مستخدم:Baselaldnia/الملعب

من ويكي شيعة

الموقع والأهمية التاريخية

تحتل سورية جغرافياً موقعاً مميزاً جعلها تاريخياً ملتقى حضارات كثيرة متعاقبة، وأحياناً محور صراع فيما بينها. وتقع سورية عند قمة ما يسمى بالهلال الخصيب الذي يعتبر في حد ذاته أيضاً منبع حضارات مهمة والمكان الذي ولدت فيه الديانتان اليهودية والمسيحية والذي شهد أول امتداد للإسلام الذي سرعان ما اتخذ من الهلال الخصيب نقطة الثقل الأبرز لدوله المختلفة باختلاف الخلافات ولا سيما منها العباسية والأموية. وهذه الأخيرة اتخذت من دمشق العاصمة الحالية لسورية، عاصمة للدولة.[١]

الإسم

سورية في اللغة، كلمة يونانية تعني الشمس واسمها القديم (خيت) وقيل كذلك نسبة للأراميين السريان.[٢]

إن اسم سورية يوناني في شكله، ويظهر بشكل شرين shrya في آداب أوغاريت وسيريون siryon في العبرية حيث يطلق على لبنان الشرقي. واستخدم اسم الجزء فيما بعد ليشمل البلاد كلها. وكانت إحدى مناطق شمالي الفرات معروفة عند البابليين باسم سوري su-ri. ولا توجد في الغالب صلة في الاشتقاق بين سورية وآسيريا (أشور). وتسمية سورية والسوريين غير واردة في النص العبري الأصلي للعهد القديم ولكنها مستعملة في الترجمة السبعينية للدلالة على آرام والآراميين. وبعض كتاب العصر الكلاسيكي يخطئون في الكلام عن السوريين حين يجعلون اسمهم مرادفاً للأشوريين. ولفظة سورية تعني تقليدياً وتاريخياً منطقة أوسع من التي تمثلها الجمهورية العربية السورية اليوم، وهي تشمل جنوب شرقي الأناضول في تركيا الحالية، فضلاً عن سورية الحالية ولبنان وفلسطين والأردن.[٣]

الجغرافيا

الجغرافية الطبيعية

تقع الجمهورية العربية السورية، في قلب منطقة "الشرق الأوسط" مطلة على البحر المتوسط ولبنان غرباً وفلسطين إلى الجنوب الغربي، والأردن إلى الجنوب والعراق إلى الشرق، وتركيا إلى الشمال. وتبلغ مساحة الأراضي السورية(185.180كم2)، ( 71.500 ميل2).[٤]

الجغرافيا السكانية

تعتبر مدينة دمشق أكبر المدن والعاصمة السياسية للجمهورية العربية السورية وتقع في القسم الجنوبي الغربي منها، بينما تعتبر مدينة حلب ثاني أكبر مدينة وهي العاصمة الاقتصادية للجمهورية العربية السورية وتقع في الشمال.

يبلغ عدد المحافظات السورية 14 محافظة وهي: دمشق، ريف دمشق، القنيطرة، السويداء، درعا، حمص، حماة، إدلب، اللاذقية، طرطوس، حلب، الرقة، دير الزور، والحسكة. لا يوجد تقديرات رسمية بعدد سكان الجمهورية العربية السورية اليوم بسبب الحرب الدائرة بها، ولكن طبق الإحصائيات الرسمية عام 2013م فقد بلغ عدد سكانها ما يقارب 22 مليون نسمة، يتوزعون على المحافظات السورية كافة، ويتحدّث السكان اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبلاد، ويعد الإسلام الدين الرسمي لها، ويتألف المجتمع السوري من أديان ومذاهب متنوعة ومختلفة وهي:

تاريخ سورية

تعتبر الجمهورية العربية السورية ذات تاريخ كبير وغني جداً، نسبةً للحضارات الكبيرة التي سكنت منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط، والمنطقة الممتدة على ضفاف نهر العاصي، والمنطقة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة، والمنطقة الجنوبية من سورية.

