مستخدم مجهول
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإمام محمد الباقر عليه السلام»
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Ali110110 طلا ملخص تعديل |
imported>Ahmadnazem لا ملخص تعديل |
||
سطر ٢١: | سطر ٢١: | ||
يعتبر الإمام الباقر (ع) المؤسس للثورة العلمية الشيعية الكبرى التي بلغت ذروتها في زمن ولده [[الإمام الصادق]] (ع)، | يعتبر الإمام الباقر (ع) المؤسس للثورة العلمية الشيعية الكبرى التي بلغت ذروتها في زمن ولده [[الإمام الصادق]] (ع)، | ||
وقد روي عنه (ع) [[روايات]] كثيرة في مجالات شتي [[الفقه|كالفقه]]، و[[التوحيد]]، و[[السنة النبوية]]، و[[القرآن]]، و[[الأخلاق]]، وقد بلغ عدد ما روى عنه [[محمد بن مسلم]] 30 ألف حديث، كما روى عنه [[جابر بن يزيد الجعفي]] 70 ألف حديث. فبدأت المعتقدات الشيعية تتبلور في فترة [[إمامة|إمامته]]، وذلك في مختلف الفروع كالفقه و[[علم الكلام|الكلام]]، و[[تفسير القرآن|التفسير]]. وقالوا بأن عدد أصحابه وتلامذته يصل 462 شخصا. | وقد روي عنه (ع) [[روايات]] كثيرة في مجالات شتي [[الفقه|كالفقه]]، {{و}}[[التوحيد]]، {{و}}[[السنة النبوية]]، {{و}}[[القرآن]]، {{و}}[[الأخلاق]]، وقد بلغ عدد ما روى عنه [[محمد بن مسلم]] 30 ألف حديث، كما روى عنه [[جابر بن يزيد الجعفي]] 70 ألف حديث. فبدأت المعتقدات الشيعية تتبلور في فترة [[إمامة|إمامته]]، وذلك في مختلف الفروع كالفقه {{و}}[[علم الكلام|الكلام]]، {{و}}[[تفسير القرآن|التفسير]]. وقالوا بأن عدد أصحابه وتلامذته يصل 462 شخصا. | ||
وهناك الكثير من التأليفات حول الامام الباقر (ع)، منها [[مسند الإمام الباقر (ع)]] من تأليف [[عزيز الله العطاردي]]. | وهناك الكثير من التأليفات حول الامام الباقر (ع)، منها [[مسند الإمام الباقر (ع)]] من تأليف [[عزيز الله العطاردي]]. | ||
سطر ٦٢: | سطر ٦٢: | ||
=== استشهاده === | === استشهاده === | ||
ارتحل الإمام الباقر (ع) في اليوم [[7 ذي الحجة|السابع من شهر ذي الحجّة]] [[ | ارتحل الإمام الباقر (ع) في اليوم [[7 ذي الحجة|السابع من شهر ذي الحجّة]] سنة [[114 هـ]].<ref>النوبختي، فرق الشيعة ص61.</ref> وقيل [[117 هـ]]<ref>سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 306.</ref> وهناك آراء أخرى عن سنة وفاته وشهادته تختلف في مظانها، وقد دفن في [[المدينة المنورة]] في [[مقبرة البقيع]].<ref>الكليني، الكافي، ج1، ص469. الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508.</ref> | ||
وقد اختلف المؤرخون في مَن باشر قتل الإمام أو ساهم فيه، فبعض المصادر ترى أن [[الشهادة|شهادته]] كانت على يد [[هشام بن عبد الملك]] نفسه.<ref>الكفعمي، المصباح، ص691.</ref> والبعض الآخر يرى أن [[إبراهيم بن الوليد]] هو المسؤول عن سمّ الإمام.<ref>الطبري، دلائل الإمامة، ص216. ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص228.</ref> والبعض الآخر يرى أنّ [[زيد بن الحسن]] الذي كان يكنّ للإمام حقداً دفيناً هو الذي قام بهذه المؤامرة.<ref>النوبختي، فرق الشيعة، ص61.</ref> وعلى كل حال، فإنّ [[الشهادة|شهادة]] الإمام الباقر (ع) كانت في فترة [[الخلافة|خلافة]] هشام بن عبد الملك؛<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289. المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص219.</ref> لأنّ خلافته استمرّت من [[سنة 105 للهجرة|سنة 105]] إلى [[سنة 125 هـ]]، ولا تتجاوز آخر سنة ذكرها المؤرخون في بيان وفاة الإمام الباقر سنة 118 هـ. | وقد اختلف المؤرخون في مَن باشر قتل الإمام أو ساهم فيه، فبعض المصادر ترى أن [[الشهادة|شهادته]] كانت على يد [[هشام بن عبد الملك]] نفسه.<ref>الكفعمي، المصباح، ص691.