هنري كوربان

هذه الصفحة تخضع حاليًّا للتوسيع أو إعادة هيكلة جذريّة.
من ويكي شيعة
(بالتحويل من المستشرق كوربان)
هنري كوربان
معلومات شخصية
تاریخ الميلاد14 نيسان/أبريل 1903م
مكان الولادةباريس
مكان السكنفرنسا، تركيا، إيران
تاریخ الوفاة7 تشرين الأول/أكتوبر 1978م
معلومات علمية
الأساتذةإتيان جيلسون، لويس ماسينيون
مؤلفاتعن الإسلام الإيراني، تاريخ الفلسفة الإسلامية
نشاطات اجتماعية وسياسية


هنري كوربان فيلسوف وباحث في الشؤون الشيعية والإيرانية فرنسي الجنسية. ويعدّ من أبرز المفسرين الغربيين للحكمة المعنوية الإيرانية والفلسفة الشيعية في العالم.

بعد أن تعرّف على الفلسفة الإشراقية؛ أصبح كوربان - الذي بدأ دراسته في الفلسفات الأوروبية والمسيحية - مهتماً بالحكمة والفلسفة الإسلامية، وخاصة الفلسفة الشيعية الإيرانية. ومن أجل توسيع دراسته في هذا المجال، قضى مدة عشرين عاماً يُمضي جزءاً من كل عام منها في إيران يقوم فيها بالتدريس في جامعة طهران والحوار مع العلامة الطباطبائي وغيره من المفكرين الإسلاميين الإيرانيين.

كان كوربان مهتمّاً بمقام الإمامة والولاية من بين العقائد الشيعية، وخاصة بصاحب العصر والزمان (عج). وقد عدّه كلّ من العلامة الطباطبائي والسيد حسين نصر شيعياً في باطنه. وكان لكوربان أثر في تعريف الغرب بالإسلام الشيعي، ولفت انتباه الدراسات الاستشراقية من الإسلام السني نحو الإسلام الشيعي.

يعتبر كتاب الإسلام الإيراني - الذي يدور حول تطور الأفكار الفلسفية والمعنوية في إيران، مع التركيز على شرح الدور الخاص للإيرانيين في التفسير الشيعي والباطني للإسلام - من أكثر أعمال كوربان أهمية وتفصيلاً.

حياته ودراسته

ولد هنري كوربان في 14 أبريل/نيسان 1903م في باريس لعائلة بروتستنتيّة.[١] وإلى جانب تعليمه التقليدي، تلقى التعليم الديني في مدرسة ثانوية للدراسات المسيحية. وفي عام 1919م دخل جامعة السوربون ليواصل دراسته في مجال الفلسفة،[٢] وفي عام 1925م حصل على درجة البكالوريوس، ثم في عام 1926م حصل على شهادة الدراسات العليا في الفلسفة.[٣] وخلال تلك السنوات، تمكن كوربان من تعلّم اللغات العربية والفارسية الوسطى والفارسية الحديثة،[٤] فضلاً عن اللغات الأوروبية كاللاتينية واليونانية والألمانية والروسية.[٥] توفي هنري كوربان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1978م.[٦]

التيارات الأربعة التي أثّرت في فكر كوربان

تأثرت آراء كوربان وأفكاره بأربعة مجالات فكرية:

الأول كان أفكار إتيان جيلسون، الفيلسوف واللاهوتي المسيحي المتخصص في الفلسفة الأوروبية في القرون الوسطى.[٧]

المجالان الثاني والثالث من الأفكار التي تأثرت بها أفكار البروفيسور كوربان بشكل كبير هما ظواهر إدموند هوسرل[٨] ووجودية مارتن هايدجر.[٩] ولذلك، قضى كوربان معظم فترة ثلاثينيات القرن العشرين في ألمانيا وتعرّف على هايدجر عن كثب.[١٠]

