الإلهيات

من ويكي شيعة

الإلهيات؛ عنوان للفلسفة الأولى أو ما يسمى بما رواء الطبيعة والذي يشكل أحد فروع العلوم النظرية، والذي يشتمل على المباحث العامة للوجود المشترك بين كافة الموجودات، وعلى المباحث ذات الصلة بمعرفة الله تعالى.

فروع الفلسفة النظرية

تشتمل الفلسفة النظرية – وفقاً للتصنيف الأرسطي- على ثلاثة أقسام هي الطبيعيات والرياضيات والإلهيات. والإلهيات أو الفلسفة الأولى – والتي اختصت لاحقا باسم الفلسفة- هي العلم الباحث عن الوجود بما هو وجود، ومن هنا أصبحت المنشأ والمبنى لسائر العلوم الأخرى.


الجذور التاريخية لمفردة الإلهيات

يظهر أن أول من استعمل مفردة الإلهيات في الثقافة الإسلامية هو الشيخ الرئيس ابن سينا عندما جعلها في كتابه الشفاء عنوانا للفلسفة الأولى.

نعم، استخدمت مفردة العلم الإلهي أو العلوم الإلهية للتعبير عن هذا النوع من العلوم قبل ابن سينا أيضا.[١] بل يلاحظ إطلاق عنوان الإلهي على هذا العلم في كلمات أرسطو نفسه.[٢]

مميزات الفلسفة الأولى

يرى أرسطو أن الفلسفة الأولى تمتاز عن سائر العلوم بموضوعها؛ لأن كلّ علم من العلوم الأخرى يدور حول وجود خاص وينصب بحثه على ذلك الوجود فقط، خلافا للفلسفة الأولى فان موضوعها الوجود بما هو وجود والبحث عن صفاته الذاتية التي لا تختص بوجود دون وجود.

ومن هنا كانت مباحث الفلسفة الأولى كالعلية والوحدة من الأمور العامة التي تعمّ جميع مراتب الوجود. وعليه فالفلسفة الأولى أعم العلوم واشملها، وهي التي تنقح لسائر العلوم موضوعاتها، وتقوم عليها أصول تلك العلوم الأساسية.[٣]


معرفة الله في الفلسفة الإسلامية

توسع البحث الفلسفي بجهود الفلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا ليشمل مباحث وموضوعات تتعلق بمعرفة الله وصفاته وأفعاله مع بيان العلاقة بين تلك الأبحاث والمباحث العامة لموضوع الوجود بما هو وجود.

وقد عرّف الفارابي الحكمة بالعلم بالأسباب البعيدة التي يتحقق وجود سائر الموجودات بواسطتها. وهذه الأسباب وإن كثرت إلا أنّها تنتهي في نهاية المطاف إلى وجود واحد هو علة لجميع الأسباب والمسببات وهو الله تعالى.[٤]

وقد أكّد الفارابي على أن وجود الله تعالى هو المبدأ المشترك لكافة الموجودات ويرى أنّ دراسته من لوازم البحث في العلم الكلي؛ وذلك لأنّه تعالى مبدأ الوجود المطلق لا الموجود الخاص.[٥]

الإلهيات بالمعنيين الأعم والأخص

للإلهيات اصطلاحان عام وخاص:

أما الإلهيات بالمعنى الأعم= الفلسفة الأولى، فهي الأمور العامة الّتي يبحث فيها عن الوجود والعدم وأحكام الماهيّات، والمواد الثلاث: الوجود والإمكان والامتناع، والقدم والحدوث، والعلة والمعلول، وغيرها من المسائل الّتي تبحث عن أحكام الوجود بما هو هو، أي عن مطلق الوجود.

وأما الإلهيات بالمعنى الأخص فتطلق على فرع من العلم يبحث فيه عن معرفة الله وعالم الموجودات المجردة عن المادة.

علما، أن بعض المصنفات الفلسفية حصرت عنوان العلم الإلهي أو الإلهيات بالإلهيات بالمعنى الأخص فقط.[٦]


موضوعات معرفة الله في البحث الفلسفي

استوعبت مباحث معرفة الله والإلهيات بالمعنى الأخص في الفلسفة الإسلامية مساحة كبيرة مقارنة بما سجله أرسطو في مصنفاته في هذا المجال.

فقد خاض الفلاسفة في هذا الفرع من المعرفة في براهين إثبات وجود الله وموضوعات أخرى من قبيل الخلق والعلاقة بين الخالق والمخلوق ومباحث القضاء والقدر الإلهيين ومسألة الشرور بالإضافة إلى مباحث النبوة و المعاد، والتي لم يتعرض لها أرسطو في مصنفاته.


