 1، مقدمة التحقيق، ص أ.</ref> | ||
فهذه المصادر ذكرت قصة الغرانيق ضمن أحداث هجرة عدد من المسلمين إلى [[الحبشة]].<ref>ابن إسحاق، سيرة ابن إسحاق، ص 217-218؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 160-161؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 1، ص 186-187؛ الطبري، جامع البيان، ج 17، ص 131.</ref> | فهذه المصادر ذكرت قصة الغرانيق ضمن أحداث هجرة عدد من المسلمين إلى [[الحبشة]].<ref>ابن إسحاق، سيرة ابن إسحاق، ص 217-218؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 160-161؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 1، ص 186-187؛ الطبري، جامع البيان، ج 17، ص 131.</ref> | ||
كما روى هذه القصة علي بن أحمد الواحدي (وفاة [[468 هـ]])،<ref>الواحدي، أسباب نزول القرآن، ص 320.</ref> ومحمد بن عمر الزمخشري (وفاة [[538 هـ]])،<ref>الزمخشري، الكشاف، ج 3، ص 164.</ref> وعبد الله بن عمر البيضاوي (وفاة [[791 هـ]])<ref>البيضاوي، أنوار التنزيل، ج 4، ص 75.</ref> و[[جلال الدين السيوطي]] (وفاة [[911 هـ]]).<ref> السيوطي، الدر المنثور، ج 4، ص 366.</ref> | كما روى هذه القصة علي بن أحمد الواحدي (وفاة [[468 هـ]])،<ref>الواحدي، أسباب نزول القرآن، ص 320.</ref> ومحمد بن عمر الزمخشري (وفاة [[538 هـ]])،<ref>الزمخشري، الكشاف، ج 3، ص 164.</ref> وعبد الله بن عمر البيضاوي (وفاة [[791 هـ]])<ref>البيضاوي، أنوار التنزيل، ج 4، ص 75.</ref> {{و}}[[جلال الدين السيوطي]] (وفاة [[911 هـ]]).<ref> السيوطي، الدر المنثور، ج 4، ص 366.</ref> | ||
===المخالفون لهذه القصة=== | ===المخالفون لهذه القصة=== | ||
بالرغم من وجود هذه القصة في بعض مصادر أهل السنة، إلا أن العديد من علماء [[أهل السنة|السنة]] و[[الشيعة]] رفضوا هذه الروايات، ومنهم: | بالرغم من وجود هذه القصة في بعض مصادر أهل السنة، إلا أن العديد من علماء [[أهل السنة|السنة]] {{و}}[[الشيعة]] رفضوا هذه الروايات، ومنهم: | ||
*[[السيد المرتضى]] [[الفقيه]] و[[المتكلم]] الشيعي عدّ روايات الغرانيق ضعيفة ومطرودة من قبل أصحاب الحديث.<ref>السيد المرتضى، تنزيه الأنبياء، ص 107.</ref> | *[[السيد المرتضى]] [[الفقيه]] {{و}}[[المتكلم]] الشيعي عدّ روايات الغرانيق ضعيفة ومطرودة من قبل أصحاب الحديث.<ref>السيد المرتضى، تنزيه الأنبياء، ص 107.</ref> | ||
* ابن حيان الأندلسي أنكر تأثّر النبي (ص) بالهوى والإلقائات [[الشيطان|الشيطانية]]، واستدلّ على ذلك بآيات قرآنية كالآيات 1 - 4 من [[سورة النجم]] والآية 15 من [[سورة يونس]]، كما روى عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية أنّ هذه القصة وضعها الزنادقة، وروى عن البيهقي المحدث [[المذهب الشافعي|الشافعي]] في القرن الخامس الهجري أنها لم ترد في [[الصحاح الحديثية]] وأنّ رواتها مطعون عليهم.<ref> أبو حيان، البحر المحيط في التفسير، ج 7، ص 526.</ref> | * ابن حيان الأندلسي أنكر تأثّر النبي (ص) بالهوى والإلقائات [[الشيطان|الشيطانية]]، واستدلّ على ذلك بآيات قرآنية كالآيات 1 - 4 من [[سورة النجم]] والآية 15 من [[سورة يونس]]، كما روى عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية أنّ هذه القصة وضعها الزنادقة، وروى عن البيهقي المحدث [[المذهب الشافعي|الشافعي]] في القرن الخامس الهجري أنها لم ترد في [[الصحاح الحديثية]] وأنّ رواتها مطعون عليهم.<ref> أبو حيان، البحر المحيط في التفسير، ج 7، ص 526.</ref> | ||