تعود معرفة كوربان بآراء الشيخ شهاب الدين السهروردي والتصوف والتشيع والفلسفة الإسلامية بشكل عام إلى فصول لويس ماسينيون الدراسية في مدرسة اللغات الشرقية.[١١] أعطى ماسينيون - وهو باحث فرنسي في الشؤون الإسلامية - كوربان ذات يوم في الفصل الدراسي نسخة من كتاب حكمة الإشراق للسهروردي ليقرأه. وقد أوجدت قراءة هذا الكتاب في كوربان شغفًا ترك أثره على حياته الفكرية المستقبلية، وجعله يتوجّه نحو الشرق.[١٢]

سفره إلى إسطنبول

في بداية الحرب العالمية الثانية (1939م)، سافر كوربان إلى إسطنبول كرئيس لبعثة آثار فرنسية،[١٣] ولكنّ اتساع نطاق الحرب في أوروبا جعل من المستحيل عليه العودة إلى فرنسا، مما دفعه إلى الإقامة لمدة ست سنوات تقريبًا (حتى عام 1945م) في إسطنبول،[١٤] والتي كانت حينها مركزاً للمخطوطات. وخلال تلك الفترة، عكف على البحث في الأعمال غير المنشورة للسهروردي والحكماء الإسلاميين بالاستفادة من المخطوطات، وكانت نتيجة هذه الجهود نشر المجلد الأول من مجموعة أعمال السهروردي عام 1945م.[١٥] وقد اتبع كوربان في هذا الكتاب أسلوب تصحيح المخطوطات العربية والفارسية في المجموعة التي كان يشرف عليها الألماني الشهير هلموت رتر.[١٦] وأدّى نشر هذا الكتاب إلى شهرة كوربان، ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تم تعيينه - بإصرار وضغوط من لويس ماسينيون - رئيساً لكرسي الدراسات الإسلامية في كلية الدراسات العليا بجامعة السوربون وخليفةً لماسينيون.[١٧]

سفره إلى إيران

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعقب رحلة قام بها إلى إيران في (سبتمبر 1945م)، كلفته وزارة الخارجية الفرنسية برئاسة قسم الدراسات الإيرانية في المعهد الإيراني الفرنسي.[١٨] وتمت تهيئة الظروف لكوربان للسفر إلى إيران عدة مرات في السنة، والتباحث مع السيد محمد كاظم العصار والعلامة الطباطبائي[١٩] والسيد جلال الدين الأشتياني. ومنذ ذلك الحين، ولمدة عشرين عامًا، كان يسافر إلى إيران عند بداية كل خريف ويقوم بالتدريس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة طهران.[٢٠] ومن ثمّ يعود عند نهاية الخريف إلى باريس مرة أخرى ليقوم بتدريس الحكمة والعرفان الإسلامي الإيراني في جامعة السوربون.[٢١]

حواراته مع العلامة الطباطبائي

كتاب "الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان" للعلامة الطباطبائي

تم اللقاء الأول بين العلامة الطباطبائي وهنري كوربان في طهران أوائل العام 1959م،[٢٢] واللقاء الثاني كان في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.[٢٣] وكان كوربان قد أبلغ العلامة الطباطبائي أنه عقد مؤتمراً في جنيف حول الإمام المنتظر وفقاً للرؤية الشيعية، الأمر الذي كان موضع ترحيب لدى العلماء الغربيين الحاضرين في الاجتماع.[٢٤] وتابع أنّ المذهب الشيعي برأيه هو المذهب الوحيد الذي حافظ على علاقة الإنسان بالهداية الإلهية والارتباط بين الإنسان والله بصورة قوية ومحكمة، ويواصل هذه العلاقة من خلال شبكة "الولاية".[٢٥] ثم قال للعلامة الطباطبائي أنّ مسألة وجود الحقّ تعالى هي مسألة مشتركة بين جميع الأديان، ولكن فيما يتعلق بأسلوب حياة الإنسان، فإنّ الدين إنما يكون خالداً حين يضمن - علاوة على حفظ الاعتقاد بالألوهية والنبوة، والإيمان بالحياة الآخرة في المعاد - وجود وسيلة خاصة لاستمرار الاتصال والارتباط تذكّر به، ولا شك أنها مسألة "الولاية" - التي حظيت باهتمام خاص في الإسلام الشيعي - والتوسل بها هو ما يضمن سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.[٢٦]