نبذة عن تاريخ سورية قبل الفتح الإسلامي

سكن الإنسان سورية منذ أقدم العصور وترك شواهد وأثار مادية كثيرة تدل على نشاطه ووجوده فالهياكل العظمية البشرية التي اكتشفت حتى الآن ترجع إلى حوالي 100 ألف سنة، في حين أن بعض البقايا الأثرية المكتشفة تعود إلى ما قبل 150 ألف سنة.[٦] وتشكل سورية إحدى أهم مناطق الشرق الأوسط فهي تشغل الجزء الأكبر من الجناح الغربي للهلال الخصيب والساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وتربط بين قاراتي آسيا وأوروبا وتعود بدايات الاستيطان فيها إلى أولى فترات الاستيطان البشري في العصر الحجري ما قبل الفخاري. ويرجع تاريخ سورية إلى أولى الحضارات الإنسانية في بداية العصر البرونزي وتعتبر موطن لأقدم الحضارات في الشرق، ومن سورية كانت بداية الزراعة وتدجين الحيوانات وأولى التجمعات الحضارية للإنسان القديم، وكانت أساس النشاط البشري فيها حيث قامت الكثير من الحضارات منذ إنسان العصر الحجري وحتى الحضارات التي تعاقبت على سورية منذ آلاف السنين وحتى العصور الحديثة.[٧]

يعد السامانيون أول الشعوب التي سكنت سورية القديمة، وقد أطلق المستشرق النمساوي شلوتزر Schlözer اسم الساميين The Semites في عام 1781م على شعوب جنوب غربي آسيا وهم: الأكَّديون والبابليون، والآشوريون، والآموريون (العموريون) والآراميون، والكنعانيون، والعبريون، والعرب. وقد استمد هذه التسمية من نص توراتي في سفر التكوين، الإصحاح العاشر، ورد فيه ذكر أولاد نوح عليه السلام الثلاثة: سام وحام ويافث، حيث وجد أن عابر وآشور، وآرام، ويقطان (قحطان)، أي العبريين والآشوريين والآراميين والعرب، هم أبناء سام بن نوح. وأكدت ظواهر لغوية أساسية في لغة هؤلاء قرابة الشعوب المذكورة، وكذلك عاداتها وتقاليدها وشرائعها ودياناتها. وقد أقام الساميون مناطق شهدت حضاراتهم ودولهم المتتابعة في بلاد الرافدين (العراق والجزيرة السورية اليوم)، وسورية القديمة (بلاد الشام). وشبه الجزيرة العربية. ويرى أكثر الباحثين أن موطنهم الأصلي كان في شبه الجزيرة العربية، ثم خرجت منها دفعات كبيرة من الهجرات الجماعية، كانت تفصل بين الواحدة والأخرى ألف سنة تقريباً. ووصلت تلك الهجرات تباعاً إلى شمالي شبه الجزيرة العربية، ولاسيما البادية السورية التي كانت مركز تجمع للقبائل البدوية السامية المهاجرة من الجنوب، ثم كانت تنطلق منها باتجاه الشرق إلى الجزيرة السورية، شرق نهر الفرات، ومنها إلى شمالي العراق أو إلى الجنوب الشرقي بمحاذاة نهر الفرات، إلى بلاد بابل وكذلك إلى شمالي سورية وجنوبيها وغربيها على امتداد الساحل الشرقي للبحر المتوسط.

وظهرت الشعوب السامية، حسب الاصطلاح، تاريخياً، في الألف الثالث قبل الميلاد، وساد الفينيقيون البحر المتوسط، وأنشؤوا المستعمرات الكثيرة على سواحله وعلى جزره المتعددة في النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، وجابهوا الإغريق، وحدّوا من طموحاتهم، ومن بعدهم الرومان الذين صاروا ألد أعداء قرطاجة التي أقامها الفينيقيون في منطقة تونس اليوم، وصارت امبراطورية تضم كل المناطق الإفريقية الشمالية غربي مصر، إضافة إلى قسم كبير من شبه جزيرة إيبريا. وقامت ثلاث حروب طويلة بين الرومان وقرطاجة (الحروب البونية)، انتهت بانتصار الرومان على قرطاجة وتدميرها في الحرب البونية الثالثة، عام 146ق.م، أما المدن الكنعانية (الفينيقية) فكانت تقاسم جيرانها من الأشقاء الساميين قدرهم في مقاومة الطامعين في سورية من المصريين والميتانيين والحثيين والآشوريين، ثم من الكلدانيين والفرس والإغريق والرومان.[٨]