</ref> والبعض الآخر يرى أن [[إبراهيم بن الوليد]] هو المسؤول عن سمّ الإمام.<ref>الطبري، دلائل الإمامة، ص216. ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص228.</ref> والبعض الآخر يرى أنّ [[زيد بن الحسن]] الذي كان يكنّ للإمام حقداً دفيناً هو الذي قام بهذه المؤامرة.<ref>النوبختي، فرق الشيعة، ص61.</ref> وعلى كل حال، فإنّ [[الشهادة|شهادة]] الإمام الباقر (ع) كانت في فترة [[الخلافة|خلافة]] هشام بن عبد الملك؛<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289. المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص219.</ref> لأنّ خلافته استمرّت من [[سنة 105 للهجرة|سنة 105]] إلى [[سنة 125 هـ]]، ولا تتجاوز آخر سنة ذكرها المؤرخون في بيان وفاة الإمام الباقر سنة 118 هـ. | ||
سطر ٧٣: | سطر ٧٣: | ||
للإمام الباقر سبعة أبناء خمسة ذكور وبنتان، وهم: | للإمام الباقر سبعة أبناء خمسة ذكور وبنتان، وهم: | ||
*[[الإمام الصادق عليه السلام|جعفر]] و[[عبد الله بن محمد بن علي|عبد الله]] وأمهم [[أم فروة أم الإمام الصادق عليه السلام|أم فروة]] بنت [[القاسم بن محمد بن أبي بكر]] . | *[[الإمام الصادق عليه السلام|جعفر]] {{و}}[[عبد الله بن محمد بن علي|عبد الله]] وأمهم [[أم فروة أم الإمام الصادق عليه السلام|أم فروة]] بنت [[القاسم بن محمد بن أبي بكر]] . | ||
*إبراهيم وعبيد الله وأمهم [[أم حكيم بنت أسيد الثقفي]]، وقد توفيا صغيرين. | *إبراهيم وعبيد الله وأمهم [[أم حكيم بنت أسيد الثقفي]]، وقد توفيا صغيرين. | ||
*[[علي بن محمد الباقر|علي]] وزينب وأم سلمة وأمهم أم ولد.<ref>الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ص375.</ref> | *[[علي بن محمد الباقر|علي]] وزينب وأم سلمة وأمهم أم ولد.<ref>الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ص375.</ref> | ||
سطر ٩٦: | سطر ٩٦: | ||
==إمامته== | ==إمامته== | ||
تقلّد الإمام الباقر (ع) منصب [[الإمامة]] في [[سنة 95 هـ]]. بعد | تقلّد الإمام الباقر (ع) منصب [[الإمامة]] في [[سنة 95 هـ]]. بعد شهادة [[الإمام السجاد (ع)|أبيه]]، واستمرت إمامته وقيادته للشيعة إلى حين شهادته في سنة 114 هـ أو 117 هـ على قول. | ||
===دلائل إمامته=== | ===دلائل إمامته=== | ||
سطر ١٠٣: | سطر ١٠٣: | ||
وقد وجّه [[الإمام السجاد عليه السلام|الإمام السجاد]] (ع) مراراً أنظار الناس نحو الإمام الباقر (ع)؛ ليبين لهم أنّه هو الإمام من بعده، فقد روى ولده [[عمر بن علي بن الحسين|عمر بن علي]] قال: "'''كان والدي يردد لقب الباقر، فقلت له: يا أبت! ولم سميته الباقر؟ قال: فتبسّم. وما رأيته تبسم قبل ذلك... ثم قال: يا بني إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم [[الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه|قائمنا]]{{عج}} فيملأها قسطاً وعدلاً وإنه الإمام أبو الأئمة.'''"<ref>القمي الرازي، كفاية الأثر، ص237.</ref> | وقد وجّه [[الإمام السجاد عليه السلام|الإمام السجاد]] (ع) مراراً أنظار الناس نحو الإمام الباقر (ع)؛ ليبين لهم أنّه هو الإمام من بعده، فقد روى ولده [[عمر بن علي بن الحسين|عمر بن علي]] قال: "'''كان والدي يردد لقب الباقر، فقلت له: يا أبت! ولم سميته الباقر؟ قال: فتبسّم. وما رأيته تبسم قبل ذلك... ثم قال: يا بني إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم [[الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه|قائمنا]]{{عج}} فيملأها قسطاً وعدلاً وإنه الإمام أبو الأئمة.'''"<ref>القمي الرازي، كفاية الأثر، ص237.</ref> | ||