واستمرت هذه اللقاءات لعدة سنوات، وكان نتاجها كتابي "الشيعة"[٢٧] و"رسالة التشيع في العالم المعاصر"[٢٨] الذَين قام العلامة الطباطبائي بتحريرهما بنفسه، وقد قام كلّ من علي أحمدي ميانجي والسيد هادي خسروشاهي بناء على طلب العلامة الطباطبائي بإعداد وتنظيم شروح اللقاءين، وتمت طباعتها عدة مرات ضمن 700 صفحة. وقبيل الثورة الإسلامية في إيران قال البعض إنّ عقد هذا الاجتماع لم يكن تصرفاً صحيحاً منذ البداية، ولا يُعرف من هو هنري كوربان ولا يُنصح بالاستمرار فيها. ونقل إبراهيم الديناني هذا الكلام إلى العلامة الطباطبائي، فأعرب العلامة عن انزعاجه وقال إنه كشخص يجلس في الزاوية ويكتب الأشياء، فالطريق الوحيد إلى العالم وتفكير العالم هو هذا الاجتماع، ولا يمكنهم رؤية هذا بالنسبة لي أيضاً.[٢٩] ثم في وقت لاحق، تحدث البعض عن مهمة هنري كوربان ورفاقه في الترويج للصوفية التقليدية بشكل معاصر.[٣٠] وكان السيد حسين نصر مسؤولاً عن ترجمة الحوارات في هذه اللقاءات التي كانت تحضرها أحياناً شخصيات مثل الشهيد مرتضى مطهري وبديع الزمان فروزانفر.[٣١]

آثاره

كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" لهنري كوربان

قام هنري كوربان، بعد قبوله رئاسة قسم الدراسات الإيرانية في المعهد الإيراني الفرنسي، في رحلاته السنوية المنتظمة إلى إيران، وبالتعاون مع خبراء مثل السيد جلال الدين الأشتياني، والسيد حسين نصر، ومحمد معين، بنشر سلسلة من الكتب بعنوان "مجموعة آثار إيراني" (مجموعة المؤلفات الإيرانية) في مجال الحكمة والفلسفة الإسلامية،[٣٢] ومن بين مؤلفاته التي قاربت ال200 مجلد يمكن الإشارة إلى ما يلي:[٣٣]

  • عن الإسلام في إيران؛ والذي يتناول فيه بشكل خاص التشيع في إيران، ومسألة الإمامة، وكذلك العرفان.
  • تاريخ الفلسفة الإسلامية؛ الذي صدّر له الإمام موسى الصدر عام 1966م، واعتبره باباً للغرب على الفلسفة الإسلامية والشرقية.
  • كشف المحجوب؛ رسالة في المذهب الإسماعيلي لأبي يعقوب السجستاني، بمقدمة باللغة الفرنسية من كوربان (عام 1327ش).
  • المجموعة الثانية من مؤلفات شيخ الإشراق (النصوص العربية لحكمة الإشراق، رسالة في اعتقاد الحكماء، قصة الغربة الغربية) مع التصحيح والمقدمة باللغة الفرنسية لكوربان (عام 1331ش).
كتاب "عن الإسلام في إيران" لهنري كوربان
  • جامع الحكمتين؛ تأليف ناصر خسرو، مع التصحيح والمقدمة بالفرنسية والفارسية بقلم هنري كوربان ومحمد معين (عام 1332ش).
  • النص العربي لكتاب المشاعر للملا صدرا، مع ترجمة فارسية لبديع الملك الميرزا عماد الدولة، والترجمة الفرنسية ومقدمة لهنري كوربان (عام 1342ش).
  • جامع الأسرار ومنبع الأنوار؛ مع رسالة نقد النقود في معرفة الوجود للسيد حيدر الآملي، والتصحيح والمقدمة لهنري كوربان وعثمان يحيى (عام 1347ش).
  • مجموعة المؤلفات الفارسية لشيخ الإشراق، مع تصحيح وتقديم السيد حسين نصر، والتحقيق والتدقيق بالفرنسية لهنري كوربان (عام 1348ش).
  • مختارات من أعمال كبار حكماء إيران الإلهيين (من عصر الميرداماد والميرفندرسكي إلى الوقت الحاضر)، بإشراف السيد جلال الدين الأشتياني وهنري كوربان (1350-1352ش).[٣٤]