الفتح الإسلامي لسورية

في السنة الثالثة عشر للهجرة، أمر الخليفة أبو بكر بتسيير الجيوش الإسلامية لفتح سورية الطبيعية (سورية، لبنان، الأردن، فلسطين) بقيادة خالد بن سعيد بن العاص، وتخليصها من حكم الروم البيزنطيين ونشر الإسلام فيها.[٩] ولما رأى المسلمون مطاولة الروم استمدوا أبا بكر، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم من العراق، حتى إذا فتح الله على المسلمين يعود خالد مرة أخرى إليها لكي يكمل انتصارات المسلمين على الفرس هناك.[١٠]

تلقى خالد بن الوليد كتاب أبي بكر، فسار من العراق إلى الشام أخذاً كل المدن والقرى التي كانت في طريق جيشه حتى وصل إلى بصرى،[١١] ففتحها وظفر بها وأكمل مسيره شمالاً باتجاه مدينة دمشق وفي وقتها وصل كتابٌ من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بتعيين أبو عبيدة بن الجراح قائداً لجيش خالد وأمر بتوجه خالد مع عدد من السرايا إلى فتح مدينة حمص الواقعة شمال مدينة دمشق،[١٢] وبعد الحصار الخانق على مدينة دمشق، دخل جيش المسلمين فاتحين المدينة صلحاً.[١٣] ثم لحق أبو عبيدة بن الجراح بجيش خالد بن الوليد حتى فتحوا مدينة حمص وبعلبك ودخلوها صلحاً بعد حصارٍ طويل،[١٤] بعدها عاود الجيش مسيره جنوباً بعد أن حشد هرقل ملك الروم بقواته في منطقة اليرموك الواقعة على الحدود السورية الأردنية الفلسطينية، وخاض بها المسلمون المعركة الشهيرة ضد الروم والتي كان النصر بها حليفاً للمسلمين في السنة الثالثة عشر للهجرة.[١٥]

تاريخ شيعة سورية

يعود ظهور الشيعة في سورية إلى القرن الأول الهجري، أي مع بداية انتشار الإسلام، حيث كان تواجدهم في بادئ الأمر يقتصر على عدة أفراد بدأت بالانتشار والتوسع شيئاً فشيئاً في القرن الرابع الهجري، حيث كان لكبار العلماء وعلاقتهم مع المراكز العلمية والدينية دوراً فعالاً في ازدياد أعداد الشيعة ومنحهم طابعاً اجتماعياً قوياً، إضافةً لوجود حكومات ذات طابع شيعي كحكومة الحمدانيين في حلب سنة 944م.[١٦]

ولا شك بأنه يوجد اختلاف كبير في تاريخ نشأة الشيعة في سورية، وفي هذا الصدد لدينا عدة أراء:

الأول: يعتبر أن وجودهم هناك كان منذ صدر الإسلام، ويكونون قد جاؤوا كغيرهم مِن المسلمين أثناء الفتح الإسلامي لبلاد الشام واستوطنوا فيها، واستوطن بعضهم في دمشق. وهؤلاء تعمّقت عقيدتهم بأهل البيت عليهم السلام ضدّ أعدائهم عندما جاء الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاري إلى الشام، التي كان واليها معاوية بن أبي سفيان. فقد ارتأى الخليفة الثالث أن ينفي أبا ذرّ إلى دمشق ليتخلص مِن خطر أفكاره الحرة، ولكن معاوية لم يستطع استمالة أبي ذر أو إخضاعه لسلطته بكل الوسائل، ولما أعيت به الحيلُ، ولم يجد طريقة يستجلب بها أبا ذرّ، قرر أن يبعثه إلى فتح قبرص، وبعد أن فتح الله قبرص على أبي ذر، لم يجد معاوية غير أن يسيّره إلى بعض القرى النائية في جنوب لبنان، فأقام في جبل عامل، وهي المنطقة الواقعة بين حدود لبنان الجنوبية ونهر الأولي الَّذي يصب شمال صيدا. ويؤكد أصحاب هذه الرأي فكرتهم بوجود مشهدين منسوبين إلى أبي ذرّ في مدينتين مِن جبل عامل هما: (صرَفند) الساحلية و(ميس الجبل) في الأعالي الجنوبية.[١٧]