وأورد [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد]] ما يشير إلى إمامته بقوله: «وكان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع) من بين إخوته خليفة أبيه [[علي بن الحسين]] ووصيه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم و[[الزهد]] والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدراً، ولم يظهر عن أحد من ولد [[الحسن]] و[[الحسين]] من علم الدين والآثار والسنة وعلم [[القرآن الكريم|القرآن]] والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر (ع)، وروى عنه معالم الدين بقايا [[الصحابة]] ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل به علَماً لأهله تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار».<ref>المفيد، الإرشاد، ص509.</ref> | وأورد [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد]] ما يشير إلى إمامته بقوله: «وكان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع) من بين إخوته خليفة أبيه [[علي بن الحسين]] ووصيه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم {{و}}[[الزهد]] والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدراً، ولم يظهر عن أحد من ولد [[الحسن]] {{و}}[[الحسين]] من علم الدين والآثار والسنة وعلم [[القرآن الكريم|القرآن]] والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر (ع)، وروى عنه معالم الدين بقايا [[الصحابة]] ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل به علَماً لأهله تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار».<ref>المفيد، الإرشاد، ص509.</ref> | ||
===الخلفاء المعاصرون=== | ===الخلفاء المعاصرون=== | ||
سطر ١٢٣: | سطر ١٢٣: | ||
==الثورة العلمية== | ==الثورة العلمية== | ||
لقد امتازت السنوات ما بين [[سنة 94 للهجرة|94]] إلى [[114 هـ]]. بظهور كثير من المدارس [[الفقه|الفقهية]] وهي أكثر فترة اشتهر فيها نقل [[الحديث]] والبحث عن [[التفسير]]، وكل ذلك بسبب ضعف الدولة [[بني أمية|الأموية]] والنزاع الحاصل بين زعماء الدولة للسيطرة على السلطة، وقد برز في تلك الفترة جمع من العلماء بذلوا جهداً واسعاً في رواية الحديث والإفتاء، أمثال الزهري ومكحول وهشام بن عروة... وغيرهم، كما ظهرت في تلك الفترة بعض الفرق مثل [[الخوارج]] و[[المرجئة]] و[[الكيسانية]] و[[الغلاة]]، وبدأت بنشر وإشاعة عقائدها بين الناس. | لقد امتازت السنوات ما بين [[سنة 94 للهجرة|94]] إلى [[114 هـ]]. بظهور كثير من المدارس [[الفقه|الفقهية]] وهي أكثر فترة اشتهر فيها نقل [[الحديث]] والبحث عن [[التفسير]]، وكل ذلك بسبب ضعف الدولة [[بني أمية|الأموية]] والنزاع الحاصل بين زعماء الدولة للسيطرة على السلطة، وقد برز في تلك الفترة جمع من العلماء بذلوا جهداً واسعاً في رواية الحديث والإفتاء، أمثال الزهري ومكحول وهشام بن عروة... وغيرهم، كما ظهرت في تلك الفترة بعض الفرق مثل [[الخوارج]] {{و}}[[المرجئة]] {{و}}[[الكيسانية]] {{و}}[[الغلاة]]، وبدأت بنشر وإشاعة عقائدها بين الناس. | ||
لقد قاد الإمام الباقر (ع) في تلك الحقبة الزمنية حركة علمية واسعة استمرت حتى بلغت ذروتها في إمامة ابنه [[الإمام الصادق عليه السلام|الإمام الصادق]] (ع)، فقد حصل بعد ظهور الإمام الباقر تقدّم واسع في هذا الصعيد، وظهرت حركة علمية ثقافية جديرة بالإكبار في أوساط [[الشيعة]] كسرت حاجز [[التقية]] إلى حدّ ما، وأزالت حالة الانحسار الذي مني به الفكر الشيعي في دوائر خاصة، ففي ذلك الوقت بدأ [[الشيعة]] بتدوين علومهم الإسلامية ك[[الفقه]] والتفسير والأخلاق و... وقد بلغت من الوفرة حدّاًً لو قورن بما نقل عن أبناء [[الحسن (ع)|الحسن]] و[[الحسين (ع)|الحسين]]{{هما}} قبله لكان ما نقل لا يساوي معشار ما نقل عن الإمامين الباقر والصادق (ع)».<ref>الشيخ المفيد، الإرشاد، ص507.