مستخدم مجهول
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإمام محمد الباقر عليه السلام»
لا يوجد ملخص تحرير
imported>Maytham لا ملخص تعديل |
imported>Sayedisphahani لا ملخص تعديل |
||
سطر ٢١: | سطر ٢١: | ||
روي عنه (ع) روايات كثيرة في مجالات شتی [[الفقه|کالفقه]] و<nowiki/>[[التوحيد]] و<nowiki/>[[السنة النبوية]] و<nowiki/>[[القرآن]] و<nowiki/>[[الأخلاق]]، كما بدأت المعتقدات الشيعية تتبلور في فترة إمامته وذلك في مختلف الفروع کالفقه و [[علم الكلام|الكلام]] و<nowiki/>[[تفسير القرآن|التفسير]]. | روي عنه (ع) روايات كثيرة في مجالات شتی [[الفقه|کالفقه]] و<nowiki/>[[التوحيد]] و<nowiki/>[[السنة النبوية]] و<nowiki/>[[القرآن]] و<nowiki/>[[الأخلاق]]، كما بدأت المعتقدات الشيعية تتبلور في فترة إمامته وذلك في مختلف الفروع کالفقه و [[علم الكلام|الكلام]] و<nowiki/>[[تفسير القرآن|التفسير]]. | ||
واعترف علماء [[أهل السنة]] بشهرة الإمام الباقر{{عليه السلام}} العلمية والدينية، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم، وجامعه، وشاهر | واعترف علماء [[أهل السنة]] بشهرة الإمام الباقر{{عليه السلام}} العلمية والدينية، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم، وجامعه، وشاهر علَمه وأنّه عمّر أوقاته بطاعة الله وكان يحظى بمراتب عالية في مقامات العارفين. | ||
==نسبه وكنيته وألقابه== | ==نسبه وكنيته وألقابه== | ||
سطر ٢٨: | سطر ٢٨: | ||
والإمام الباقر{{عليه السلام}} أول [[بني هاشم|هاشمي]] ولد من أبوين هاشميين، وأول علوي ولد من علويين.<ref>الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508.</ref> | والإمام الباقر{{عليه السلام}} أول [[بني هاشم|هاشمي]] ولد من أبوين هاشميين، وأول علوي ولد من علويين.<ref>الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508.</ref> | ||
ومن | ومن ألقابه الشاكر والهادي وأشهرها الباقر، وقد أشار النبیّ{{صل}} إلى هذا اللقب قائلاً: يبقر العلم بقراً.<ref>الكليني، الكافي، ج1، ص469</ref> | ||
كنيته المعروفة أبو جعفر،<ref>الطبري، دلائل الإمامة، ص216.</ref> وهي الكنية التي يذكر بها عادة في المصادر [[الروايات|الروائية]]. | |||
==ولادته ووفاته== | ==ولادته ووفاته== | ||
ولد الإمام الباقر{{عليه السلام}} في [[المدينة]] في [[يوم الجمعة]] الموافق [[1 رجب|للأول من رجب]] سنة [[57 هـ]]، وذهب البعض إلى أنّ ولادته كانت في [[3 صفر|الثالث من صفر]] من نفس السنة.<ref>المجلسي، بحار الأنوار ج46، ص212.</ref> | ولد الإمام الباقر{{عليه السلام}} في [[المدينة]] في [[يوم الجمعة]] الموافق [[1 رجب|للأول من رجب]] سنة [[57 هـ]]، وذهب البعض إلى أنّ ولادته كانت في [[3 صفر|الثالث من صفر]] من نفس السنة.<ref>المجلسي، بحار الأنوار ج46، ص212.</ref> | ||
===تسميته=== | ===تسميته=== | ||
سمّاه جده [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]]{{صل}} بمحمد، | سمّاه جده [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]]{{صل}} بمحمد، ولقّبه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين، ورواية [[جابر بن عبد الله الأنصاري]] وغيرها من [[الروايات]] تشير إلى هذه الحقيقة.<ref>القمي الرازي، كفاية الأثر، ص144-145.</ref> | ||
===استشهاده=== | ===استشهاده=== | ||