اعتقاده بالتشيع

يُنقل عن العلامة الطباطبائي أنه قال ذات مرة لابنه السيد عبد الباقي الطباطبائي أنّ البروفيسور كوربان أصبح مؤمنًا بالإسلام (شيعيًا)، لكنه لا يستطيع التعبير عن إيمانه. وبعد أيام قليلة من كلام العلامة، ألقى كوربان خطاباً مثيراً للجدل، وتحدث بكلمات جيّاشة عن الإمام المهدي (عج)، ذكر فيها أنه على وشك أن يفقد منصبه العلمي في سبيل بحثه عن الإسلام والوصول إلى هذه الحقائق. وقد سُرّ العلامة عندما علم بهذا الأمر.[٣٥]

ومن وجهة نظر السيد حسين نصر، فإنّ كوربان كان يعتبر هويته الوجودية غير منفكّة عن المذهب الشيعي. وقد قام نصر بمرافقة كوربان إلى مزارات الشيعة وشاهد حالاته الروحية في تلك الأماكن. وبحسب نصر، فإن كوربان كثيراً ما استخدم عبارة "نحن الشيعة"، وأنه كان يؤمن بالتشيع الإثني عشري في أعماقه، وأنّ هويّته عثرت على معناها داخل المذهب الشيعي. وكان يرى أنّ المذهب الشيعي هوّ باطن الإسلام، والتفسير العميق والكاشف عن المعاني الباطنية لهذا الدين الإلهي. لكنّ نصر عبّر بصراحة عن أن كوربان لم يكن يصلي ولم يكن ملتزماً بظواهر الشريعة.[٣٦]