</ref> | لقد قاد الإمام الباقر (ع) في تلك الحقبة الزمنية حركة علمية واسعة استمرت حتى بلغت ذروتها في إمامة ابنه [[الإمام الصادق عليه السلام|الإمام الصادق]] (ع)، فقد حصل بعد ظهور الإمام الباقر تقدّم واسع في هذا الصعيد، وظهرت حركة علمية ثقافية جديرة بالإكبار في أوساط [[الشيعة]] كسرت حاجز [[التقية]] إلى حدّ ما، وأزالت حالة الانحسار الذي مني به الفكر الشيعي في دوائر خاصة، ففي ذلك الوقت بدأ [[الشيعة]] بتدوين علومهم الإسلامية ك[[الفقه]] والتفسير والأخلاق و... وقد بلغت من الوفرة حدّاًً لو قورن بما نقل عن أبناء [[الحسن (ع)|الحسن]] {{و}}[[الحسين (ع)|الحسين]]{{هما}} قبله لكان ما نقل لا يساوي معشار ما نقل عن الإمامين الباقر والصادق (ع)».<ref>الشيخ المفيد، الإرشاد، ص507.</ref> | ||
لقد ردّ الإمام الباقر استدلال أصحاب [[القياس]]،<ref>الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص39.</ref> كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول – جاهداً - بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]] الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول عن [[الخوارج]] ما نصّه: «إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك».<ref>الطوسي، التهذيب، ج1، ص241.</ref> | لقد ردّ الإمام الباقر استدلال أصحاب [[القياس]]،<ref>الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص39.</ref> كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول – جاهداً - بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]] الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول عن [[الخوارج]] ما نصّه: «إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك».<ref>الطوسي، التهذيب، ج1، ص241.</ref> | ||
لقد كان ديدن العلماء الوقوف [[التواضع|بتواضع]] وخضوع قلّ نظيره حين طلبهم العلم والتتلمذ عند الإمام الباقر (ع)، فعن [[عبد الله بن عطاء المكي]] قال: "'''ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع)، وقد رأيت [[الحكم بن عيينة]] مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلّمه.'''"<ref>المفيد، الإرشاد، ص510. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص117-118.</ref> | لقد كان ديدن العلماء الوقوف [[التواضع|بتواضع]] وخضوع قلّ نظيره حين طلبهم العلم والتتلمذ عند الإمام الباقر (ع)، فعن [[عبد الله بن عطاء المكي]] قال: "'''ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع)، وقد رأيت [[الحكم بن عيينة]] مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلّمه.'''"<ref>المفيد، الإرشاد، ص510. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص117-118.</ref> | ||
لم تكن شهرة الإمام الباقر العلمية مقتصرة على أهل [[الحجاز]]، بل عمّت [[العراق]] و[[خراسان]] بشكل واسع، حيث يقول الراوي: رأيت أهل [[خراسان الكبيرة|خراسان]] التفّوا حوله حلقات يسألونه عمّا أشكل عليهم.<ref>الكليني، الكافي، ج6، ص266. المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص357.</ref> | لم تكن شهرة الإمام الباقر العلمية مقتصرة على أهل [[الحجاز]]، بل عمّت [[العراق]] {{و}}[[خراسان]] بشكل واسع، حيث يقول الراوي: رأيت أهل [[خراسان الكبيرة|خراسان]] التفّوا حوله حلقات يسألونه عمّا أشكل عليهم.<ref>الكليني، الكافي، ج6، ص266. المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص357.</ref> | ||
ونُشير تباعاً وباختصار إلى ميراث الإمام العلمي في الفروع المختلفة: | ونُشير تباعاً وباختصار إلى ميراث الإمام العلمي في الفروع المختلفة: | ||
سطر ١٣٩: | سطر ١٣٩: | ||
===الحديث=== | ===الحديث=== | ||
