انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الضرورات الدينية»

لا يوجد ملخص تحرير
imported>Alsaffi
لا ملخص تعديل
imported>Alsaffi
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
{{الإسلام-عمودي}}
{{الإسلام-عمودي}}
'''الضرورات الدينية،''' هي مجموعة العقائد أو [[الأحكام الفقهية|الأحكام الشرعية الفرعية]] الواضحة والبديهية والتي تواترت وثبتت قطعيتها لدى جميع [[المسلمين]] على أنها جزء من [[الإسلام]]، أو هي ما لا يمكن تصور انتفائه في الدين. فلو نفيته فكأنه كذبت [[النبي ]] {{صل}} ورسالته، ولذا يعد إنكارها أحد أسباب [[الكفر]] و[[المرتد|الارتداد]] عن الإسلام ومن جملتها الاعتقاد بـ[[المعاد]] أو [[المعراج]]، ووجوب [[الصلاة]] و[[الصوم]] أ<nowiki/>و[[الربا| حرمة الربا]] [[الكذب|والكذب.]]
'''الضرورات الدينية،''' هي مجموعة العقائد أو [[الأحكام الفقهية|الأحكام الشرعية الفرعية]] الواضحة والبديهية والتي تواترت وثبتت قطعيتها لدى جميع [[المسلمين]] على أنها جزء من [[الإسلام]]، أو هي ما لا يمكن تصور انتفائه في الدين. فلو نفيته فكأنه كذبت [[النبي ]] {{صل}} ورسالته، ولذا يعد إنكارها أحد أسباب [[الكفر]] و[[المرتد|الارتداد]] عن الإسلام ومن جملتها الاعتقاد بـ[[المعاد]] أو [[المعراج]]، ووجوب [[الصلاة]] و[[الصوم]] أو[[الربا| حرمة الربا]] [[الكذب|والكذب.]]
 
.


==تاريخ مفردة الضرورة الدينية==
==تاريخ مفردة الضرورة الدينية==
سطر ٨: سطر ٦:
إنّ لفظ الضرورة الدينية لم يرد في [[القرآن الكريم]] ولا في [[الأحاديث]] الشريفة، أو حتى في المتون الفقهية القديمة، وإنما هو - على الأرجح -اصطلاح فقهي مُستفاد ومنتزع من مضمون بعض النصوص الروائية والتي فهم بعض [[الفقهاء]] منها ذلك، وقد أدخلوا تحت هذا العنوان الكثير من الحالات والمصاديق والتي اعتبروا منكرها [[كافر|كافراً]] وخارجاً عن الملة.
إنّ لفظ الضرورة الدينية لم يرد في [[القرآن الكريم]] ولا في [[الأحاديث]] الشريفة، أو حتى في المتون الفقهية القديمة، وإنما هو - على الأرجح -اصطلاح فقهي مُستفاد ومنتزع من مضمون بعض النصوص الروائية والتي فهم بعض [[الفقهاء]] منها ذلك، وقد أدخلوا تحت هذا العنوان الكثير من الحالات والمصاديق والتي اعتبروا منكرها [[كافر|كافراً]] وخارجاً عن الملة.


كما أن مفهوم الضرورة الدينية كاصطلاح فقهي يُعد مفردة متأخرة جاءت في زمن [[المحقق الحلي]] ([[سنة 602 للهجرة|602]] - [[السنة 676 للهجرة|676 هـ]]) وما بعده، لكنها موجودة بمعناها في كلام بعض قدماء فقهاء [[التشيع|الشيعة]] أمثال [[الشيخ الطوسي]] (قده)، وأكثر تعاريف الضرورة الدينية إنما وردت في كلام المتأخرين منهم من قبيل [[العلامة المجلسي]](قده)<ref>المجلسي، حق الیقین، ص559.</ref> و[[المقدس الأردبيلي]] (قده)، ومن المعاصرين الشيخ [[محمد رضا المظفر]] والذي قام  في بعض آثاره بتعريفها.<ref>راجع: أصول الفقه، محمد رضا المظفر، ج2، ص92 </ref>
كما أن مفهوم الضرورة الدينية كمصطلح فقهي يُعد مفردة متأخرة جاءت في زمن [[المحقق الحلي]] ([[سنة 602 للهجرة|602]] - [[السنة 676 للهجرة|676 هـ]]) وما بعده، لكنها موجودة بمعناها في كلام بعض قدماء [[الفقهاء|فقهاء]] [[الشيعة]] أمثال [[الشيخ الطوسي]]، وأكثر تعاريف الضرورة الدينية إنما وردت في كلام المتأخرين منهم من قبيل [[العلامة المجلسي]](قده)<ref>المجلسي، حق الیقین، ص559.</ref> و[[المقدس الأردبيلي]]، ومن المعاصرين الشيخ [[محمد رضا المظفر]] والذي قام  في بعض آثاره بتعريفها.<ref>راجع: أصول الفقه، محمد رضا المظفر، ج2، ص92 </ref>