خصائص قراءة كوربان للتشيع

  • يرى العديد من الباحثين[٣٧] وسيّما بعض من ترجم أعمال كوربان[٣٨] أنه أعاد تركيز الدراسات الإسلامية من الإسلام السني إلى الإسلام الشيعي. فقبل كوربان، كان الذين اشتغلوا بالدراسات الإسلامية يقصدون الإسلام السني ولم يكونوا على دراية كافية بالإسلام الشيعي،[٣٩] وعندما كانوا يتوجهون إلى الأبعاد الروحية للإسلام كانوا يجدون هذه الأبعاد المعنوية في التصوّف. وقد اهتم أستاذ كوربان - لويس ماسينيون - بالجوانب العرفانية والمعنوية للإسلام؛ غير أنّ محور اهتمامه كان التصوف والولع بشخصيات من أمثال الحلاج، فألف كتاب مصائب الحلاج؛ لكن كوربان التفت إلى أنّ فهم الصوفية والحصول على نظرة أعمق للتصوف، يقتضي البحث عن حقيقة التصوّف في المذهب الشيعي.[٤٠]
  • كان كوربان يقدّم نفسه على أنه فيلسوف مستشرق.[٤١] والفرق بين الفيلسوف المستشرق والمستشرق العادي هو أنّ المستشرق العادي قد يبحث في موضوع ما رغم عدم إيمانه بذلك الموضوع. وفي حالة الدراسات الإسلامية، فقد كان الأمر كذلك قبل كوربان أيضاً، حيث لم يكن يُعتنى بالإجابات التي ينبغي أن يقدمها الإسلام في عصرنا. لكن نظرة كوربان كانت مختلفة عن غيره من الباحثين في الشؤون الإسلامية. فقد كانت نظرته نظرة فلسفية للإسلام. فلم يكن هنري كوربان يرى الفلسفة الإسلامية على أنها مجرد فلسفة أكاديمية؛ بل في رأيه أنّ الفلسفة الإسلامية والروحانية الإسلامية يمكن أن تحتويا على إجابات للبشرية اليوم.[٤٢]
  • ووفقاً لبعض من عمل على ترجمة أعمال كوربان، فإن قراءته قريبة جدًا من التيار الرئيسي للفكر الفلسفي الشيعي. حيث بدأت الفلسفة الشيعية مع ابن سينا والسهروردي، واستمرّت من خلال أشخاص مثل الميرداماد، والسيد حيدر الآملي، والقاضي سعيد القمي، والملا صدرا، وحتى العصر الحاضر في أمثال العلامة الطباطبائي. يعتمد فهم هنري كوربان على هذا التيار الأصيل. ويمكن القول إنّ قراءته هي الفهم الأكثر اتّساقاً مع فهم الفلاسفة الإيرانيين للفلسفة الإسلامية والمعنوية الإسلامية.[٤٣]
  • ويناقش كوربان نظرة الشيعة للإمام ومكانته والتأويلات المتعلقة بمسألة الإمام من منظور الروحانية الشيعية. ويرى أنّ التوحيد بالمعنى الحقيقي للكلمة لا يمكن تحقيقه دون وجود الإمام. فإذا لم نفترض وجود الإمام في نشاطنا الروحي، فلا يمكننا الفرار من الوقوع في الشرك في التوحيد. ويستشهد كوربان بكلام للعلامة الطباطبائي، ومضمونه أننا نحن الشيعة - والحمد لله - في مأمن من المزالق التي تهدد الموحدين بسبب وجود الإمام.[٤٤]

تأثيره

يرى السيد حسين نصر أن أحداً من علماء الغرب لم يحاول مثل هنري كوربان تعريف الشعوب الغربية بالمدارس الإسلامية في الحكمة والفلسفة بعد الغزو المغولي لإيران.[٤٥] وبحسب نصر أيضًا، فقد ساهم كوربان بشكل كبير في تعريف الغربيين بالملا صدرا.[٤٦] ويعتبر أول من اهتم بين المستشرقين بالفلسفة الإسلامية والشيعية.[٤٧]

ويعتقد السيد نصر أنّ كوربان أثّر على الدراسات الإسلامية في فرنسا، كما ترك أثره على الفلسفة ودراسة الطرق الباطنية في البيئة الأكاديمية. وفي ألمانيا، تتم دراسة أعمال كوربان المتعلقة بالفكر الإسلامي. وفي المجتمعات الناطقة باللغة الإنجليزية، تمت ترجمة العديد من أعمال كوربان وباتت معروفة الآن. وكانت دراساته حول الفكر الإسلامي المتأخر في إيران مؤثرةً على نطاق واسع. وتعدّ جمعية ابن عربي، التي تأسست أول مرة في بريطانيا وتنشط الآن في أمريكا، متاثرة بأفكاره. كما أن النصوص العرفانية الفلسفية العربية والفارسية التي حقّقها كوربان كان لها تأثير واسع بشكل عام في الأوساط الأكاديمية في الغرب، ودفعت العديد من الباحثين الشباب إلى دراسة أشخاص مثل السهروردي، والروزبهان البقلي، والسيد حيدر الآملي، والميرداماد، والملا صدرا، والفلاسفة الإسماعيليين من أبي حاتم الرازي ومن جاء بعده.[٤٨]