لقد أولى الإمام أبو جعفر (ع) المزيد من اهتمامه للحديث الوارد عن جدّه [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]] (ص) وعن آبائه [[الأئمة الاثني عشر|الأئمة الطيبين]]، وقد روى عنه [[جابر بن يزيد الجعفي]] سبعين ألف حديث، و[[أبان بن تغلب]] مجموعة كبيرة، كما روى عنه غيرهما من أعلام أصحابه طائفة كبيرة من الأخبار. | لقد أولى الإمام أبو جعفر (ع) المزيد من اهتمامه للحديث الوارد عن جدّه [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]] (ص) وعن آبائه [[الأئمة الاثني عشر|الأئمة الطيبين]]، وقد روى عنه [[جابر بن يزيد الجعفي]] سبعين ألف حديث، {{و}}[[أبان بن تغلب]] مجموعة كبيرة، كما روى عنه غيرهما من أعلام أصحابه طائفة كبيرة من الأخبار. | ||
والشيء المهم أنّ الإمام أبا جعفر قد اهتمّ بفهم الحديث والوقوف على معطياته، وقد جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه للحديث ومعرفة مضامينه، فمثلاً يُروى عنه قوله: «اعرف منازل [[الشيعة]] على قدر رواياتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان».<ref>شريف القرشي، حياة الإمام الباقر، ج1، ص140-141.</ref> | والشيء المهم أنّ الإمام أبا جعفر قد اهتمّ بفهم الحديث والوقوف على معطياته، وقد جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه للحديث ومعرفة مضامينه، فمثلاً يُروى عنه قوله: «اعرف منازل [[الشيعة]] على قدر رواياتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان».<ref>شريف القرشي، حياة الإمام الباقر، ج1، ص140-141.</ref> | ||
سطر ١٧٨: | سطر ١٧٨: | ||
ومع ذلك لا ينبغي الاعتقاد بأنّ الإمام الباقر (ع) كان في مأمن ومعزل عن المضايقات والمزاحمات التي أوجدتها الحكومات آنذاك ضد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]، فممّا لا شك فيه إنّ الجوّ الحاكم على حياة الإمام الباقر (ع) آنذاك كان جوّ [[التقية|تقية]] بشكل شديد؛ وذلك لأنّ عدم الالتزام بالتقية مطلقاً - وفي هذا الجو الخاص الذي كان حاكماً على المجتمع بسبب الحكومات الفاسدة - بمثابة رفع اليد عن النشاطات العلمية والابتعاد عن نشر المعارف الأصولية للدين. | ومع ذلك لا ينبغي الاعتقاد بأنّ الإمام الباقر (ع) كان في مأمن ومعزل عن المضايقات والمزاحمات التي أوجدتها الحكومات آنذاك ضد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]، فممّا لا شك فيه إنّ الجوّ الحاكم على حياة الإمام الباقر (ع) آنذاك كان جوّ [[التقية|تقية]] بشكل شديد؛ وذلك لأنّ عدم الالتزام بالتقية مطلقاً - وفي هذا الجو الخاص الذي كان حاكماً على المجتمع بسبب الحكومات الفاسدة - بمثابة رفع اليد عن النشاطات العلمية والابتعاد عن نشر المعارف الأصولية للدين. | ||
إنّ الظروف المرحلية للإمام الباقر و[[الإمام الصادق]] وفّرت لهما مجالاً لم يتوفّر لسائر [[الأئمة الأطهار|الأئمة]]{{هم}}، وهذه الظروف المناسبة كانت بسبب ضعف أساس الحكومة الأموية، فالاضطرابات الداخلية للنظام السياسي في ذلك العصر لم يسمح للحكام أن يضيّقوا على [[أهل البيت عليهم السلام|آل الرسول]] كما كان يفعله الحكّام السابقون، وهذه الأرضية المناسبة أدّت إلى أن ينشر الإمام الباقر و[[الإمام الصادق عليه السلام|الإمام الصادق]] أكثر آراءهم الفقهية والتفسيرية والأخلاقية في كتبهم الفقهية والروائية. | إنّ الظروف المرحلية للإمام الباقر {{و}}[[الإمام الصادق]] وفّرت لهما مجالاً لم يتوفّر لسائر [[الأئمة الأطهار|الأئمة]]{{هم}}، وهذه الظروف المناسبة كانت بسبب ضعف أساس الحكومة الأموية، فالاضطرابات الداخلية للنظام السياسي في ذلك العصر لم يسمح للحكام أن يضيّقوا على [[أهل البيت عليهم السلام|آل الرسول]] كما كان يفعله الحكّام السابقون، وهذه الأرضية المناسبة أدّت إلى أن ينشر الإمام الباقر {{و}}[[الإمام الصادق عليه السلام|الإمام الصادق]] أكثر آراءهم الفقهية والتفسيرية والأخلاقية في كتبهم الفقهية والروائية. | ||