==مفهوم الضرورة الدينية==
==مفهوم الضرورة الدينية==
اختلفت كلمات العلماء في تحديد الضابطة العلمية لمفهوم الضرورة الدينية ومعناها إلى عدة آراء ونظريات، ومن خلال مراجعة بعض المصادر الفقهية يمكن إعطاء معنى واضح وجامع للضرورة الدينية:
اختلفت كلمات العلماء في تحديد الضابطة العلمية لمفهوم الضرورة الدينية ومعناها إلى عدة آراء ونظريات، ومن خلال مراجعة بعض المصادر الفقهية يمكن إعطاء معنى واضح وجامع للضرورة الدينية:


فمثلاً الشيخ [[الطوسي]] (قده) يرى أن ضروري الدين: (لا يختلف العقلاء فيه، بل يتفقون عليه، ولذلك لا يختلفون في أن الواحد لا يكون أكثر من اثنين وأن الشبر لا يطابق الذراع».<ref>الطوسي، محمد بن الحسن، الاقتصاد الهادي إلی طریق الرشاد، ص10</ref> أي هو الأمر الذي لا اختلاف فيه، كما أنه لا يحتاج في حصوله إلى كسب ونظر وفكر .
فمثلاً الشيخ [[الطوسي]] يرى أن ضروري الدين: (لا يختلف العقلاء فيه، بل يتفقون عليه، ولذلك لا يختلفون في أن الواحد لا يكون أكثر من اثنين وأن الشبر لا يطابق الذراع».<ref>الطوسي، محمد بن الحسن، الاقتصاد الهادي إلی طریق الرشاد، ص10</ref>؛ أي هو الأمر الذي لا اختلاف فيه، كما أنه لا يحتاج في حصوله إلى كسب ونظر .
   
   
وأمَّا [[المقدس الأردبيلي]] (قده) فقد ذهب في كتابه [[مجمع الفائدة والبرهان]] من أنّ: (المراد بالضروري الذی یکفَّر منکره الذي ثبت عنده یقیناً کونه من الدین ولو کان بالبرهان، ولم یکن مجمعاً علیه»<ref>المقدس الأردبیلي، أحمد، مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان، ج 3، ص199.</ref> فملاك الضروري لديه هو الأمر الثابت يقيناً من الدين ولو بالبرهان.
وأمَّا [[المقدس الأردبيلي]] فقد ذهب في كتابه [[مجمع الفائدة والبرهان]] من أنّ: (المراد بالضروري الذی یکفَّر منکره الذي ثبت عنده یقیناً کونه من الدین ولو کان بالبرهان، ولم یکن مجمعاً علیه»<ref>المقدس الأردبیلي، أحمد، مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان، ج 3، ص199.</ref> فملاك الضروري لديه هو الأمر الثابت يقيناً من الدين ولو [[البرهان|بالبرهان]].


كما عُرفت الضّرورة الشرعیّة بأنها: «المعتقد الذي لا یبذل المصّدق بها التفکیر فیها کوجوب الصَّلوة عند المسلم. فالمقصود بعبارة [[المجتهد|الفقهاء]] (معلوم من الدین بالضّرورة) یراد بها أنَّ المسلم یعلم بها بداهةً لکونه مسلم، ولا یتوقَّف عندها یطلب الدلیل علیها».<ref>فتح اللّه، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري.</ref>
كما عُرفت الضّرورة الشرعیّة بأنها: «المعتقد الذي لا یبذل المصّدق بها التفکیر فیها [[الوجوب|كوجوب]] [[الصلاة]] عند [[المسلم]]. فالمقصود بعبارة [[المجتهد|الفقهاء]] (معلوم من الدین بالضّرورة) یراد بها أنَّ المسلم یعلم بها بداهةً لکونه مسلم، ولا یتوقَّف عندها یطلب الدلیل علیها».<ref>فتح اللّه، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري.</ref>