ووفقاً لنصر، فإن تأثير كوربان في أمريكا محسوس على نطاق أوسع بكثير. ولا يظهر هذا التأثير بين الباحثين في الشؤون الإسلامية فحسب، بل أيضًا بين علماء النفس مثل جيمس هيلمان ومؤرخي الفكر مثل هارولد بلوم. وفي كندا، في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة ماكجيل، ساعد وجود توشيهيكو إيزوتسو وتلميذ كوربان السابق هيرمان لاندولت في جعل كوربان والموضوعات التي انخرط فيها سمة دائمة في الدراسات هناك، وتعتبر العديد من رسائل التخرّج في الدراسات الإسلامية التي كتبت هناك نتيجة طبيعية لبصمات كوربان.[٤٩]

وبحسب نصر، قام كوربان بتدريب ثلة من المحققين العرب البارزين في العالم الإسلامي الذين تابعوا جوهر فكره، خاصة فيما يتعلق بالبحوث حول ابن عربي ومدرسته. ومن خلال إصراره على الطبيعة الحية للفلسفة الإسلامية وأن هذه السنّة عاشت حياة غنية للغاية لمدة ثمانية قرون بعد تراجعها - الذي عرضها عقب وفاة ابن رشد بحسب البعض - كان لها التأثير الأكبر في بلدان إسلامية أخرى مثل تركيا والباكستان وإندونيسيا وماليزيا والعالم العربي أيضًا. وفي الواقع، باتت أفكاره جزءًا من الخطاب الفكري العام لإيران في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وكان لمناقشاته مع العلامة الطباطبائي نتائج وثمار جوهرية في المحافل التقليدية لطلبة العلوم الدينية في مدارس قم ومشهد وأصفهان وشيراز وطهران. إن تلخيصه للفلسفة من الفترة الصفوية فما بعدها، والذي أعدّه بالتعاون مع السيد جلال الدين الأشتياني، فتح أعين العديد من الإيرانيين من ذوي الميول الغربية على ثراء فلسفتهم التقليدية، والتي سرعان ما تم نسيانها في نهاية عهد القاجاريين.[٥٠]

مخالفو كوربان

كان للبعض نظرة سلبية تجاه كوربان؛ فالسيد أحمد فرديد (1289-1373هـ.ش) - المترجم والمفكر ومن الأوائل في إيران الذين قدّموا وحللوا الفلسفات الألمانية مثل هايدجر وهوزويل - قد ذكر كوربان بلهجة مهينة وقدّمه على أنه "ماسوني" و"يهودي" و"صهيوني" و"عضو محفل القدس"، والذي "لا يعرف شيئًا عن الحكمة"، وأنه مكلّف من قبل الماسونيين واليهود بتدمير المذهب الشيعي.[٥١] واعتبر مرتضى رضوي - أحد أنصار مدرسة التفكيك في إيران - في مقال بعنوان (إعادة قراءة مهمة هنري كوربان ودوره الثقافي في إيران) أنّ الغزو الفكري العلمي الذي قام به كوربان أخطر بمئات المرات من الغزو الثقافي والاجتماعي لتيار الغربيين. وفي رأيه أن هنري كوربان قد أخذ أهل البيت من الشيعة وعمل على تهميش دورهم، وأنّ العلامة الطباطبائي عندما أدرك طبيعة كوربان قام بإبعاده، ومع ذلك فإنّ تفسير الميزان لا يخلو من درجة من الباطنية.[٥٢]