ارتحل الإمام الباقر{{عليه السلام}} في اليوم [[7 ذي الحجة|السابع من شهر ذي الحجّة]] [[سنة 114 هـ]].<ref>النوبختي، فرق الشيعة ص61.</ref> وقيل [[117 هـ]]<ref>سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 306.</ref> وهناك آراء أخرى عن سنة وفاته وشهادته تختلف في مظانها، وقد دفن في [[المدينة المنورة]] في [[مقبرة البقيع]].<ref>الكليني، الكافي، ج1، ص469. الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508.</ref> | ارتحل الإمام الباقر{{عليه السلام}} في اليوم [[7 ذي الحجة|السابع من شهر ذي الحجّة]] [[سنة 114 هـ]].<ref>النوبختي، فرق الشيعة ص61.</ref> وقيل [[117 هـ]]<ref>سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 306.</ref> وهناك آراء أخرى عن سنة وفاته وشهادته تختلف في مظانها، وقد دفن في [[المدينة المنورة]] في [[مقبرة البقيع]].<ref>الكليني، الكافي، ج1، ص469. الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508.</ref> | ||
وقد اختلف المؤرخون في مَن باشر قتل الإمام{{عليه السلام}} أو ساهم فيه، فبعض المصادر ترى أن [[الشهادة|شهادته]] كانت على يد [[هشام بن عبد الملك]] نفسه.<ref>الكفعمي، المصباح، ص691.</ref> والبعض الآخر يرى أن [[إبراهيم بن الوليد]] هو المسؤول عن سمّ الإمام{{عليه السلام}}.<ref>الطبري، دلائل الإمامة، ص216. ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص228.</ref> والبعض الآخر يرى أنّ [[زيد بن الحسن]] الذي كان يكنّ للإمام{{عليه السلام}} حقداً دفيناً هو الذي قام بهذه المؤامرة.<ref>النوبختي، فرق الشيعة، ص61.</ref> وعلى كل حال، فإنّ [[الشهادة|شهادة]] الإمام الباقر{{عليه السلام}} كانت في فترة [[الخلافة|خلافة]] هشام بن عبد الملك؛<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289. المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص219.</ref> لأنّ خلافته استمرّت من [[سنة 105 للهجرة|سنة 105]] إلى [[سنة 125 هـ]]، ولا تتجاوز آخر سنة ذكرها المؤرخون في بيان وفاة الإمام الباقر{{عليه السلام}} سنة 118 هـ. | وقد اختلف المؤرخون في مَن باشر قتل الإمام{{عليه السلام}} أو ساهم فيه، فبعض المصادر ترى أن [[الشهادة|شهادته]] كانت على يد [[هشام بن عبد الملك]] نفسه.<ref>الكفعمي، المصباح، ص691.</ref> والبعض الآخر يرى أن [[إبراهيم بن الوليد]] هو المسؤول عن سمّ الإمام{{عليه السلام}}.<ref>الطبري، دلائل الإمامة، ص216. ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص228.</ref> والبعض الآخر يرى أنّ [[زيد بن الحسن]] الذي كان يكنّ للإمام{{عليه السلام}} حقداً دفيناً هو الذي قام بهذه المؤامرة.<ref>النوبختي، فرق الشيعة، ص61.</ref> وعلى كل حال، فإنّ [[الشهادة|شهادة]] الإمام الباقر{{عليه السلام}} كانت في فترة [[الخلافة|خلافة]] هشام بن عبد الملك؛<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289. المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص219.</ref> لأنّ خلافته استمرّت من [[سنة 105 للهجرة|سنة 105]] إلى [[سنة 125 هـ]]، ولا تتجاوز آخر سنة ذكرها المؤرخون في بيان وفاة الإمام الباقر{{عليه السلام}} سنة 118 هـ. | ||
ومع اختلاف النصوص بحسب الظاهر في تحديد المسؤول عن شهادته{{عليه السلام}}، | ومع اختلاف النصوص بحسب الظاهر في تحديد المسؤول عن شهادته{{عليه السلام}}، لا يبعد أن تكون كلها صحيحة، إذ قد تكون هناك أيادٍ متعددة شاركت في قتل الإمام الباقر{{عليه السلام}} حيث تشير كل رواية إلى واحد منهم. | ||