ولهذا استطاع فرد كـ[[محمد بن مسلم]] أن يروي عن الإمام الباقر (ع) 30000 حديث،<ref>المجلسي، البحار، ج11، ص83.</ref> و[[جابر الجعفي]] 70000 حديث.<ref>الدخيل، أئمتنا، ج1، ص347.</ref> | ولهذا استطاع فرد كـ[[محمد بن مسلم]] أن يروي عن الإمام الباقر (ع) 30000 حديث،<ref>المجلسي، البحار، ج11، ص83.</ref> {{و}}[[جابر الجعفي]] 70000 حديث.<ref>الدخيل، أئمتنا، ج1، ص347.</ref> | ||
ويعتقد علماء [[الشيعة]] أنّ أفقه الفقهاء في صدر [[الإسلام]] ستة أشخاص وكلّهم من أصحاب الإمامين الباقر والصادق{{هما}}، وهم: [[زرارة بن أعين]]، و[[معروف بن خربوذ المكي]]، و[[أبو بصير الأسدي]]، و[[فضيل بن يسار]]، و[[محمد بن مسلم الطائفي]] و[[بريد بن معاوية العجلي]].<ref>ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص211.</ref> | ويعتقد علماء [[الشيعة]] أنّ أفقه الفقهاء في صدر [[الإسلام]] ستة أشخاص وكلّهم من أصحاب الإمامين الباقر والصادق{{هما}}، وهم: [[زرارة بن أعين]]، {{و}}[[معروف بن خربوذ المكي]]، {{و}}[[أبو بصير الأسدي]]، {{و}}[[فضيل بن يسار]]، {{و}}[[محمد بن مسلم الطائفي]] {{و}}[[بريد بن معاوية العجلي]].<ref>ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص211.</ref> | ||
ذكر [[الشيخ الطوسي]]، في كتابه [[رجال الطوسي|الرجال]] أن أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر (ع) الذين كانوا يروون الحديث عنه بلغوا 462 رجلاً وامرأتين. | ذكر [[الشيخ الطوسي]]، في كتابه [[رجال الطوسي|الرجال]] أن أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر (ع) الذين كانوا يروون الحديث عنه بلغوا 462 رجلاً وامرأتين. | ||
كما اتفق المسلمون [[أهل السنة|السنة]] و[[الشيعة|الإمامية]] على توثيق بعض أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر، وإن كان بعضهم لم يدخل في دائرة رجال أهل السنة الحديثية، ولم ينقل عنه الحديث بسبب توجهاتهم الشيعية العميقة، إلاّ أنّهم كانوا مورد وثاقة عند الشيعة الإمامية فحسب. | كما اتفق المسلمون [[أهل السنة|السنة]] {{و}}[[الشيعة|الإمامية]] على توثيق بعض أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر، وإن كان بعضهم لم يدخل في دائرة رجال أهل السنة الحديثية، ولم ينقل عنه الحديث بسبب توجهاتهم الشيعية العميقة، إلاّ أنّهم كانوا مورد وثاقة عند الشيعة الإمامية فحسب. | ||
==الإمام الباقر{{ع}} على لسان الفقهاء== | ==الإمام الباقر{{ع}} على لسان الفقهاء== | ||
إنّ شخصية الإمام الباقر (ع) لم تكن الفريدة من نوعها في رأي [[الشيعة | إنّ شخصية الإمام الباقر (ع) لم تكن الفريدة من نوعها في رأي [[الشيعة الإمامية]] فحسب، بل إنّ علماء [[أهل السنة]] أيضاً يعتبرونه فريداً من نوعه. فيقول [[ابن حجر الهيتمي]]: | ||
::«أبو جعفر محمد الباقر، سمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها، وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علَمه ورافعه ... عمرت أوقاته بطاعة [[الله]]، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة ...».<ref>ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص201.</ref> | ::«أبو جعفر محمد الباقر، سمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها، وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علَمه ورافعه ... عمرت أوقاته بطاعة [[الله]]، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة ...».<ref>ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص201.</ref> | ||
سطر ٢٥٨: | سطر ٢٥٨: | ||
| توضیحات = | | توضیحات = | ||
}}</onlyinclude> | }}</onlyinclude> | ||
[[تصنيف:أئمة أهل البيت]] | [[تصنيف:أئمة أهل البيت]] |