فیما ذهب [[الأستر آبادي (توضيح)|المحقق الاستربادي]] (قده) في كتابه [[الفوائد المدنية]] إلى أن معنى ضروري الدين: (ما يكون دليله واضحاً عند علماء الإسلام بحيث لا يصلح لاختلافهم فيه بعد تصوره».<ref>الاسترابادي، الفوائد المدنية، ص128.</ref> أي أن الضروي لديه يحتاج إلى الدليل إلا أن هذا الدليل يجب أن يكون واضحا جدا عند خصوص علماء الإسلام بحيث لا يصلح الاختلاف فيه بينهم بعد تصوره.
فیما ذهب [[الأستر آبادي (توضيح)|المحقق الاستربادي]] (قده) في كتابه [[الفوائد المدنية]] إلى أن معنى ضروري الدين: (ما يكون دليله واضحاً عند علماء الإسلام بحيث لا يصلح لاختلافهم فيه بعد تصوره».<ref>الاسترابادي، الفوائد المدنية، ص128.</ref> أي أن الضروي لديه يحتاج إلى الدليل إلا أن هذا الدليل يجب أن يكون واضحا جدا عند خصوص علماء الإسلام بحيث لا يصلح الاختلاف فيه بينهم بعد تصوره.


وعرفه الشيخ [[محمد رضا المظفر|محمَّد رضا المظفر]] في كتابه ([[أصول الفقه]]) بأنه: «ما عليه إجماع جميع الأمة بجميع طوائفها وأشخاصها في جميع العصور مثل وجوب الصلاة والزكاة ونحوهما».<ref>محمَّد رضا المظفر، أصول الفقه، ج2، 1410 هـ . ق، ص92.</ref> أي هو الأمر المعروف جداً عند جميع المسلمين، حيث لا يجهل أحد منهم أنه من أجزاء دينهم.  
وعرفه الشيخ [[محمد رضا المظفر|محمَّد رضا المظفر]] في كتابه ([[أصول الفقه]]) بأنه: «ما عليه إجماع جميع الأمة بجميع طوائفها وأشخاصها في جميع العصور مثل وجوب الصلاة و[[الزكاة]] ونحوهما».<ref>محمَّد رضا المظفر، أصول الفقه، ج2، 1410 هـ . ق، ص92.</ref> أي هو الأمر المعروف جداً عند جميع المسلمين، حيث لا يجهل أحد منهم أنه من أجزاء دينهم.  


وهناك من يرى أن الضرورة الدينية: «هي أمر منسوب إلى الدين، وتكون حاجة الدين إليه ماسة وكبيرة جداً».<ref>الوائلي، علي، الضرورات الدينية والمذهبية والفقهية على ضوء مدرسة أهل البيت (ع)، ص57. </ref>
وهناك من يرى أن الضرورة الدينية: «هي أمر منسوب إلى الدين، وتكون حاجة الدين إليه ماسة وكبيرة جداً».<ref>الوائلي، علي، الضرورات الدينية والمذهبية والفقهية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ص57. </ref>