دُفن الإمام الباقر{{عليه السلام}} في [[مقبرة البقيع|البقيع]] إلى جوار مرقد أبيه [[الإمام السجاد عليه السلام|الإمام السجاد]]{{عليه السلام}} وعمّه [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن بن علي]]{{عليه السلام}}.<ref>النوبختي، فرق الشيعة، ص61. الكليني، الكافي، ج2، ص372. المفيد، الإرشاد، ج2، ص156. الطبري، دلائل الإمامة، ص216. الطبرسي، أعلام الورى، ص259. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص327. ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص306. الكفعمي، المصباح، ص691.</ref> | دُفن الإمام الباقر{{عليه السلام}} في [[مقبرة البقيع|البقيع]] إلى جوار مرقد أبيه [[الإمام السجاد عليه السلام|الإمام السجاد]]{{عليه السلام}} وعمّه [[الإمام الحسن المجتبى عليه السلام|الإمام الحسن بن علي]]{{عليه السلام}}.<ref>النوبختي، فرق الشيعة، ص61. الكليني، الكافي، ج2، ص372. المفيد، الإرشاد، ج2، ص156. الطبري، دلائل الإمامة، ص216. الطبرسي، أعلام الورى، ص259. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص327. ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص306. الكفعمي، المصباح، ص691.</ref> | ||
سطر ٥١: | سطر ٥٣: | ||
==حضوره في كربلاء== | ==حضوره في كربلاء== | ||
لقد قضى الإمام طفولته في [[المدينة]] في أحضان والده | لقد قضى الإمام طفولته في [[المدينة]] في أحضان والده وجدّه لمدة أربع سنين. وقد شهد [[واقعة عاشوراء]] في [[كربلاء]] حيث يشير الإمام{{عليه السلام}} نفسه في إحدى [[الحديث|رواياته]] إلى هذا المعنى بقوله: «قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت».<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289.</ref> | ||
==سلام النبي{{صل}} عليه== | ==سلام النبي{{صل}} عليه== | ||
سطر ٦٧: | سطر ٦٩: | ||
فقلت: وعلى [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]] السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟ | فقلت: وعلى [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]] السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟ | ||
فقال: كنت معه{{صل}} ذات يوم، فقال لي: يا جابر | فقال: كنت معه{{صل}} ذات يوم، فقال لي: يا جابر لعلّك أن تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة، فأقرئه منّي السلام.'''"<ref>المفيد، الإرشاد، ص382. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج54، ص276.</ref> | ||
==إمامته== | ==إمامته== | ||
سطر ٧٣: | سطر ٧٥: | ||
===دلائل إمامته=== | ===دلائل إمامته=== | ||
روى [[جابر بن عبد الله الأنصاري]] أنّه سأل [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]]{{صل}} يوماً قائلاً: «يا رسول الله{{صل}} | روى [[جابر بن عبد الله الأنصاري]] أنّه سأل [[النبي محمد صلى الله عليه وآله|رسول الله]]{{صل}} يوماً قائلاً: «يا رسول الله{{صل}} ومَن الأئمةُ من ولد [[الإمام علي عليه السلام|علي بن أبي طالب]]{{عليه السلام}} قال: "'''الحسن والحسين{{عليه السلام}} [[سيدا شباب أهل الجنة]]، ثم سيّد العابدين في زمانه [[الإمام السجاد عليه السلام|علي بن الحسين]]{{عليه السلام}}، ثم الباقر محمد بن علي{{عليه السلام}} وستدركه يا جابر...'''."<ref>القمي الرازي، كفاية الأثر، ص144-145.</ref> | ||