الهوامش

  1. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  2. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  3. واعظي، نيم‌ قرن پژوهش، زندگی علمي هانري كربن.
  4. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  5. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  6. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص483.
  7. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  8. واعظي، نيم‌ قرن پژوهش، زندگی علمي هانري كربن.
  9. الجيلاني، هنري كوربان و رؤيته الظاهراتية لدكترين (أطروحة) المهدويّة، جامعة باقر العلوم.
  10. بيار لوري، هنري كوربان مؤلفاته وتأثيره، معهد المعارف الحكمية.
  11. بيار لوري، هنري كوربان مؤلفاته وتأثيره، معهد المعارف الحكمية.
  12. نصر، «زندگي وآثار وأفکار أستاد هانري كربن»، ص3.
  13. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص483.
  14. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  15. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  16. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص482.
  17. محمد خير رمضان يوسف، تتمة الأعلام (وفيات 1976 2013)، ج10، ص53.
  18. كامل سلمان الجبوري، معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م، ج6، ص429.
  19. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، ص46.
  20. كامل سلمان الجبوري، معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م، ج6، ص429.
  21. واعظي، نيم‌ قرن پژوهش، زندگی علمي هانري كربن.
  22. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، ص46.
  23. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، ص51.
  24. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، ص49.
  25. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، ص46.
  26. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، ص49-51.
  27. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، مدرسة فقاهت.
  28. العلامة الطباطبائي، رسالة التشيع في العالم المعاصر، مدرسة فقاهت.
  29. علامة طباطبائي وهانري كربن، در گفت وگو با أستاد خسروشاهي.
  30. مجلة سمات الفصلية، السنة الأولى، رقم1، ربيع 1389ش، ص109-123.
  31. واعظي، نيم‌ قرن پژوهش، زندگی علمي هانري كربن.
  32. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص484-485؛ الإمام موسى الصدر، تصدير لترجمة كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" لهنري كوربان؛ محمدي زاد، مروري بر آثار منتشر شده هانري كربن در إيران.
  33. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص484-485؛ الإمام موسى الصدر، تصدير لترجمة كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" لهنري كوربان؛ محمدي زاد، مروري بر آثار منتشر شده هانري كربن در إيران.
  34. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص484-485؛ الإمام موسى الصدر، تصدير لترجمة كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" لهنري كوربان؛ محمدي زاد، مروري بر آثار منتشر شده هانري كربن در إيران.
  35. مجلة معارف، شهر آبان وشهر آذرماه 1390، رقم 88، گفتگوي شرق وغرب.
  36. گفتگو با سيد حسين نصر، مجلة "اطلاعات حكمت ومعرفت" الشهرية، ارديبهشت 1388ش رقم 2.
  37. رحلة المستشرق الفرنسي هنري كوربان مع المذهب الشيعي، موقع مشرقيات.
  38. رحمتي، بررسي «إسلام إيراني» هانري كربن. موقع آكادمي مطالعات إيراني لندن.
  39. العلامة الطباطبائي، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، ص46.
  40. الإمام موسى الصدر، تصدير لترجمة كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" لهنري كوربان؛ رحمتي، بررسي «إسلام إيراني» هانري كربن. موقع آكادمي مطالعات إيراني لندن.
  41. رضي الموسوي، هنري كوربان و رؤيته الظاهراتية لدكترين (أطروحة) المهدويّة، مقدمة الكتاب.
  42. رحمتي، بررسي «إسلام إيراني» هانري كربن. موقع آكادمي مطالعات إيراني لندن.
  43. رحمتي، بررسي «إسلام إيراني» هانري كربن. موقع آكادمي مطالعات إيراني لندن.
  44. رحمتي، بررسي «إسلام إيراني» هانري كربن. موقع آكادمي مطالعات إيراني لندن.
  45. نصر، آشنايي با ملا صدرا در مغرب‌ زمين، ص11.
  46. نصر، آشنايي با ملا صدرا در مغرب‌ زمين، ص12.
  47. پورجوادي، «علامة طباطبائي وكربن»، ص91.
  48. سخنراني سيد حسين نصر در 1998 ميلادي، يادي از هانري كربن.
  49. سخنراني سيد حسين نصر در 1998 ميلادي، يادي از هانري كربن.
  50. سخنراني سيد حسين نصر در 1998 ميلادي، يادي از هانري كربن.
  51. بستاني، (هايدگر، كربن، فرديد) مجلة مهرنامه، رقم 3، خرداد 1389ش.
  52. رضوي، بازخواني مأموريت ونقش فرهنگي هانري كربن در إيران، مجلة سمات، العدد الأول، 1389ش، ص108-124.