وهذا المعنى قريب إلى المعنى اللغوي للضروري أي ما لا يحصل الشيء إلا به، أو ما يحتاجه حاجة شديدة.<ref>ابن منظور، لسان العرب، ج8، 45-46؛ والطريحي، مجمع البحرين، ص10-17.</ref> وهو أيضاً أكثر التصاقاً بروح الشريعة، وارتكازات المتشرعة والعقلاء، ويؤيد ذلك الروايات التي تعبر عن بعض الأمور بأنها دعائم الدين [[الإسلام|والإسلام]]، أو مما بني عليه الإسلام وما شابهها في ألسنة [[الروايات]].
وهذا المعنى قريب إلى المعنى اللغوي للضروري أي ما لا يحصل الشيء إلا به، أو ما يحتاجه حاجة شديدة.<ref>ابن منظور، لسان العرب، ج8، 45-46؛ والطريحي، مجمع البحرين، ص10-17.</ref> وهو أيضاً أكثر التصاقاً بروح الشريعة، وارتكازات المتشرعة والعقلاء، ويؤيد ذلك الروايات التي تعبر عن بعض الأمور بأنها دعائم الدين [[الإسلام|والإسلام]]، أو مما بني عليه الإسلام وما شابهها في ألسنة [[الروايات]].
سطر ٢٩: سطر ٢٧:
وبالتالي تكون الضرورات الدينية هي أركان الدين التي يتقوم بها [[أصول الدين|أصل الدين]]، كأصل وجود [[الله|الله تعالى]] و[[التوحيد|توحيده]] والتصديق برسالته، أو هي أجزاء الدين الأساسية [[الصلاة|كالصلاة]] [[الصوم|والصوم]] و[[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]]، وما شاكل.
وبالتالي تكون الضرورات الدينية هي أركان الدين التي يتقوم بها [[أصول الدين|أصل الدين]]، كأصل وجود [[الله|الله تعالى]] و[[التوحيد|توحيده]] والتصديق برسالته، أو هي أجزاء الدين الأساسية [[الصلاة|كالصلاة]] [[الصوم|والصوم]] و[[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]]، وما شاكل.


ويتضح مما سبق أن المراد بــ[[الضرورة الدينية]] في كلمات [[الفقهاء]] هو الذي يرادف البديهي والقطعي واليقين بالأصطلاح المنطقي، أو هو ما لا يحتاج انتسابه للدين إلى دليل ولا يشك فيه أحد من [[المسلمون|المسلمين]]، أو ما كان واضحاً عند علماء الإسلام بحيث لا يصحّ الاختلاف و[[التقليد]] فيه بعد تصوره، أو هو أمر منسوب إلى الدين، وتكون حاجة الدين إليه ماسة وكبيرة جداً.
ويتضح مما سبق أن المراد بــ[[الضرورة الدينية]] في كلمات [[الفقهاء]] هو الذي يرادف البديهي والقطعي [[اليقين|واليقين]] بالأصطلاح المنطقي، أو هو ما لا يحتاج انتسابه [[الدين الإسلامي|للدين]] إلى دليل ولا يشك فيه أحد من [[المسلمون|المسلمين]]، أو ما كان واضحاً عند علماء الإسلام بحيث لا يصحّ الاختلاف و[[التقليد]] فيه بعد تصوره، أو هو أمر منسوب إلى الدين، وتكون حاجة الدين إليه ماسة وكبيرة جداً.


==أنواع الضرورة الدينية==
==أنواع الضرورة الدينية==
ويُلاحظ من خلال استقراء المصادر والمراجع الفقهية أن بعض الضرورات الدينية هي من الأمور العقائدية،  وهي على قسمين:
ويُلاحظ من خلال [[الاستقراء|استقراء]] المصادر والمراجع الفقهية أن بعض الضرورات الدينية هي من الأمور العقائدية،  وهي على قسمين:


الأول: ما علم ثبوته من الدين بالضرورة من الأركان الأساسية المقومة لأصل الدين، كالإلوهية، و[[التوحيد]]، و[[النبوة]] و[[المعاد]] على قول.
الأول: ما علم ثبوته من الدين بالضرورة من الأركان الأساسية المقومة لأصل الدين، كالإلوهية، و[[التوحيد]]، و[[النبوة]] و[[المعاد]] على قول.
سطر ٤٦: سطر ٤٤:
==حكم منكر الضروريةالدينية==
==حكم منكر الضروريةالدينية==
{{مفصلة|الإرتداد}}
{{مفصلة|الإرتداد}}
لا  يختلف  جميع  المسلمين  في  أنَّ  من  أنكر  أصلاً  من  [[أصول الدين]] الأساسية التي  بها  قوام  [[الإسلام]]  كالإلوهية [[التوحيد|والتوحيد]] والرسالة يعدُّ  [[كافر|كافراً]]؛  وذلك لأنّ  [[الإسلام]]  عبارة  عن  الإقرار  بهذه  الأصول  فإذا  أنكرها شخص أو  بعضها  خرج بذلك عن  الإسلام وكان كافراً، قاصراً كان أو مقصراً، معذوراً كان أو غير معذور للنصوص [[الخبر المستفيض|المستفيضة]] الدالة على ذلك.
لا  يختلف  جميع  المسلمين  في  أنَّ  من  أنكر  أصلاً  من  [[أصول الدين]] الأساسية التي  بها  قوام  [[الإسلام]]  كالإلوهية [[التوحيد|والتوحيد]] والرسالة يعدُّ  [[كافر|كافراً]]؛  وذلك لأنّ  [[الإسلام]]  عبارة  عن  الإقرار  بهذه  الأصول  فإذا  أنكرها شخص أو  بعضها  خرج بذلك عن  الإسلام وكان [[كافر|كافراً]]، قاصراً كان أو مقصراً، معذوراً كان أو غير معذور للنصوص [[الخبر المستفيض|المستفيضة]] الدالة على ذلك.
   