وقد وجّه [[الإمام السجاد عليه السلام|الإمام السجاد]]{{عليه السلام}} مراراً أنظار الناس نحو الإمام الباقر{{عليه السلام}}؛ ليبين لهم أنّه هو الإمام من بعده، فقد روى ولده [[عمر بن علي]] قال: "'''كان والدي يردد لقب الباقر، فقلت له: يا أبت! ولم سميته الباقر؟ قال: فتبسّم. وما رأيته تبسم قبل ذلك... ثم قال: يا بني إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم [[الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه|قائمنا]]{{عج}} فيملأها قسطاً وعدلاً وإنه الإمام أبو الأئمة.'''"<ref>القمي الرازي، كفاية الأثر، ص237.</ref> | وقد وجّه [[الإمام السجاد عليه السلام|الإمام السجاد]]{{عليه السلام}} مراراً أنظار الناس نحو الإمام الباقر{{عليه السلام}}؛ ليبين لهم أنّه هو الإمام من بعده، فقد روى ولده [[عمر بن علي]] قال: "'''كان والدي يردد لقب الباقر، فقلت له: يا أبت! ولم سميته الباقر؟ قال: فتبسّم. وما رأيته تبسم قبل ذلك... ثم قال: يا بني إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم [[الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه|قائمنا]]{{عج}} فيملأها قسطاً وعدلاً وإنه الإمام أبو الأئمة.'''"<ref>القمي الرازي، كفاية الأثر، ص237.</ref> | ||
وأورد [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد]] ما يشير إلى إمامته بقوله: «وكان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين{{عليه السلام}} من بين إخوته خليفة أبيه [[علي بن الحسين]]{{عليه السلام}} ووصيه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم و[[الزهد]] والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدراً، ولم يظهر عن أحد من ولد [[الحسن]] و[[الحسين]]{{هما}} من علم الدين والآثار والسنة وعلم [[القرآن الكريم|القرآن]] والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر{{عليه السلام}}، وروى عنه معالم الدين بقايا [[الصحابة]] ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل به | وأورد [[الشيخ المفيد]] في [[الإرشاد]] ما يشير إلى إمامته بقوله: «وكان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين{{عليه السلام}} من بين إخوته خليفة أبيه [[علي بن الحسين]]{{عليه السلام}} ووصيه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم و[[الزهد]] والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدراً، ولم يظهر عن أحد من ولد [[الحسن]] و[[الحسين]]{{هما}} من علم الدين والآثار والسنة وعلم [[القرآن الكريم|القرآن]] والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر{{عليه السلام}}، وروى عنه معالم الدين بقايا [[الصحابة]] ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل به علَماً لأهله تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار».<ref>المفيد، الإرشاد، ص509.</ref> | ||
==الخلفاء المعاصرون== | ==الخلفاء المعاصرون== | ||
سطر ٩٤: | سطر ٩٦: | ||
{{Div col end}} | {{Div col end}} | ||
وقد | وقد تميّز كل الخلفاء - ما عدا [[عمر بن عبد العزيز]] الذي سار إلى حدٍّ ما في طريق العدل والإنصاف - بظلمهم المتزايد لجميع المسلمين وخاصة [[الشيعة]] منهم، وإن الفساد والتمييز وإشعال نار الفتنة والانتقام هو مما يلحظ بشكل واضح، وتعج به بيوتهم وبلاطهم. | ||