انعكاس الأفلاطونية الحديثة على الفلسفة الإسلامية

لقد كان للأفلاطونية الحديثة الانعكاس الواضح الذي لا يمكن إنكاره على الفلاسفة الإسلاميين في مجال معرفة الله والتي ساعدتهم في تكوين نظام إلهية متكاملة، ومن نماذج ذلك نظرية الفيض الإلهي في الفلسفة الإسلامية التي تعود جذورها إلى «الاثولوجيا» مثلا.[٧]

طرح مباحث كلامية في الفلسفة الإسلامية

شاع في الفلسفة الإسلامية الخوض في مباحث كلامية خاصة في ما بعد ابن سينا وحصلت حالة من التأثير والتأثر بين الفكرين الفلسفي والكلام الإسلامي مما أدى إلى توسع تلك الأبحاث وتعميقها.

ومع التشابه في طرح المسائل من قبل الحكماء والمتكلمين الا أنّ البعض من الباحثين يذهب إلى أن الفارق والمائز بين الكلام والفلسفة يعود إلى الاختلاف في المنهج والمباني المعتمدة في البحث لدى كل من العلمين.[٨]

الهوامش

  1. راجع: جابر بن‌ حيان‌، ص100، 104؛ الكندي‌، ح1، ص112؛ الرازي‌، ص165 وما بعدها؛ الفارابي‌، «مقالة ...»، ص4- 5.
  2. راجع: كوتاس‌، ص250 ، الحاشية‌؛ أرسطو، الميتافيزيقا‌، ك‌ a1026، الأسطر‌ 32-11، وراجع كذلك ك‌ a1064، السطر، 35 ، ك ‌b1064 ، السطر 4.
  3. الميتافيزيقا‌، ك‌ a1003، الأسطر‌30-20، ك‌ b1005، الأسطر ‌14-1، ك‌ b1025، الأسطر‌ 1-10.
  4. الفارابي‌، الفصول‌...، ص 52-53.
  5. «مقالة»، ص4-5.
  6. راجع: قطب‌الدين‌، ص32-33؛ التهانوي‌، ج1، ص52 -53.
  7. راجع: لوكري‌، ص4، 265؛ وقارن مع: كوتاس‌، ص250-251.
  8. راجع: الجرجاني‌، ج1، ص40- 49؛ اللاهيجي‌، ص11- 15.

المصادر

  • ابن‌ سينا، الشفاء، الإلهيات‌، تحقيق‌ جورج‌ قنواتي‌ وسعيد زايد، القاهرة‌، 1380ق‌/1960م‌؛
  • أبو البركات‌ البغدادي‌، المعتبر فى‌ الحكمة، حيدر آباد دكن‌، 1358هـ ق‌؛
  • التهانوي‌، محمد أعلى‌، كشاف‌ اصطلاحات‌ الفنون‌، تحقيق‌ علي‌ دحرج‌، بيروت‌، 1996م‌؛
  • جابر بن‌ حيان‌، «الحدود»، مختار الرسائل‌، تحقيق‌ باول‌ كراوس‌، القاهرة‌، 1354هـ ق‌؛
  • الجرجاني‌، علي‌، شرح‌ المواقف‌، القاهرة‌، 1325هـ ق‌ /1907م‌؛
  • الرازي‌، محمد بن‌ زكريا، «من‌ كتاب‌ العلم‌ الإلهي‌»، رسائل‌ فلسفية، تحقيق باول‌ كراوس‌، القاهرة‌، 1939م‌؛
  • الفارابي‌، الفصول‌ المنتزعة، تحقيق فوزي‌ م‌. النجار، بيروت‌، 1971م‌؛
  • الفارابي، «مقالة في‌ إغراض‌ ما بعد الطبيعة»، مبادئ الفلسفة القديمة، القاهرة‌، 1328ق‌/1910م‌؛
  • قطب‌ الدين‌ الشيرازي‌، محمود، شرح‌ حكمه الإشراق‌، طهران‌، 1315هـ ق‌؛
  • الكندي‌، يعقوب‌، الرسائل‌، تحقيق‌ محمد عبد الهادي‌ أبو ريدة‌، القاهرة‌، 1369هـ ق‌/1950م‌؛
  • اللاهيجي‌، عبد الرزاق‌، شوارق‌ الإلهام‌، طهران‌، 1311هـ ق‌؛
  • لوكري‌، فضل‌، بيان‌ الحق‌، تحقيق‌ إبراهيم‌ ديباجي‌، طهران‌، 1373هـ ش‌؛

المصادر الإنجليزية

  • Etan Kohlberg, Amedieval Muslim Scholar at work: Ibn T ¤a ¦wu ¦s and his library , Leiden 1992;
  • Fuat Sezgin, Geschichte des arabischen Schrifttums , Leiden 1967-1984.

وصلات خارجية

هذا التحقيق مقتبس من مقالة الإلهيات في "دائرة المعارف الإسلامية الكبرى".