* [[ابو الفتوح الرازي]] [[المفسر]] و[[المحدث]] الشيعي في القرن السادس رفض هذه القصة بوجوه عديدة وذلك في كتابه [[روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن]]، فردّ على بعض المفسرين الذين فسّروا الآية {{قرآن|فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}} بتأثر النبي (ص) من الشيطان،<ref>أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، ج 13، ص 345-349.</ref> فقال إنّ المشركين كانوا يردّدون بعض الأشعار حينما يقرأ النبي (ص) القرآن على الناس؛ وذلك ليشتبه الأمر على النبي، فمعنى الآية أنّ [[الله]] يمنع وساوسهم الشيطانية من أن تؤثر على [[النبي (ص)]]، | * [[ابو الفتوح الرازي]] [[المفسر]] {{و}}[[المحدث]] الشيعي في القرن السادس رفض هذه القصة بوجوه عديدة وذلك في كتابه [[روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن]]، فردّ على بعض المفسرين الذين فسّروا الآية {{قرآن|فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}} بتأثر النبي (ص) من الشيطان،<ref>أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، ج 13، ص 345-349.</ref> فقال إنّ المشركين كانوا يردّدون بعض الأشعار حينما يقرأ النبي (ص) القرآن على الناس؛ وذلك ليشتبه الأمر على النبي، فمعنى الآية أنّ [[الله]] يمنع وساوسهم الشيطانية من أن تؤثر على [[النبي (ص)]]، | ||
وقال الرازي أنه يحتمل أن يكون أحد من [[المشركين]] نطق بعبارة «تِلْكَ الْغَرانيقُ الْعُلي وَإنّ شَفاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجي» حينما كان النبي يقرأ القرآن، فزعم البعض أن تلك العبارة أيضا جرى على لسان النبي.<ref>أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، ج 13، ص 346.</ref> | وقال الرازي أنه يحتمل أن يكون أحد من [[المشركين]] نطق بعبارة «تِلْكَ الْغَرانيقُ الْعُلي وَإنّ شَفاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجي» حينما كان النبي يقرأ القرآن، فزعم البعض أن تلك العبارة أيضا جرى على لسان النبي.<ref>أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، ج 13، ص 346.</ref> | ||
كما نقل عن حسن البصري أن النبي (ص) قال هذه العبارة طعنا على المشركين، وليس بمعنى تأييدهم.<ref>أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، ج 13، ص 347.</ref> | كما نقل عن حسن البصري أن النبي (ص) قال هذه العبارة طعنا على المشركين، وليس بمعنى تأييدهم.<ref>أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، ج 13، ص 347.</ref> | ||
*الفخر الرازي]]، المتكلم والمفسر السني في القرن السادس قال إنّ هذه القصة رواها المفسرون من أهل الظاهر، لكن أهل التحقيق قالوا بأن هذه الرواية باطلة وموضوعة، واحتجوا على قولهم هذا [[القرآن|بالقرآن]] و[[السنة]] و[[العقل]].<ref>الفخر الرازي، تفسير كبير، 1411ق، ج 23، ص 237.</ref> | *الفخر الرازي]]، المتكلم والمفسر السني في القرن السادس قال إنّ هذه القصة رواها المفسرون من أهل الظاهر، لكن أهل التحقيق قالوا بأن هذه الرواية باطلة وموضوعة، واحتجوا على قولهم هذا [[القرآن|بالقرآن]] {{و}}[[السنة]] {{و}}[[العقل]].<ref>الفخر الرازي، تفسير كبير، 1411ق، ج 23، ص 237.</ref> | ||
فذكر فخر الرازي سبع آيات تدلّ على [[عصمة]] النبي (ص) من الخطأ في تلقي [[الوحي]]، كما نقل عن [[البخاري]] في [[صحيح البخاري|صحيحه]] أنّ النبي (ص) «قرأ [[سورة النجم]]... وليس فيه حديث الغرانيق».<ref>الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 23، ص 237.</ref> وقال في بطلان القصة من جهة العقل أنّ «من جوّز على الرسول (ص) تعظيم [[الأوثان]] فقد كفر؛ لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان».<ref>الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 23، ص 237.</ref> | فذكر فخر الرازي سبع آيات تدلّ على [[عصمة]] النبي (ص) من الخطأ في تلقي [[الوحي]]، كما نقل عن [[البخاري]] في [[صحيح البخاري|صحيحه]] أنّ النبي (ص) «قرأ [[سورة النجم]]... وليس فيه حديث الغرانيق».<ref>الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 23، ص 237.</ref> وقال في بطلان القصة من جهة العقل أنّ «من جوّز على الرسول (ص) تعظيم [[الأوثان]] فقد كفر؛ لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان».<ref>الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 23، ص 237.</ref> | ||