==الثورة العلمية== | ==الثورة العلمية== | ||
لقد امتازت السنوات ما بين [[سنة 94 للهجرة|94]] إلى [[114 هـ]]. بظهور كثير من المدارس [[الفقه|الفقهية]] وهي أكثر فترة اشتهر فيها نقل [[الحديث]] | لقد امتازت السنوات ما بين [[سنة 94 للهجرة|94]] إلى [[114 هـ]]. بظهور كثير من المدارس [[الفقه|الفقهية]] وهي أكثر فترة اشتهر فيها نقل [[الحديث]] والبحث عن [[التفسير]]، وكل ذلك بسبب ضعف الدولة [[بني أمية|الأموية]] والنزاع الحاصل بين زعماء الدولة للسيطرة على السلطة، وقد برز في تلك الفترة جمع من العلماء بذلوا جهداً واسعاً في رواية الحديث والإفتاء، أمثال الزهري ومكحول وهشام بن عروة... وغيرهم، كما ظهرت في تلك الفترة بعض الفرق مثل [[الخوارج]] و[[المرجئة]] و[[الكيسانية]] و[[الغلاة]]، وبدأت بنشر وإشاعة عقائدها بين الناس. | ||
سطر ١٠٣: | سطر ١٠٥: | ||
لقد ردّ الإمام الباقر{{عليه السلام}} استدلال أصحاب [[القياس]]،<ref>الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص39.</ref> كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول – جاهداً - بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]{{عليه السلام}} الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول{{عليه السلام}} عن [[الخوارج]] ما نصّه: «إن الخوارج | لقد ردّ الإمام الباقر{{عليه السلام}} استدلال أصحاب [[القياس]]،<ref>الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص39.</ref> كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول – جاهداً - بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]{{عليه السلام}} الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول{{عليه السلام}} عن [[الخوارج]] ما نصّه: «إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك».<ref>الطوسي، التهذيب، ج1، ص241.</ref> | ||
لقد كان ديدن العلماء الوقوف [[التواضع|بتواضع]] وخضوع | لقد كان ديدن العلماء الوقوف [[التواضع|بتواضع]] وخضوع قلّ نظيره حين طلبهم العلم والتتلمذ عند الإمام الباقر{{عليه السلام}}، فعن [[عبد الله بن عطاء المكي]] قال: "'''ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين{{عليه السلام}}، وقد رأيت [[الحكم بن عيينة]] مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلّمه.'''"<ref>المفيد، الإرشاد، ص510. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص117-118.</ref> | ||
سطر ١١٦: | سطر ١١٨: | ||
لقد خصّص الإمام الباقر{{عليه السلام}} جانباً كبيراً من وقته لتفسير [[القرآن الكريم|القرآن]]، حيث تناول فيه جميع شؤونه، وقد أخذ عنه علماء التفسير - على اختلاف آرائهم وميولهم - الشيء الكثير- وقد قيل أن للإمام الباقر{{عليه السلام}} كتاباً في تفسير القرآن ذكره [[محمد بن إسحاق النديم]] في كتابه [[الفهرست (ابن النديم)|الفهرست]].<ref>ابن النديم، الفهرست، ص59. شريف القرشي، حياة الإمام محمد الباقر، ج1، ص174.</ref> | لقد خصّص الإمام الباقر{{عليه السلام}} جانباً كبيراً من وقته لتفسير [[القرآن الكريم|القرآن]]، حيث تناول فيه جميع شؤونه، وقد أخذ عنه علماء التفسير - على اختلاف آرائهم وميولهم - الشيء الكثير- وقد قيل أن للإمام الباقر{{عليه السلام}} كتاباً في تفسير القرآن ذكره [[محمد بن إسحاق النديم]] في كتابه [[الفهرست (ابن النديم)|الفهرست]].<ref>ابن النديم، الفهرست، ص59. شريف القرشي، حياة الإمام محمد الباقر، ج1، ص174.</ref> | ||