   
وإنّما  الإشكال والخلاف في غير  ذلك من المسائل الاعتقادية [[الأحكام الفقهية|والأحكام الفرعية]] والتي  تسمّى [[الضرورات الدينية|بالضروريّات الدينية]].
وإنّما  الإشكال والخلاف في غير  ذلك من المسائل الاعتقادية [[الأحكام الفقهية|والأحكام الفرعية]] والتي  تسمّى [[الضرورات الدينية|بالضروريّات الدينية]].
سطر ٥٢: سطر ٥٠:
وبحسب اعتقاد علماء الفريقين من [[الشيعة]] و[[السنة]] فإن إنكار الضروري في الإسلام يستلزم [[الكافر والكفر|الكفر]].<ref>العلامة المجلسي، حق الیقین، ص559.</ref>
وبحسب اعتقاد علماء الفريقين من [[الشيعة]] و[[السنة]] فإن إنكار الضروري في الإسلام يستلزم [[الكافر والكفر|الكفر]].<ref>العلامة المجلسي، حق الیقین، ص559.</ref>


فلا يوجد أختلاف بين الفقهاء في اعتبار أن من ينكر الضروريات الدينية مرتد وكافر، ولكنهم أختلفوا هل إن مجرد إنكار الضرورة الدينية بنفسه سبب مستقل [[كفر|للكفر]] والخروج عن الدين، أو أن الإنكار بنفسه ليس سبباً مستقلا، بل بما هو مؤدٍ الى إنكار التوحيد أو الرسالة؛ وهذا هو الذي يوجب الكفر والخروج عن الدين؟  
فلا يوجد أختلاف بين الفقهاء في اعتبار أن من ينكر الضروريات الدينية [[الارتداد|مرتد]] وكافر، ولكنهم أختلفوا هل إن مجرد إنكار الضرورة الدينية بنفسه سبب مستقل [[كفر|للكفر]] والخروج عن الدين، أو أن الإنكار بنفسه ليس سبباً مستقلا، بل بما هو مؤدٍ الى إنكار التوحيد أو الرسالة؛ وهذا هو الذي يوجب الكفر والخروج عن الدين؟  
   
   
في هذا المجال يمكن استقراء أربعة نظريات عند [[الفقهاء]] في حكم منكر الضرورة الدينية:
في هذا المجال يمكن [[الاستقراء|استقراء]] أربعة نظريات عند [[الفقهاء]] في حكم منكر الضرورة الدينية:
   
   
الأولى- أن إنكار الضرورة الدينية سبب مستقل للكفر، مثل إنكار وجود [[الله]] ورسالة [[النبي]] {{صل}}  سبب تام في حصول [[الكفر]]؛ حتى إذا كان ناشئا من شبهة أو لم يستلزم تكذيب النبي {{صل}}.  
الأولى- أن إنكار الضرورة الدينية سبب مستقل للكفر، مثل إنكار وجود [[الله]] ورسالة [[النبي]] {{صل}}  سبب تام في حصول [[الكفر]]؛ حتى إذا كان ناشئا من شبهة أو لم يستلزم تكذيب النبي {{صل}}.  
سطر ٦٠: سطر ٥٨:
هذا القول هو ظاهر كلام [[العلامة الحلي]]<ref>العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج1، ص68. </ref> ومختار [[صاحب الجواهر]].<ref>جواهر الكلام في شرائع الإسلام، ج6، ص46-48.</ref>  
هذا القول هو ظاهر كلام [[العلامة الحلي]]<ref>العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج1، ص68. </ref> ومختار [[صاحب الجواهر]].<ref>جواهر الكلام في شرائع الإسلام، ج6، ص46-48.</ref>  