الرأي الثاني: تعتبر أن هجرتهم كانت مِن العراق، وعلى وجه التحديد مِن الكوفة، بعد توقيع الإمام الحسن عليه السلام صلحه مع معاوية. وهذه النظرية يؤيدها الشيخ جعفر المهاجر مِن بعلبك، ويشرحها في كتابه: التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية: "كانت الكوفة سبع قبائل عربية كبيرة موالية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وهي التي خاضت معه حروبه كلها في الجمل وصفين والنهروان. وبعد صلح الحسن عليه السلام عام 41 هـ، شعر أهل الكوفة بأن خطراً كبيراً يترصدهم مِن معاوية، فقرروا التفرق في البلاد قبل حلول البلاء.فقسمٌ منهم انزاح شرقاً إلى قُم (الأشعريون)، وقسم انزاح شمالاً، وقسم انزاح غرباً إلى دمشق (الهجرة الهمدانية الكبرى). وهؤلاء لم يدخلوا دمشق في البداية، بل استوطنوا في عدة قرى في الغوطة الشرقية، هي: بيت سَوى، وعين تَرما، وراوية، وفي الغرب في قرية (صنعاء) التي كانت بجوار ساحة الأمويين اليوم، وسمّيت بهذا الاسم تخليداً لصنعاء اليمن التي انحدروا منها. وبعد جيل مِن اختلاطهم بالناس دخلوا العاصمة".[١٨]

ولعل الرأي الأول هو الأقرب إلى الصواب، فقد اتفقت جميع الآراء أن أبا ذر الغفاري هو الذي نشر التشيع في الشام وجبل عامل،[١٩] بين عامي 28 و35 هـ، لأن معاوية سيّر أبا ذر من الشام إلى المدينة بطلب من عثمان سنة 30 للهجرة.[٢٠]

سورية والشيعة في ظل سيادة الدولة الأموية

اشترك معاوية بن أبي سفيان مع أخيه يزيد في فتح بلاد الشام، وهما ينتميان إلى أحد بطون قريش الكبيرة، فنّصب الخليفة الثاني عمر معاوية والياً على الشام بعد وفاة أخيه يزيد، وتمكن على مدى ربع قرن من كسب تعاطف أهل الشام، ورسّخ نفوذه خلال خلافة عثمان بن عفان الذي خلف عمر بن الخطاب في الخلافة. إلا أنه تمرد على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ووجد من يناصره ويبايعه الخلافة.[٢١]

أقنع معاوية بعد أن رفض مبايعة أمير المؤمنين عليه السلام أهل الشام بمبايعته، فسار الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام بعد حرب الجمل مع أنصاره من الكوفة إلى الشام بعدما رفض معاوية الانصياع لأوامر خليفة المسلمين. والتقى جيش الشام مع جيش أمير المؤمنين عند صفين التي تقع غربي نهر الفرات، وجرت المعركة بين الجيشين والتي انتهت فيما بعد بواقعة التحكيم.[٢٢]

وبعد شهادة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام بايع أهل العراق ابنه الإمام الحسن ابن علي عليه السلام على الخلافة، فيما أثرت الأقطار الإسلامية الأخرى على مبايعة معاوية. وبعد صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية وما نصّ عليه من شروط، أصبحت دمشق عاصمة الخلافة الأموية.[٢٣]

عمل معاوية على مزج أبناء القبائل العربية التي أتت بعد الفتح الإسلامي مع أهل البلاد الأصليين، كما قرب الكثير من المسيحيين إلى صفّه والذين كانوا أكثرية السكان. وقام بفرض نظام الوراثة في الخلافة على غرار البيزنطيين ممهداً الطريق لابنه يزيد.

توفي معاوية عام 670م فخلفه ابنه يزيد والذي قضى سنواته الثلاث في الحكم بمحاربة أخصامه، وتخلل حكمه واقعة عاشوراء في أرض كربلاء التي استشهد على أثرها ابن بنت رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام. أما عبد الملك بن مروان فأعاد القوة من جديد إلى الدولة الأموية بعد بلبلة وضعف ألم بها، فحكم بين عامي 685 و 705م، وجاء بعده الوليد بن عبد الملك الذي افتتح السند والمغرب وصولاً إلى الأندلس. وبعد الوليد عاد الوهن إلى الدولة الأموية نتيجة الانقسامات وعودة العصبية القبلية وضعف شخصية الخلفاء وسواها، في موازاة صعود نجم العباسيين الذين تميزوا بحسن التنظيم.[٢٤]