وقد حصر الإمام أبو جعفر{{عليه السلام}} معرفة الكتاب العزيز بـ[[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]{{ | وقد حصر الإمام أبو جعفر{{عليه السلام}} معرفة الكتاب العزيز بـ[[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]{{عليهم السلام}}، فهُم الذين يعرفون محكمه ومتشابهه والناسخ من المنسوخ، وقد أشار{{عليه السلام}} إلى هذا المعنى بقوله: «إنّه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه».<ref>مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية، ص320.</ref> | ||
===الحديث=== | ===الحديث=== | ||
سطر ١٤٧: | سطر ١٤٩: | ||
ومن هنا برزت ضرورة الوقوف أمام اليهود وإيحاءاتهم في الثقافة الإسلامية السيئة، وتكذيب الأحاديث المجعولة من | ومن هنا برزت ضرورة الوقوف أمام اليهود وإيحاءاتهم في الثقافة الإسلامية السيئة، وتكذيب الأحاديث المجعولة من قِبلهم عن [[أنبياء |أنبياء ]]الله وبعض ما ينقلوه مما يشوّه سمعة الأنبياء، وقد تصدّى الإمام{{عليه السلام}} لهم بقوة وبشكل جيّد يكشف عن تعالي الإسلام وهيمنة الفكر الإسلامي على مثل هؤلاء المنحرفين ومع تلك الفرق الضالة. | ||
وقد أشار [[زرارة بن أعين|زرارة]] إلى هذه القضية بقوله: | وقد أشار [[زرارة بن أعين|زرارة]] إلى هذه القضية بقوله: | ||
::كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر{{عليه السلام}}، وهو محتبٍ مستقبل القبلة، فقال: أما | ::كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر{{عليه السلام}}، وهو محتبٍ مستقبل القبلة، فقال: أما إن النظر إليها عبادة. فجاءه رجل من بجيلة، يقال له عاصم بن عمر، فقال لأبي جعفر{{عليه السلام}}: إنّ [[كعب الأحبار]] كان يقول: إنّ [[الكعبة]] تسجد لـ[[بيت المقدس]] في كل غداة. | ||
:فقال له أبو جعفر{{عليه السلام}}: فما تقول فيما قال كعب؟ | :فقال له أبو جعفر{{عليه السلام}}: فما تقول فيما قال كعب؟ | ||
::قال: صدق القول ما قال كعب. | ::قال: صدق القول ما قال كعب. | ||
سطر ١٥٧: | سطر ١٥٩: | ||
==أصحابه وتلامذته== | ==أصحابه وتلامذته== | ||
لقد | لقد تغيّرت الظروف السياسية للمجتمع الإسلامي في عصر الإمام{{عليه السلام}} تغيراً ملحوظاً مما أدّى إلى إتاحة الفرصة له بتشكيل مجتمع علمي قام من خلاله بتربية وتعليم مجموعة من العلماء الملتزمين بقيم [[الشريعة الإسلامية]]، ومن هنا عندما نلقي نظرة على صفحات تاريخ صدر الإسلام نجد في حياة الإمام{{عليه السلام}} العلمية عدداً كبيراً من أسماء تلامذته والشخصيات العلمية الممتازة في العالم الإسلامي. | ||
ومع ذلك لا ينبغي الاعتقاد بأنّ الإمام الباقر{{عليه السلام}} كان في مأمن ومعزل عن المضايقات والمزاحمات التي أوجدتها الحكومات آنذاك ضد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]{{هم}}، | ومع ذلك لا ينبغي الاعتقاد بأنّ الإمام الباقر{{عليه السلام}} كان في مأمن ومعزل عن المضايقات والمزاحمات التي أوجدتها الحكومات آنذاك ضد [[أهل البيت عليهم السلام|أهل البيت]]{{هم}}، فممّا لا شك فيه إنّ الجوّ الحاكم على حياة الإمام الباقر{{عليه السلام}} آنذاك كان جوّ [[التقية|تقية]] بشكل شديد؛ وذلك لأنّ عدم الالتزام بالتقية مطلقاً - وفي هذا الجو الخاص الذي كان حاكماً على المجتمع بسبب الحكومات الفاسدة - بمثابة رفع اليد عن النشاطات العلمية والابتعاد عن نشر المعارف الأصولية للدين. | ||