الثانية- إن إنكار الضرورة الدينية إنما يقتضي الكفر [[الارتداد|والارتداد]] إذا كان مستلزماً لتكذيب [[النبي (ص)|النبي]] {{صل}} ورسالته، بأن يكون ذلك الإنكار كاشفاً عن الجحود والعناد ؛ ولذا إذا أنكر شحض عقيدة دينية أو حکماً شرعياً باعتقاد إنهما ليستا جزءً من الشريعة؛ فإنه لا يحكم [[ارتداد|بإرتداده]]؛ لأن ملاك الكفر والخروج من الإسلام هو الإنكار الصريح للرسالة أو الإلتفات إلى وجود الملازمة، لا مجرد وجود تلك الملازمة. ومن المعروفين بهذه النظرية [[السيد المرتضى]]، و[[الملا هادي السبزواري]]، والسيد [[بحر العلوم]]، وآية الله [[الخوئي]] و[[السيد الخميني]] .  
الثانية- إن إنكار الضرورة الدينية إنما يقتضي الكفر [[الارتداد|والارتداد]] إذا كان مستلزماً لتكذيب [[النبي (ص)|النبي]] {{صل}} ورسالته، بأن يكون ذلك الإنكار كاشفاً عن الجحود والعناد ؛ ولذا إذا أنكر شحض عقيدة دينية أو [[الأحكام الشرعية|حکماً شرعياً]] باعتقاد إنهما ليستا جزءً من الشريعة؛ فإنه لا يحكم [[ارتداد|بإرتداده]]؛ لأن ملاك الكفر والخروج من الإسلام هو الإنكار الصريح للرسالة أو الإلتفات إلى وجود الملازمة، لا مجرد وجود تلك الملازمة. ومن المعروفين بهذه النظرية [[السيد المرتضى]]، و[[الملا هادي السبزواري]]، والسيد [[بحر العلوم]]، وآية الله [[الخوئي]] و[[السيد الخميني]] .  


وهذا القول هو مختار  أغلب الأعلام المتأخّرين، وجملة من الأعلام الذين سبقوهم كـ[[المقدس الأردبيلي]] [[سنة 993 للهجرة|(ت 993 هـ)]]، و[[الفاضل الهندي]] [[سنة 1137 للهجرة|(ت 1137 هـ)]]، و[[الخوانساري (توضيح)|المحقق الخوانساري]] (ت 1099 هـ)، و[[الميرزا القمي]] [[(ت 1231 هـ)]] وآخرون. وحتى بعض أولئك الذين قبلوا النظرية الأولى والقائلة بأن إنكار الضرورة  بنفسه سبب مستقل [[كفر|للكفر]] فإنهم استثنوا حالة وجود شبهة لدى المنكر.  
وهذا القول هو مختار  أغلب الأعلام المتأخّرين، وجملة من الأعلام الذين سبقوهم كـ[[المقدس الأردبيلي]] [[سنة 993 للهجرة|(ت 993 هـ)]]، و[[الفاضل الهندي]] [[سنة 1137 للهجرة|(ت 1137 هـ)]]، و[[الخوانساري (توضيح)|المحقق الخوانساري]] (ت 1099 هـ)، و[[الميرزا القمي]] [[(ت 1231 هـ)]] وآخرون. وحتى بعض أولئك الذين قبلوا النظرية الأولى والقائلة بأن إنكار الضرورة  بنفسه سبب مستقل [[كفر|للكفر]] فإنهم استثنوا حالة وجود شبهة لدى المنكر.  
سطر ٦٦: سطر ٦٤:
الثالثة- إن منكر الضرورة الدينية إذا كان قد نشأ في البلد الإسلامي أو البيئة الإسلامية بحيث أنه يعرف ما هي ضروريات الإسلام ولكنه بعد ذلك أنكرها فإنه يحكم بكفره.  
الثالثة- إن منكر الضرورة الدينية إذا كان قد نشأ في البلد الإسلامي أو البيئة الإسلامية بحيث أنه يعرف ما هي ضروريات الإسلام ولكنه بعد ذلك أنكرها فإنه يحكم بكفره.  