سيطرت الدولة الأموية في سورية على كافة مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية المختلفة، حتى أنّ أكثر من 99 بالمئة من السكان لم يسمعوا أو يتعرفوا على منهج أهل البيت عليهم السلام، وكانت الصورة السلبية عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام منتشرة بقوة، وما برحت الدولة الأموية في تشويه صورته وصورة أولاده المعصومين عليهم السلام، حتى أنه وقت استشهد في الكوفة، تفاجئ مسلمو سورية بأن علي ابن أبي طالب عليه السلام كان يصلي، واستشهد في المسجد!. وحتى أنّ اسمه عليه السلام ما كان يغيب عن المساجد المنتشرة من سبٍ ولعنٍ له،[٢٥] في ظلّ تكريس سياسة الكره والبغض له ولأولاده إبان وقعة الجمل وصفين، إلى عصر عمر بن عبد العزيز الذي منع سبه على المنابر.[٢٦]

سورية وسيادة الدولة العباسية

تمكن العباسيون خلال دعوتهم ضد بني أمية من جمع جميع أخصام الأمويين، ثم سيطروا على العراق وبايعوا أبا العباس "السفاح" بالخلافة، فهزم الأخير آخر خلفاء الأمويين مروان بن عمر في معركة الزاب الأكبر سنة 750م،[٢٧] فدخل العباسيون سورية وارتكبوا مذبحة شاملة في حق بني أمية الذين لم ينجُ منهم إلا عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الذي فرّ إلى الأندلس حيث أقام الدولة الأموية فيها، فتراجع موقع دمشق لمصلحة بغداد، وثار أهل السفاح على العباسيين فقمعهم بقسوة.[٢٨]

وبعد طول ازدهار ضعف نفوذ العباسيين تدريجياً، اعتباراً من العام 842م، فدانت السيطرة القبلية على التوالي للعناصر التركية والسلجوقية، ونمت الانقسامات وحركات التمرد في الولايات، لكن الخلافة بقيت ولو شكلاً للعباسيين في بغداد. اعتبر العباسيون سورية ولبنان بلاداً ينبغي عليها دفع ضرائب خاصة، نظراً لعدائها للعباسيين بناء على تاريخها الأموي، الأمر الذي تسبب في أكثر من ثورة وبالإتيان بقبائل وعناصر عربية وغير عربية موالية للعباسيين لإسكانها في بعض المدن والثغور.[٢٩]

كسب العباسيون تأييد عامّة الناس من خلال شعاراتهم المُوهِمة التي رفعوها ودعوا الناس فيها إلى «الرضا من آل محمّد» عليهم السلام، لكنّهم لمّا استتبّت لهم أمور الحكم تنكّروا لأهل البيت عليهم السلام وحاربوهم وقتلوهم، واقتضت سياستهم عدم تصحيح الانحراف العقائدي الذي خلّفه أسلافهم الأمويّون في بلاد الشام.[٣٠]

سورية في عهد الحمدانيين

ينتمي الحمدانيون إلى قبيلة تغلب الشهيرة، وقد اعتنقوا مذهب أهل البيت عليهم السلام، وقد قام العباسيون بمنحهم إمارتي الموصل وحلب. وفي حلب أسس سيف الدولة الحمداني الدولة الحمدانية عام 944م، فحاربه الإخشيديون لكنه تمكن من الاحتفاظ بالسيطرة على بعض المناطق، ولا سيما حلب وانطاكيةوحمص، فيما سيطر الإخشيديون ولاة مصر على دمشق ووسط سورية.

سيطر سيف الدولة على المنطقة الممتدة من ساحل البحر المتوسط إلى منطقة الجزيرة المحاذية لنهر الفرات وجنوباً إلى شمال بعلبك. وقد حظي بدعم من معظم القبائل فأرسى النظام في الداخل ورعى الفكر، لكن عهده تميز بالحروب الكثيرة، لا سيما مع البيزنطيين، وفي مرحلة أولى مع الاخشيديين. توفي سيف الدولة عام 967م، فتراجعت الدولة الحمدانية شيئاً فشيئاً، لا سيما مع اشتداد ضغط البيزنطيين والفاطميين الذين خلفوا الاخشيديين في مصر، حتى نجح الفاطميون في القضاء على الحمدانيين.[٣١]

بنى سيف الدولة قصراً فخماً في حلب ورمم قلعتها، وأكرم الشعراء ورجال الفكر، كالمتنبي الذي مدح سيف الدولة في أروع قصائده، والفارابي وأبو فراس الحمداني، كما أن المؤرخ الأدبي الشهير أبي فرج الأصبهاني قدم كتابه الأغاني إلى سيف الدولة.[٣٢]