المصادر والمراجع

  • رحلة المستشرق الفرنسي هنري كوربان مع المذهب الشيعي، موقع مشرقيات، عن مجلة النبأ، العدد 62، تاريخ النشر: تشرين الأول 2001م، تاريخ المشاهدة: 17/11/2024م.
  • «گفتگو با سيد حسين نصر، كاشف قاره‌ هاي معنوي» في مجلة اطلاعات حكمت ومعرفت الفصلية، ارديبهشت 1388، رقم 2.
  • الإمام موسى الصدر، تصدير لترجمة كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" لهنري كوربان، مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، تاريخ النشر: 1/6/1966م، تاريخ المشاهدة: 17/11/2024م.
  • الجبوري، كامل سلمان، معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2003م-1424هـ.
  • الجيلاني، هنري كوربان و رؤيته الظاهراتية لدكترين (أطروحة) المهدويّة، جامعة باقر العلوم.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، نقله إلى العربية: جواد علي (خالد توفيق)، مؤسسة أم القرى للنشر والتحقيق، (د.م)، الطبعة الأولى، 1416هـ.
  • بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، 1993م.
  • بستاني، أحمد، «هايدگر، كربن، فرديد» في مجلة علوم إنساني "نشرية مهر"، رقم 3، خرداد 1389ش.
  • بيار لوري، هنري كوربان مؤلفاته وتأثيره، معهد المعارف الحكمية.
  • رحمتي، إنشاء الله، «بررسي إسلام إيراني هانري كربن»، موقع آكادمي مطالعات إيراني لندن.
  • رضوي، مرتضى، «بازخواني مأموريت ونقش فرهنگي هانري كربن در إيران» في مجلة سمات، رقم 1، 1389ش.
  • رضي الموسوي، هنري كوربان و رؤيته الظاهراتية لدكترين (أطروحة) المهدويّة، مقدمة الكتاب، تاريخ النشر: 7/7/2012م، تاريخ المشاهدة: 17/11/2024م.
  • رمضان يوسف، محمد خير، ورمضان يوسف، الزبير، تتمة الأعلام (وفيات 1976 إلى 2013)، دار الوفاق، الجمهورية اليمنية - عدن، الطبعة الرابعة، 2016م-1437هـ.
  • مجلة سمات الفصلية، السنة الأولى، رقم 1، بهار 1389ش، ص 109 إلى 123.
  • مجلة معارف، آبان وآذرماه 1390ش، رقم 88، گفتگوي شرق وغرب.
  • محمدي‌ زاد، أمين، مروري بر آثار منتشر شده هانري كربن در إيران، مجلة مهرنامه، رقم 15، شهريور 1390ش.
  • نصر، سيد حسين، «زندگي وآثار وأفكار أستاد هانري كربن» در جشن‌ نامه هانري كربن، زير نظر سيد حسين نصر، طهران، مؤسسة الدراسات الإسلامية في جامعة ماك جيل، 1356ش.
  • نصر، سيد حسين، «سخنراني درباره هانري كربن در 1998 ميلادي»، منتشر شده در يادي از هانري كربن، شهرام پازوكي، طهران، مؤسسة پژوهشي حكمت وفلسفة إيران، 1382ش.
  • نصر، سيد حسين، آشنايي با ملا صدرا در مغرب‌ زمين، طهران، كلية علوم المعقول والمنقول في طهران، 1340ش.
  • واعظي، أصغر، نيم قرن پژوهش، زندگي علمي هانري كربن، صحيفة همشهري، الأربعاء 17 دي 1382ش، رقم 3275.
  • پورجوادي، نصر الله، «علامة طباطبائي وكربن»، إشراق، رقم 4، 1386ش.