إنّ الظروف المرحلية للإمام الباقر{{عليه السلام}} و[[الإمام الصادق]]{{هما}} وفّرت لهما مجالاً لم يتوفّر لسائر [[الأئمة الأطهار|الأئمة]]{{هم}}، وهذه الظروف المناسبة كانت بسبب ضعف أساس الحكومة الأموية، فالاضطرابات الداخلية للنظام السياسي في ذلك العصر لم يسمح للحكام أن | إنّ الظروف المرحلية للإمام الباقر{{عليه السلام}} و[[الإمام الصادق]]{{هما}} وفّرت لهما مجالاً لم يتوفّر لسائر [[الأئمة الأطهار|الأئمة]]{{هم}}، وهذه الظروف المناسبة كانت بسبب ضعف أساس الحكومة الأموية، فالاضطرابات الداخلية للنظام السياسي في ذلك العصر لم يسمح للحكام أن يضيّقوا على [[أهل البيت عليهم السلام|آل الرسول]]{{هم}} كما كان يفعله الحكّام السابقون، وهذه الأرضية المناسبة أدّت إلى أن ينشر الإمام الباقر{{عليه السلام}} و[[الإمام الصادق عليه السلام|الإمام الصادق]]{{عليه السلام}} أكثر آراءهم الفقهية والتفسيرية والأخلاقية في كتبهم الفقهية والروائية. | ||
ولهذا استطاع فرد كـ[[محمد بن مسلم]] أن يروي عن الإمام الباقر{{عليه السلام}} 30000 حديث،<ref>المجلسي، البحار، ج11، ص83.</ref> و[[جابر الجعفي]] 70000 حديث.<ref>الدخيل، أئمتنا، ج1، ص347.</ref> | ولهذا استطاع فرد كـ[[محمد بن مسلم]] أن يروي عن الإمام الباقر{{عليه السلام}} 30000 حديث،<ref>المجلسي، البحار، ج11، ص83.</ref> و[[جابر الجعفي]] 70000 حديث.<ref>الدخيل، أئمتنا، ج1، ص347.</ref> | ||
سطر ١٧٥: | سطر ١٧٧: | ||
==الإمام الباقر{{ع}} على لسان الفقهاء== | ==الإمام الباقر{{ع}} على لسان الفقهاء== | ||
إنّ شخصية الإمام الباقر{{عليه السلام}} لم تكن الفريدة من نوعها في رأي [[الشيعة]] [[الإمامية]] فحسب، بل إنّ علماء [[أهل السنة]] أيضاً يعتبرونه فريداً من نوعه. فيقول [[ابن حجر الهيتمي]]: | إنّ شخصية الإمام الباقر{{عليه السلام}} لم تكن الفريدة من نوعها في رأي [[الشيعة]] [[الإمامية]] فحسب، بل إنّ علماء [[أهل السنة]] أيضاً يعتبرونه فريداً من نوعه. فيقول [[ابن حجر الهيتمي]]: | ||
::«أبو جعفر محمد الباقر{{عليه السلام}}، | ::«أبو جعفر محمد الباقر{{عليه السلام}}، سمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها، وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علَمه ورافعه ... عمرت أوقاته بطاعة [[الله]]، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة ...».<ref>ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص201.</ref> | ||
وتحدّث [[عبد الله بن عطاء]] عن إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقر{{عليه السلام}} وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: «ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي{{عليه السلام}} لتواضعهم له ...».<ref>سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص337. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص329.</ref> | وتحدّث [[عبد الله بن عطاء]] عن إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقر{{عليه السلام}} وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: «ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي{{عليه السلام}} لتواضعهم له ...».<ref>سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص337. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص329.</ref> |