يعتبر عصر الدولة الحمدانية من العصور العريقة للشيعة ومن أخصب وأمرع عهود تاريخ حياتهم، لأنهم حكموا أنفسهم بنفسهم في ظل دولة شيعية عربية موالية مجاهرة بالولاء لأهل البيت عليهم السلام رغم ما حاق بهم في تلك الآونة من نقص في النفوس وفي الأموال والأملاك بسبب صد غارات الروم وغزوات الإفرنج المتتالية من جهة، والعمل لإخماد الاضطرابات الداخلية كفتن الأكراد والبدو والخوارج من جهة ثانية.[٣٣]

الدولة الفاطمية في سورية

بعد سقوط الدولة الحمدانية في حلب عام 399هـ وقيام الدولة المرداسية محلها،[٣٤] لم تستطع هذه الدولة أن تصمد لأكثر من عشر سنوات، تعرض الشيعة خلالها لكثيرٍ من الظلم والقتل والتشريد في ظل سيادة القوي على الضعيف، وكان عبيد الله المهدي قد أسس الدولة الفاطمية وأقام المعز لدين الله الفاطمي عام 358هـ حكومةً في مصر، وخضعت لهم بلاد الشام أيضاً، فساعد ذلك في تهيئة الأرضيّة لانتشار التشيّع وموالاة أهل البيت عليهم السّلام. مما حرى بهم مساعدة الدولة الفاطمية للقضاء على حكم هذه الدولة، اعتقاداً منهم أن الخلافة حق لأبناء فاطمة عليها السلام وقد آن لهذا الحق المغتصب أن يعود لأهله، فأسرعوا إلى البيعة يتفيأون ظلال دولة شيعية، مكتفين بإعلان شعائرهم الدينية وإعلاء كلمة مذهبهم الولائي. إلا أن الفاطميين تنكروا مساعدة الشيعة لهم، ولم يقف الأمر عند هذا، بل وقام الخليفة الفاطمي بادعاء العصمة لنفسه مما لا يتفق واعتقاد أتباع أهل البيت عليهم السلام، إذ لا عصمة عندهم بعد الأنبياء والرسل لغير الأئمة الإثني عشر عليهم السلام. فانكمش الشيعة على أنفسهم وانطووا على ذواتهم تجنباً للفتن.[٣٥]

  1. وزارة السياحة السورية
  2. قاموس المعاني
  3. حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج1، ص 62- 63.
  4. Come to Syria
  5. موقع موضوع
  6. موقع سورية اليوم
  7. موقع: Syrian Expatriates
  8. الموسوعة العربية
  9. الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص 387.
  10. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص252.
  11. البلاذري، فتوح البلدان، ص 115 – 116.
  12. اليعقوبي، التاريخ، ج2، 139-140.
  13. الخياط، تاريخ خليفة ابن الخياط، ص68- 69 - اليعقوبي، التاريخ، ج2، ص145-146.
  14. اليعقوبي، التاريخ، ج2، ص141.
  15. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص257.
  16. حسن، المسلمون العلويون في مواجهة التجني، ص189.
  17. كرد علي، خطط الشام، ج6، ص252.
  18. المهاجر، التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية، ص5-6.
  19. محمد تقي، جبل عامل في التاريخ، ص24.
  20. اليعقوبي، التاريخ، ج2، ص171.
  21. الأميني، موسوعة الغدير، ج10، ص204.
  22. ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص277.
  23. الطبرسي، الإحتجاج: ج2، ص290.
  24. انظر: المغلوث، أطلس الدولة الأموية.
  25. الطويل، مختصر تاريخ العلويين، ص53.
  26. السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج6، ص728.
  27. ابن الوردي، تاريخ ابن الوردي، ج1، ص182.
  28. الخياط، تاريخ خليفة بن الخياط، ص264.
  29. انظر: المغلوث، أطلس تاريخ الدولة العباسية.
  30. المقريزي، الخطط المقريزية، ج2، ص200.
  31. جوزيف، الموسوعة العربية، ج13، ص231.
  32. انظر كتاب: ابن العديم الحلبي، زبدة الحلب من تاريخ حلب.
  33. زين الدين، التشيع، ص189.
  34. الحموي، معجم البلدان، ج2، ص102.
  35. طقوش، تاريخ الفاطميين في شمالي إفريقية ومصر وبلاد الشام، ص203-204-205.