وأمَّا إذا كان منكر الضرورة الدينية من بلاد بعيدة عن [[الإسلام]] وتعاليمه كما لو نشأ في البوادي أو البلاد التي لا يوجد فيها مسلم فلا يُحكم بكفره بمجرد إنكاره لشيئ من ضروريات الدين خصوصا مع دعواه عدم علمه بكون ما أنكره صادرا عن النبي {{صل}} لظهور حاله في ذلك. وهذه النظرية عُرف بها [[محمد حسن النجفي|صاحب الجواهر]]. وأشار إليها الشيخ [[محمد تقي البرورجردي|محمد تقي البروجردي]].<ref>راجع: العراقي، آغا ضياء الدين، نهاية الأفكار، بقلم: الشيخ محمد تقي البروجردي، ص191. </ref>
وأمَّا إذا كان منكر الضرورة الدينية من بلاد بعيدة عن [[الإسلام]] وتعاليمه كما لو نشأ في البوادي أو البلاد التي لا يوجد فيها مسلم فلا يُحكم بكفره بمجرد إنكاره لشيئ من ضروريات الدين خصوصا مع دعواه عدم علمه بكون ما أنكره صادرا عن النبي {{صل}} لظهور حاله في ذلك. وهذه النظرية عُرف بها [[محمد حسن النجفي|صاحب الجواهر]]. وأشار إليها الشيخ [[محمد تقي البرورجردي|محمد تقي البروجردي]].<ref>راجع: العراقي، آغا ضياء الدين، نهاية الأفكار، بقلم: محمد تقي البروجردي، ص191. </ref>


الرابعة- التفصيل بين القاصر والمقصّر، فالجاهل القاصر لا يحكم بكفره. بينما المقصّر يحكم بكفره ولكن في خصوص الأحكام الفرعية دون المسائل الاعتقادية.   
الرابعة- التفصيل بين القاصر والمقصّر، فالجاهل القاصر لا يحكم بكفره. بينما المقصّر يحكم بكفره ولكن في خصوص الأحكام الفرعية دون المسائل الاعتقادية.   
سطر ٧٢: سطر ٧٠:
ومن هنا نجد أن [[الشيخ الأنصاري]] قال: (فالأقوى التفصيل بين القاصر وغيره في الأحكام العملية الضرورية دون العقائد، تمسكا في عدم كفر منكر الحكم العملي الضروري، لعدم الدليل على سببيته للكفر مع فرض عدم [[التكليف]] بالتدين بذلك الحكم ولا العمل بمقتضاه ؛ لأنه المفروض».<ref>الشيخ الانصاري، كتاب الطهارة، ج5، ص141-142. </ref>
ومن هنا نجد أن [[الشيخ الأنصاري]] قال: (فالأقوى التفصيل بين القاصر وغيره في الأحكام العملية الضرورية دون العقائد، تمسكا في عدم كفر منكر الحكم العملي الضروري، لعدم الدليل على سببيته للكفر مع فرض عدم [[التكليف]] بالتدين بذلك الحكم ولا العمل بمقتضاه ؛ لأنه المفروض».<ref>الشيخ الانصاري، كتاب الطهارة، ج5، ص141-142. </ref>
   
   
وبناء على ما سبق حكم الفقهاء بأن التدين [[اصول الدين|بالأصول الدينية]] الأساسية كالتوحيد والنبوة والمعاد أمر لا بد منه لكل مسلم، ولا يعذر فيها الجاهل بأي حال، أمَّا إنكار [[الأحكام|الأحكام الفرعية]] الضرورية فضلاً عن الجهل بها، فلا يضر بإسلام المسلم إلا مع العلم بأنها من الدين.
وبناء على ما سبق حكم الفقهاء بأن التدين [[اصول الدين|بالأصول الدينية]] الأساسية [[التوحيد|كالتوحيد]] [[النبوة|والنبوة]] [[المعاد|والمعاد]] أمر لا بد منه لكل مسلم، ولا يعذر فيها الجاهل بأي حال، أمَّا إنكار [[الأحكام|الأحكام الفرعية]] الضرورية فضلاً عن الجهل بها، فلا يضر بإسلام المسلم إلا مع العلم بأنها من [[الدين الإسلامي|الدين]].


==الهوامش==
==الهوامش==
مستخدم مجهول